تقديم

 

كونوا في السكوت 2

    السنة الثانية

الأبوان بولس الفغاليّ وأنطوان الدويهيّ

الطبعة الأولى 2014

الرابطة الكتابيَّة

 

قبل قراءة الإنجيل، يُنشد الشمَّاس: "كونوا في السكوت". ولكنَّ المؤمنين ساكتون، فلماذا هذا النداء؟ لأنَّ هناك سكوتًا وسكوتًا. أمّا السكوت الذي تطلبه منَّا الكنيسة فهو الانفتاح على كلام الله: نسمع ونفهم، ننظر ونرى، ويكون قلبنا كلُّه استعدادًا لأن "نأكل" هذه الكلمة كما طلب من النبيّ حزقيال أن يفعل.

ها هي "السنة الثانية"من العظات التي نتأمل بها خلال أحاد السنة الطقسيَّة . نقرأ في فصل أوَّل قراءات من زمن المجيء والميلاد وزمن الدنح. في محطة ثانية ، نتأمل بالتذكارات التي تسبق زمن الصوم وصولاً إلى زمن القيامة . في محطة ثالثة ، نتوقف عند بعض الآحاد من زمن العنصرة . ونبلغ إلى المحطَّة الرابعة مع زمن الصليب حيث نستعدُّ للقاء العريس السماوي.

 

تقديم

سنة ثانية نقف بين المؤمنين، أحدًا بعد أحد وعيدًا بعد عيد. نسمع الشمَّاس يصرخ: كونوا في السكوت. هو صمت خاصّ. صمت عميق، صمت يجعلنا متأهِّبين لأن نُدخل كلمة الله في قلوبنا.

يحمل الكاهن الإنجيل ويدور به حول المذبح، إذا كان المذبح منفصلاً عن الحائط. على مثال ما يمكن أن يفعل بالقربان. فالمذبح يدلُّ على المسيح ولهذا نحن نبخِّره. في ماضينا الشرقيّ، كما هو حاضر الآن في الكنائس الشرقيَّة، لم يكن بيت القربان في الكنيسة، بل في غرفة محاذية تُدعى "السكرستيَّا". هي لفظة لاتينيَّة تعني المكان المقدَّس. فيه كنَّا نضع الجسد والدم من أجل المرضى أو القريبين من الموت.

لهذا يبخِّر الكاهن المذبح لأنَّ المذبح يدلُّ على المسيح، كما يقبِّل المذبح في بداية القدَّاس وفي نهايته، وكأنَّه يرسل قبلة إلى المسيح، على ما تنشد العروس في نشيد الأناشيد. ولكن اليوم، لا ندور بالإنجيل حول المذبح، بل نسير بعض خطوات ونعود إلى مكاننا. ويا ليتنا نعود إلى ما نراه اليوم في الكنائس البيزنطيَّة، بعد أن صارت كنائسنا واسعة: يمرُّ الإنجيل وسط المؤمنين لكي يفهموا أنَّ كلام يسوع ليس من الماضي، بل هو يتوجَّه إليهم اليوم، الآن، على ما يقول المزمور: اليوم إن أنتم سمعتم صوته فلا تقسُّوا قلوبكم. في الماضي، وفي خطِّ الكنيسة اللاتينيَّة، كان الكاهن يقول: "في ذلك الزمان..." فكأنَّنا أمام خبر قديم. أو كلام قيل ولكنَّه ضاع في غياهب الكتب.

كونوا في السكوت. قرأنا أوَّلاً من رسائل القدّيس بولس أو بعض المرَّات من أعمال الرسل. أمّا ما سبق الأناجيل والرسائل، فلا مكان له في القدَّاس عندنا. جعلناه في "صلوات الفرض" التي يمارسها عددٌ ضئيلٌ من المؤمنين. خاف أحدهم من قراءة "العهد القديم" كرامة لبعض التيَّارات، ونسيَ أنَّ الكتاب المقدَّس كلَّه موحى من الله (2 تم 3: 16). يعلِّمنا، يوبِّخنا، يقوِّم طريقنا، يؤدِّبنا. هكذا يكون رجل الله كاملاً، متأهِّبًا لكلِّ عمل صالح.

ربَّما هي عودة خفرة، وجلة، خائفة في خطِّ المجمع الفاتيكانيّ الثاني. ويبدو أنَّ اللجنة تجرَّأت واستعدَّت لأن تجعل الأناجيل تُقرأ على مدى سنتين، بحيث لا يتكرَّر المقطع الواحد كلَّ سنة. فقد كان اقتراح بأن تتوزَّع الأناجيل على ثلاث سنوات، يوم الأحد. لأنَّ الإنجيل الذي لا يُتلى في الآحاد والأعياد، يكون كأنَّه غير موجود.

وبعد الإنجيل، العظة. ويا ليتنا نعيد قراءة ما كتب إلينا البابا فرنسيس في رسالته: فرح الإنجيل. كيف يستعدُّ الكاهن للعظة. هي المناسبة الوحيدة التي فيها يتعلَّم المؤمنون ويسمعون كلام الله. لا شكَّ في أنَّ هناك السهرات الإنجيليَّة، أو حلقات الدراسة، التي تتكاثر والحمد لله، ولكن، كلُّ هذا يبقى لعدد محدود. أمّا سواد المؤمنين فلا يتعلَّم إلاَّ في العظة يوم الأحد.

ولمساعدة الكهنة، كانت النشرات العديدة، ومجلَّة حياتنا الليتورجيَّة، و"الكتاب المقدَّس، قراءة رعائيَّة"، وما أنتج هنا وهناك من اختبارات، هذا عدا الكتب التي تصل إلينا في اللغات الأجنبيَّة. ونحن بدورنا قدَّمنا "السنة الأولى". وها هي سنة ثانية، فماذا ننتظر نحن الكهنة لأن نغرف من كلِّ هذا الغنى بعد قراءة وتأمُّل في نصوص الكتاب المقدَّس؟ والويل لنا إن داننا الربُّ وذكَّرنا بكلام سفر المراثي: "طلب الأولاد خبزًا فما كان من يعطيهم". والمسيح رفض أن يمضي الناس جياعًا. أعطوهم أنتم ليأكلوا. فمن بعد الخبز هناك جوع إلى الكلمة يحرِّكها الربُّ في القلوب. كما قال النبيُّ عاموس بفم الربّ: "أجعل جوعًا على الأرض. لا جوعًا إلى الخبز ولا عطشًا إلى الماء، بل لاستماع كلمة الربّ. يجولون من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق ليطلبوا كلمة الربّ فلا يجدونها."

أعطوهم ليأكلوا! كذا قال الربُّ للرسل فأطاعوا. وهو يقول الكلام عينه. هلاَّ سمعنا!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM