الفصل الثالث البنية اللاهوتية في مرقس القسمات الست

الفصل الثالث
البنية اللاهوتية في مرقس
القسمات الست

عوّدنا التاريخ التكويني على تحليل الوحدات الأدبية، علّنا نصل إلى تقليد أقدم، سبق العالم الإزائي. وجاء بعد هذا التاريخُ التقليدي ليكتشف أقلّ تصحيح قام به "المدوّن". وتوقّف التحليل البنيوي بالأحرى عند كل وحدة أدبية، سواء كانت مثلاً أو جدالاً. أما الطريق المتخذ الآن فهو طريق التاريخ التدويني: إنه يدرس بشكل منظّم كل إنجيل مرقس. فالبنية الأدبية واللاهوتية وحدها تستطيع أن تكشف لنا هدف مرقس الحقيقي، أسلوبه، تعليمه. فنرى فيه مؤلفاً حقيقياً لا مقمّشاً أو جمّاعاً. هو أول كاتب لإنجيل، فلم يسبقه مؤلّف آخر. وبه يرتبط متى ولوقا ويوحنا.
يتوزّع عملنا على سبع مراحل.
الأولى: جردة بالمواد المرقسية.
الثانية: السلسلات التدوينية.
الثالثة: الإجمالات: نحن هنا أمام عنصر بنيوي هام.
المرحلة الرابعة هي حاسمة وهي تقدّم حصيلة تحليلنا: قسمة مرقس ستة أجزاء.
المرحلة الخامسة تعود إلى وجهة معروفة وهي قسمة مرقس إلى قسمين.
المرحلة السادسة تتطرّق إلى التوازي بين الأجزاء.
والمرحلة الأخيرة التي هي مرحلة جوهرية تتوقّف عند كرستوفانيات (ظهور المسيح) ثلاث.

1- جردة بالمواد المرقسية:
نتوقف في فصل أول على المراحل الأربع الأولى التي تقسم إنجيل مرقس ست قِسمات. ونترك لفصل ثانٍ قسمته في جزئين كبيرين يتحدّث الأول عن المسيح والثاني عن ابن الله.
أ- المعجزات
- 1: 23- 28: مجنون كفرناحوم.
- 1: 29: 31: شفاء حماة سمعان (آ 32- 34: أشفية متعددة).
- 1: 40- 45: شفاء أبرص.
- 2: 1:- 12: مخلّع كفرناحوم.
- 3: 1- 6: رجل يده يابسة.
- 4: 35- 41: تسكين العاصفة.
- 5: 1- 17: مجنون الجراسيين.
- 5: 21- 43: شفاء النازفة وإقامة إبنة يائيرس.
- 6: 30- 44: تكثير الأرغفة الخمسة.
- 6: 45-52: يسوع يمشي على البحر (آ 53-56: أشفية).
- 7: 24- 35: إبنة المرأة الكنعانية.
- 7: 31-37: شفاء أصم منعقد اللسان.
- 8: 1- 15: تكثير السبعة الأرغفة.
- 8: 22- 26: أعمى بيت صيدا.
- 9: 14-29: ولد يقع في داء الصرع.
- 10: 46- 52: أعمى أريحا.
- 11: 12- 21: التينة العقيمة.
نلاحظ 18 معجزة تحتلّ الحيّز الأكبر في القسم الأول من إنجيل مرقس (1: 14-8: 26). ولا نجد في القسم الثاني (8: 27-16: 20) سوى ثلاث معجزات لا ترتبط بالعاطفة الشعبية كما في الأولى. يبدو وكأنها محفوظة للتلاميذ وحدهم (رج 9: 28؛ 10: 52: أخذ يتبعه في الطريق؛ 11: 21؛ تذكّر بطرس). يتّفق الشرّاح على القول إن المعجزات هي عنصر أساسي في إنجيل مرقس. إنها ابيفانيا وظهور إلهي.
ب- خبر حول قول إنجيلي
- 1: 16- 20: إتبعاني أجعلكما صيادي ناس...
- 2: 1- 12: لإبن الإنسان سلطان...
- 2: 13-17: ليس الأصحاء في حاجة إلى طبيب...
- 2: 18- 22: الخمر الجديدة في زقاق جديدة.
- 2: 23-28: إبن الإنسان هو رب السبت.
- 3: 1-6: ماذا يحل في السبت؟ فعل الخير أم الشر؟
- 3: 22-30: كل شيء يُغفر لبني البشر...
- 3: 31-35: من يعمل مشيئة الله هو أخي...
- 6: 1-6: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه...
- 7: 1-23: جميع الأطعمة نقية.
- 7: 24- 30: لا يؤخذ خبز البنين...
- 8: 11-12: لن يعطى آية لهذا الجيل.
- 9: 33- 37: من أراد أن يكون الأول...
- 9: 38-40: من ليس علينا فهو لنا.
- 10- 1-12: ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان.
- 10: 13- 16: دعوا الأطفال يأتون إليّ...
- 10: 17- 31: ما أصعب الدخول إلى ملكوت الله!
- 10: 35- 40: شرب الكأس.
- 11: 12-14، 20-23: ليكن لكم إيمان...
- 11: 27-33: سلطان يسوع.
- 12: 1- 12: الحجر الذي رذله البناؤون...
- 12: 13-17: أعطوا ما لقيصر...
- 12: 18- 27: ليس إله اموات...
- 12: 28- 34: أولى الوصايا.
- 12: 35- 37: المسيح إبن داود.
- 12: 41- 44: الأرملة.
- 13: 1-2: لن يترك هنا حجر...
- 14: 3-9: أنا لست معكم كل حين.
تحتلّ هذه "الأخبار" مكانة لاهوتية ملحوظة في إنجيل مرقس. ووظيفتها مشابهة لوظيفة المعجزات: إنها تدل على طابع المفارقة في تجلّي يسوع.
ج- خطبتان
هناك خطبتان في إنجيل مرقس. واحدة في البداية والثانية في النهاية. قيلت الخطبة الأولى (4: 1 ي) "في أمثال، لكي لا يفهم الناس". وحُفظت الثانية (13: 1 ي) للتلاميذ وحدهم. هذا ما أراده مرقس وهو "يزعجنا". هما خطبتان متوازيتان وتقولان الشيء عينه في ألفاظ مختلفة.
د- خبر الآلام
يحتلّ خبر الآلام خُمس إنجيل مرقس. وهذا يعني أن أهميته حاسمة بالنسبة إلى لاهوت مرقس.
بيّنت هذه الجردة السريعة وجهة خارجية لدى مرقس. ولكن المواد التي اختارها الكاتب دلّت على هدفه. وستأتي المراحل التالية فتبرز بنية الإنجيل.

2- السلسلات التدوينية
نحن أمام سلسلة أو سلسلات من الأحداث ترتبط فيما بينها رباطاً تدوينياً. مثلاً، أعلن يسوع الإنجيل، وقسّم (أي أخرج الشيطان) على المجنون في المجمع (1: 21-28). خرج من المجمع ودخل إلى بيت سمعان بطرس. في المساء (كان اليوم سبتاً) إجتمع جمهور كبير عند باب بطرس فشفاهم يسوع. في الصباح الباكر، خرج من المدينة... على المستوى التدويني الذي يهمّنا الآن، هناك تواصل بين هذه الأحداث المختلفة. لسنا هنا على مستوى التاريخ (هذا ما حدث بالفعل) بل على مستوى التدوين (هكذا قدّم مرقس النصوص).
على هذا المستوى هناك رباط بين مختلف الأحداث. قد يكون غير ثابت كما في "سلسلة" المجادلات الخمس (2: 1-3: 6). قد نكون هنا أمام مجموعة مصطنعة، ولكنها تمثّل في نظر مرقس مجموعة على مستوى التدوين. هذا التجميع "لا ينقسم" بمعنى أننا إذا أردنا أن نبحث عن "مفاصل" في مرقس، يجب أن نبحث عنها قبل هذه المجموعة أو بعدها، لا في وسطها. مثلاً لا نستطيع أن نجعل فاصلاً بين 7: 23 و7: 24 لأننا في قلب "كتاب الخبز" الذي يشكّل وحدة تدوينية جوهرية في إنجيل مرقس.
وإليك هذه السلسلات التدوينية كما في تايلور (شارح إنكليزي).
أ- 1: 1-13
مقدمة الإنجيل. تجمع كرازةَ يوحنا والعماد والتجربة كما في التقليد القديم. هناك رباط في آ 9: وفي تلك الأيام قدم يسوع. في آ 12: وعلى الأثر. بعد هذه المجموعة نقرأ اجمالة (1: 14 ي) تذكر الظروف التي فيها بدأ يسوع رسالته وكرازته بالإنجيل. ونداء التلاميذ الأولين (1: 6- 20) هو خبر أقحم في هذا المكان ليهيّىء الطريق من أجل 1: 21-39.
ب- 1: 21- 39
تتضمن هذه المجموعة: شفاء في المجمع (21-28)، شفاء حماة بطرس (29- 31) أشفية في المساء (32- 34) وانطلاقٌ إلى موضع قفر (35-39). ارتبطت هذه الأخبار معاً إرتباطاً وثيقاً فشكّلت حقبة تمتد على 24 ساعة (قد تكون هذه المجموعة تنظّمت قبل مرقس). إرتبطت المجموعة بكفرناحوم (سميت: يوم كفرناحوم).
ج-2: 1-6:3
مجموعة أخبار بشكل جدال جمعها مرقس (أو مرجع سابق له) فدلّ على أن يسوع ذهب إلى الموت عبر صراع مع الرادان. هناك حاسة أشار: غفران الخطايا (2: 5- 10 أ)، أكلٌ مع العشّارين والخطأة (2: 15- 17)، الصوم (2: 18- 20)، السبت (2: 23- 26)، صاحب اليد اليابسة (3: 1-6). وأقحم في داخلها دعوة لاوي (2: 14) كمقدمة لـ 2: 15- 17 وقول في أقوال وردت في 2: 21 ي، 27 ي. استعمل في البداية (2: 1- 4، 10 ب- 12) وفي النهاية (3: 1- 5) تقليد بطرسي. إذا وضعنا جانباً 2: 13، لا نجد رباطاً بين هذه الأخبار.
د-19:3 ب-35
خبر قصير يقول إن يسوع فقد صوابه (19 ب- 21)، وخبر آخر يتّهمه بأنه في خدمة بعل زبول وفي وفاق مع الشيطان (22-26). ثم أقوال عن الرجل القوي والتجديف على الروح القدس (27-30). وفي النهاية، وفي خط آ 19 ب- 21 خبر حول قرابة يسوع الروحية (31- 35). كيف اتهّم يسوع وكيف ردّ على اتهامات وجّهت إليه.
هـ-4: 1- 34
تتضمّن هذه المجموعة مثَل الزارع (3- 9)، قولاً حول هدف الأمثال (11- 12)، تفسير مثل الزارع (13- 20)، سلسلة من الأقوال (21- 25)، مثل الزرع الذي ينمو سراً (26-29)، مثل حبة الخردل (30- 32) وقولاً حول استعمال الأمثال (33- 34:).
و- 4: 35- 5: 43
نجد في هذه المجموعة أربعة أخبار: العاصفة على البحيرة، مجنون الجراسيين، شفاء نازفة الدم وإقامة إبنة يائيرلس. نستطيع أن نسمّيها أحداث السفر. وقد تكون حصلت في 24 ساعة. مع قمة في إحياء إبنة يائيرس.
ز-30:6-56
نجد قبل هذه المجموعة ثلاثة أخبار منعزلة: رفض الناصرة ليسوع (6: 1- 6 أ)، المهمة المسلّمة إلى الإثني عشر (6: آ ب-13)، خوف هيرودس (6: 14- 16). وترتبط بالخبر الثالث، رواية مقتل يوحنا المعمدان (6: 17- 29).
مقابل هذا نقرأ 6: 30- 56 الذي يذكر إطعام الخمسة آلاف (35- 44) وعبور البحيرة (45- 52) والنزول إلى شاطىء جنسارت (53-56). هذه المجموعة لها مقدّمتها في خبر رجوع التلاميذ (30- 34) الذي يعود بنا إلى إرسالهم في 6 ب-13. بما أن 7: 1- 23 هو مجموعة (كما سنرى)، أما تكون 7: 24- 37 امتداداً لـ 6: 30- 56؟ أو أما تكون 8: 1- 26 تكراراً لـ 6: 30- 7: 37؟
في 6: 30- 56، يرتبط إطعام الجميع إرتباطاً غامضاً بـ "موضع مقفر" (آ 31، 35)، ولكنه يتعلّق بخبر عبور البحيرة، لأن يسوع أجبر تلاميذه على الذهاب إلى بيت صيدا (آ 45). ويرتبط العبور أيضاً في آ 53: "ولما أفضوا إلى البر، جاؤوا إلى جنسارت، وأرسوا هناك". نحن هنا أيضاً أمام التواصل التاريخي نفسه الذي وجدناه في 1: 21-39 و4: 35- 5: 43، والذي لم نجده في 2: 1-3: 6؛ 3: 19 ب-35؛ 4: 1- 34؛ 7: 1- 23.
ح- 7: 1- 23
نجد هنا: غسل الأيدي (5- 8) ومسألة القربان (أو النذر) (9: 13). ثم ثلاثة أقوال عن النجاسة (14- 15، 17-19، 20-23) تسبقها مقدمة إخبارية مقتضبة (1- 2) وتفسير لعادات اليهود حول غسل الأيدي والكؤوس (3- 4). وُضعت هذه المجموعة هنا لتعليم المسيحيين. وما يثبت هذا هو تفسير نقرأه في آ 19 (جعل كل الأطعمة نقية)، ولائحة بالخطايا (21- 23: الفجور، السرقة، القتل، الزنى...) تشبه ما نقرأ في رسائل العهد الجديد (روم 1: 29- 31؛ غل 5: 19- 21؛ أف 5: 3- 4...). وقد جعل مرقس هذه المجموعة هنا كمقدمة (7: 24- 37 و8: 1- 26) حيث تمارس الرسالة لدى الوثنيين (كما كانت أكثرية كنيسة رومة). هل ستبقى المسيحية شيعة، شأنها شأن سائر الشيع اليهودية، أم هي ديانة تتوجّه إلى الكون كله؟
ط- 7: 24- 37
قد تكون هذه المجموعة امتداداً لـ 6: 30-56. هي تصوّر انطلاق يسوع عبر حدود الجليل، إلى منطقة صور (24)، وحدث المرأة السورية الفينيقية (25- 30)، والسفر الى دكابوليس (أو المدن العشر، آ 31) وشفاء الأصم المنعقد اللسان (32- 37).
ي-8: 1-26
تتضمّن هذه المجموعة: إطعام الأربعة آلاف والعبور إلى دلمانوتا (1: 10)، طلب آية (11-13)، سر الخمير (14- 21) وشفاء أعمى بيت صيدا (22- 26). هناك أساس تاريخي، واهتمام ليتورجي وتعليمي أثّرا على تكوين هذه المجموعة: هناك "كنيسة" مثل كنيسة كورنتوس، كتب مرقس من أجلها خبر تكثير الأرغفة ليفهمها معنى الافخارستيا. لا آية للفريسيين. أما التلاميذ فنالوا آية "الخمير" أو بالأحرى "الخبز" وبالتالي الافخارستيا. أُخذوا باهتمامات مادية، فلم يفهموا الآية. لهذا قال لهم يسوع: أفلا تفهمون؟ ولكن يسوع ما زال يعطي النور كما في أيام حياته على الأرض بالجسد. وضع يده مرة، بل مرتين، على عيني الأعمى. هكذا سيحتاج التلاميذ إلى أكثر من شفاء على يد يسوع. وهكذا سبقت الفقاهة والكرازة تدوين الإنجيل.
ك-8: 27- 9: 29
هذه المجموعة تضم الأخبار والأقوال: اعتراف بطرس وأول إنباء بالآلام (27- 33)، أقواله عن حمل الصليب والذبيحة والملكوت (8: 34-9: 1). التجلي (9: 2-8)، حديث خلال النزول من الجبل (9-13)، شفاء الولد الذي يقع في الصرع (14-29). إرتبط إعتراف بطرس بتوبيخ يسوع له وبالنبوءة حول المسيح المتألم، وارتبط بهما التعليم عن حمل الصليب. والقول في 9: 1 هيّأ الطريق لخبر التجلي "بعد ستة أيام".
ل-30:9-55
أدخل مرض هنا مادة تعود إلى مرجع الأقوال الذي استقى منه: الإنباء الثاني بالآلام (30- 32) والخبر حول العظمة الحقيقية (33- 37). بدأ الخبر الأول: "ومضوا من هناك، ومرّوا بالجليل ولم يكن يريد أن يدري أحد" (آ 30). والخبر الثاني: "وذهبوا إلى كفرناحوم" (آ 33). بعد هذا تأتي أقوال يسوع (آ 38- 50).
م-10: 1-31
تبدأ هذه المجموعة، شأنها شأن سابقتها، بإشارة مكانية: "وانطلق من هناك، وشخص إلى أرض اليهودية وعبر الأردن". وبدأ التعليم أمام جمهور كبير حول الطلاق (2- 12) والأولاد (13- 16). بعد هذا يأتي سؤال الشاب الغني (17- 22) وحوار حول الغنى (23- 27) وسؤال حول المجازاة (28- 31).
ن- 10: 32- 52
وتظهر هنا السمات عينها. إفتتاحية قصيرة تقول: "وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم". الإنباء الثالث بالآلام (32 ب- 34)، طلب يعقوب ويوحنا (35- 40) الذي يرتبط به توبيخ العشرة الآخرين (41-45). وفي النهاية، خبر شفاء ابن طيما قرب أريحا (46- 52). ذروة هذا المقطع آ 45: "لم يأتِ ابن البشر ليُخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فداء عن كثيرين".
س-11: 1-25
تتضمّن هذه المجموعة خبرين عن يسوع: دخوله إلى أورشليم (1: 11)، تطهيره للهيكل (15-19) وخبر لعن التينة (12- 14، 20: 22) وأقوال حول الإيمان والصلاة (23- 25). نحن هنا في حقبة ثلاثة أيام: "وفي الغد" (آ 12). ولما أقبل المساء (آ 19). "في الغداة" (آ 20).
ع- 11: 27- 12: 44
أخبار خمسة حول السلطة، الجزية لقيصر، القيامة، الوصيّة الأولى، ابن داود. وإقوال عن الكتبة (12: 38- 40). هذه صورة عن صراع يسوع مع الكتبة.
ف- 13: 5- 37
قد يكون أساس الخطبة نبوءة جليانية حول المجيء (باروسيا) (5-8، 24-27).
ص-14: 1-20:16
خبر الآلام والقيامة.
نحن هنا أمام 18 وحدة تدوينية، كما قال تايلور (سارفو مثلا يقول إن 6: 30-8: 26 هي وحدة كبيرة). هذا يعني أننا نستطيع أن نجد 17 علامة قطع تدوينية. وإذا تبعنا سارفو احتجنا إلى 14 علامة قطع...

3- إجمالات تدوينية
نحن نجد بنية القديس مرقس بشكل خاص في "الإجمالات". هي ملخّصات تدوينية ألّفها مرقس ليربط الأحداث بعضها ببعض. قال دود: إذا وضعنا هذه الإجمالات الواحدة قرب الأخرى، حصلنا على ملخّص لكل خبر يسوع ورسالته. وقال مينات ده تيلاس إن الإجمالات تدلّ على مسيرة تحركات يسوع في مراحل. لنتعرّف إذن إلى هذه الإجمالات.
- 1: 14- 15: كرازة بحصر المعنى. ملخّص لكل نشاط يسوع المسيحاني، خصوصاً في الحقبة الأولى من الإنجيل: أعلن يسوع الإنجيل ومجيء الملكوت. أما ما تبقّى من معجزات وجدالات، فهي تعطي صورة عن هذا المجيء بما فيه من قوة ومفارقة.
- 1: 21- 22: بداية الرسالة في كفرناحوم. طابع القوة (طرد الشياطين) والمفارقة (يختلف تعليمه عن تعليم الكتبة).
- 1: 28: أول نتائج لتعليم يسوع وعمله: وفي الحال، ذاع خبره في كل مكان...
- 1: 39: رسالة يسوع في الجليل: تعليم في المجمع وطرد شياطين.
- 1: 45 ب: اعتزل يسوع في البرية. موقف غريب يستبق ما سوف نعرفه عن السر المسيحاني.
- 2: 1-2: نجاح لدى الجموع: التعليم هو نشاط أساسي في حياة يسوخ. ولكن مرقس لا يذكر مضمونه (التعليم هو ملكوت الله).
- 2: 13: نشاط يسوع على شاطىء بحر الجليل. تعليم.
- 3: 7-19: إجمالة مهمّة جداً. تدل على مرحلة جديدة في مهمة يسوع المسيحانية. هو يعلّم، هو يشفي، هو يقسّم (يطرد الشياطين). هذه الوجهات الثلاث تحدّد نشاط يسوع في نظر مرقس. غير أن يسوع لا يعمل وحده، بل يضمّ إليه الكنيسة. هو لا يبشّر وحده. فالكنيسة تبشّر معه.
- 4: 1-2: مقدمة لخطبة الأمثال: وأخذ يعقم من جديد بجانب البحر...
- 4: 33-34: خاتمة خطبة الأمثال. تعميم تعليم يسوع: لم يكن يكلّمهم إلا بالأمثال.
- 6: 6 ب-7: استعداد للرسالة كما في 3: 7-19.
- 6: 12-13: حصيلة الرسالة التي قام بها الرسل: كرزوا بالتوبة، أخرجوا شياطين كثيرة...
- 6: 55-56: ملخّص نشاط يسوع المسيحاني: قدرة على الشفاء: كل من لمسه كان يبرأ.
- 7: 24- 31: سفر إلى خارج الجليل.
- 8: 10، 27: سفر إلى خارج الجليل.
- 9: 30: سفر إلى أورشليم، على ما فيه من خطر.
- 10: 1، 32، 46: سفر إلى أورشليم. ثلاث مرات. إذن، ثلاث سنوات من الحياة العلنية.
نلاحظ أن الإجمالات كثيرة في القسم الأول (ف 1-8) من الإنجيل، وقليلة في القسم الثاني. بل هي تكاد تختفي بعد اعتراف بطرس بيسوع. ومع ذلك، فهذه الإجمالات غنية بالمضمون الإخباري واللاهوتي. إنها تمثّل العمود الفقري في إنجيل مرقس فتبدو كعنصر البناء الأساسي.
4- أقسام إنجيل مرقس
وهنا نخطو الخطوة الحاسمة وندلّ مع بعض اليقين، على الأقسام الكبرى في إنجيل مرقس.
أ- "مقال الخبز"
بيّن سارفو أن "مقال الخبز" (6: 31-8: 26) كان وحدة تدوينية كبيرة. فكل الأحداث تلمّح إلى الخبز والأرغفة. ويعود الموضوع في خاتمة تدوينية (8: 14- 21). هذه الإستعادة تدلّ على وحدة كتاب الخبز.
يورد 6: 30- 44 أول تكثير للأرغفة، فيدلّ على اللهجة، وعلى المضمون الإجالي. إن 6: 45 (وفي الحال) تربط رباطاً تدوينياً بين معجزة الأرغفة والسير على المياه. وما يثبت هذا أيضاً هو الخاتمة: "فدهشوا في أنفسهم أشدّ الدهش، لأنهم لم يفهموا شيئاَ من أمر (معجزة) الأرغفة" (6: 51- 52). هذه الخاتمة تدلّ بوضوح على الرباط اللاهوتي بين الحدثين. ثم يقدّم 6: 53 جملة تدوينية: "ولما أفضوا إلى البرّ، جاؤوا إلى جنسارت، وأرسوا هناك".
تبدأ في 7: 2 مجادلة مع الفريسيين تنطلق من التلاميذ الذين أكلوا "خبزاً" بأيدٍ نجسة. وفي الخلاصة الأخيرة (8: 14- 15) نجد معارضة لاهوتية بين "خمير" الفريسيين و"خبز" التلاميذ. إنطلق يسوع من الخبزات المأكولة بدون الإغتسال اليهودي التقليدي، فتوسّع في تعليمه حول الطاهر والنجس في أسلوب يشبه ما في 2: 18- 22. إن ف 7 هو توسيع لاهوتي لتكثير "الأرغفة" تجاه "خمير" الفريسيين.
في 7: 24 بدأت دورة ثانية لتكثير الأرغفة تشبه الدورة الأولى. فالسورية الفينيقية أرادت هي أيضاً أن تأكل. إن لم يكن من خبز البنين، "قله من الفتات المتساقط عن مائدة البنين (7: 27-28). فنالت أيضاً تكثيراً ثانيا للإرغفة من أجل اليونانيين (الوثنيين) (7: 24، 31: صور، دكابوليس. نحن في أرض وثنية). وسيكون حدث السورية الفينيقية وصلة تجمع بين معجزتَي تكثير الأرغفة.
إن تكثير الأرغفة الثاني يكرّر سيناريو التكثير الأولى. الوضع هو هو. والسؤال عينه والجواب عينه. والعبارة الافخارستية (التي تعد الطريق أمام 14: 22) تدلّ على المعنى اللاهوتي في إلحاح مرقس وذكره تكثير الأرغفة مرتين. وإن الملخّص التدويني (8: 14- 21) يبرهن على الوحدة التدوينية في كل "مقال الخبز"، ويعطي مدلوله اللاهوتي.
إذن، يجب أن نقوله إن "مقال الخبز" (6: 31-8: 26) يشكّل عند مرقس وحدة تدوينية تتركّز حول موضوع مسيحاني ولاهوتي هو موضوع "الخبز". ولكن يجب أن نزيد على هذه المجموعة 6: 6 ب-30 بسبب التضمين الذي نجده بين إرسال الإثني عشر وعودتهم من الرسالة التي تبدو بشكل مقدمة لتكثير الأرغفة الأول (6: 30- 34). وهكذا نحصل على أول قسمة واضحة في الإنجيل: 6: 6 ب-8: 26.
ب- الإنباءات الثلاثة بالآلام
يبدو لنا ولأسباب مماثلة ان 8: 27- 10: 52 تشكّل قسمة متماسكة وشبيهة بمقالة الخبز. تشرف عليها الإنباءات الثلاثة بالآلام وتعطيها وجهتها. هذه القسمة هي مكرّسة كلها للتلاميذ.
نقطة انطلاق هذه القسمة هي اعتراف ايمان الكنيسة بلسان بطرس (8: 27-30). كانت مسيحانية يسوع حتى الساعة موضوعاً محرّماً وممنوعاً. أما الآن، فيسوع هو الذي يحرّك الجدال: "من يقول الناس إني هو"؟ ودفع إعلان ايمان بطرس الإنباء الأولى بالآلام. نحن هنا في دينامية لا رجوع عنها. لا يستطيع بطرس ولا غيره أن يوقفها أو يخفّف مسيرتها إلى أن يتمّ كلّ شيء. وهذا ما يجعلنا نشعر لدى قراءة مر أننا أمام دينامية لا تقاوَم، فتصل بنا إلى الصليب.
إن أول إنباء بالآلام قد حرّكه اعتراف بطرس (8: 31- 32 أ): وبدأ يعلّمهم... وكان يقول ذلك صريحاً. شدّد مرقس على أننا أمام "لخطبة" جديدة ليسوع، أمام موقف يختلف عن سابقه، أمام بداية مرحلة جديدة في مهمّة يسوع الرسولية. تحدّث بصراحة عن آلامه. حدّث تلاميذه عنها "في السّر" وتوجّه بعزم نحو أورشليم حيث يتمّ مصيره. لقد انتهى كل شيء. وهكذا أتمت الإنباءات الثلاثة الكرازة الأولى وكمّلتها (1: 14- 15).
وطبّق 8: 34-9: 1 على التلاميذ (على الكنيسة) مصير يسوع المسيحاني. وارتبط التجلّي بهذه الرسمة: "بعد ستة أيام". موسى وايليا (الشريعة والأنبياء، العهد القديم كله). الصوت السماوي. كل هذا أكّد مصير يسوع الذي لا تراجع عنه. والمشهد في 9: 14-28 (شفاء مصروع) هو نقيض التجلّي، كما كانت عبادة العجل الذهبي نقيض الوحي في سيناء ("هذا الجليل"، مر 9: 19؛ رج تث 32: 5، 20؛ مر 78: 8...).
في هذا الوقت أطلق الإنباءُ الثاني بالآلام الخطبة الكنسية (9: 33- 50). وأعطي التعليم عن الزواج والغنى للتلاميذ بنوع خاص (في البيت سأله تلاميذه) (10: 10- 11، 26- 31). إن موضوع "الأطفال" (9: 33-37؛ 10: 13-16) هو تضمين يدلّ على الوحدة الموضوعية في القسمة كلّها. وهو يجد امتداده في "ابن الإنسان" في ألفاظ استلهمت "عبد الله المتألم" في أش 53 (1: 11). وإن 10: 43- 45 يمثّل تضميناً واضحاً يتجاوب وسؤال البداية في 9: 34- 35. والجواب الأخير على هذا السؤال نجده في 10: 43- 45 الذي يدلّ على الوحدة الموضوعية والتد وينية في "الخطبة" كلها (9: 33- 10: 45).
وبما أن هذا السؤال البدئي قد حرّكه الإنباء الثاني بالآلام، وبما أن الخطبة تتضمّن الإنباء الثالث بالآلام كجزء لا يتجزّأ فيها، يجب أن نستنتج أن القسمة في 8: 27- 10: 45 هي وحدة تدوينية ولاهوتية كبيرة. وهي تنتهي مثل قسمة (مقال) الخبز بشفاء أعمى يمثّل التلاميذ الذين استطاعوا بعد هذه المعجزة أن "يتبعوا" يسوع على طريق آلامه. كما استطاعوا أن يتعرّفوا إليه بعد شفاء أعمى بيت صيدا (8: 22-26).
وهكذا جعلنا حدوداً واضحة في قسمتين من إنجيل مرقس: 6: 6 ب-8: 26؛ 8: 27- 10: 52.
جـ- القسمتان الأولى والثانية
إذا أردنا أن نحدّد سائر القسمات، علينا أن نلجأ (بشكل سلبي) إلى السلسلات التدوينية التي تتقسّم، و"بشكل إيجابي" إلى الإجمالات التدوينية. فالسلسلات تمنعنا من وضع قسمة داخل سلسلة لا تتقسّم.
هنا نعود إلى 1: 1- 6: 6 أ. يكاد الشرّاح يتفقون على القول بأن 1: 1-13 يشكّل مطلع الإنجيل كله. وهكذا يبدأ النشاط المسيحاني حصراً مع 1: 14-15 الذي يشكّل له برنامجاً. إذن، سوف نحلّل 1: 14- 6: 6 أ. فإذا عدنا إلى تحليلنا للمجموعات، نرى أننا إمام خمس سلسلات تدوينية بين 1: 14 و6: 6 أ.
- 1: 21- 39: يوم في كفرناحوم.
- 2: 1- 3: 6: خمس مجادلات.
- 3: 20- 35: تضمين واحتواء.
- 4: 1- 34: الخطبة في الأمثال.
- 4: 35- 5: 43: سفر حول البحيرة.
إن 1: 14 يشكّل بداية قسمة رئيسية في الإنجيل. بعد هذا نستطيع أن نتوقّف بعد 1: 39؛ 3: 6؛ 3: 35؛ 4: 34. كيف نختار علامة القطع؟ نعود إلى الإجمالات التدوينية التي هي إشارة إيجابية إلى مرحلة جديدة في الإنجيل. كما أن المطلع (1: 1-13) هو مقدمة لاهوتية وموضوعية للإنجيل كله، كذلك تبدو كل إجمالة بشكل "مطلع" يقدّم لنا موضوع القسمة التي يفتتحها.
إن الإجمالات في 1: 14-6: 6 أ هي كما يلي: 1: 14-15، 21- 22، 28، 39، 45 ب؛ 2: 1- 2، 13؛ 3: 7-19؛ 4: 1- 2، 33- 34. من الواضح أن الإجمالة الأولى (1: 14- 15) تمثل البرنامج المسيحاني ليسوع وتحدّد عمله. إنها ترسم حقبة جديدة: بعد أن سُجن يوحنا، ذهب يسوع إلى الجليل وأعلن إنجيل الله. هناك تعاقب اسكاتولوجي بين يوحنا ويسوع: بعد أن أتمّ يوحنا مهمته كالسابق، بدأ يسوع مهمته. مع سجن يوحنا بدأت رسالة يسوع. وهكذا نكون أمام بداية جديدة، أمام بداية مطلقة لرسالة يسوع المسيحانية (بعد اختتام رسالة يوحنا). يوحنا هو "بداية الإنجيل" أي تهيئته. يسوع هو إعلان الإنجيل. يوحنا هو ما قبل الإنجيل. يسوع هو الإنجيل.
بعد هذا نجد إجمالة في 1: 21-22. هناك صيغة الجمع: "في السبوت" (أيام السبوت) كان يدخل إلى المجمع (كفرناحوم). وبعد هذا يأتي الحدث المروي في 1: 21-28. غير أن عبارة "أيام السبوت" هي برنامج طويل. كل يوم سبت، كان يسوع يذهب إلى المجمع (كما كان يفعل بولس في أعمال الرسل). هذا هو برنامج القسمة الأولى في مرقس (1: 21؛ 3: 6؛ 6: 2). لقد فهم لوقا هدف مرقس هذا، فجعل منه برنامج كل التبشير حتى رومة (لو 4: 16، 33؛ أع 13: 14- 15، 44-46؛ 14: 1؛ 17: 1-2، 10؛ 18: 19...).
إن التبشير يبدأ في المجمع، لأن الإنجيل هو تحقيق الكتب المقدسة التي تقرأ في المجمع خلال السبوت (أع 13: 27). وبعد أن طُرد يسوع (والمسيحيون الأولون) من المجمع، تحوّلوا إلى "الآخرين" (أع 13: 46: لكم كان ينبغي أولاً أن تقال كلمة الله، ولكن بما أنكم ترفضونها... نتوجّه إلى الأمم). إننا نجد الفكرة عينها في مرقس. 1: 19: وخرجوا من المجمع؛ 1: 35: "خرج إلى موضع قفر"؛ 1: 38: لأنني لأجل هذا خرجت؛ 1: 45 ب؛ 3: 7؛ 11: 11، 19. رج مت 23: 38 (أردت أن أجمع بنيك، فلم تريدوا). وهكذا حصل أول ظهور مسيحاني يا المجمع. وسيكون الظهور الحاسم في أورشليم.
ويتّضح لنا أن 1: 14-15 و1: 21- 22 هما في الواقع إجمالة واحدة. نحن هنا أمام موضوع خاص في مرقس، كما كانت الإنباءات الثلاثة بالآلام موضوع القسمة 8: 27- 10: 052 الأسلوب هو هو. ومرقس يريد أن يحدّد موقع القسمة الأولى من إنجيله في إطار "الدعوة". هذا يعني أن الكنيسة (وكنيسة مرقس بشكل خاص) تجد نفسها في قلب الإنجيل. فنقول: إن القسمة الأولى التي تبدأ مع إجمالة 1: 14- 21 تدخل في إطار التبشير. إن يسوع نفسه يبشّر. ولكنه يضمّ إليه الكنيسة منذ البداية. يدعوها (كما دعا التلاميذ). والميزة الخاصة بالتلاميذ هي أنهم ظهور يسوع الأول، ولكنه لا يمثّل مرحلة جديدة. إذن لا تدلّ هذه الإجمالة على قسمة رئيسية في الإنجيل، بل على خاتمة خاصة. ونقول الشيء عينه عن 1: 39، 45 ب. وان 2: 1-2 هو مقدمة لسلسلة من خمس مجادلات. ولكنه لا يدلّ على اننا عند منعطف في نشاط يسوع.
أما 3: 7-19 فهو أكبر إجمالة في مرقس وهو يدلّ على مَوحلة حاسمة. كان 3: 6 الخاتمة الأخيرة في القسمة الأولى مع رذل نهائي ليسوع، رذل يضع حداً للمرحلة الأولى نشاط يسوع المسيحاني، ويدشن 3: 7-19 بشكل احتفالي مرحلة جديدّة. إعتزل يسوع: هذا الموقف الجديد كان قد سبقه خروج وخروج يسوع (1: 29، 35...). أما الآن، فقد انتهى كل شيء. إعتزل يسوع وبدأ يكوّن شعب الله الجديد الذي يتألف من يهود ووثنيين (غير يهود) (3: 7-8: من اليهودية، من صور وصيدا). سيجعل من هؤلاء الناس "شعباً" (مثل الشعب الأول)، ويقيم اثني عشر رسولاً على مثال آباء الأسباط الإثني عشر. من الواضح أننا هنا أمام انقطاع عن المجمع (والعالم اليهودي) وتكوين كنيسة مسيحية منفصلة. ويتمّ ضمّ الكنيسة إلى يسوع بتأسيس الإثني عشر.
إذن، تشكّل هذه الإجمالة الكبيرة (3: 7-19) بداية قسمة رئيسية جديدة. إنها برنامج يحدّد القسمة كلها: 3: 7-6: 6 أ. إن 3: 20- 35 يرينا أهل يسوع الذين ظنوا أنه "فقد عقله". والفريسيين الذين اعتبروا أن فيه شيطاناً (تضمين: إتهام أهل يسوع واتهام ابناء الناصرة يتقابلان. رج 6: 4 وخاتمة كل هذه القسمة). حين رُذل يسوع، رذل عائلته وأبناء وطنه وأسّس عائلة جديدة وشعباً جديداً (شعب الله): الذين يسمعون ويقبلون مشيئة الله.
بعد هذا، تكلّم يسوع "في أمثال" لئلا يفهم أولئك "الذين من الخارج" (4: 11؛ ق 3: 31-32). ولكنه فسَّر كل شيء لتلاميذه على انفراد (4: 34). ويبدو أن "السفر" حول البحيرة هو خاص بالتلاميذ لا بالجمع عامة، والخاتمة تؤكد هذا القول (6: 1- 6 أ). هذا ما يقابل 3: 6 الذي اختتم القسمة الأولى. وهكذا نستطيع أن نقدم لائحة واضحة بالقسمات الأربع الأولى في مرقس:
- 1: 1-13: المطلع.
- 1: 14- 3: 6: القسمة الأولى: دعوة الكنيسة.
- 3: 7- 6: 6 أ: القسمة الثانية: تأسيس الكنيسة.
- 6: 6 ب- 8: 26: القسمة الثالثة: الخبزات (رسالة الكنيسة).
- 8: 27- 10: 52: إنباءات الآلام الثلاثة (إعتراف الكنيسة).
إن الإجمالتين 4: 1- 2 و4: 33- 34 كانتا إجمالتين خاصتين تحيطان بخطبة الأمثال. هما لا تدلاّن على بداية قسمة ولا على نهايتها.
في بداية القسمة الثالثة (6: 6 ب-8: 26: الخبزات) وجدنا وضعاً مشابهاً لما في القسمة الأولى: إجمالتان (6: 6 ب-7 و6: 12-13) تفصل بينهما خطبة رسولية (6: 8- 11). ولكن هذه العبارة "خطبة رسولية" تعود إلى مقابلة ضمنية أو واضحة مع مت 10. هل يمثل 6: 8- 11 في بنية انجيل مرقس "خطبة رسولية" حقيقية؟ أم ان 6: 6 ب-13 يمثّل "برنامج" قسمة الخبز؟ نلاحظ أن 6: 6 ب-13 هو قريب جداً من 3: 7- 19. إنه امتداد له. وهكذا توجز الإجمالة الأولى (1: 14- 21) "دعوة الكنيسة". والإجمالة الثانية (3: 7- 19) "تأسيس الكنيسة". والإجمالة الثالثة (6: 6- 13) توجز "رسالة الكنيسة" (قسمة الخبزات).
وإذا تابعنا طريقنا، لاحظنا أن بداية القسمة الرابعة (8: 27- 31) هي اعتراف بطرس. وهنا أيضاً، تجد إجمالةٌ صغيرة (8: 127) تتمّتَها في عمل الكنيسة: اعتراف بطرس الذي دفعه إليه يسوع دفعاً. وهكذا ندرك منذ الآن بوضوح بنية إنجيل مرض وأسلوبه وتعليمه ومراحله الكبرى. هذا يبرهن على أن تحليل البنية الأدبية في مرقس تحليلاً دقيقاً، أمر مهم لكي نفهم هدفه اللاهوتي. وهذا التدرجّ الكنسي في إنجيل مرقس يجعل تعليمه شفافاً. كما يجعلنا نستشفّ في الوقت عينه صورة عن كنيسة مرقس.
د- القسمتان الخامسة والسادسة
حدّدنا حتى الآن أربع قسمات ووصلنا إلى نهاية ف 10 (10: 52). إذن يبقى علينا أن نحلّل 11: 1-16: 8. نعرف في هذه الفصول الأخيرة أن خبر الآلام يشكل مجموعة تدوينية متواصلة (14: 1- 16: 8). إذن، سنجد قسمة رئيسية قبل ف 13 أو بعده. بما أننا تعوّدنا على قراءة الأناجيل وكأنها سيرة يسوع، يبدو من الواضح أن نحدّد موقع القسمة بين ف 13 الذي هو نهاية رسالة يسوع، و14: 1-16: 8 الذي هو الآلام. ولكن هل كان هدف مرقس أن يقدّم لنا سيرة يسوع؟ أم أن هدفه كان هدفاً رعائياً محدّداً؟ هل الإنجيل الثاني هو مقال عن يسوع أو مؤلَّف أملته الظروف في وضع خاص بكنيسة رومة؟
قالت ليتفوت إن الخطبة الاسكاتولوجية هي موازية لخبر الآلام. وفي الواقع، إن خبر الآلام يجد هدفه في تطبيق ملموس على وضع الكنيسة كما صوّرها ف 13. ونجد الموازاة عينها في 8: 1 3- 38. إن الآلام تصوّر مصير يسوع الذي مات وقام. وتبين الخطبة الاسكاتولوجية أن ذاك كان مصير الكنيسة أيضاً. هذا يفترض أن كنيسة مرقس لاقت إضطهاداً قاسياً يشبه آلام معلّمها. وإليك بعض التوازيات بين ف 13 و14: 1- 16: 8.
- في ف 13، نجد ثلاث مرات كلمة "أسلم". ونجدها عشر مرات في ف 14- 15 (ق 13: 9 مع 14: 53؛ 15: 15).
- في 13: 22-23، نرى المسيح الدجال (انتيكرست، ضد المسيح) يشتّت المختارين. في 14: 27، تشتّت التلاميذ، ويبدو ان يهوذا يمثل الانتيكرست خلال الآلام (ق يو 13: 27؛ 17: 12؛ 2 تس 2: 3).
- في 13: 32- 33، نقرأ عن اليوم والساعة. أما 14: 35 فيطلب أن تبعد الساعة. ويعلن 14: 41: لقد جاءت الساعة.
- نقرأ في 13: 35: المساء، نصف الليل، الديك، الصباح. في 14: 17: المساء. في 14: 35- 41، ينتظر يسوع "الساعة": بعد النزاع، نحن تقريباً في نصف الليل. في 14: 72: صياح الديك. في 15: 1: الصباح. بعد هذا، تتوزع ساعات الآلام ثلاثاً ثلاثاً (14: 68، 72؛ 15: 1، 25، 33، 42).
- إن الإنباء الإحتفالي بالمجيء (باروسيا) (13: 26) يقابل التصريح أمام السنهدرين (14: 62).
- كل ما أعلنه مرقس في ف 13 قد تمّ في نظره خلال الآلام: الهيكل المدمَّر (13: 2) هو موضوع الإتهام (14: 58). إن النبوءة بدأت تتحقّق بشكل رمزي في 15: 37 (تمزّق حجاب الهيكل). وآيات الشمس والقمر (13: 24- 25) بدأت تصبح أمراً ملموساً في 15: 33. ومتّى الذي أدرك هدف مرقس أضاف الزلزال (أو: الهزة الأرضية) (مت 27: 51؛ ق مر 13: 8= مت 24: 7).
بعد هذه المقابلة نعتبر أن 13: 1-8:16 يشكّل قسمة واحدة، هي النقطة الأخيرة في إنجيل مرقس. إذن، تكوّن الخطبة الاسكاتولوجية وخبر الآلام عنصرين تدوينيين لا ينفصلان: فالموازاة بين الإثنين دلّت على أن آلام المسيح تفسّر الاضطهاد الحاضر الذي تعاينه كنيسة مرقس. إن ف 13 (مع الإجمالات) هو صورة واضحة عن كنيسة مرقس (رج 4: 13- 20).
ويبقى لنا 11: 1- 12: 44. إنه القسمة الخامسة في مرقس. وهكذا نحصل على ست قسمات في مرقس، وكل قسمة تبدأ بتأسيس متدرجّ للكنيسة. هذا ما يبيّن الطابع الكنسي للإنجيل ويدلّ على أنه كتاب أملته الظروف. كان جواباً على ضرورة خاصة في كنيسة مرقس، هي الاضطهاد.
وهكذا نحصل على ترتيب أدبي ولاهوتي للإنجيل في مطلع وست قسمات:
- 1: 1-13: المطلع.
- 1: 14- 3: 6: القسمة الأولى: دعوة الكنيسة.
- 3: 7- 6: 6 أ: القسمة الثانية: تأسيس الكنيسة.
- 6: 6 ب- 8: 26: القسمة الثالثة: رسالة الكنيسة (الخبزات).
- 8: 27- 10: 52: القسمة الرابعة: إعتراف الكنيسة.
- 11: 1- 12: 44: القسمة الخامسة: الانتصار المسيحاني.
- 13: 1- 16: 8: آلام المسيح والكنيسة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM