الفصل الرابع والثلاثون يسوع يمشي على البحر

الفصل الرابع والثلاثون
يسوع يمشي على البحر
6: 45- 52

لم يورد لوقا هذا الحدث، فانتقل من تكثير الأرغفة (التي تبدو بشكل ذروة) إلى اعتراف بطرس، ثم الانباء بالآلام والتجلّي. أما عند متى وعند مرقس فارتبطت معجزة السير على المياه بمعجزة الخبز ارتباطاً وثيقاً. وفوق ذلك نجد عند متى حدث بطرس الذي مشى على المياه. غير ان التوازي بين مت 14: 27 ومر 6: 50 ثم مت 14: 32 ومر 6: 51، يجعلنا نرى في حدث المسيرة على المياه قاطعة تُقحم في الخبر كله. ويلفت النظر أيضاً ان المعجزتين ارتبطتا أيضاً عند يوحنا (6: 1- 21). ثم إن لغة يوحنا قريبة جداً من لغة مرقس. وهذا ما يبيّن مرة أخرى أن إنجيل يوحنا قريب من إنجيل مرقس.
إضطرّ يسوع تلاميذه إلى الإنطلاق، وهو صعد إلى الجبل ليصلّي مثل موسى. فالسفينة (أي الكنيسة) تواجه البحر والرياح (أي: عالم الشر). هي في خطر. وكما صلّى موسى في حرب عماليق (يدلّ على عالم الشر) فانتصر شعبه (خر 8:17- 13). هكذا ستنتصر كنيسة يسوع ويهدأ البحر.

1- خوف وقلوب عمياء
فجأة أراد يسوع أن يبتعد عن تلاميذه، مع أنه سبق وطلب منهم أن يشاركوه في رسالته. هم يريدون أن يبقوا معه، وأن تبقى الجموع هنا. فالجوّ جو عيد. حسنٌ لهم أن يبقوا مع يسوع في هذه النشوة (رج 9: 5 وكلمة بطرس). ولكن يسوع لا يسمح لهم بذلك، بل يضطرّهم إلى الصعود إلى القارب ليسبقوه الى الضفة المقابلة. إضطرهم أن يجابهوا البحر والرياح دون خوف. وذهب هو يصلّي. نرى يسوع ثلاث مرات يصلّي عند مرقس. في مرة أولى (35:1) هناك خطر الانغلاق على عالم الجليل، خطر الغرق في المعجزات من شفاء مرضى وطرد شياطين، خطر الانجراف في حماس الجموع على حساب الكرازة بكلمة الله. في مرة ثانية (46:6)، هناك خطر مسيحانية زمنية لا تمرّ عبر الآلام والموت. وهناك مرة ثالثة في جتسيماني (32:14 ي) حيث نجد التجربة الكبرى التي انتهت بكلمة يسوع: "لا كما أنا أريد، بل كما أنت تريد".
أرسلهم يسوع إلى العبر. هذه الإشارة الغامضة لا تتيح لنا أن نحدّد موقع تكثير الأرغفة. ولكننا نعرف أين نزل التلاميذ: في بيت صيدا، وهي مدينة تقع شرقي نهر الأردن، عند مصبّه في بحيرة طبرية. وهناك سيكون التلاميذ في 8: 22 بعد دورة طويلة عبر صور وصيدا (7: 24) والدكابوليس (7: 31: المدن العشر). ولكن يظهر من النصّ أن السفينة لم تصل إلى بيت صيدا، بل إلى جناسرت (53:6) إلى الجنوب الغربي من كفرناحوم. أترى يسوع حوّل وجهة البحيرة؟ سنعود إلى هذه القضية فيما بعد، فنفهم أن هناك عدم تماسك على مستوى الجغرافية بسبب تنوعّ المصادر التي استعملها الكاتب. ولكن أليس هناك معنى آخر؟ أراد التلاميذ أن يعودوا إلى بيت صيدا، فأرسلهم يسوع إلى الجهة المعاكسة.
إن أمر يسوع انتزع التلاميذ من وضع عاشوه، فأرسلهم وحدهم على البحيرة. أراد أن يمنعهم من التعلّق بواقع عجيب شهدوه وعملوا فيه. إنهم يشبهون بولس الذي يحاول أن يأخذ هذا الطريق أو ذاك قبل أن يفرض عليه الروح (من خلال الأمور البشرية) ان يذهب إلى مكدونية ماراً في البحر (أع 6:16- 11).
في الوقت ذاته، صرف يسوع الجموع. بل جعل مسافة بينه وبينها حين صعد إلى الجبل (آ 46؛ رج 13:3؛ 9: 2) الذي هو موضع الوحي الالهي، موضع الحياة الحميمة مع الله. ذهب إلى هناك ليصلّي. خلق فراغاً حوله فأبعد الناس وحماسهم الطالب بأن يقيموه ملكاً. وامّحى أمام أبيه في خطّ عبدالله المتألم الذي سيهيّىء تلاميذه للصعود معه إلى "أورشليم".
بقي يسوع وحده على الأرض. وترك التلاميذ يتخبّطون مع الريح المعاكسة والبحر المموّج. كان وقت المساء، كما خلال حدث تسكين العاصفة (4: 35). وكما ساعة توافد الناس إلى باب (أو: ساحة) المدينة، حاملين إليه مرضاهم. والمساء هو وقت تأسيس العشاء السرّي (17:14: ولما كان المساء جاء مع تلاميذه...). سيذكره تلميذا عماوس (المساء اقترب، لو 29:24) فيتذكّر يسوع ما عمل ليلة الجمعة (أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما). والمساء هو ساعة زمن يسوع (42:15: اقترب المساء فجاء يوسف الرامي). إرتبط المساء بتجمّع الناس وذهاب يسوع. وهكذا مثّل يسوع مسبقاً امحاءه في الموت وعودته إلى أصحابه كما في صباح القيامة.
في الهجعة الرابعة من الليل. أي بين الساعة الثالثة والساعة السادسة صباحاً، ساعة اقتراب الفجر. جاء يسوع نحو تلاميذه "ماشياً على المياه". إن العهد القديم قد انشد بطريقة شعرية عبور الشعب العبراني بحر القصب (خر 14- 15) وعبور الأردن (يش 3- 4) كما على أرض يابسة، انشدوه (وكأنهم رأوه) على أنه مسيرة الله على المياه. قال الرب: "فتحتُ في الأرض طريقاً وفى المياه العاتية مسكناً" (أش 16:43)، وقال المرتل: "في البحر طريّقك يا الله، وفي المياه الغزيرة سبلك" (مز 77: 20). هذه الصورة قد استعادتها أسفار الحكمة (أي 9: 8: يدوس أمواج البحر؛ 38: 16: مشيت في أعماق الهاوية؛ سي 24: 5). فالله يسود على الامواج ويُسكن عتوّها (مز 8:65؛ 17:77؛ 79: 10؛ 93: 4؛ 107: 28- 29).
مشى يسوع على البحر فدلّ على أنه سيد البحر. ظهر على التلاميذ الخائفين، فظنوه شبحاً وخافوا. لم يزل إيمانهم ضعيفاً. ظلوا على مستوى "الخيال" ولم يصلوا إلى مستوى الواقع الذي يقدّمه يسوع بشكل غير عادي، بشكل إلهي. لقد نظروا فقط بعيون الجسد. إنهم يشبهون مريم المجدلية عند القبر بعد القيامة. حسبت أن يسوع هو "البستاني". هكذا ظنته. ولكنها انتقلت إلى الإيمان عند سماع صوته (يو 25:20- 16. لم تنظر مريم. فلو نظرت...). ويشبهون تلميذي عماوس اللذين حسباه "غريباً عن أورشليم". سيطر عليهما الحزن فلم ينظرا إلى ذاك القريب منهما (لو 17:24- 18).
يشدّد متى في النص الموازي على الخطر الذي منه نجّى يسوع الراكبين في السفينة، كما شدّد على خبرة بطرس (14: 23- 33). أما مرقس فلم يشدّد على الخطر المحدق بالتلاميذ، بقدر ما شدّد على الظهور التيوفاني الذي تشكّله عودة يسوع إلى أخصّائه (هنا فعل "جاء" يدل على مجيء يسوع في الليتورجيا، ماراناتا، وفي النهاية).
تظاهر يسوع أنه يتجاوزهم (هذا ما فعل مع تلميذي عماوس، لو 28:24: تظاهر أنه ذاهب إلى مكان بعيد). فعل مثل مجد الله الذي لامس موسى في سيناء (خر 33: 19- 23؛ 6:34 حسب السبعينية) أو اقترب من إيليا (1 مل 9:9- 13: عبر الرب). وجاءت كلمة وجّهها يسوع إليهم: "إطمئنّوا، أنا هو، لا تخافوا" (آ 50). إنها نداء يرافق كل وحي إلهي. بل يدلّ على حضور الله في هذا الشخص الآتي الى التلاميذ. لم يكن موسى ولا إيليا أفضل من التلاميذ الذين يستطيعون أن يقولوا كما قال الرسل لتوما بعد القيامة: "رأينا الرب" (يو 20؛ 25).
يرى مرقس أن الكيان الالهي في يسوع قد كشف عن ذاته من خلال هذا الخبر. عند المساء، وفي الليل، عبارتان تدلاّن على غياب يسوع بين موته وقيامته، على غياب يسوع في زمن الكنيسة. ظنّ "التلاميذ" وكنيسة رومة (حيث كتب مرقس) أن المسيح القائم من الموت هو غائب. كلا، بل هو حاضر. بل إن حضوره يسبقه وسط الصعوبات التي يدلّ عليها البحر والرياح.
وتأتي خاتمة مرقس فتدهشنا: دلّ التلاميذ على حيرة، على دهشة، على ضياع كبير. حرفياً: كانوا خارج نفوسهم بشكل مفرط (51:6). ويكمن سبب هذا الاضطراب في عدم فهمهم "أمر الأرغفة" (آ 52). إذن، يرى مرقس علاقة وثيقة بين خبر الجموع التي شبعت وخبر ظهور يسوع على البحر (لم يقل مرقس البحيرة، بل البحر. ليدل على أنه موطن الشرّ). لم يُرجعوا ما يعيشونه إلى شخص يسوع الذي لم يروا فيه لعد مفتاح الأمثال. إنهم عميان، شأنهم شأن الفريسيين الذين لامهم المعلّم اللوم عينه (3: 5). فإذا أرادوا (وأردنا نحن) أن يفهموا أن يسوع لن يغيب بعد من حياتهم بعد أن جعل نفسه طعاماً لأحبّائه، عليهم أن يلجوا البعد الافخارستي لعطية الخبز في البرية. أن يلجوا الحضور الشامل للذي انتصر على الموت كما هدّأ ضجيج الأمواج.
لامهم يسوع، فكان لومه دعوة لكي يكتشفوا المعنى العميق لشخصه ولحضوره في وسطهم.
بعد هذه النظرة الروحية الشاملة، نحاول أن نحلّل النص في إطاره الأدبي وفي علاقته بالإنجيل كله.

2- مكانة المقطوعة في السياق
إن السير على المياه في إنجيل مرقس يقع حالاً بعد أول معجزة لتكثير الأرغفة (6: 34- 44). ويتبعها النزول على البرّ في جنسارت وخبر الأشفية التي اجترحها يسوع في ذاك المكان (6: 53- 56). ولكن هل هذا السياق الحالي يعود إلى التقليد الذي نقل مختلف الأحداث حسب هذا الترتيب أم لا؟ هناك من يجيب بالايجاب. وهناك آخرون يفترضون، أقلّه ضمنياً، أن مرقس يورد الوقائع حسب تواليها التاريخي.
هناك برهان يتحدّث عن علاقة أصيلة بين تكثير الأرغفة والمشي على المياه. هذا ما نجده في يو 6: 1- 21 وفي مت 14: 15- 33 ومر 6: 35- 52 حيث ترد الظاهرة بعد الأخرى. في هذا الإطار، يشرح صعود التلاميذ إلى السفينة (بعد أن أجبرهم يسوع) حسب مر 6: 45 على أنه اهتمام بتجنيبهم عدوى المسيحانية الخاطئة لدى الجموع (يو 6: 15: يستعدون لاختطافه وجعله ملكاً). وشيوع نفسه ابتعد عن الجموع ورجع وحده إلى الجبل لهذا السبب عينه. غير أننا لا نجد عند مرقس أي حماس مسيحاني لدى الجموع (كما في يو 15:6. ثم إن التلاميذ هم الذين اتخذوا المبادرة في يو 6: 16، ويسوع لم يكرههم على ذلك).
في مر 45:6، اضطرّ يسوع تلاميذه أن يسبقوه إلى شاطىء بيت صيدا. ولكن 32:6 تحدثنا عن مكان منعزل و6 :53 عن جنسارت. وهناك من يجعل تكثير الأرغفة يتمّ على الشاطىء الشرقي لبحيرة جنسارت، في مكان منعزل وصل إليه يسوع في السفينة حسب 32:6. ولكن كيف يتحدّث 45:6 عن عبور للبحيرة شطر بيت صيدا التي تقع على الضفة الشرقية عينها؟ هناك توافق لدى الشرّاح يقول إن الخبر الإنجيلي يشير إلى "بيت صيدا جوليا" الواقعة شمالي البحيرة وشرقي الأردن، قرب الموضع الذي فيه يصبّ النهر في البحيرة.
حسب مر 45:6؛ أبحر التلاميذ إلى بيت صيدا فوصلوا إلى الجهة المعاكسة، وصلوا إلى شاطىء جنسارت. إن نص متى (14: 22) الموازي ألغى الصعوبة فحذف "شطر بيت صيدا". وعمل النسّاخ في المخطوطات فقالوا "من بيت صيدا"، لا "إلى بيت صيدا". ولكن الصعوبة تزول حين نعرف أن تكثير الأرغفة والسير على المياه لم يردا الواحد بعد الآخر، بل كانا منفصلين في الأصل.
أ- النقد النصوصي في آ 45
هناك من يستند إلى الاختلافات النصوصية فيكوّن في 45:6 نصاً أصيلاً لا يتضمن التعارضات التي أشرنا إليها. بعضهم استند إلى بردية 45 وشهود آخرين فأزال من النصّ "إلى العبر" (هي إضافة مأخوذة من مت 14: 22). أما فاغاني فقدّم دراسة طويلة طلب فيها إلغاء "بيت صيدا" و"إلى العبرة. ولكن عبارة "إلى العبر" ترافق فكرة الصعود إلى السفينة.
- في 35:4: في 4: 1 يقال أن يسوع ركب القارب. وبعد الخطبة في الأمثال، قال: لنعبر إلى الشاطىء... فساروا بيسوع في القارب...
- في 5: 1: على أثر هذا العبور وصلوا إلى شاطىء البحر.
- في 5: 21: إن العبور إلى الشاطىء تبع ركوب القارب المذكور في 18:5 (وبينما هو يركب القارب).
- في 8: 13، نقرأ: وتركهم ورجع في القارب الى الشاطىء.
لا نجد هذه العبارة في 6: 32، 53؛ 8: 10. ولكننا أمام عبور من الشرق إلى الغرب. فمرقس يروي صعوداً إلى المركب باتجاه الشاطىء. فالعبور يتم من الغرب إلى الشرق.
في 4: 35 و5: 1: نحو بلاد الجراسيين.
في 45:6: نحو بيت صيدا.
في 13:8: نحو بيت صيدا أيضاً. بعد جدال آ 14- 21، وصلوا إلى بيت صيدا.
أما في 5: 21 فالعبور يتم من الشرق إلى الغرب.
ب- الرباط التقليدي بين معجزة الأرغفة والمشي على المياه
عدنا إلى النصوص فتأكّدنا ان "إلى الشاطىء المقابل" (أو: إلى العبر) هي أصيلة. وهكذا نعود إلى مسألة الرباط التقليدي بين معجزة الأرغفة والمشي على المياه. هناك من اقترح: إن التلاميذ ساروا بمحاذاة الشاطىء لا إلى الجهة المقابلة. ولكن معنى حرف الجرّ واضح. والبعض الآخر: لا "إلى بيت صيدا"، بل "تجاه بيت صيدا". ولكننا لا نجد هذا المعنى في العهد الجديد. وتبقى الصعوبة: انطلقوا نحو بيت صيدا فوصلوا في الجهة المعاكسة: في جنسارت. قال بعضهم: أضلّت السفينة هدفها، ولكن يسوع الذي سار على المياه وسيطر على هيجان البحر، أتراه لم يستطع أن يجعل السفينة تصل إلى "المرفأ الأمين"؟ أتراه لم يستطع أن يقنع التلاميذ بان يتبعوه، فساروا في الطريق المعاكسة. تجاوزهم، سار أمامهم. أما هم فلم يصلوا إلى بيت صيدا، بل إلى جنسارت.
واقترح شميدت أن تكون معجزة الأرغفة قد حصلت غربي البحيرة لا شرقيها. وقد حدثت عند شاطىء البحيرة. هنا يقف شميدت بوجه مجمل الشرّاح. ومهما يكن من أمر، إن مرقس يريد في 6: 54- 56 أن يصوّر توافد الجموع وتراصّها حول يسوع. هو لم يهتمّ بالظروف الطوبوغرافية التي تجعل المشهد معقولاً في شرقي البحيرة أو في غربيها. ويبقى أن النزول في جنسارت يبقى غير معقول. وهذا ما يقرّ به شميدت نفسه.
ج- خبر تقليد ووصلة تدوينية
ينتج عن هذا التواجه بين الآراء المتضاربة، أن لا وجود لبراهين تدل دلالة يقينة على الرباط الأساسي بين السير على المياه ومعجزة الخبز الأولى. بل يستحيل علينا أن نفهم الصعود إلى القارب، شطر بيت صيدا، وفي الوقت عينه نحدّد موقع تكثير الأرغفة في الجهة الشرقية من البحيرة، أي من جهة بيت صيدا، كما نقول إن النزول تم في جنسارت، أي في الجهة المقابلة لبيت صيدا. هذا يعني أن 45:6- 51 لم يتبع في الأصل معجزة تكثير الأرغفة.
وكانت اقتراحات. تحدّث غروندمان عن دمج نجي 6: 45- 46 بين خاتمة الخبر السابق وبداية الخبر اللاحق. واعتبر هانشن أنه لا يمكن ان تكون الجموع سارت للقاء يسوع خلال الليل وبعد تكثير الأرغفة. أما لوهماير فميّز بين "ابيفانيا" (ظهور) يسوع على المياه وخبر تسكين العاصفة. في االأصل كانا خبرين مستقلين ثم دُمجا. وتداخلت في آ 45- 46 مقدّمتا الخبرين.
يرى معظم الشرّاح أن آ 52 هي خاتمة نموذجية لدى الإنجيلي، الذي حاول أن يربط بين السير على المياه وتكثير الأرغفة. ولسنا أم أمر إلى التلاميذ في أسلوب غير مباشر: إضطرهم أن يركبوا السفينة ويسبقوه ففعلوا.
يبقى أن 6: 45 تستعيد آ 36 وإطلاق الجموع. ثم إن آ 47 (ولما كان المساء...) لا تتوافق مع آ 35 (كانت الساعة قد فاتت).
يعتبر بولتمان أن مرقس قد دوّن آ 45- 46 ليربط بين الحدثين وبين سبب انفصال يسوع عن تلاميذه. عليه أن يطلق الجموع. هو يريد أن يصلّي وحده. السبب الأول هو تدويني ويربط ولْي الخبر بالآيات 34- 44. ولكن لماذا حضور التلميذ يزعج مشروع إطلاق الجمع؟ هذا ما لا نجد له جواباً.
د- النتيجة
نبدأ فنقول (بشيء من المعقولية) إن تكثير الأرغفة والمشي على المياه حدثان وُجدا مستقلين في التقليد قبل أن يُربطا في نص مرقس الحالي. وهكذا نعطي بعض الحل لمواضع متضاربة في آ 45 وآ 53. ثم، إذا كان موقع تكثير الأرغفة الأول هو في الشاطىء الشرقي، وإذا كانت آ 32 تدل على عبور في هذا الاتجاه، نفهم الطابع غير العادي لركوب القارب إلى العبر شطر بيت صيدا. ومن الجهة الزمنية، نفهم أيضاً أنه حسب مر 6: 35 كان الوقت قد فات (كانت الساعة متقدمة). وأن التلاميذ كانوا في البحر مع حلول الليل. كل هذا النقص في التنسيق يعود إلى تجاور عناصر كانت في البدء متمايزة. يبدو أن الإنجيلي هو الذي جمع المقطوعتين. وإن آ 52 التي تنسب إليه، تحاول أن تربط بين المعجزيتن.
وفي قلب الخبر تدخل مرض في آ 45 مع العبارة "ريثما يصرف الجمع"، التي ترتبط بالحدث السابق وتستلهم آ 36 حيث قالت التلاميذ ليسوع: إصرفهم. فالطابع المصطنع لهذه الوصلة واضح: لماذا يجب على يسوع أن يُطلق الجموع؟ لماذا يزعجه حضور التلاميذ في هذا العمل؟ ثم إن يسوع لم ينضمّ إلى التلاميذ بعد أن أطلق الجموع. في الخبر الأول، إنفصل يسوع عن تلاميذه لأنه أراد أن يصلي وحده على الجبل، ثم يأتي إليهم ماشياً على الماء. ويضاف إلى هذا السبب الضروري لولْي النص، إطلاق الجموع. نقرأ في آ 45: "ريثما يصرف الجمع . وفي آ 46: لما ودّعهم. يعود الضمير في الأصل إلى الجموع كما هو واضح من مت 23:14 (ولما صرف الجموع). ولكن فعل "ودّع" يفهم عن التلاميذ، لا عن الجموع.
هنا نودّ أن نشير إلى أن تحديد المواقع عند مرقس هو غامض وتقريبي. فالإجمالة العجائبية في 3: 7- 12 تحصل "قرب البحر" (أين؟). وإجمالة 1: 32- 34 ترتبط بشفاء حماة بطرس (29:1- 31) الذي تمّ في بيت سمعان واندراوس (1: 9). وهنا أيضاً "يعمّم" مرقس مباشرة بعد نشاط يسوع العجائبي. فنتساءل: أما استفاد من النبذة التدوينية عن جناسرت في 53:6، لكي يحدّد موقع إجمالة آ 54- 56؟
مهما يكن من أمر، إن آ 53 ارتبطت مع آ 44، فوجدت تثبيتاً لها في أن العودة إلى جناسرت تُفهم فهماً أفضل إذا كانت معجزة الخبر الأولى قد جرت على الشاطىء الشرقي. فهناك، في أرض وثنية يتحدّد موقع معجزة الخبز الثانية. فلن نجد مواقع محدّدة بعد شفاء الأصم الألكن في الدكابوليس (7: 31 ي). والوصول إلى منطقة دلمانوثا واللقاء مع الفريسيين، يدلاّن على عودة إلى الجليل، يعني إلى غربي البحيرة (هذا من منظار أهل الجليل). وبعد الجدال، كان انطلاق جديد إلى العبر (8: 13) ووصولا إلى بيت صيدا (8: 22) أي شرقي البحيرة.
بعد هذا، لا نقرأ عند مرقس في بداية معجزة الخبز الأولى، أية إشارة طوبوغرافية تقابل ما في يو 6: 1 (عبر بحر الجليل وهو بحيرة طبرية) وتجعل المشهد يحصل بوضوح على الشاطىء الشرقي للبحيرة. فبعد أن مز يسوع في الناصرة (6: 1) سار في القرى المحيطة (6: 6 ب). وإيفادُ الرسل وذكرُ هيرودس وخبرُ مقتل يوحنا، كل هذا يرتبط ظاهراً بذات السياق الجليلي. حينذاك، وبعد أن رجع التلاميذ، أورد 6: 32 إنتقالاً إلى "موضع مقفر، على إنفراد". هل نحن في موضع على الشاطىء الشرقي؟ لا يقول متى ولا مرض بوضوح أن يسوع انتقل إلى عبر البحيرة. في أي حال، لا نستطيع أن نستند إلى آ 32 لنحدّد موقع تكثير الأرغفة. فبين 6: 33- 34، اللحمة هي تدوينية والموازاة مع معجزة الخبز الثانية حيث 8: 1- 2 أ يوافق 6: 34، تثبت أن معجزة الخبز الأولى تبدأ في هذه الآية. وهكذا يبدو أن 6: 30- 33 قد صاغها الإنجيلي بشكل انتقالة بين النصّ السابق وتكثير الأرغفة.
فبعد وقفة مر 6: 14- 29 والوقت الفاصل بين ذهاب التلاميذ وعودتهم، تشكل آ 30 (واجتمع الرسل) تضميناً مع آ 12- 13 (فخرجوا يدعون الناس). إن فعل "اجتمع" يرد خمس مرات عند مرقس (2: 2؛ 4: 1؛ 5: 21؛ 6: 30؛ 7: 1) في مقدمات تدوينية تسبق المقطوعات. أمّا آ 31- 33 فتقدّم "مسرحاً" ضرورياً لتكثير الأرغفة: تترابط العناصر بشكل مصطنع. فالكاتب يستقي كما في 7:3، 12، أموراً من السرد الذي يلي: المكان المقفر (آ 35)، الجمهور الكبير (آ 34). السفينة (آ 45)، فعل "فاغاين" (أكل) (آ 36، 37، 42، 44)، عبارة "على إنفراد" في آ 31، 32، و"إلى مكان مقفر" (رج 1: 45).
إن آ 33 تشبه شبهاً لافتاً آ 54- 56. وآ 31 تعنينا لأنها تتحدّث عن إنطلاق في السفينة. أعطى يسوع أمراً في آ 31، فنفّذ حالاً. إن السفينة (كما في 9:3 و4: 1) تجعل مسافة بين يسوع وتلاميذه من جهة، وبين الجموع من جهة أخرى. وبما أن ركوب القارب تبعه تكثير الخبز، فقد حدّده المدوّن في الشاطىء الشرقي بعد عبور من الشاطىء الغربي حيث التلاميذ مع يسوع. لكن عبارة "إلى الشاطىء المقابل" ليست موجودة هنا. غير أن الإنجيلي لم يميّز بين عبور من شاطىء، وبين مسيرة بمحاذاة الشاطىء كما قال شميدت. إذن، قد يشير مرقس إلى إنطلاق نحو الضفة الشرقية للبحيرة، فتدل آ 53 حينئذاك على عودة التلاميذ إلى الضفة الغربية بعد تكثير الأرغفة.

2- خاتمة المقطوعة (آ 51 ب- 52)
أ- أنا هو
هاتان الآيتان ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بمقاطع أخرى فيها يتوسّع مرقس في موضوع "لا فهم" التلاميذ. ولكن قبل التوقّف عند هذه المقاطع، نتوقّف عند نظرة الإنجيلي إلى مخافة التلاميذ تجاه يسوع.
هذا ما تتحدّث عنه آ 49- 50 خلال السير على المياه. إذا حصرنا ذواتنا في السياق المحدّد، نفهم هذا الخوف بسهولة. وبعد ظهور يسوع على المياه وعبارة "أنا هو" (اغو ايمي) التي بها يعرّف يسوع عن نفسه، والأمر "لا تخافوا"، كل هذا يوافق أسلوب التيوفانيات. أما إذا أخذنا بعين الاعتبار مجمل الإنجيل الثاني، نلاحظ أن هذه المخافة التي أحسّوها تجاه يسوع قد رافقها بعض اللافهم الشبيه بما في آ 51 ب- 52. وقد نكون هنا في رأي المدوّن أمام بداية تفسيره الخاص الذي سيقوده إلى صياغة آ 51 ب- 52 من السير على المياه.
ان "اغوايمي" يحيط بها "إطمئنوا"، "لا تخافوا". فهي تعني في الدرجة الأولى: أنا هو يسوع. لم يعرفه التلاميذ وظنوا أنهم يرون خيالاً، فصحّح يسوع نظرتهم وطمأنهم. نجد هذه العبارة أيضاً في 13: 6 (أنا هو المسيح)؟ 62:14 (هل أنت المسيح؟ أنا هو) لو 39:24؛ يو 18: 5- 8. هذا التفسير الأول يثبته مت 28:14 الذي يجعل بطرس يقول: "يا رب، إن كنت أنت". ولكن حين نعرف الإطار الذي قيلت فيه هذه العبارة، فهي تتّخذ بروزاً خاصاً وبُعداً عميقاً يتجاوز "أنا هو" نقوله في ظروف عادية. هاتان الكلمتان تقابلان "أنا يهوه" في العبرية وهكذا يتماثل يسوع مع الله. ثم، إذ دلّ يسوع على نفسه ماشياً على المياه، أظهر نفسه لتلاميذه في ممارسة سلطة كونية خارقة لا يمارسها إلاّ الله.
في العهد القديم، حين يظهر الله ويدلّ على نفسه، يدعو المؤمن أن لا يخاف. في تك 15: 1 قال لابراهيم: لا تخف. في تك 24:26 وبعد أن تراءى لإسحق، قال له: لا تخف؛ رج تك 3:46 (يعقوب قبل ان ينزل إلى مصر)؛ قض 23:6 (جدعون) دا 10: 2، 29؛ طو 17:12. فهناك خطر مميت تحمله رؤية الله للإنسان. في تك 32: 11 قال يعقوب متعجباً إنه نجا بحياته بعدما رأى الله؛ خر 19: 21؛ 18:33- 23؛ لا 16: 2؛ عد 4: 20؛ قض 6: 22؛ 13: 21؛ أش 6: 5. ونجد عبارة "لا تخف" أو لا تخافوا في ظهورات العهد الجديد: مت 7:17؛ 28: 5، 10؛ لو 1: 13، 20؛ 9:2؛ أع 27: 24؛ رؤ 1: 17.
هذه النظرة السلبية إلى المخافة التي نقرأها هنا، تنكشف بوضوح في نهاية خبر تسكين العاصفة، ليس فقط في اللوم الذي وجّهه يسوع إلى راكبي السفينة لجبانتهم وقلة إيمانهم (4: 40)، نجل في إرتعابهم الذي أشارت إليه الخاتمة مع سؤال ظلّ من دون جواب فكشف عجزهم عن إدراك "هذا" (آ 41).
ونستطيع أن نقول الشيء عينه عن تصرّف مشوب بالخوف عند الجراسيين بعد شفاء مجنونهم (15:5). ونجد ذات الوضع "الأحمق" الذي نسب إلى التلاميذ في حواشٍ تدوينية رافقت الانباءين الثاني والثالث بالآلام. في 9: 32: "فما فهموا هذا الكلام، وخافوا أن يسألوه عنه". في 10: 32: "كان التلاميذ في حيرة والذين يتبعونه خائفين". وفي 9: 2، خلاله التجلي: "كان بطرس لا يعرف ما يقول من شدة الخوف".
وفي ذات إطار الابيفانيا، خافت النسوة الآتيات إلى قبر يسوع حين رأين الملاك: "رأينا شاباً جالساً عن اليمين فارتعبن. فقال لهن: لا ترتعبن" (16: 5- 6). نلاحظ التقارب مع 6: 50: "إطمئنّوا. أنا هو. لا تخافوا". فالخطأ نفسه الذي جعل بطرس يضيع في 6:9 (التجلي) منع النسوة من حمل بلاغ الملاك إلى التلاميذ: "من شدّة الحيرة والفزع لم يقلن لأحد شيئاً لأنهنّ كنّ خائفات" (8:16). هناك مقابلة بين صمت النسوة في هذا الحدث وعمى التلاميذ في 6: 51 ب- 52. ففي كلا الحالين، نحن أمام عجز "أساسي" عن إدراك سرّ يسوع والتعامل معه. حسب 18:11 خاف عظماء الكهنة والكتبة هم أيضاً من يسوع، وهذا ما يفسّر في نظر الإنجيلي قصدهم على قتله (كانوا يخافونه). ونجد الباعث نفسه أيضاً في 12: 12: خافوا من الجموع فما تجرأوا أن يقولوا ليسوع إن عماد يوحنا جاء من البشر. هنا يرتبط الخوف باستعدادات سيئة، بل بعداء تجاه يسوع وتجاه يوحنا المعمدان.
ولكن عبارة "لا تخافوا" في 6: 50 يجب أن نقرّبها من الكلمة التي وجّهها يسوع إلى يائيرس حين أخبروه عن موت ابنته: لا تخف. آمن فقط (36:5). إن الخوف يعارض الإيمان. هذا ما نفهمه خلال تسكين العاصفة: ما لكم خائفين؟ أما عندكم إيمان (4: 41)؟ وهكذا يبدو أن مرقس يربط بين المخافة وعدم الفهم أو عدم الإيمان تجاه يسوع. كل هذا يساعدنا على تفسير نهاية السير على المياه في الانجيل الثاني.
يبدو أن المقطعوة التقليدية انتهت بذكر صعود يسوع إلى السفينة (آ 51 أ). فلهذه الفعلة أهميتها لأنها تدلّ على واقع المعجزة، كما تبرهن على أن يسوع بلحمه ودمه هو الذي اجترحها. وهكذا يثبت يسوع كلمته في آ 10 للتلاميذ ويكذّب شعورهم بأنهم يرون شبحاً.
ب- آ 51 ب: سكون الريح ودهشة التلاميذ
ان فعل "سكن" (كوبازو) موجود في آ 51 ب 4: 39 ومت 14: 32. هو يحدّثنا عن سكون الريح. قد نكون هنا أمام معجزة ثانية. فتتسجّل الظاهرة في إمتداد ما سبق وتعود إلى السياق العجائبي نفسه. هي سفينة الكنيسة تتوجّه إلى العالم الوثني. أيمكن أن يكون يسوع غائباً عنها؟ فالريح والأمواج تقاوم هذه السفينة. ولكن حضور يسوع سيعيد الهدوء في العالم الوثني كما أعاده في العالم اليهودي (4: 39).
ان تسلّط يسوع على عناصر الكون تفترض أيضاً أن له القدرة على مساعدة البشر في صراعهم مع قوى الكون. وهكذا يصبح ظهور يسوع على المياه أكثر من ابيفانيا (ظهور إلهي). إنه عمل إنقاذ قام به كما فعل الله مع أتقيائه (مز 107: 23- 30: هدّأ الزوبعة. أنقذهم من سوء حالهم).
أما ذهل التلاميذ (ودهشتهم) في آ 51 فهو يرافق عدم فهمهم وعماهم كما سنرى في آ 52. هذا ما شدّد عليه مرقس وهو الذي صوّر لنا التلاميذ مراراً عاجزين عن إدراك المعنى الحقيقي لأعمال يسوع وأقواله. نقرأ في 18:7: "أنتم لا تفهمون". في 14:8 ي؛ وبمناسبة كل انباء بالآلام (8: 32- 33؛ 9: 30 ي؛ 10: 32 ي). وبعد التجلي (9: 10). إن مرقس يربط الخوف عند التلاميذ مع عدم الفهم في 9: 32. والذهول مع الخوف في 10: 32. وهكذا يحدّد الإنجيلي وضعهم بالنسبة إلى يسوع.
في 24:10، 26، نقرأ عن استغراب التلاميذ بهما في 6: 51. لسنا أمام الاعجاب، بل أمام عدم الفهم (إستغرب التلاميذ كلامه). ويزداد الاستغراب بعد هذا (26:10). تلك هي عاطفة التلاميذ بعد سكون الريح. دهشوا، استغربوا، لم يفهموا.
ج- آ 52: عدم فهم وعمى لدى التلاميذ
نحن نجد هذا الموضوع عينه في عدة مقاطع لدى مرقس (4: 10؛ 17:7- 18...). دهش التلاميذ لأنهم لم يفهموا. فقلوبهم كانت عمياء. ويُذكر الخبز كموضوع لم يقدروا أن يفهموه. لا شكّ في أن مرقس يشير إلى معجزة الخبز الأولى التي تسبق السير على المياه. ترد كلمة قلب مراراً عند مرقس وهي تدلّ كما في العالم السامي على مركز الفهم والانتباه. وعندما يكون القلب أعمى، هذا يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يُدرك الأمور.
لن نتوقّف عند هذا الخبر فقط لكي نتحدّث عن عدم فهم لدى التلاميذ. فمعجزة الخبز لا تدلّ على أنهم كانوا غريبين عنها. ثم حيرتهم أمام يسوع الماشي على المياه، أمر معقول. ولكن مرقس يقرأ الإنجيل كله من خلال هذه الآية. حين تحدّث يسوع عمّا ينجّس الانسان (17:7 - 18)، وأورد الأمثال (4: 10)، وأشار إلى خمير الفريسيين (8: 14- 21)، دلّ على قرب التلاميذ من الناس، بل على الذين هم "من الخارج". إنهم لا يفهمون يسوع ولا يستطيعون أن يفهموه (8: 21). فبعد معجزة أولى (تكثير الأرغفة) ومعجزة ثانية، لم يستطع يسوع أن يخرجهم من "نومهم" وغفلتهم الروحية. بهذه الطريقة السلبية (لاَ فهم)، أبرز مرقس الطابع السري لشخص يسوع الذي لا يُدرك.
ان القسم الأول (ف 1- 8) من الإنجيل ينقسم إلى ثلاثة أجزاء. الأول يبدأ في 1: 14 وينتهي في 3: 6 فيشير إلى عداء الفريسيين والهيرودسيين. والثاني ينتهي بإِشارة إلى عدم إيمان لدى أبناء موطن يسوع (6:6 أ). والثالث: العمى في قلب التلاميذ. نحن هنا في جوّ من المفارقة لا سيما حين نعرف أن هذا الجزء الثالث بدأ لإرسال التلاميذ الذين كرزوا بالتوبة وطردوا الشياطين وشفوا المرضى وبدوا كمشاركين ليسوع في عمله (7:6- 13). ومع ذلك، فهم لا يدركون حقاً من هو يسوع: هم الذين "أعطي لهم سر ملكوت الله" (4: 11). الذين فسّر لهم يسوع كل الأمثال (4: 33) لا يفهمون. لهم عيون ولا يبصرون. لهم آذان ولا يسمعون (18:8). وعمى قلبهم (6: 52؛ 17:8) جعلهم على مستوى الحاضرين البلداء الذين شاهدوا شفاء الإنسان ذات اليد اليابسة (3: 5- 6). هم لم يفهموا حتى بعد معجزتين لتكثير الأرغفة. وهكذا يبدو أن مرقس يريد أن يحيط مسيحانية يسوع بسرّ عميق قبل أن يجعل بطرس يعلن: "أنت المسيح"

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM