يد الربِّ وروحه

 

يد الربِّ وروحه

 

حين نقرأ نبوءات إشعيا وإرميا وغيرهما، فهي لا تتكلَّم بشكل مباشر عن الروح بل هي تفضِّل أن تسمِّي "يد الله" القوَّة التي تمسك بالنبيّ. قال إشعيا: "أمسكني الربُّ بيدي" (8: 10) وشدَّ عليها. وأورد إرميا كلام الربِّ يدعوه، ثمَّ قال: "مدَّ يده" (1: 9). كما أخبرنا عن "ثقل يد" الربِّ التي لا تسمح له أن يمضي إلى حيث يريد (15: 17). وكما أحسَّ إرميا بيد الله، كذلك حزقيال (3: 14).

هذا لا يعني أنَّ هؤلاء الأنبياء ينسون الروح. ولكنَّهم يرفضون أن يتكلَّموا مثل جماعات الأنبياء الذين رافقوا إيليّا وإليشع بل كانوا أيضًا في زمن صموئيل. شاول معهم يمزج الانخطاف بعمل الله فيطلبون الآلات الموسيقيَّة ليغيبوا عن الوعي.

فالنبيُّ مثل عاموس أو هوشع يمتلكون وظيفة ولهم مركز اجتماعيّ. يحسُّون بضغط يدفعهم إلى الكلام. قال عا 3: 8: "زأر الأسد فمن لا يخاف؟ تكلَّم الربُّ فمن (يجسر) أن لا يتنبَّأ؟" الربُّ أدخل نبيَّه "في سرِّه" (آ7). وهذا الدخول هو دفعٌ من أجل الرسالة. وسوف يقول عاموس للكاهن أمصيا: "ما أنا نبيٌّ ولا ابن نبيّ (مثل بعض الأنبياء الذين يعتبرون نفوسهم عالمين بالغيب). إنَّما أنا راعي غنم... أخذني الربُّ من وراء الغنم، وقال لي: "اذهبْ تنبَّأ" (7: 14-15). كدت أقول: أُرسل غصبًا عنه، لأنَّه عارف ما تعني هذه الرسالة.

وإرميا أحسّ أنَّه أُخذ على غفلة منه. فاشتكى يومًا إلى الله: "خدعتَني يا ربّ فانخدعت، وغالبتني بقوَّتك فغلبت... فإن قلتُ: لن أذكر الربّ، ولا أتكلَّم باسمه من بعد، أحسستُ بنار محرقة محبوسة داخل عظامي، أحاول كبتها ولا أقدر" (إر 20: 7-9). الكلمة التي يقولها هؤلاء الأنبياء تأتي منهم ولكنَّها لم تُولَد فيهم. هنا تطلُّ العلاقة بين كلام الله وروحه. وهذا ما يظهر عند إيليّا (1 مل 19: 2-13). وهكذا لم يعد الروح فقط "فهمًا وقوَّة" لكن "معرفة الله" كما يقول إش 11: 3.

الروح يفتح الأنبياء على كلام الله بحيث يكشف لهم المجد الإلهيّ (حز 3: 12؛ 8: 3) وهو "يوقفهم" أيضًا على أرجلهم (حز 2: 1؛ 3: 24) ليكلِّموا الشعب (حز 11: 5) ويعلنوا له أحكام الله. قال حزقيال: "دخل فيَّ الروح وأقامني على قدميّ فسمعتُ صوته". (2: 2). هو من أرسل حزقيال (آ3). وردَّد النبيُّ الكلام عينه في 3: 24. كان أبكم فصار يتكلَّم. وفي 11: 5 قال: "وحلَّ (أو: سقط، نزل، انقضَّ) عليَّ روح الربِّ وقال لي: "قل"، امضِ، تكلَّم. وفي النهاية يقول: "رفعني الروح في الرؤيا وجاء بي إلى المسبيِّين في أرض بابل" (آ24). ذاك هو عمل الله في الأنبياء. فكلامهم هو كلام الله الذي يرسلهم.

 

نبوءة إرميا 20: 7-13

خدعتني يا ربُّ فانخدَعتُ، وغالبتني بقوَّتكَ فغلبت. صرتُ أضحوكةً ليلَ نهار. وجميعُهم يستهزئون بي. كلَّما تكلَّمتُ صرختُ وناديتُ بالويلِ والدمار، حتَّى صار كلامُ الربِّ عارًا ومهانةً ليل نهار. فإن قلتُ: "لن أذكرَ الربَّ ولا أتكلَّمَ باسمِه من بعدُ"، أحسستُ بنارٍ محرقةٍ محبوسةِ داخلَ عظامي، أحاولُ كبتَها ولا أقدرُ. أسمعُ الكثيرين يهمسون، والرعبُ حولي من كلِّ جانبٍ: "دعونا نشكتي عليه!" ويقول كلُّ أصحابي، وهم يراقبونَ سقوطي: "لعلَّه يزلُّ فنقوى عليه ونأخذَ ثأرَنا منه." لكنَّ الربَّ معي كجبَّارٍ، يخيفُهم فيعثرونَ ولا يقومون.

فيا أيُّها الربُّ القديرُ يا من تمتحنُ الحقَّ وترى أعماقَ القلوب، دعني أرى انتقامَك منهم. فإليكَ فوَّضتُ دعواي. رنِّموا للربِّ وسبِّحوه لأنَّه أنقذَ المسكينَ من يدِ الأشرار.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM