ليئة وراحيل.

ليئة وراحيل

الخوري بولس الفغالي

ليئة وراحيل أختان في القبيلة والواحدة تختلف عن الأخرى. ليئة هي الكبرى ومعنى اسمها "البقرة الوحشيَّة". وراحيل هي الثانية. ومعنى اسمها "النعجة" أو "الرخلة" كما نقول في العربيَّة القديمة. ليئة كانت أمَّ القبائل التالية التي شكَّلت القسم الكبير من الشعب العبرانيّ: "رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، يسّاكر، زبولون" (تك 35: 23). وعبر زلفة، جارتها، كانت أمَّ "جاد وأشير" (آ26). وسوف يتوسَّع الكتاب فيورد أسماء العشائر الآتية من القبائل المرتبطة بليئة في تك 46: 8-18: "بنو رأوبين: حنوك، فلّو، حصرون، كرمي" (آ9). هم ثلاث وثلثون نفسًا (آ16) يضاف إليهم "ستَّ عشرة نفسًا" ارتبطوا بزلفة (آ18). وارتبط براحيل قبيلتان: يوسف وبنيامين (تك 35: 24)، وبواسطة جاريتها قبيلتان أيضًا: "دان ونفتالي" (آ26). وكما تفرَّعت عشائر من قبائل ليئة، كذلك كان من قبيلة راحيل، بحيث شكَّل الجميع سبعين نفسًا (تك 46: 27).

  1. بين المحبوبة والمكروهة

نترك هنا إطار القبائل العبرانيَّة حيث يكون لكلِّ قبيلة موضع تقيم فيه. وعمل خاصّ بها. رأوبين يكون البكر. لاوي يكون القبيلة الكهنوتيَّة. جاد هو جدُّ داود وبالتالي أبو القبيلة الملكيَّة. ويوسف يكون مخلِّص إخوته في مصر من الجوع، كما قال لإخوته حين عرَّفهم بنفسه: "الله أرسلني أمامكم لأحفظ حياتكم" (تك 45: 5). نترك هذا الإطار ونتحدَّث عن امرأتين أختين كانتا لرجل واحد هو يعقوب ابن إسحاق. فالآباء على ما يبدو لم يعيشوا بحسب الوصيَّة التي كانت منذ الابتداء (مت 19: 4)، التي قالت: "يترك الرجل أباه وأمَّه ويتَّحد (يلتصق، د ب ق في العبريّ) بامرأته فيصير الاثنان جسدًا واحدًا" (مت 19: 5؛ تك 2: 24).

مضى يعقوب إلى خاله لابان. ترك ما يُدعى اليوم أرض فلسطين ومضى إلى أرام، إلى السهل الشماليّ في العراق القريب من حرّان. خاف من أخيه عيسو، فمضى إلى هناك، وكان أوَّل لقاء له مع ابنة خاله راحيل التي كانت راعية غنم (تك 29: 9). جاءت تسقي الماشية فساعدها على رفع الحجر. ولمّا انتهى "قبَّلها ورفع صوته وبكى" (آ11). ولمّا عرفت من هو "أسرعت وأخبرت أباها" (آ12). "فلمّا سمع لابان خبر قدوم يعقوب ابن أخته، هبَّ للقائه فعانقه وقبَّله وجاء به إلى بيته" (آ13). وأقام يعقوب عند خاله شهرًا كاملاً (آ14).

وبدأت المسيرة الزواجيَّة. سوف يعمل يعقوب عند خاله سبع سنوات فتكون له راحيل زوجة. قال: "أخدمك سبع سنين وتعطيني راحيل زوجة لي". فقال لابان: "إن تأخذها أنت خيرٌ من أن أعطيها لغيرك. فأقمْ عندي" (آ18-19).

وقال الراوي: "خدمه يعقوب سبع سنين ليأخذ راحيل، وكانت هذه المدَّة قصيرة في نظره لأنَّه كان يحبُّها" (آ20). قصَّة راحيل تشبه أكثر من قصَّة في الكتاب المقدَّس. راحيل هي المحبوبة وأختها هي "المكروهة". سارة هي الأميرة لدى إبراهيم، وهاجر هي الجارية، الغريبة التي لا يحقُّ لها أن تفرح إذا هي حبلت بابن، كما لا يحقُّ لها أن تتصرَّف تصرُّفًا خاصًّا. حينئذٍ هي تُطرَد وحدها أوَّلاً (تك 16: 6) ثمَّ مع  ابنها، "فبكَّر إبراهيم في الغد وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر ووضع الصبيَّ على كتفها وصرفها، فمضت تهيم على وجهها في صحراء بئر سبع" (تك 21: 14). وكذا نقول عن حنَّة، زوجة إلياقيم ووالدة صموئيل النبيّ. كان زوجها يحبُّها (1 صم 1: 5)، وقال لها يومًا: "أما أنا خيرٌ لك من عشرة بنين" (آ8). قال لها ذلك لأنّها كانت عاقرًا (آ5).

كانت راحيل المحبوبة على حساب أختها. فلا بدَّ أن يكون الحسد غمر قلب ليئة. كانت بشعة تجاه أختها راحيل الجميلة. قال عنها الكتاب: "كانت حسنة الهيئة جميلة المنظر" (تك 29: 17ب). لهذا أحبَّها يعقوب (آ18) فتوقَّف عند المنظر الخارجيّ ونسيَ الجمال الآخر، على ما قال الربُّ لصموئيل عند اختيار ملك يخلف شاول: "الإنسان ينظر إلى المظهر، وأمّا الربُّ فينظر إلى القلب" (1 صم 16: 7).

وما أحبَّ ليئة التي كانت "ضعيفة العينين" (تك 29: 17أ). فما سحرته بجمالها، كما فعلت بتشابع بداود، ففضَّلها على سائر نسائه اللواتي تبعنه في حلِّه وترحاله، وجعل ابنها سليمان وريث العرش. صارت ليئة "مكروهة" (آ31). لهذا أراد الربُّ أن يعوِّض عليها فأعطاها الأولاد العديدين، وما أعطى راحيلَ ولدًا. فدبَّ الحسد في قلب راحيل. قال الكتاب: "غارت من أختها وقالت ليعقوب: "أعطني ولدًا وإلاَّ أموت" (تك 30: 1). ربَّما تموت من الحزن. وربَّما "تقتل" نفسها لئلاّ تحسَّ بالعار تجاه أختها. ومن يدري ربَّما يطلِّقها لأنَّها لم تنجب له الأولاد.

تألَّمت ليئة من وضعها "كمكروهة"، ولكنَّ الربَّ جعلها "ولودًا". ولدت رأوبين وقالت: "رأى الربُّ عنائي" (تك 29: 32). وانتظرت أن يحبَّها زوجها. ولكن لم يتبدَّل بالنسبة إليها. وولدت الثاني، شمعون الذي ارتبط اسمه بالسماع: الله "سمع أنّي مكروهة" (آ33). والثالث سمَّته لاوي: "والآن يلوي (يميل) إليَّ قلب زوجي" (آ34). كلا. فما بقي لليئة سوى رفع آيات الحمد والشكر حين ولدت يهوذا. "والآن أُقرُّ بفضل ربّي".

في الأصل فضَّل يعقوب راحيل على ليئة. وزاد "كرهه" لها حين غشَّه لابان وأعطاه إيّاها. "عند الغروب أخذ (لابان) ليئة بدل راحيل وجاء بها إلى يعقوب فدخل عليها" (آ23). في الصباح ظهرت الخديعة، فقال لابان: "في بلادنا لا تتزوَّج الصغرى قبل الكبرى" (آ26). وهكذا أُجبر يعقوب على العمل سبع سنين أخرى لتكون له راحيل، وبعد السبع سنين يقول الراوي: "فدخل يعقوب على راحيل أيضًا وأحبَّها  أكثر من ليئة" (آ30).

ما نلاحظ في هذه الأخبار، هو أنَّ الربَّ يعوِّض الحبَّ الذي ينقص المرأة "المكروهة". هاجر "الجارية" أعطيَت ولدًا. وفننَّة، ضرَّة حنّة، أعطيت البنين العديدين ساعة "لم يكن لحنَّة بنون" (1 صم 1: 2) فيعطيها ألقانة حصَّة واحدة من الذبيحة. ويعطي فننَّة حصصًا كرامة "لبنيها وبناتها" (آ4). فحبُّ الرجل لامرأة من نسائه لا يضيف شيئًا بالنسبة إلى الربّ. وكذا نقول عن ليئة التي نالت أربعة بنين ساعة أختها لبثت من دون أولاد. لهذا قال لها يعقوب: "هل أنا مكان الله؟ هو الذي حرمك ثمرة البطن" (تك 30: 2). وكانت المقايضة حين جاء رأوبين باللفّاح، ذاك النبات الذي اعتبروه يجعل المرأة ولودًا. طلبت راحيل اللفّاح، فقالت لها ليئة: "أما كفاك أن أخذتِ زوجي؟" (آ15). وهكذا أعطت راحيل دورها لليئة التي حبلت بابن خامس وبابن سادس وهي تنتظر أن "يحتملها زوجها" (آ20).

هنا تتدخَّل الشريعة في ما يتعلَّق بالمرأة "المحبوبة" والمرأة "المكروهة"، والمعنى الأساسيّ لهذا التعبير: التي يحبُّها أقلّ من "المحبوبة". وذلك كما في الكلام الإنجيليّ: "من يأتي إليَّ ولا "يبغض" أباه وأمَّه... لا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 26). المعنى: من لا يحبُّني أكثر من أبيه وأمِّه. تلك طريقة معروفة في الكتاب المقدَّس: أحبَّ يعقوب راحيل أكثر ممّا أحبَّ ليئة.

ماذا تقول الشريعة؟ "إذا كان لرجل زوجتان، إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولدتا له كلتاهما بنين وكان الابن البكر للمرأة المكروهة، فيوم يورث بنيه ما يملكه، لا يحلُّ له أن يعطي حقَّ البكوريَّة لابن المحبوبة دون الابن البكر للمكروهة، بل يقرُّ بابن المكروهة بكرًا فيعطيه سهمين من جميع ما يملكه، لأنَّه هو أوَّل بنيه وله حقُّ البكوريَّة" (تث 21: 15-17).

نلاحظ الظلم في المجتمع، وهو أمرٌ يرفضه "الله". كلُّ محاولات ليئة باءت بالفشل  فيعقوب لبث "يحبُّ راحيل ويكره ليئة" أي يحبُّها أقلّ. وكذا نقول عن إبراهيم الذي طرد إسماعيل مع أنَّه هو البكر. فالأب لا يحقُّ له أن يفضِّل امرأة على أخرى، وابنًا على ابن. في الواقع، ذاك ما فعل يعقوب إذ ميَّز يوسف عن إخوته "كان يحبُّه أكثر من سائر بنيه" (تك 37: 7). وهكذا دبَّ الحسد في قلوب الإخوة الذين رأوا أنَّ "أباهم يحبُّه أكثر منهم جميعًا فأبغضوه حتّى لم يقدروا أن يكلِّموه بمودَّة" (آ4).

هذه الأخبار وغيرها هي تنبيه وتعليم قبل أن تكون أمورًا تاريخيَّة. في أيِّ حال هي من الواقع اليوميّ، لا في ذاك الزمان، بل اليوم أيضًا وفي كلِّ يوم، ولاسيَّما حيث الرجل هو السيِّد ولا يحقُّ لأحد أن يناقشه في ما يفعل. ويبقى وجه إسحاق مميَّزًا. ما كان له سوى رفقة زوجة "أحبَّها إسحاق وتعزَّى بها عند فقدان أمِّه" (تك 24: 67).

  1. بين الولود والعاقر

في خبر البدايات نقرأ نموذج الرجل والمرأة في "آدم وحوّاء" اللذين يمثِّلان كلَّ عريس وعروس في انطلاقة حياتهما الزوجيَّة. "وعرف آدم، امرأته حوّاء، فحبلت وولدت قايين" (تك 4: 1). والفعل عرف يعني مارس الحياة الزوجيَّة الحميمة. وحين كان الولد، قالت حوّاء: "رُزقت من لدن الربِّ ابنًا" (آ4ب). الفعل يعني: اقتنى، اغتنى، صرتُ غنيَّة.

أجل، الولد عطيَّة من لدن الربّ. لهذا لا يحقُّ لامرأة أن تفتخر على "أختها" إذا لم يمنحها الله أولاد. لا يقول النصُّ في خبر يعقوب عن ليئة إنَّها تشامخت على أختها لأنَّها وهبت زوجها ستَّة بنين وابنة واحدة هي دينة (تك 30: 21) فكلُّ همِّها كان أن تستميل قلبَ زوجها. ولكن في خبر إبراهيم، نعرف أنَّ سارة صارت "صغيرة" في نظر هاجر (تك 16: 5). حين عرفت أنَّها حبلت. فيا ليتها لبثت في التواضع فتقول عكس ما قاله يعقوب لراحيل: "هذا ما وهبني الله من البنين". اعتبرت هاجر أنَّها بقدرتها نالت ولدًا. "فأخذت ساراي تذلُها حتّى هربت من وجهها" (آ6). يا ليتها قالت كما قالت ليئة: "الربُّ نظر، الربُّ سمع، وأنا أقرُّ بفضل الربّ" (تك 29: 32-35).

وما نقوله عن هاجر نقوله عن فننَّة، ضرَّة حنّة. قال الراوي: "كانت فننَّة ضرَّتُها (= ضرَّة حنَّة) تغضبها وتهينها بسبب ذلك" (1 صم 1: 6) أي لأنَّها عاقر، وفي وقت العيد الذي هو وقت الفرح، يواصل الراوي: "فكانت فننَّة تغضبها  فتبكي حنَّة ولا تأكل" (آ7). فيتدخَّل ألقانة: "يا حنَّة، لماذا تبكين ولا تأكلين؟ ولماذا يكتئب قلبك؟" (آ8). يكون الرجل تعيسًا في هذه الحالة إذا أراد أن يكون عادلاً. فكيفي رضي امرأتين إن لم يكن أكثر؟ عرف ألقانة بما تفعله فننَّة تجاه حنَّة. ولا شكَّ في أنَّ يعقوب رأى الحسد حتّى بين أختين. لماذا وجعُ الرأس؟ أما يكفي الرجل امرأة واحدة، والمرأة رجل واحد؟ وحدَّثنا الرسول عن الهمّ الذي يلاحق الإنسان.

كانت أفكار خاطئة عديدة. فالرجل يكون "رجلاً" حين يستطيع أن "يقتني" النساء العديدات. لهذا قيل ما قيل عن سليمان الذي أكثر من نسائه فقال فيه يشوع بن سيراخ بعد أن امتدح حكمته: "لكن عشقك للنساء أخضعك لهنَّ، فلطَّخت كرامتك ونجَّست نسلك وجلبتَ العقاب على بنيك وجعلتهم يتألَّمون كثيرًا بسبب جهالتك" (سي 47: 19-20). ولم يكن داود أفضل من ابنه كثيرًا. وإذ أراد أن يتزوَّج على سائر نسائه "ابنة ملك"، ميكال بنت شاول، احتقرته تلك المرأة لأنّه تواضع أمام الربِّ القدير (2 صم 6: 16). ونحن نعرف كيف تقاتلَ أبناءُ نسائه للوصول إلى المُلك.

والمرأة تُعتبَر أنَّها "سُترتْ" إذا تزوَّجت ولو كانت مع زوجات كثيرات. فهي لا اسم لها. إنَّها ابنة فلان، وامرأة فليتان، وأم علتان. ما اسمها؟ لا اسم لها. ما شخصيَّتها؟ لا شخصيَّة لها. وفي أيِّ حال يعطيها أبوها لرجل ربَّما لا تعرفه ولا تحبُّه، ولا حقَّ لها أن ترفض ولا أن تقاوم. ويحدِّثونك عن مساواة الرجل بالمرأة! مثل هذا الخضوع الخائف والخنوع لا يتوافق مع نصِّ الكتاب المقدَّس حيث المرأة ترتبط "بقلب" الرجل، بعد أن جعلها الله ضلعًا من أضلاع صدره (تك 2: 21)، لا عظمة من رجله. ما هي فقط خادمة الأولاد وملبِّية الشهوات، بل هي "عظم من عظم الرجل، ولحم من لحم الرجل"، لها من الحقوق ما له، وعليها من الواجبات ما عليه.

والخطأ أنَّه يجب أن تنجب له الأولاد العديدين بحيث يتعلَّق بها. ذاك كان هدف ليئة من كثرة أولادها. وذاك هو هدف عدد من النساء في أيّامنا. والسبب: كثرة الأولاد هم بركة ولاسيَّما في أعمال الحقل. ثمَّ هم "ملك" الرجل يتصرَّف بهم كما يشاء: يطردهم، يبيعهم، يدفعهم إلى العمل في عمر مبكر.

ولكن هذا ليس فكر الكتاب المقدَّس. فطرقُه غير طرقنا وأفكاره غير أفكارنا. "ولدت راحيل يوسف" (تك 30: 25)، ولكنَّه لم يكن مثل إخوته، بل تميَّز عنهم بالفضيلة وبالطاعة لوالده. وفي النهاية، دلَّ غفرانه لهم على أنَّه قريب من الربّ، مستند إلى عنايته. وصموئيل ابن حنَّة المرأة العاقر، هو غير إخوته من فننَّة الذين غاب ذكرهم وكأنَّهم ما وُلدوا ولا عاشوا. أمّا صموئيل، فبدأ رسالته مع الربِّ الذي دعاه فأجاب: "تكلَّم يا ربّ فإنَّ عبدك يسمع" (1صم 3: 10). فقيل فيه: "وكبُر صموئيل وكان الربُّ معه، ولم يهمل شيئًا من جميع ما كلَّمه به" (آ19). هو النبيّ الذي تراءى له الربُّ وكلَّمه (آ21). لهذا أنشدت أمُّ صموئيل: "العاقر ولدت سبعة، وكثيرة البنين ذبلت" (1 صم 2: 5). ولدت راحيل ولدًا هو يوسف، فكان مساويًا لعدد كبير من البنين، والرقم 7 يدلُّ على الملء والكمال. وولدت حنَّة صموئيل. وإسحاق ابن إبراهيم سيكون حلقة في سلسلة العهد بين إبراهيم وآباء الشعب العبرانيّ. ويوحنّا المعمدان الذي انتظرته أمُّه مدَّة طويلة وخافت من العار أن يلاحقها (لو 1: 25)، لم يَقُم مثله في مواليد النساء (لو 7: 28).

كانوا يعتبرون المرأة التي تلد البنين العديدين هي مباركة من الربّ، أمّا العاقر فهي من نسل الأفاعي (أي 25: 34) "تحبل بالفساد فتلد الإثم وأحشاؤها تتمخَّض بالمكر" (آ35). فالمرأة التي لا تلد هي "خاطئة" وتخاف في كلِّ وقت على نفسها. أمّا الكتاب فقال غير ذلك: "فهنيئًا للعاقر التي لم تتدنَّس ولم تعرف الزنى، لأنَّها ستنال ثمرتها في يوم الحساب" (حك 3: 13). فالتقوى أهمُّ من كلِّ شيء. وما فعلته سارة حين قدَّمت "جاريتها" هاجر إلى زوجها، لا يمكن أن يقبل به المسيحيّ: هو زنى بكلِّ معنى الكلمة. ولمّا حبلت هاجر، اعتقدت سارة أنَّ زوجها ظلمها.

والبنون الكثيرون هم خيرٌ إذا كانوا أخيارًا، وهم شرّ إذا كانوا أشرارًا. فماذا فعل أولاد ليئة بأخيهم يوسف؟ أرادوا قتله وفي النهاية باعوه بيع العبيد. ونتعرَّف إلى قساوة قلوبهم حين "أخذوا يوسف وطرحوه في البئر... ثمَّ جلسوا يأكلون" (تك 37: 24-25). الأمور تسير بألف خير. وبعد بيع الأخ، تبعه الكذب. لهذا قال يشوع بن سيراخ: "لا تشتهِ أولادًا لا ينفعون، ولا تفرح بالبنين الأشرار. لا تُسرُّ بكثرتهم. ما لم تكن فيهم مخافة الربّ. لا تكن واثقًا بطول حياتهم، ولا تأخذ في الاعتبار كثرة عددهم. فواحدٌ صالح خيرٌ من ألف، والموت بلا ولد خير لك من كثرة الأولاد الأشرار" (سي 16: 1-3).

صموئيل ابن العاقر تجاه أبناء عالي الكاهن الذين كانوا "حقيرين لا يعرفون الربَّ ولا حقَّ الكهنة على الشعب" (1 صم 2: 12). ويوسف تجاه إخوته الذين فتكوا بمدينة شكيم الذين قبلوا الختان. قيل عن شمعون ولاوي إنَّ كلَّ واحد أخذ سيفه "ودخلا المدينة آمنين فقتلا كلَّ ذكر" (تك 34: 25). وتبع هذين الأخوين الذين رفض يعقوب أن يجلس مجلسهما لأنَّ "سيوفهما سلاح العنف" (تك 49: 5-6) بنو يعقوب كلُّهم "ونهبوا ما في المدينة (تك 34: 27). ولا نقول شيئًا عن إسماعيل الذي كانت يده على الجميع ويدُ الجميع عليه (تك 16: 12).

الخاتمة

كم من التعاليم في هذين الوجهين، وجه ليئة ووجه راحيل، وما يتبعهما. هو شجب ضمنيّ لتعدُّد الزوجات. إذا كان الحسد يدبُّ بين الأختين للسيطرة على القلب، فماذا يكون إذا كانت الواحدة غريبة عن ضرَّتها! أو ضرَّاتها. إذا تكاثرت النساء فوصلت إلى 86 كما قرأنا في إحدى الصحف، مسكينة المرأة التي تقبل بهذا الوضع. هي لا تحترم نفسها فكيف تُريد لزوجها أن يحترمها؟ وليئة، شأنها شأن راحيل، أتت بامرأة "حامل"، تحبل عنها إذ هي عجزت. ها نحن أمام "فبركة" أولاد. أإلى هذا المستوى تصل الأسرة؟

وهو شجب لرجل له أكثر من امرأة ولا يعرف أن يكون عادلاً! فلماذا لا يعود إلى الكتاب المقدَّس الذي يقول: لكلِّ رجل امرأته ولكلِّ امرأة زوجها. وبعد ذلك تتعبه زوجاته. هذا إذا كان قلبه لا يميل عن عبادة الربّ، على مثال سليمان الذي كان حكيمًا في أمور عديدة، لا في عدد الزوجات اللواتي "اقتنى".

وهو شجب لتصرُّف امرأة ولود تجاه أختها العاقر. لا مجال للتكبُّر والتشامخ. الولد عطيَّة من الله. ونرجو لكلِّ امرأة أن يكون لها الأولاد فيكتمل الحبُّ الزواجيّ. وإلاَّ تتبنّى العمل الاجتماعيّ فلا تنغلق على نفسها وتنعزل، ولا تثور وتتألَّم كلَّ مرَّة ترى طفلاً. عندئذٍ تكون لها أسرة كبيرة فلا تعتبر "عقمها" عارًا، بل هو مناسبة لعطاء أوسع. وهكذا تشبه "الراهبة" التي رفضت أن تكون لأسرة محدَّدة بعدد أولادها، بل أرادت لها أسرة كبيرة بحيث ترضي ربَّها وتنال القداسة جسدًا وروحًا (1 كو 7: 34). وما نقوله للمرأة نقوله للرجل. فتجاه راحيل يعقوب، وتجاه سارة إبراهيم، وتجاه حنّة ألقانة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM