الإنسان الخاطئ

 

الإنسان الخاطئ

 

في كلِّ صفحة من صفحات الكتاب المقدَّس نلتقي بالخطيئة التي أسماؤها عديدة ومأخوذة من عالم العلاقات بين الناس: الإثم، المعصية، الثورة والتمرُّد، الذنب وهذا ما يجعل الإنسان مدينًا ويجب أن يدفع ما يتوجَّب عليه، أن يعوِّض. والخاطئ هو "من فعل الشرَّ قدَّام الله"، كما يقول المزمور. تجاه الصدِّيق والبارِّ يكون الشرِّير والمسيء. وقراءة الكتاب تبيِّن لنا الطبيعة الحقيقيَّة للخطيئة وشرِّها ومداها، وتعرِّفنا ما هو الإنسان الذي يسعى دومًا للابتعاد عن الله، وما هو الله المحبّ الذي تعارضه الخطيئة. هو الرحيم الرحيم الذي يتعب ويتعب لكي ينتزع الإنسان من خطاياه.

فالكتاب يكشف لنا أنَّ الإنسان الخاطئ في كيانه، لأنَّه يريد أن يصير الله. ذاك القدرة اللامحدودة، وتلك القداسة التي لا تدانيها قداسة، أتت "الحيَّة"، أتى إبليس كما يدعوه سفر الرؤيا وقبله سفرُ الحكمة، الخطيئة لا تحمل الموت، كما قيل، بل هي تعطي "معرفة" تجعلنا شبيهين بالله. الكبرياء هي أصل كلِّ الخطايا، هي الأساس. الله يفهمنا أين هو الشرُّ وأين هو الخير. أمّا الإنسان فيقلب الأمور كما قال النبيُّ إشعيا مندِّدًا: "ويل للقائلين الشرَّ خيرًا والخير شرًّا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المرَّ حلوًا والحلو مرًّا". أجل، في الخطيئة تنقلب الأمور. نترك الصواب ونبتعد عن الهدف في حياتنا وفي المجتمع. في الخطيئة نضلّ، نضيِّع الطريق وتكون النتيجة الهلاك.

الإنسان هو أخٌ لكلِّ إنسان! كلاَّ يقول قايين. فضَّل سماع صوت الخطيئة على صوت الله الذي نبَّهه: "الخطيئة رابضة عند الباب" مثل أسد يحاول ابتلاعك. يقول الكتاب: "أقام على هابيل أخيه وقتله". القتل، السرقة، الزنى، تلك خطايا عرفتها البشريَّة من زمان بعيد ولا تزال تعرفها إلى الآن. ماذا نال قايين من خطيئته؟ صار شريدًا، طريدًا. كان هو مع أخيه فصار وحده. حتّى الأرض تمرَّدت عليه، وصرخت بسبب الدم الذي سقط عليها. هل ظنَّ قايين أنَّه امتلك الأرض؟ بل هي امتلكته ونبذته نبذ النواة. ذاك ما يعلِّمنا الكتاب وبنبِّهنا من القتل.

كما نبَّهنا من الزنى، ولاسيَّما زنى الأقارب. "شرب نوح من الخمر فسكر وتعرَّى داخل خيمته. فرأى حام عورة أبيه". فاستحقَّ اللعنة وابتعاد كلِّ بركة. وأشرنا في المقدِّمة إلى زنى لوط مع ابنتيه. فإن تكلَّم الكتاب عن مثل هذا الشرِّ فلكي ينبِّه المؤمن من الوقوع فيه. الزاني يصبح عبدًا، كما قال نوح. وأهل سدوم عُرفوا بزنى الرجل مع الرجل فنالت المدينة النار والكبريت. وحين أتى إبراهيم "رأى دخان الأرض يصعد كدخان الأتون"، وهكذا صارت المدن التي حلَّ محلَّها البحرُ الميت عبرة لمن يعتبر.

وسوف تكون الشريعة قاسية في هذا المجال. "لا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة". لا تجعل مضجعك مع بهيمة. لا تقف امرأة أمام بهيمة. ويأتي الكلام بلغة ملطَّفة مع فعل "كشف" ثمَّ "عورة" أي "عري". قال سفر اللاويِّين: "لا تكشف عري أبيك أو عريَ أمِّك. لا تكشف عري أختك. لا تكشف عري ابنة ابنك... عرية عمَّتك، خالتك، عمَّك، خالك... والهدف: "كونوا قدِّيسين لأنِّي أنا قدُّوس". اتركوا عالم النجاسة، عالم الخطيئة واطلبوا عالم القداسة. والسبب: "أنا الربُّ آمرُك بهذا". ليست القضيَّة على المستوى البشريّ، بل الله هو الذي يطالب، يعاقب. "إذا عشتم في الزنى تقذفكم (تتقيَّأكم) الأرض لأنَّكم نجستموها". هذا ما حصل لقايين حين قتل أخاه. وهذا ما ينتظر الزناة في هذا العالم. وكان المثل رومة في زمن الأباطرة. وقال بولس الرسول: "لا تضلُّوا: لا الزناة ولا الفاسقون ولا المخنَّثون ولا مضاجعو الذكور، ولا السارقون ولا الطمّاعون... يرثون ملكوت الله".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM