الفصل السابع والثلاثون
المرأة الكنعانية
7: 24-30
وانتقل يسوع من هناك وجاء إلى نواحي صور... جاء إلى منطقة محاذية للجليل، منطقة بأكثرها وثنية. لماذا هذا السفر؟ هذا ما لا يقوله مرقس. لقد أراد يسوع أن لا يعرف به أحد. أتراه طلب العزلة كما فعل حين جاء وتلاميذه إلى قيصرية فيلبس؟ وقد يكون هناك هدف رسولي سنعرفه فيما بعد. فبعد 7: 1-23 وجدال يسوع مع الفريسيين والكتبة، أحسّ يسوع أن أبواب العالم اليهودي موصدة في وجهه. أترى تنفتح أمامه أبواب العالم الوثني (كما بالنسبة إلى الرسل في سفر الأعمال)؟ قال مرقس إن هذه المرأة كانت وثنية (آ 26)، فدلّ من خلال لقائها بيسوع، على بداية تبشير الوثنيين. فهم أيضاً مدعوون إلى مائدة الملكوت التي لا تمدّ فقط لامرأة وابنتها، بل لأربعة آلاف (8: 1- 10) يمثلّون العالم الوثني بأقطاره الأربعة.
1- خبز البنين
خرج يسوع من هناك. إبتعد عن العالم اليهودي متوجّهاً إلى العالم الوثني. نلاحظ أن مرقس قال: "وقام، أو بعد أن قام، ذهب من هناك". إن تبشير الوثنيين يبدأ بعد القيامة.
إنطلق يسوع إلى نواحي صور. هناك مخطوطات تقول: صور وصيدا، كما في مت 15: 21. إن صور هي التي تحدّ الجليل. والإشارة إلى صيدا تجعلنا نتذكّر مجيء إيليا إلى صرفت صيدا. سيعمل إيليا في أرض وثنية (1 مل 17: 7 ي). ومثله سيعمل يسوع. جُعل الصبي على فراش إيليا قبل أن يشفى (آ 19). ولما عادت المرأة الفينيقية إلى بيتها، وجدت الصبية على السرير.
أراد يسوع أن يكون حضوره في ذلك المكان خفياً. قال مت 15: 21 إن يسوع طلب العزلة في هذه المنطقة الوثنية. نشير هنا إلى أن عبارة "صور وصيدا" (رج مت 11: 21) هي عبارة لاهوتية أكثر منها جغرافية. إنها تدل على المناطق الوثنية. فمنذ حملت إيزابيل (إبنة إتبعل ملك الصيدونيين) ديانة البعل إلى مملكة إسرائيل (مملكة الشمال، مع ملكها آحاب)، صارت هذه المنطقة منبع العبادة الوثنية في أرض الرب.
سمّى مرقس هذه المرأة: سورية فينيقية. لا شك في أن الإنجيلي يربط هذا الحدث بالعصر الذي عاش فيه. فالتقسيمات الرومانية تحدّثت عن سورية فلسطين وسورية فينيقية، وسورية الأولى وسورية الثانية (عاصمتها أفامية أو قلعة المضيق). وسماها متى: كنعانية. إن كلمة "كنعان" دلت على مرّ التاريخ، على مناطق غير محدّدة تحديداً دقيقاً: هي أرض الموعد التي احتلتها القبائل الإسرائيلية، هي فينيقية في زمن يسوع. كنعان تقابل ما يعرف اليوم في العالم العربي بـ "فلسطين". كما تقابل الشاطىء الذي يمتدّ من عكا إلى أوغاريت (رأس شمرا). وهكذا يحدّ كنعان في الشمال "الحثيون" والذين جاؤوا بعدهم. وفي الجنوب: الفلسطيون وهم شعب جاء من جزر اليونان ليقيم في ما يسمّى المدن الخمس: غزة، جت...
مهما يكن من أمر، هذه المرأة هي وثنية. وكانت قد سمعت بأخبار يسوع. ما استطاع يسوع أن يعتزل الجموع اليهودية فلحقت به إلى البرية (6: 30 ي). ولن يستطيع أن يعتزل الجموع الوثنية التي عرفت بمكانه. إذن، لهم آذان بها يسمعون (آ 25).
عرفت بيسوع إمرأة "لها إبنة فيها روح نجس". هذه هي الطريقة اليهودية في الحديث عن المرض الذي يكون فيه دور للشيطان. ما هو مرض هذه الفتاة؟ أمرضٌ جسدي؟ ما إن خرج الشيطان حتى تكلّم الأخرس (مت 9: 33). أمرض نفسي مال بها إلى الجنون مثل متشيطن الجراسيين (5: 1 ي)؟
نجد مراراً عبارة "روح نجس". يسمّى كذلك، لأنه يتعارض مع قداسة الله وقداسة شعبه. نراه مثلاً في 1: 24 يهاجم قداسة يسوع، فيسكته يسوع. وهناك ارتباط بين المرض وتأثير الروح النجس، بين المرضى والمتشيطنين (يمتلكهم شيطان). لا نستطيع أبداً أن نميّز بين المرض ودور الشيطان. ثم إننا لا نعرف أبداً من خلال العهد الجديد طبيعة الشيطان، بل تأثيره في العالم. غير أن مجيء يسوع يضع حداً سلطان الشر. وما نجده من طرد شياطين هو باكورة الإنتصار الأخير الذي يتحدّث عنه سفر الرؤيا (20: 1-3).
جاءت هذه المرأة ووقعت على قدميه في وضع توسّل، هي امرإة وثنية (حرفياً: يونانية، أي: غير يهودية) تسجد له، على مثال يائيرس اليهودي (5: 22-23) الذي خرّ على قدميه وابتهل إليه بإلحاح. لم يذكر مرقس إلحاح هذه المرأة، بل عنادها: فهي لم تتراجع رغم كلام يسوع الذي بدا في ظاهره وكأنه يرفض طلبها.
طلبت وتوسّلت، فكان ردّ يسوع مخيّباً: "دعي الأولاد أولاً يشبعون" (آ 27). هنا نتذكّر الجموع التي شبعت في البرية (6: 42) من خبز وزّعه يسوع بسخاء على أبناء الملكوت، وذلك في أرض الجليل. فضل منه ما ملأ إثنتي عشرة سلة. ولكن لا يحق للوثنيين أن يجلسوا إلى مائدة واحدة مع اليهود. فالوثنيون هم "كلاب" في نظر اليهود، لأنهم لا يؤمنون بالله الواحد، بل يدلّون على كفرهم في شعائر عبادتهم.
كان جواب يسوع قاسياً وقد نجد له احتمالات ثلاثة. الأول، بدا يسوع منطقياً مع نفسه. فهو في مت 10: 5-6، قال: "لا تقصدوا أرضاً وثنية ولا تدخلوا مدينة سامرية، بل إذهبوا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل". الإحتمال الثاني: أراد يسوع أن يمتحن إيمان هذه المرأة. بدأ برفض وصدّ، فحاول أن يكتشف عمق هذا الإيمان وينمّيه بالمحنة. الإحتمال الثالث: إعتبر يسوع بالحقيقة أنه أرسل أولاً إلى إسرائيل. وهو لن يتوجّه إلى الوثنيين إلا بعد موته وقيامته. في هذا الإطار، نفهم بداية مقطوعة مرقس: وصل الخلاص إلى هذه المرأة الوثنية وابنتها لأن يسوع "قام"، وبعد "قيامته" جاء إلى أرض وثنية سيجد فيها باكورة "اليونانيين" أو "الوثنيين".
نلاحظ هنا بعض الإختلافات بين متى (15: 21-28) ومرقس (7: 24- 30). أولاً، في صرخة المرأة. هناك في متّى أسلوب مباشر به تتوجّه المرأة إلى يسوع مرتين. في المرة الأولى تسمّيه "السيّد (أو: الرب) وابن داود". وفي المرة الثانية: الرب (أو: السيّد). في النداء الأول، تصرخ: "إرحمني" فتلتقي مع صلوات المرضى في الإنجيل. وفي النداء الثاني، تصرخ: "أغثني، أعنّي". وكما انزعج الناس من صراخ الأعمى فأرادوا أن يمنعوه من أن يصرخ طالباً العون من يسوع. كذلك انزعج التلاميذ وقالوا: "إصرفها، فهي تصرخ في أعقابنا".
ويتميّز مرقس عن متى في جواب يسوع إلى المرأة بلفظة "أولاً". نقرأ في آ 27: "دعي الأولاد أولاً يشبعون". وفي مت 15: 24: "ما أرسلت إلاّ إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل". وفي آ 26: "لا يحسن أن يؤخذ خبز البنين ويُلقى إلى جراء الكلاب". زاد مرقس "أولاً" فدلّ على أن الإنجيل سينتقل من اليهود إلى اليونانيين، على ما قال بولس الرسول: "الإنجيل هو قوة الله لخلاص كل مؤمن، لليهودي أولاً ثم لليوناني (روم 1: 16). أجل، هناك خبز للبنين (تكثير الأرغفة الأول) وهناك خبز "للكلاب" (أي للوثنيين) (تكثير الأرغفة الثاني). أما في متى فيبدو أن رسالة يسوع لن تتعدّى العالم اليهودي لتصل إلى العالم الوثني. فهناك الخراف الضالة التي لا بدّ من الإهتمام بها: إما شعب إسرائيل كله الذي لم يدخل في مخطّط الخلاص كما قدّمه يسوع. وإما الخطأة في شعب إسرائيل (مت 18: 12-14). لن يأتي زمن الوثنيين في متى إلا بعد القيامة وإرسال التلاميذ إلى العالم كله (مت 28: 16 ي).
جواب "قاس" من قبل يسوع، ردّت عليه المرأة مطالبة بحقّ الوثنيين. لهم أن يأكلوا أقلّه من الفتات المتساقط عن المائدة. وسيأتي يوم يصبح فيه (جراء الكلاب) أبناء لله شأنهم شأن الشعب اليهودي، بل يصبحون الأولين بعد أن كانوا الآخرين، يصبحون قريبين بعد أن كانوا بعيدين. أما المرأة فيكفيها في الوقت الحاضر أن تكون من البيت.
تحدّث متى عن إيمان المرأة (15: 28). أما مرقس فدلك على عظمة الكلمة التي خرجت من قلبها. يُعتبر الوثني نجساً. ولكن قلب هذه المرأة منفتح على الله جاهز للقبول بما يقدّمه لها. قال لها يسوع: "من أجل هذه الكلمة، إذهبي". خرج الشيطان من ابنتها. مع يسوع، إنفتحت مائدة الملكوت للوثنيين، وانتهت مملكة الشيطان.
بدأ هذا الفصل المرقسي بالحديث عن الطاهر والنجس (7: 1- 23) وهكذا انقسم الناس بين عائش بحسب متطلّبات الشريعة، كالكتبة والفريسيين، ومتعدّ على فرائضها، مثل شعب الأرض، مثل هؤلاء التلاميذ الأمّيين (أع 4: 13). بين اليهود الذين ارتبطوا بالله فأعطيت لهم العهود والناموس والعبادة والمواعيد، فصاروا أبناء الله (روم 9: 4) وبين الوثنيين الذيم لم يعرفوا الله فأسلمهم الله إلى فساد الرأي (روم 1: 28)، فصاروا كالكلاب. ولكن تبيّن أن اليهود نجسون لأنهم يتعدّون الشريعة حين يمتنع الواحد منهم عن مساعدة أبيه وأمه متذرّعاً بتقاليد بشرية. وهكذا صار اليهود على مستوى الوثنيين بالنسبة إلى الخلاص الذي يحمله يسوع إلى الجميع. هذا ما يبرزه بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة. وهذا ما يوجزه مرقس حين يقول: إن يسوع جعل الأطعمة كلها طاهرة (7: 19). وبالتالي جعل الشعوب كلها طاهرة.
2- يسوع في بلاد وثنية
وبدأت سَفرة جديدة ليسوع. لقد اجتاز يسوع حدود الجليل، بل راح في العمق فوصل إلى ضواحي صيدا. ودخل أحد البيوت. قد يكون بيت رجل يهودي أو بيت رجل وثني، لا فرق. فالأرض أرض وثنية. هذا في مرقس. أما متى الذي يختلف هنا عن مرقس، فيبدو متحفّظاً بالنسبة إلى هذه النقطة. وإذ نقرأه لا نستطيع أن نعرف إذا كان يسوع عبر الحدود إلى حيث المرأة الكنعانية، أم أن المرأة هي التي عبرت الحدود وجاءت إلى داخل الأراضي اليهودية. يبدو أن الرأي الثاني هو الأصحّ. فالمرأة خرجت من منطقتها. لهذا فالترجمات العربية تبقى غير دقيقة: "تبرز" من تلك الضواحي! أو: امرأة كنعانية من تلك الجهات! أو: إمرأة كنعانية من تلك البلاد. فإن فعل "اكسرخوماي" يدلّ على خروج من مكان إلى آخر. وما يدلّ أيضاً على أن المرأة جاءت إلى منطقة يهودية هي أنها استعملت لغة اليهود (يا ابن داود). ولا ننسى أخيراً أن متى يعتبر أن يسوع حصر عمله في العالم اليهودي. هنا نفهم معنى "بروتون" (أولاً) التي أضافها مرقس، ففتح نصّ متّى أيضاً على العالم الوثني.
إذن هناك اختلاف في عرض المقدمة، واختلاف في موقف يسوع تجاه الوثنيين. ولكن يبقى واقع رئيسي هو مقاومة يسوع بادىء ذي بدء لطلب هذه الوثنية. وهذه المقاومة سيتغلّب عليها إيمان امرأة (عند متّى) أو عناد امرأة (عند مرقس) يدلّ في النهاية على إيمانها.
لماذا ذهب يسوع إلى هذه المناطق الوثنية أو التي يعتبرها اليهود وثنية؟ هناك أسباب عديدة: يريد أن يعتزل الجموع. يربد أن يبتعد من عالم يهودي يحاول أن يستغلّه في حماسه المسيحاني. يريد أن يبتعد عن هيرودس والفريسيين بعد جداله الأخير معهم (7: 1- 23). أترى الخيبة والمرارة لعبتا دورهما، فاعتبر أن مهمته انتهت في الجليل، فتوجّه إلى المناطق القريبة؟ لا يشير النص إلى وجود التلاميذ معه، لهذا لا نستطيع أن نقول إنه أراد أن يعلّم تلاميذه. هذا في الظاهر. أما في الواقع، فولْي النصّ يسير في هذا الإتجاه الأخير. أرسل يسوع تلاميذه في "العالم اليهودي" (6: 7 ي). وها هو يسير أمامهم في العالم الوثني بانتظار أن يفتح آذانهم ليسمعوا وأفواههم لتنطق (شفاء أصمّ ألكن، 7: 31 ي)، بانتظار أن يفتح عيونهم لكي ترى (أعمى بيت صيدا، 8: 22 ي).
يحدّثنا مرقس عن هذه السفرة فنظن أنها لا تحمل في طياتها رسالة، لا سيما وأن يسوع لا يريد أن يدري به إحد. "لا يُعطى خبز البنين للكلاب". ولكن الواقع سيكون غير هذا. وسيكون للوثنيين خبز (8: 1- 10) كما لليهود، فيأكلون مثلهم ويشبعون. ثم إن الأرض الوثنية عرفت شفاء الأصم الألكن وشفاء أعمى بيت صيدا اللذين يتفرّد مرقس بذكرهما.
وقد سبق هذا الإهتمام بالوثنيين منذ بداية عمل يسوع يوم جاء إليه الناس، لا من الجليل واليهودية، بل من نواحي صور وصيدا (3: 8) كما أن خبر مجنون الجراسيّين جعلنا في أرض وثنية (5: 1-20). في هذين الحدثين، لم تكن المبادرة ليسوع: فالجموع هي التي جاءت إليه. والمتشيطن هو الذي جاء إلى لقاء يسوع. أما هنا، فالمرأة أتت إليه من أجل ابنتها. وأهل المكان جاؤوه بالأصم الألكن (7: 32).
أراد يسوع العزلة فلم يحصل عليها. ولكن ستكون له عزلة من نوع آخر، هي عزلته بالنسبة إلى تلاميذه الذين لا يفهمونه. هذا ما تشدّد عليه 8: 14- 21؛ 8: 32-33... وهذا ما يرمز إليه شفاء الأصمّ الألكن وشفاء أعمى بيت صيدا.
يرى الشرّاح في خبر الكنعانية امتحان امرأة وثنية بيد يسوع وصورة عن هذا الإنتصار المرتبط بعناد الإيمان. لقد تكلّم يسوع في مواضع أخرى عن المثابرة على الصلاة وعن لجاجة الإيمان (لو 11: 5-13؛ 18: 1-8). وربط مراراً الإستجابة بالايمان. هذا من جهة، ولكن نستطيع من جهة ثانية أن نرى محنة ليسوع والتلاميذ تنقلهم من العالمي اليهودي الضيّق إلى العالم الوثني، إلى الكون كله. فالشمولية ليست أمراً بسيطاً بالنسبة إلى اليهودي، وإن نظر إلى مخطّط الله مع ما فيه من شمولية. فموضوع إختيار إسرائيل سيكون حاجزاً، وعلى التلاميذ أن يتعلّموا كيف يتجاوزون خصوصياتهم (روم 15: 8). ستعيش الكنيسة هذه الصعوبة وستجادل أورشليم بطرس حين يذهب إلى كورنيليوس، وسينعقد "مجمع" أورشليم لتُفتح الطريقُ "واسعة" أمام تبشير الوثنيين.
من ساعد يسوع وتلاميذه على تحطيم هذا الحاجز الذي يمنع وصول الإنجيل إلى الوثنيين؟ إثنان. المرأة الكنعانية وضابط كفرناحوم. رأينا هذه المرأة كيف "انتصرت" على يسوع (وفرح يسوع بهذا الإنتصار، كما فرح الملاك بانتصار يعقوب عليه، تك 2: 23 ي) بجوابها المليء بالتواضع والثقة بالله، والمليء أيضاً بحكمة جعلت باب الملكوت ينفتح أمام الوثنيين. أما قائد المئة (مت 8: 5-13؛ لا نجد ما يوازيه في مرقس؛ رج لو 7: 1-10؛ يو 4: 43-54)، فجعل يسوع يُعجب بإيمانه فيهتف: "الحق أقول لكم: ما وجدت مثل هذا الإيمان عند أحد في إسرائيل" (آ 11). بعد مثل ذا الإيمان، تبدّلت الأدوار: صار أبناء الملكوت (أي: اليهود) في الخارج، في الظلمة. أمّا الآتون من بعيد (أي الوثنيون)، الآتون من المشرق والمغرب، فيجلسون إلى المائدة في ملكوت السماوات. سيكونون نسل إبراهيم واسحق ويعقوب (مت 11:8-12).
الشخص الرئيسي في خبر الكنعانية (والضابط الرومانى) ليس يسوع، بل هذه المرأة التي جعلت الإنجيل يخطو خطوة إلى الأمام. إنها تشبه العذراء مريم في عرس قانا الجليل. طلبت مريم خمراً قبل "الساعة" المحدّدة، فأحالها يسوع إلى "الصليب"، إلى ساعة آلامه وموته. لم تتوقّف مريم ولم تتراجع، بل قالت للخدم: إفعلوا ما يأمركم به. وهكذا كانت المعجزة وفاضت الخمرة المسيحانية في عرس يسوع الذي هو العريس الحقيقي. أجل، لقد عجّلت مريم في أعراس ابنها. وهكذا فعلت الكنعانية: عجّلت في ساعة الأمم. نبّهها يسوع إلى الأولويات: يشبع البنون أولاً. لم تعارض هذا الكلام، لم تثر على هذا اللقب الذي أعطي لها: "الكلاب الصغار". أقرّت أن اليهود هم الأبناء (يو 8: 39، 41). ولكنها قالت: اللوحة التي رسمتها ناقصة. كيف تسمح أن يطلب الأطفال خبزاً فلا يجدوا من يعطيهم كسرة (مر 4: 4)؟
تعجّب يسوع أمام إيمان الكنعانية وضابط كفرناحوم. وَثنيان أبهجاه في رسالته وعجّلا في توسيع أبعاد الرسالة. قال يسوع للأولى: "من أجل قولك هذا خرج الشيطان من ابنتك" (مر 7: 29)، وقال للضابط: "إذهب، وليكن لك على قدر إيمانك" (مت 8: 13). عادت المرأة إلى بيتها فوجدت ابنتها على السرير. أما قائد المئة فشُفي خادمه في تلك الساعة. قدرة الله تعمل من بعيد، تصل إلى "البعيدين" أي أولئك الآتين من العالم الوثني