تقديم

تقديم

يأتي هذا الكتاب بعد انجيل يوحنا وهدفه ان يساعد الكاهن والراهب والراهبة والمؤمن المسؤول في الكنيسة على التعمق في التعليم الانجيلي. الطِريقة التي سرنا عليها هي تلك التي تعرف اليها القارئ في انجيل يوحنا؛ بعد المقدمات التي تدخلنا في جو انجيل لوقا، نتوقف عند كل مقطوعة من المقطوعات الانجيلية فندرسها ونقدم لها شرحاً ينطلقِ من البحث العلمي ليصار بنا الى الجو الرعائي. فكلمة الله ليست نصاً قديماَ نقرأه كما نقرأ المؤرخين والفلاسفة القدماء. انها اليوم حاضرة امامنا وهي كسيف ذيَ حدين "تنفذ في الاعماق الى ما بين النفس والروح" (عب 12:4). انها تتوجه اليوِم الينا في المحيط الذي نعيشه وفي الظروف التي تحيط بنا، وهي تتطلب منّا جواباً.
لم نشرح انجيل لوقا شرحاً متواصلاً، بل قسمناه مقاطع صغيرة نقرأها في الليتورجيا او في التأمل اليومي، وحاولنا ان نقدم غذاء للنفوس المتعطشة الى كلمة الحياة. انجيل لوقا طويل، وهو بفصوله الاربعة والعشرين اطول الأناجيل الاربعة، ولهذا بدا الكتاب كبيراً، وقد اردنا ان نشرح كل مقطوعة فيه. ولكن القارئ لن يقرأ هذا الكتاب كما يقرأ قصة او رواية. انه يختار فيه فصلاً او آخر حسب حاجته الشخصية او التعليمية او الرعائية، فيدرسه ويتمعن فيه برفقة النص الانجيلي. هذا الكتاب هو اولا واخيرا كتاب تأمل نقرأه على مهل، نتوقف عند المقاطع التي تلفت انتباهنا، نعود الى مقاطع قرأناها في ما قبل. المهم لا ان نسرع في القراءة، بل ان نتذوق كلام الله كما يتذوق الانسان شراباً. فالقراءة تقود الى التأمل، والتأمّل الى المشاهدة، والمشاهدة الى المناجاة. هذا ما عاشته مريم حين جلست عند قدمي الرب يسوع تستمع الى كلامه. حقاً، لقد اختارت النصيب الأفضل (38:10- 42).
حاولنا في هذا الكتاب ان نكتشف طريقة لوقا في انجيله، ان نكتشف لاهوت ذلك الذي جاء من العالم اليوناني الوثني واراد ان يكتب لبني جنسه سواء كانوا في كورنتوس او انطاكية او غيرهما من المدن التي تأثرت بالحضارة التي حملها الاسكندر المقدوني فكونت ما يسمى العالم الهلنستي اي العالم الذي اخذ بغنى بلاد اليونان في الفلسفة والشعر والمسرح، الذي اخذ لغته وبسَّطها فصارت ما يسمى اللغة الشائعة التي يفهمها سكان مدن الامبراطورية الرومانية ويتعامل بها حتى ابناء رومة انفسهم.
قرأنا انجيل لوقا وقرأنا الدراسات العديدة عنه والشروح المطولة، واخذنا الكثير من هذا الكاتب او ذاك. فنحن لا نعتبر اننا نقدم شيئا جديدا، بل نبغيٍ ان نقدم للقارئ العربي زاداً بسيطاً يغنيه عن العودة الى كتب عديدة، خصوصا ان كان لا يعرف الا العربية. شروح انجيل لوقا عديدة في اللغات الغربية ولا سيما في الانكليزية والالمانية، اما في العربية...
قضيت سنتين كاملتين في رفقة القديس لوقا أتعرف الى انجيله، وحاولت ان اشرك الناس حولي في هذه الفرحة سواء في مصر او في فرنسا، في لبنان او في سورية. أَردت ان أَدخل في كلمة الله فدخلت هي فيّ وكونتني. اردت ان احمل يسوع الى الناس، فاذا هو يحملني ويدفعني على طريق الحياة.
طريق حلوة برفقة ذلك الذي بشر به الملائكة كالمخلص والمسيح والرب، ذلك الذي حمله سمعان الشيخ بين ذراعيه ورأى فيه من يكشف خفايا الافكار. طريق حلوة برفقة الرسل الاثني عشر مؤسسي كنيسة اورشليم، برفقة التلاميذ السبعين الذين اطلقوا الانجيل في انحاء العالم الوثني، برفقة النساء اللواتي كن قرب يسوع وساعدنه وكن اول الشهود لقيامته، برفقة الخطأة والعشارين والضعفاء والغرباء والذين يظنهم العالم لا شيء (1 كور 1 :8).
طريق حلوة سرناها مع لوقا على خطى المسيح ونحن ندعو القارئ ليختبر بعض السعادة التي اختبرناها والتي عبّر عنها تلميذا عمّاوس فقالا بعد ان توارى يسوع عنهما: "كان قلبنا يحترق في صدرنا حين حدثنا في الطريق وشرح لنا الكتب المقدسة" (24: 32).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM