التينة التي لعنها السيّد المسيح.

 

يوم الثلثاء (لو 13: 1-5)

1وفي ذلك الزمن، أناسٌ أتَوا وقالوا لَهُ على الجليليّين، أولئكَ الذين خلطَ بيلاطسُ دماءَهم مع ذبائحِهم. فأجابَ يسوعُ وقال لهم: “أظانّون أنتم أنَّ هؤلاءِ الجليليّين كانوا خطأةً أكثرَ من الجليليّين كلِّهم بحيثُ كان لهم هكذا؟ لا. 3فأنا قائلٌ لكم: إذا أنتم كلُّكم أيضًا لا تتوبون، هكذا تَبيدون. 4أو أولئكَ الثمانيةَ عشرةَ الذين سقَطَ عليهم البِرجُ في شيلوحا وقتلَهم، أظانّون أنتم أنَّهم كانوا خطأةً أكثرَ من كلِّ الناسِ الساكنينَ في أورشليم؟ 5لا. فأنا قائلٌ لكم: إذا أنتم لا تَتوبون كلُّكم، مثلَهم تَبيدون.”

*  *  *

جاء أناس إلى يسوع. أخبروه ما عمل حاكم اليهوديَّة، بيلاطس، الذي أمرَ بمذبحة كبيرة. موتٌ نستطيع أن نقرأه اليوم في الجرائد. ونعتبر هؤلاء الناس خطأة فنالوا ما استحقُّوا. أمّا نحن فبخير لأنَّنا أبرار ولا ذنْب علينا. ذاك هو موقف الفرّيسيّين الذين يحسبون نفوسهم بدون خطيئة، بل يرون الخطيئة عند الآخرين الذين يستحقُّون كلَّ عقاب، لأنَّهم مثل الزؤان الذي يستحقُّ الحريق.

مذبحة وراءها مسؤوليَّة بشريَّة. وأضاف يسوع حادثًا حصل تحت سور أورشليم حيث لا أرادة الإنسان ولا شرّه كانا في الميزان. هل هؤلاء أيضًا خاطئون وسائر سكَّان أورشليم الذين لبثوا على قيد الحياة، هم بلا خطيئة؟ ما أراد يسوع هنا أن يعطي جوابًا لاهوتيًّا على الشرّ، بل أن يدعو الناس، بإلحاح، إلى التوبة. ما يريده يسوع هو أنْ يبدّلَ محاوروه وجهة حياتهم. هذا ما تعنيه التوبة، حيث لا نبدّل فقط أعمالنا، ولا نعود عن تصرُّفاتنا فقط، بل نغيّر عقليَّتنا ونظرتنا إلى الآخرين، فلا نحكم عليهم بسرعة ونبرّئ نفوسنا.

أمام ما يحصل، لن نتساءل على السبب، ولا نعود إلى الله الذي نعتبره "السبب الأخير"، بل نرى في كلِّ هذا تنبيهًا لنا. "إن لم تتوبوا تهلكوا جميعًا."

*  *  *

لو عرفَ الشرّير أنَّ هذا الإكرام

سيكون للشهداء المباركين بعد موتهم،

لما حثَّ الحكَّام على قتلِ الشهداء المباركين الذين قُتلوا

من أجل اسم يسوع. هللويا.

تبارك الذي عظَّم تذكاراتهم، وكرَّم أسماءهم.

 

الشهداء الذين احتقروا عذابات كلِّ الضيقات،

وقرَّبوا دمهم هديَّة للعريس السماويّ،

لأنَّهم سمعوا أنَّه قال في بشارته، وهو يعلّم:

إنَّ كلَّ من يؤمن بي لن يذوقَ الموت،

لكنَّه انتقل من الموت

إلى الحياة التي لا تزول.

 

عُلِّق ربُّنا على الخشبة، من أجل خلاصنا،

وفيه تأمَّلَ القدّيسون، فتشرَّفوا في الجهاد.

مثلَ الحملان تقرَّبوا قُدَّام الحكَّام،

ووهبوا وأسلموا أعناقهم لسيف المضطهدين.

                (ألحان للشهداء، البيت غازو المارونيّ، الجزء الثاني، ص 174-175)

 

 

يوم الأربعاء (لو 13: 6-9)            مثل التينة العقيمة

6وقالَ هذا المثل: “تينةٌ كانت لرجل، ومَنصوبةً كانَتْ في كرمِه. فأتى طالبًا فيها ثِمارًا فما وَجَد. 7فقال للفلاّح: "ها ثلاثُ سنين آتٍ أنا وطالبٌ ثمارًا في التينةِ هذه، وما أنا واجدٌ. فاقطَعْها. لماذا مُعطِّلةٌ الأرضَ هي؟" 8فقالَ له الفلاّح: "يا سيِّدي، اترُكْها أيضًا هذه السنةَ حتّى أفلَحَها وأزبِّلَها. 9فإذا صنعَتْ ثمارًا! وإلاّ في السنةِ المقبلةِ تَقطعُها."”

*  *  *

حدَّثنا كلٌّ من متَّى ومرقس عن تلك التينة التي أتى يسوع يطلب فيها ثمرًا فلم يجد. لهذا لعنها فيبست في الحال. هي صورة عن الشعب الذي يبدو جميلاً مثل شجرة بأوراق خضراء ولا نجد فيها سوى ورق. حكم مبرَم.

أمّا لوقا وهو إنجيل الخطأة، فأعطى مهلة لهذه "التينة". ومن دافع عنها؟ الفلاَّح الذي يهتمُّ بها ويسمّدها ويشذّبها. إذا كان الآب السماويّ هو الذي يأتي سنة بعد سنة، أي ثلاث سنوات من حياة يسوع البشريَّة، فيسوع هو من يدافع عن كرْمه، عن تينته. وإذا كان يسوع وصل إلى نهاية حياته على الأرض ورأى أنَّ هذه التينة تعطّل الأرض، فالكنيسة هي التي تتوسَّل إليه وتطلب منه مهلة. يقول بطرس الرسول: "الله يتأخَّر على الأشرار. يعطيهم مهلةً علَّهم يتوبون."

فالله لا يريد موت الخاطئ، كما قال في نبوءة حزقيال، بل يريده أن يتوب عن خطاياه ويحيا. وأبُّ الابن الضالّ انتظر عودة ابنه طويلاً. غيره كان يئس. أمّا هو فما لبث ينظر "إلى البعيد" إلى حيث مضى ابنه. فهو من ينتظر وينتظر ولا يعجّل.

وهو نداء إلى كلِّ واحد منَّا. نداء إلى التوبة. فالفأس هي على أصل الشجرة، كما قال المعمدان، ساعة لن يعود مكان للتوبة وتدقُّ ساعة الدينونة.

*  *  *

التينة التي لعنها السيّد المسيح

 

أدرك الربُّ يسوع أنّ شجرة معيَّنة تستحقُّ أن تصير يابسة، إذ لها الورق دون الثمر. هذه الشجرة هي مجمع اليهود... كان لديهم كلُّ كتابات الأنبياء التي لم تكن إلاَّ أوراقًا، والمسيح جائع يطلب ثمرًا فيهم فلا يجد، إذ لم يجد نفسه بينهم. فمن ليس له المسيح ليس له ثمر. من لا يتمسَّك بوحدة المسيح لا يكون له المسيح، وأيضًا من ليس له المحبَّة... اسمَعِ الرسول يقول: "وأمّا ثمر الروح فهو المحبَّة" (غل 5: 22)، مظهرًا عظمة هذا العنقود خلال هذه الثمرة.

إنَّنا نجد شجرة التين تُلعن لأنَّ لها ورق بلا ثمر. ففي بداية الجنس البشريّ إذ أخطأ آدم وحوَّاء صنعا لنفسيهما إزارين من أوراق التين (تك 3: 7). هذه التي تُشير إلى الخطايا. نتنائيل أيضًا كان تحت شجرة التين كمن هو تحت ظلّ الموت، هذا الذي رآه الربّ الذي يهتمُّ بمن قيل عنهم: "الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" (إش 9: 2).

جفَّت تينة اليهود التي رفضت أن تحمل المسيح فيها ثمرًا حيًّا، لهذا يقول الربُّ: "أوصي الغيم أن لا يُمطر عليها مطرًا" (إش 5: 9). لكن بالإيمان انطلق السيّد المسيح الجبل الحقيقيّ وانطرح في بحر الأمم، ليتحقَّق القول النبويّ: "جعلتُك نورًا للأمم لتحمل الخلاص إلى أقصى الأرض" (إش 49: 6).

القدّيس أوغسطين

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM