يا يوسف ابن داود

 

يا يوسف ابن داود

 

أحد البيان ليوسف (أف 3: 1-13؛ مت 1: 18-25)

 

18أمّا ميلادُ يسوعَ المسيحِ فهكذا كان. لمّا كانَتْ مريمُ أمُّه مخطوبَةً ليوسف، قبْلَ أنْ يَجتمِعا وُجدَتْ حبلى من الروحِ القدس. 19أمّا يوسفُ بعلُها، فكان بارًّا وما أرادَ أن يكشفَها، وكان ارتأى سرًّا بأن يتركَها. 20وفيما ارتأى هذه، تراءى لهُ ملاكُ الربِّ في الحلمِ وقالَ له: “يا يوسفُ بنَ داود، لا تخَفْ من أخْذِ مريمَ امرأتِك. فذلك الذي وُلدَ فيها، هو من الروحِ القدس. 21فسَتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَه يسوعَ، فهو يخلِّصُ شعبَه من خطاياهم. 22وهذا كلُّه كانَ ليَتمَّ ما قيلَ من الربِّ على يدِ النبيِّ: 23ها البتولُ تحبَلُ وتَلِدُ ابنًا، ويدعونَ اسمَه عمانوئيل الذي يُترجَمُ إلهُنا معَنا. 24ولمّا قامَ يوسفُ من نومِه، صنَعَ كما أمرَهُ ملاكُ الربِّ، وأخذَ امرأتَه، 25وما عرفَها حتّى ولَدَتِ ابنَها البكرَ ودعَتِ اسمَهُ يسوع.

*  *  *

بعد أن دخل يسوع في تاريخ المؤمنين في شخص إبراهيم وفي تاريخ ملوك الشعب الأوَّل في شخص داود، جاء إنجيل متَّى يحدِّثنا عن ظروف ميلاد يسوع: مريم حامل، حبلى من الروح القدس، هذا يعني أنَّ هذه الولادة هي ثمرة عمل الله. فلماذا يريد بعض المسيحيِّين عندنا في خطِّ أوروبيِّين أن يجعلوا الحدث بشريًّا محضًا؟ مريم حبلى مثل كلِّ امرأة. وفي أحسن الحالات، بحسب التقليد اليهوديّ، هي زنت مع جنديٍّ رومانيّ. أمّا القرآن فقال: لم يمسسها رجل. فيا ليت المسيحيِّين يفكِّرون قبل أن يكتبوا. في أيِّ حال، نحن هنا على مستوى الإيمان. فإن كنت لا تؤمن، لا تقرأ الإنجيل. فأنت تضيِّع وقتك لأنَّك تطلب أن تقرأ عن ملك من ملوك الأرض، فلن تجد ضالَّتك. ونسأل: كيف كان يوسفُ بارًّا؟

ثلاثة مستويات، المستوى اليهوديّ. رأى يوسف مريم حبلى، وذلك قبل "أن يسكنا معًا"، أن يجتمعا". إذًا، هي زانية. ويجب عليه أن يرجمها. ولكنَّه لم يفعل. ما هذه البرارة التي لا تسير بحسب الشريعة؟ إذًا ليس يوسف بارًّا على هذا المستوى.

المستوى المسيحيّ. هي زانية. لا نطلب رجمها، بل نغضُّ النظر ونطلِّقها. نحن نعرف أنَّ الطلاق ينبغي أن يكون "جهرًا". يكتب الرجلُ كتابًا: "يعطي الرجل كتاب طلاق فتطلَّق" (مت 19: 7). وإذا سُئل يوسف عن هذا الطلاق من قبل الكهنة، فماذا يقول؟ يوسف ليس بارًّا، لأنَّ الإنجيل الذي كُتب للمسيحيِّين يطلب الغفران: سواء زنى الرجل أم زنت المرأة. هناك الغفران كما فعل يسوع: "لا تعودي إلى الخطيئة" (يو 8: 11).

في هذا الخطِّ راح بعض آباء الكنيسة، خصوصًا في القرن الرابع - الخامس يوم كان يُكتب التلمود. وهنأوا يوسف لأنَّه طلب أن يستفهم أو بالأحرى لم يطلب كما قال العهد القديم. اعتبرها زانية ويجب أن تطلَّق بسرعة. وبعض الشرّاح اليوم: ما عرَّض مريم للعار. مع أنَّ هذا اللفظ غير موجود هنا، كلَّ ما نقرأ: "سرّ".

المستوى الثالث يرفعنا إلى مستوى الروح القدس. يعيش يوسف في "سرٍّ" يتعدَّى فهمه البشريّ. عرف مريم وهي العائشة في قرية صغيرة. لا يمكن أن يفكِّر دقيقة واحدة في أنَّها زانية. فالنور يشعُّ من وجهها، من حشاها. حبلها ليس من عند البشر ومن يجرؤ أن يقترب من هذه القداسة. وحين زيارة مريم لنسيبتها إليصابات، نقرأ أنَّ إليصابات دعت مريم: أمّ ربِّي. مريم أمُّ الربّ. كيريوس في اليونانيّة. يهوه في العبريّة، الربُّ الذي هو يقيم في أحشاء مريم! والطفل نفسه أحسَّ بحضوره فرقص في حشا أمِّه. إذا كان يوسف "بارًّا" فكيف لم يشعر بهذه القداسة والطهر؟

بلى. شعر وخاف. لا الخوف البشريّ من "زانية" بل الخوف الإلهيّ. كما خاف زكريَّا أمام الملاك. كذلك خاف يوسف. لستُ مستحقًّا أن أكون مع مريم. فأنا خاطئ. شابه موقفُه موقفَ بطرس أمام الصيد العجيب. يا للمعجزة! هتف: "أبعُد عنِّي يا ربّ لأنِّي رجل خاطئ" (لو 5: 8). ما أحسَّ وحده بالخوف "الإلهيّ"، بل الذين كانوا معه أيضًا. عندئذٍ انقلبت حياتهم من صيَّادي سمك إلى صيّادي بشر (آ11).

ويوسف انقلبت حياته. أراد أن يهرب. لا مجال للهرب. أراد أن يترك (يتخلَّى عن) مريم ويُبقي السرَّ في قلبه. لم يسمح له الملاك المرسَل من لدن الله. الخوف البشريّ ممنوع. وكذلك الخوف الإلهيّ. أجل "المولود هو من الروح القدس" ومطلوب منك أن تتبنَّاه، أن تدعوه "ابنك" وأن تعطيه اسمًا: يسوع. هي رسالة تسلَّمها يوسف كما تسلَّمتها مريم. كلاهما بارَّان مثل زكريّا وإليصابات. كلاهما يتفوَّقان على زكريّا وإليصابات إذ يعيشان البتوليَّة. اثناهما تكرَّسا لخدمة يسوع ويا ما أشرفها خدمة. وسوف يفهم يوسف عندما يبلغ يسوع عامه الثاني عشر بأنَّ مهمَّته انتهت: قال يسوع: يجب أن أكون في ما هو لأبي. أوكلَ الآبُ السماويّ يوسف بابنه يسوع، وها هو يسوع صار قادرًا "أن يعلِّم ويسأل" (لو 2: 46).

وحده الإيمان هو هنا. فالابن الذي تلده مريم، هو من يسمِّيه المؤمنون في زمن متَّى "عمانوئيل". الله معنا. وهم الذين سيفهمون حضوره في نهاية الإنجيل: "أنا معكم كلَّ الأيَّام وحتَّى انقضاء العالم" (مت 28: 20). أمّا يسوع فليس اسمًا عاديًّا من الأسماء في الناصرة أو في بيت لحم. هو من ينفِّذ اسمه: "يخلِّص شعبه من خطاياهم" أتؤمنون؟ إذًا، ارتفِعوا إلى البرارة السامية، الإلهيَّة. عندئذٍ تعرفون عواطف يسوع.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM