المحبَّة لا تزول أبدًا

 

المحبَّة لا تزول أبدًا

 

بعد أن حدَّث بولسُ الرسولُ أهل كورنتوس عن المواهب، أفهمهم أنَّ هذه المواهب مهما علا شأنها تبقى ناقصة. وما الذي ينقصها؟ المحبَّة. فالعلم نفسه وما فيه من حسنات، ينفخ الإنسان فلا يعود يرى الذين حوله. وحدها المحبَّة تبني. وحدها المحبَّة تخلق.

فالله خلق الكون عن محبَّة. وأرسل ابنه ليخلِّصنا عن محبَّة. "هكذا أحبَّ الله العالم"، وتجاوب الابن مع مشروع الآب، فقال: "ما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبَّائه."

المواهب تبقى كلا شيء من دون المحبَّة. لغات البشر كلُّها، حتَّى لغات الملائكة! نحاس يطنُّ أو صَنج يرنّ (1 كو 13: 1). النبوءة، المعرفة، العلم كلُّه، القدرة لنقل الجبال، كلُّ هذا يبيِّن أنِّي لستُ بشيء إذا لم تكن عندي محبَّة (آ2). إذًا، لماذا الركض ولماذا التعب؟ نستطيع عندئذٍ أن نقول: باطل الأباطيل. ولكن مع المحبَّة لن يعود شيء باطلاً، بل كلُّه يدخل في مشروع الخلاص. ويواصل الرسول: تجرّدٌ كامل فأدفع كلَّ أموالي للفقراء. هذا لا ينفعني. أسلِّم جسدي ليُحرَق، كما اعتاد الناس أن يفعلوا في هذه الأيَّام احتجاجا. لا نفع من كلِّ هذا. أُشبهُ من يريد أن يقبض الريح. ولكن إن كان فيَّ محبَّة، يتبدَّل كلُّ شيء. بدون المحبَّة كلُّ شيء هو لا شيء، صفر، كما نقول في عمليَّة حسابيَّة. ولكنَّه يصبح مليونًا وعشرات الملايين حين تنعشه المحبَّة. والمحبَّة العمليَّة، لأنَّ الأنانيَّة وإظهار الذات هما، كلِّيًّا، عكس المحبَّة. ومن أجل هذا، إلهنا ليس ذاك الواحد، القابع في أعلى سمائه، يحبُّ نفسه ويريد من الناس أن يعبدوه ويمجِّدوه. مثل هذا الإله ليس ببعيد عن الصنم. إلهنا عائلة. فيها الآب يحبُّ الابن ويعطيه كلَّ شيء. والابن يحبُّ الآب ويعطيه كلَّ شيء. وتكون ثمرة هذا الحبِّ المتبادل، الروح القدس. الآب لا ينظر إلى ذاته، بل ينظر إلى ابنه. والابن لا ينظر إلى ذاته بل إلى أبيه. والروح لا ينغلق في ذاته مثل "طفل وحيد" في البيت، بل ينظر إلى الآب والابن، ينبثق من الآب ويرسله الابن. وكما يتعلَّم الابن من الآب، يتعلَّم الروح من الابن. تلك هي المحبَّة في أسمى معانيها.

بها نُنهي تلاوة النؤمن، أو قانون الإيمان. نتطلَّع على التوالي إلى الآب الخالق وإلى الابن المخلِّص وإلى الروح المقدِّس. في نظرنا، يعمل كلُّ أقنوم، أمّا في قلب الثالوث، فالثلاثة حاضرون كأنَّهم واحد. ارتبطت المواهب بالروح والخدمة بالربِّ يسوع المسيح والعمل بالآب "الذي يعمل كلَّ شيء في الجميع" (1 كو 12: 6). أو نعيش كمؤمنين في قلب الثالوث، في قلب المحبَّة، وبالتالي في السماء، أو نكون "في الظلمة البرَّانيَّة". فلا يبقى لنا سوى أن نختار. نكون مع الغنيّ "الذي يلبس البرفير والأرجوان" أو مع ألعازر الذي يجعل معونته في الله خالق السماء والأرض. نختار الموت أم الحياة، الشقاء أم السعادة؟ وحدها المحبَّة تبقى، ومن يبقى في المحبَّة يكون في الله.

 

رسالة القدِّيس بولس الأولى إلى أهل كورنتوس 13: 1-13

إذا بكلِّ لسانِ البشرِ أتكلَّمُ وبلسانِ الملائكة، ومحبّةٌ لا تكونُ لي، صرتُ أنا نُحاسًا طانًّا، أو صَنجًا مُعطيًا صوتًا. وإذا تكونُ فيَّ النبوءةُ وأعرفُ الأسرارَ كلَّها وكلَّ المعرفة، وإذا تكونُ فيَّ النبوءةُ كلُّها حتّى أنقلَ الجبلَ، ومحبةٌ ليس فيَّ، ما كنتُ شيئًا. وإذا أُطعِمُ كلَّ مالي للمساكين، وإذا أُسلم جسدي ليُحرَق، والمحبَّةُ لا تكونُ فيَّ، فأنا غيرُ نافعٍ في شيء.

المحبَّةُ طويلةُ الروحِ هي ولذيذة. المحبَّةُ غيرُ حاسدة. المحبَّةُ غيرُ مُسجَّسة ولا مُتكبِّرة. ولا هي عاملةٌ خِزيًا ولا طالبةٌ ما يَخصُّها ولا مُحتدَّةٌ ولا ظانَّةُ السوء، لا فارحةٌ بالإثمِ بل بالحقِّ فارحة. هي كلَّ شيء مُحتمِلة، كلَّ شيء مصدِّقة، الكلَّ مُترجِّية، الكلَّ مُحتمِلة. المحبَّةُ غيرُ ساقطة أبدًا لكنِ النبوءاتُ تُبطَلُ والألسنةُ تُصمَتُ والمعرفةُ تُبطَلُ. لأنَّنا عارفون قليلاً من كثير، وقليلاً من كثيرٍ مُتنبِّئون نحن. لكن حينَ يأتي الكمالُ حينئذٍ يُبطَلُ ذاك الشيءُ الذي كان قليلاً.

لمّا طفلاً كنتُ، مثلَ الطفلِ مُتكلِّمًا كنتُ، ومثلَ طفلٍ مُدركًا كنتُ، ومثلَ طفلٍ مُفكِّرًا كنت. لكن لمّا صرتُ رجلاً، أبطلْتُ تلك التي للطفولة. فالآنَ كما في المرآةِ نحن ناظرونَ في لغز، أمّا حينئذٍ فوجهًا قبالةَ وجه. الآنَ أنا عارفٌ قليلاً من كثير، أمّا حينئذٍ فأعرفُ كما عُرفتُ. وهذه هي الثلاثةُ التي هي ثابتة: الإيمانُ والرجاءُ والمحبَّةُ، لكنِ المحبَّةُ أعظمُ منهما.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM