رمزيّة الزيت

 

رمزيّة الزيت

 

استعمال الزيت في الطقوس والذبائح أمرٌ معروف لدى شعوب البحر المتوسِّط والشرق الأدنى. وبشكلٍ أدقّ لدى كلِّ المجتمعات التي يقدِّم لها الزيتونُ الإنارة والطعام بحيث تكون له المكانة المميَّزة. وانطلاقًا من هذا الاستعمال، صار الزيت رمز النور والنقاوة. وهو في الوقت عينه علامة الرفاه والازدهار. يقول الربُّ: "أنا أعطيتُها (عروسي، أي شعبي) القمح والخمر والزيت. وكثَّرتُ لها الفضَّة والذهب" (هو 2: 10). ولكن إن غاب الزيت والخمر، غابت البرَكة: "تزرع ولا تحصد، تدوس الزيتون ولا تدهن بزيت (أي بالعطر) تعصر العنب ولا تشرب خمرًا" (مي 6: 17).

في القديم القديم، كانوا يضعون الزيت على مذابح الآلهة، ولا يبدأون الفلاحة إلاّ ويجعلون على الممرّات زيتًا. هكذا ينالون الخصب. ومع المسح بالزيت تكون الرمزيَّة أعمق. يُمسح الملوك فينالون السلطان والقوَّة والمجد من لدن الله. كان شاول يبحث عن أتُن أبيه. مسحه صموئيل بالزيت "أعطاه الله قلبًا آخر" (1 صم 10: 9). وكان داود وراء الغنم وحُسب أنَّه لا ينفع شيئًا ولا يسعه أن يمضي إلى القتال مثل كبار إخوته. صبَّ عليه صموئيل الزيت "فحلَّ روح الربِّ عليه" (1 صم 16: 13) وصار إنسانًا قويًّا فغلب أقوى مقاتل (ف 17)، لا بقدرته بل بقدرة الربّ. يُمسح الإنسان بالزيت فينتقل من دائرة البشر إلى دائرة الله، بحيث لا يحقُّ لأحد أن يرفع عليه يدًا. ذاك كان تصرُّف داود تجاه شاول الملك. قال داود: "من يمدُّ يده إلى من مسحه الربّ بالزيت ويكون بريئًا؟!" (1 صم 26: 9).

ذاك مغزى مسح المعمَّد بالزيت. يصبح خصبًا بالأعمال الصالحة، وقويًّا في مقاومة الشرّ والخطيئة. فالزيت وبالأحرى الميرون الذي هو زيت مع مختلف العطور، يجعل الوجه صبوحًا. وهنا نتذكَّر كلام الرسول: "أنتم رائحة المسيح الطيِّبة" (2 كو 2: 15). هذا في الخارج. وفي الداخل، ماذا نترك وراءنا بعد أن نكون مررنا في مكانٍ ما، تكلّمنا، عملنا. هل نترك وراءنا رائحة الموت أو رائحة الحياة؟ أمّا الزيت، أمّا الميرون الذي نناله في العماد والتثبيت، فيذكِّرنا بكرامتنا: نحن ملوك، نحن كهنة، نحن أبناء الله. ونحن نتشبّه بالله كالأبناء الأحبّاء.

 

*  *  *

قراءة من سفر صموئيل الأوَّل (16: 1-13)

 

1وقالَ الربُّ لِصَموئيلَ: "حتَّى مَتى مُكتَئِبٌ أنتَ على شاولَ؟ فأنا رَذَلتُهُ بِحَيثُ لا يَملِكُ على إسْرائيلَ. فامْلأْ قنَّينَتَكَ زَيتًا وَتَعالَ فأُرسِلَكَ إلى يَسَّى الذي مِنْ بَيتَ لَحْمَ لأنِّي رَأَيْتُ لي في أَبنائِهِ مَلِكًا." 2فَقالَ صَموئيلُ: "كيفَ أَمضي؟ فحينَ يَسمَعُ شاولُ يَقتُلُني." فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيلَ: "خُذْ عِجْلَةَ بَقَرٍ بِيَدِكَ، وَقُلْ: أَتَيتُ لأذْبَحَ لِلرَّبّ. 3وَادْعُ يَسَّى وأبناءَه إلى الذَّبيحَةِ، وأنا أبيِّنُ لكَ ما تَصنَعُ. وَامْسَحْ لي ذاكَ الذي أقولُ لكَ عَنْهُ." 4فَعَمِلَ صَموئيلُ كما أمرَهُ الرَّبُّ. فَأَتى إلى بَيتَ لَحمَ يَهوذا. وَخَرَجَ شُيوخُ المَدينةِ لِلِقاءِ صَموئيل. 5وقالَ له: "ألِسَلامٍ مَجيئُكَ؟" فَقالَ: "لِسَلام." أَتَيتُ لأذْبَحَ لِلرَّبّ. فَتَقدَّسُوا وَتَعالُوا مَعي إلى الذَّبيحَة." وقَدَّسَ يَسَّى وَأبناءَه وَدَعاهم إلى الذَّبيحَة. 6وحينَ أتوا، رأى أليابَ فقالَ: "مِثْلُ هذا مَسيحُ الرَّبّ!" 7فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيلَ: "لا تَتطلَّعْ إلى مَنْظَرِه وَعُلُوِّ قامَتِه! فأنا رَذَلتُهُ. فما أنا (ناظِرٌ) كما الإنسانُ ناظِر. فالإنسانُ يَنظُرُ في العَينَينِ أمَّا الربُّ فَيَنظُرُ في القَلْب." 8وَدَعا يسَّى أبينادابَ، وَأَعبَرَهُ قُدَّامَ صَموئيلَ. فَقالَ لَهُ: "ولا بِهذا أيْضًا الرَّبُّ راضٍ." 9وَأَعْبَرَ يَسَّى شَمَّةَ. فقالَ: "ولا بِهذا أيضًا الرَّبُّ راضٍ!" 10وَأَعْبَرَ يَسَّى أبناءَه السَّبْعَةَ قُدَّامَ صَموئيل. فقالَ صَموئيلُ لِيَسَّى: "ما رَضِيَ الرَّبُّ بِهَؤلاء!" 11وقالَ صَموئيلُ لِيَسَّى: "هل كَمُلَ (عَدَدُ) الفِتيانِ؟" فقالَ لَهُ: "بَقِيَ الصَّغيرُ، وهو يَرعَى الغَنمَ." فَقالَ صَموئيلُ لِيَسّى: "أَرسِلْ وَجِئْ بِه. فأنا لا أَرجِعُ حتَّى يأتيَ إلى هنا." 12فأَرسَلَ وَأتى به. وهو سَمَّاقيّ. عَيناهُ جَميلتانِ وَمَنظرُهُ جَميلٌ. فقالَ الرَّبُّ لِصَموئيلَ: "قُمْ وَامْسَحْهُ لأنَّ هذا هو." 13فَأَخَذَ صَموئيلُ قَنِّينَةَ الزَّيتِ وَمَسَحَهُ في وَسْطِ إخْوَتِه. وَمِنْ هذا اليَومِ حَلَّ رُوحُ الرَّبِّ على داود. وَبَكَّرَ صَموئيلُ وَمَضى إلى الرامةَ، إلى بَيتِه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM