رمزيّة الماء

 

رمزيّة الماء

 

ثلاثة مواضيع في رمزيَّة الماء: ينبوع حياة، وسيلة طهارة وتنقية، مركز الولادة الجديدة. مواضيع نجدها في أقدم تقاليد العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. فالمياه هي أوّلاً ينبوع حياة وقوَّة عيش، وبدونها تكون الأرض قاحلة، جرداء. فتصبح موضع الجوع والعطش بحيث يموت الناس والبهائم. فالربُّ أعطى شعبه الماء في الصحراء وهم سائرون نحو جبل سيناء. منذ البداية وجدوا في إيليم "اثنتي عشرة عين ماء وسبعين نخلة" (خر 15: 27). فماذا يطلبون غير ذلك؟ يلبثون هناك ولا يتحرَّكون. وفي أرض فلسطين، كان المطر أكبر بركة. وهكذا نصل إلى حوار يسوع مع السامريّة عند البئر "أعطيني لأشرب" (يو 4: 7). ذاك ما قال يسوع لتلك المرأة التي جاءت تستقي. ثمَّ قال لها: "لو كنتِ تعرفين عطيّة الله، ومن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماء الحياة (آ10).

والماء يطهِّر. يريد أن ينزع كلَّ الشوائب، شوائب النفس والجسد. فالاغتسال الخارجيّ يرمز إلى الاغتسال الداخليّ. والنظافة الخارجيّة علامة عن نقاوة الجسد. عند جبل سيناء قال الربُّ لموسى: "اذهبْ إلى الشعب وقدِّسْهم وليغسلوا ثيابهم" (خر 19: 11). ولكن إن لبث الإنسان متعلِّقًا بوسخه وأدرانه، تأخذه المياه مع كلِّ ما يتعلَّق به. ذاك ما حصل في الطوفان حيث رفض الناس أن يتخلَّوا عن العنف الذي فيهم. صارت المياه أداة موت ودمار. وهي تعود أداة حياة حين يحلُّ الروح فيها. ذاك ما حصل في بداية الخليقة ساعة كان الروح يرفرف فوق المياه (تك 1: 2). وخرج النبات والطير والبهائم. وساعة معموديّة يسوع، كان الروح حاضرًا ليقدِّس المياه فتصبح ينبوع حياة جديدة، وولادة جديدة، على ما قال الربّ لنيقوديمُس: "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلاّ إذا وُلد من الماء والروح" (يو 3: 5).

في عالم الشرق الذي يمتدُّ في البوادي، تموت الطبيعة في الصيف، يغيب الماء. مع الشتاء تعود الحياة. ومع الربيع تبرعم الأشجار، يظهر الزهر ويمضي الحيوان فيجد طعامه وشرابه. فكلَّ سنة يولد الكون مع ولادة الربيع. لهذا يشبَّه الربّ بمطر الربيع وبالندى الذي يجعل الزهر ينمو: "الربّ يأتي إلينا كالمطر، كمطر متأخِّر على الأرض" (هو 6: 3). وفي هو 14: 6: "أكون لشعبي كالندى، فيزهر كالسوسن، ويضرب أصوله كلبنان". فلا يبقى لنا سوى أن نسمع نداء النبيّ: "تعالوا إلى المياه أيّها العطاش" (إش 55: 1).

 

*  *  *

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدّيس يوحنّا (4: 7-15)

 

7فأتَتْ امرأةٌ من السامرةِ لتملأ (جرَّتها) ماء. فقالَ لها يسوع: "هبي لي ماءً أشربُه". 8أمّا تلاميذُه فكانوا دخلوا المدينةَ ليشتروا لهم طعامًا. 9فقالتْ له تلكَ المرأةُ السامريَّة: "كيف وأنتَ اليهوديَّ سائلٌ منّي أنتَ لتشربَ، فأنا امرأةٌ سامريَّة"، لأنَّ اليهودَ لا يتعاطونَ مع السامريّين. 10فأجابَ يسوعُ وقالَ لها: "لو كنتِ عارفةً موهبةَ الله، ومن هو هذا الذي قالَ لكِ هبي لي فأشربَ، لكنتِ أنتِ سائلةً له، وكان هو واهبًا لكِ الماءَ الحيَّ." 11فقالَتْ لهُ تلك المرأة: "سيِّدي، لا دلوَ لكَ، والبئرُ عميقة، فمِن أينَ لكَ الماءُ الحيّ؟ 12هل أنتَ أعظمُ من أبينا يعقوب، ذاك الذي وهبَ لنا البئرَ هذه وشرب منها هو وبنوه وخرافُه." 13فأجابَ يسوعُ وقالَ لها: "كلُّ مَنْ يَشربُ من هذا الماءِ يَعطشُ أيضًا 14لكن، كلُّ مَنْ يشربُ من الماءِ الذي أهبُ أنا له، لا يعطشُ إلى الأبد. غيرَ أنَّ الماءَ الذي أنا واهبٌ له، يكونُ فيه مَعينَ الماءِ النابعِ للحياةِ الأبديَّة." 15فقالَتْ له تلك المرأةُ: "سيِّدي، هبْ لي من هذا الماءِ لئلاّ أعطشَ أيضًا وآتي لأستقيَ من هنا."

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM