يوسف بين الخوف والحيرة

 

يوسف بين الخوف والحيرة

 

قراءة من إنجيل متَّى (1: 18-25)

18أمّا ميلادُ يسوعَ المسيحِ فهكذا كان. لمّا كانَتْ مريمُ أمُّه مخطوبَةً ليوسف، فقبْلَ أنْ يَجتمِعا وُجدَتْ حبلى من الروحِ القدس. 19أمّا يوسفُ بعلُها، فكان بارًّا وما أرادَ أن يكشفَها، وكان ارتأى سرًّا بأن يطلِّقَها. 20وفيما ارتأى هذه، تراءى لهُ ملاكُ الربِّ في الحلمِ وقالَ له: “يا يوسفُ بنَ داود، لا تخَفْ من أخْذِ مريمَ امرأتِك، ذلك أنَّ الذي وُلدَ فيها، هو من الروحِ القدس. 21فسَتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَه يسوعَ، فهو يخلِّصُ شعبَه من خطاياهم. 22وهذا كلُّه كانَ ليَتمَّ ما قيلَ من الربِّ على يدِ النبيِّ: 23ها البتولُ تحبَلُ وتَلِدُ ابنًا، ويدعونَ اسمَه عمانوئيل الذي يُترجَمُ إلهُنا معَنا.

24ولمّا قامَ يوسفُ من نومِه، صنَعَ كما أمرَهُ ملاكُ الربِّ، وأخذَ امرأتَه، 25وما عرفَها حتّى ولَدَتِ ابنَها البكرَ ودعَتِ اسمَهُ يسوع.

*  *  *

عاطفتان تتجاذبان يوسف: ها مريم حُبلى قبل أن تأتي عنده إلى البيت. وقال الناس العاديُّون: مِنْ زنى حبلَتْ مريم. ووصل الكلام إلى التقليد اليهوديّ، فتحدَّث عن زنى مع جنديّ رومانيّ. وأعطيَ اسمه. امضوا. اسألوا عنه. حاكموه، عاقبوه إن شئتم. هي طريقة رفض كامل من قِبَل الشعب اليهوديّ، حيث يسوع ليس موجودًا. وإن هو وُجد ليس نبيًّا، ولا رجل الله. لهذا، إن تكلَّمنا عنه أو عن أمّه، نحدرهما إلى آخر حدود الانحدار. أمّا يوسف فلا ذكر لاسمه. لهذا تحدَّث الذهبيّ الفم عن يوسف، وجعله يحتار: هل هناك زنى؟ ولهذا خاف كما العالم الشرقيّ يخاف. من أجلِ هذا يكون قاسيًا على الزانية: يرجمها. فهل تستحقُّ مريم الرجم؟

إلى هنا وصل بنا التقليد اليهوديّ، الذي لا يريد أن ينظر إلى يسوع الذي هو المسيح وابن الله، كما قدَّم مرقس إنجيله. هل لبث يوسف هنا؟ قال الإنجيل: "كان يوسف بارًّا"، أي عاملاً بمشيئة الله. فإذا كان العهد القديم هو من يتكلَّم على هذه البرارة، فعلى يوسف أن يرجمها. عقاب الزنى هو القتل للاثنين. وبما أنَّ "الجنديّ الرومانيّ" غير معروف، تُرجَم مريم وحدها. فإن لم يفعل يوسف ذلك، لا يكون سائرًا بحسب الشريعة الموسويَّة التي ما زالت حاضرة في أيَّامنا. يزني الرجل قدر ما يشاء. يُكثر زوجاته. أمّا المرأة فلا. كم نحن بعيدون عن المسيحيَّة. قال الرسول: "لا تسلُّط للمرأة على جسدها، فهو لزوجها. وكذلك الزوج: لا سلطة له على جسده، فهو لامرأته" (1 كو 7: 4).

وبما أنَّ الإنجيل كُتب للمسيحيّين، وإنجيل متَّى دوِّن حوالي سنة 85، 90، فصارالإنجيلُ قاعدةَ حياة، فهل اعتُبر يوسف "بارًّا" بحسب الإنجيل؟ كلاّ. فالإنجيل يمنعه من تصرُّف العنف مع امرأته، ولا المرأة مع زوجها. هو الغفران على ما قال يسوع: "إذا خطئ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت 18: 15). وفي أيِّ حال، لا تُرجم المرأة إن هي زنت. فيسوع أفهم الآتين إليه "مع امرأة أُخذَتْ في زنى" وأفهموه شريعة موسى: "مثل هذه تُرجَم". فقال لهم يسوع: "من منكم بلا خطيئة (زنى)؟ وإن كان أحد بلا خطيئة، فليرمِها بأوَّل حجر. وأخذوا يخرجون. وأوَّل الخارجين كانوا "الشيوخ". في النهاية لبث يسوع وحده مع المرأة. أين هم الذين أرادوا أن يدينوا هذه المرأة ويحكموا عليها بالموت رجمًا؟ لم يبقَ أحد. عندئذٍ قال يسوع: "أنا لا أدينك، أنا لا أحكم عليك. اذهبي بسلام ولا تعودي إلى الخطيئة"(يو 8).

إذا كان يوسف أراد "أن يطلّق" مريم، لا يكون بارًّا في المفهوم المسيحيّ. فعليه أن يغفر ويساعد امرأته لئلاَّ تقع ثانية في زنى. فهو مسؤول عن امرأته، كما هي مسؤولة عن زوجها. والرسول قال أيضًا: "الرجل غير المؤمن (الخاطئ، الذي ضلَّ الطريق) يتقدَّس بالمرأة المؤمنة". وكذلك "المرأة غير المؤمنة تتقدَّس بالرجل المؤمن" (1 كو 7: 14). وما أحلاها أسرة يساند الرجل امرأته وتساعد المرأة زوجها.

وهكذا فهمنا أنَّ لفظ "بارّ" لا يدلُّ على برارة وحفظ الوصايا في العالم اليهوديّ، ولا في العالم المسيحيّ. إذًا، ماذا يعني متَّى حين يقول: "وكان يوسف بارًّا؟" يعني ذاك الذي دخل في مخطَّط الله وتخلَّى عن أقوال البشر. وما هو مخطَّط الله؟ أن يُولَد ابنه من عذراء، كما قال النبيّ: "ها إنَّ العذراء تحبل وتلد ابنًا." وأنت تعطيه اسمه بعد أن تتبنَّاه. ما هذا الأمر القاسي على المستوى البشريّ؟ لا أستطيع. هذا فوق قدرتي. ماذا تطلب يا ربّ؟ وماذا يقول الناس؟ لا شيء من كلِّ هذا. دخل يوسف في مخطَّط الله. تلك هي البرارة التي بها وُصف يوسف: "كان بارًّا".

تراجع عن "التشهير" بها والكلام عليها أمام الناس. فعزم أن "يتركها سرًّا" بحيث لا يعلم أحدٌ بما فعل. ولكن، هل هذا ممكن؟ كلاّ. فالناس عمومًا، والمسؤولون خصوصًا يطرحون السؤال: "لماذا تتركها؟ لماذا تطلّقها؟ وفي أيِّ حال، حين الطلاق، ينبغي على الرجل أن يكتب كتاب طلاق ثمَّ يطلّقها (مت 19: 8). بشريًّا، وصل يوسف إلى الحائط المسدود. فالخطأ على المرأة أوَّلاً والعاقبة الرجم. ثمَّ الخطأ عليه لأنَّه ما أراد أن يتصرَّف بحسب الشريعة. ما العمل يا ربّ؟ ها أنا على حافَّة اليأس. ماذا أفعل؟

تلك هي قراءة حرفيَّة، بشريَّة، لا تخرج من الدراسة السيكولوجيَّة العاطفيَّة،. فلا بدَّ من الارتفاع إلى مستوى اللاهوت والإيمان. كلُّ هذه القراءة أحدرت يوسف إلى مستوى أسرة عاديَّة، فقال بعض الكتَّاب: لم تكن مريم بتولاً. تزوَّجت مثل كلِّ المتزوّجين والمتزوّجات وكان لها هذا الولد. ولكن نحن هنا أمام رمز لا أمام حقيقة!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM