الصلاة المتواضعة والملحّة

رِفقة لوقا في إنجيله

الأسبوع الثاني عشر بعد العنصرة

إنجيل لوقا هو إنجيل الرحمة والانحناء على الضعفاء والمرضى والذين يهرب منهم الناس. أمّا كلام يسوع فهو: "كونوا رحومين كما أنَّ أباكم السماويّ رحيم هو."

 

 

يوم الأحد (مت 15: 21-28)

21وخرجَ يسوعُ من هناك، وأتى إلى تخومِ صورَ وصيدون. 22وها امرأةٌ كنعانيَّةٌ من تلكَ التخومِ خرجَتْ وهي صارخةٌ وقائلة: “ارحمْني يا ربُّ، يا ابنَ داود، ابنتي تُقادُ سوءًا بيدِ الشيطان.” 23أمّا هو فما أجابَها بكلمة. وقرُبَ تلاميذُه وطلبوا منه وهم قائلون: “اصرِفْها لأنَّها تصيحُ وراءَنا.” 24أمّا هو فأجابَهم وقالَ لهم: “ما أُرسلتُ إلاّ إلى الخرافِ التي ضلَّتْ من بيتِ إسرائيل.” 25أمّا هي فأتَتْ وسجدَتْ له وقالَتْ: “يا ربُّ، ساعِدْني!” 26فقالَ لها: “لا يَحسُنُ أنْ نَأخذَ خبزَ البنينِ ونَطرَحَه للكلاب!” 27أمّا هي فقالَتْ: “نعم، يا ربّ، والكلابُ آكِلةٌ من الفتاتِ المُتساقطِ من موائدِ أسيادِها، وعائشة.” 28حينئذٍ قالَ لها يسوع: “يا امرأة، عظيمٌ هو إيمانُك! يكونُ لكِ كما أردتِ.” وشُفيَتِ ابنَتُها من تلكَ الساعة.

*  *  *

عجيب هذا الحوار بين العالم اليهوديّ والعالم الوثنيّ، الكنعانيّ! اعتبر الأوَّلون أنَّهم أطهار وبالتالي لا يحقُّ لهم أن يتعاملوا مع الكنعانيّين النجسين، خصوصًا في ممارساتهم في ظلّ معابدهم. وفي بداية الكنيسة الأولى، ما كان المسيحيُّون الآتون من العالم اليونانيّ يجلسون للطعام مع الآتين من العالم اليهوديّ. ونتذكَّر هنا ما حصل في أنطاكية (غل 2: 11ي).

فلا بدَّ من كسر الحواجز. وها هي هذه المرأة العائشة في نواحي صور وصيدا. مرَّة أولى أتت إلى يسوع من أجل ابنتها المريضة. ما أجابها يسوع. تظاهر أنَّه لم يسمعها. وتدخَّل الرسل لأنَّها تزعجهم. ما أرادوا أن يساعدوها. فتوسَّلت مرَّة ثانية. وجاء جواب الربّ: أُرسلتُ فقط إلى الخراف الضالَّة من آل إسرائيل. هل تراجعت؟ كلاّ. هي ليست من الأبناء، بل من "صغار الكلاب". هي من الخارج. تنتظر أن يشبه الذين في الداخل. أنا وأنت وكلُّ واحد يحسُّ بالجرح. أمّا المرأة فواصلت الهجوم بتواضع: "أنا مستعدَّة أن آكل الفتات المتساقط عن موائد الأبناء."

تغلَّبت على يسوع، وعلى التلاميذ، وفتحت الطريق أمام العالم الوثنيّ لكي يجلس بلا تأخير إلى مائدة الملكوت. رأى يسوع إيمانها فقال لها: "ليكن لك ما تريدين." عمل إرادتها، مشيئتها. ما أعظم الربَّ في تصرُّفه هكذا!

*  *  *

الصلاة المتواضعة والملحّة

وإذا بامرأة كنعانيَّة تقتربُ من يسوع وترجوه بصوتٍ عالٍ كي يُنقذ ابنتها التي يسكنها الشيطان... إنَّ هذه المرأة الغريبة، والتي كانت تُعتبر من البربر في حينه حيث لا تربطها بالمجتمع اليهوديّ أيُّ صلة، ألم تكن (حسب التقليد اليهوديّ في حينه) غير مجرَّد امرأة حقيرة لا تستحقُّ أن تحصل على ما كانت تطلب؟ وقال لها الربُّ يسوع: "لا يحسنُ أن يُؤخَذ خبزُ البنين، فيُلقى إلى صغار الكلاب." غير أنَّها استحقَّت أن يُستجاب لها، من خلال مثابرتها على الصلاة.

تلك التي لم تكن سوى مجرَّد امرأة حقيرة، رفعها الربُّ يسوع لتبلغَ نبلَ الأطفال؛ لا بل أكثر من ذلك، فقد غمرها بالمديح. وقال لها عندما صرفَها: "ما أعظمَ إيمانَك أيَّتها المرأة، فليكن لك ما تريدين" (مت 15: 28). عندما نسمع الربَّ يسوع المسيح يقول: "ما أعظمَ إيمانَك"، لن يكون علينا أن نبحثَ عن دليل آخر على نبْلِ هذه المرأة. انظرْ كيف محَتْ "عدم استحقاقها" من خلال مثابرتها. ولاحظْ أيضًا أنَّنا نحصل من الربّ عبر صلاتنا الشخصيَّة أكثر ممّا نحصل عليه عبر صلاة الآخرين من أجلنا.

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (345-407)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM