الفصل الأربعون من العهد القديم إلى العهد الجديد

الفصل الأربعون

من العهد القديم إلى العهد الجديد

نتوقّف في هذا الفصل الأخير أمام قسمين. الأول: تكوين التوراة: الثاني: القراءة المسيحية للتوراة.

أ- تكوين التوراة
1- التوراة لدى اليهود
لم تتثبّت لائحة أسفار العهد القديم مرة واحدة لدى اليهود الذين لم يجعلوا منزلة واحدة لكل أقسامها.

أولاً: البنتاتوكس
سنة 398 تقريباً، حدّد عزرا "التوراة" بالمعنى الحصري للشريعة. وهي تتضمن الكتب الخمسة الأولى في العهد القديم. هي البنتاتوكس. الشريعة هي دستور اليهود، وقانون تقرّ به الدولة. أسفار الشريعة هي أقدس الكتب. دوّنت بيد موسى فكانت قاعدة الايمان والحياة. أما السامريون فلا يأخذون من العهد القديم إلا أسفار الشريعة التي هي وحدها مقدّسة في نظرهم.

ثانياً: الأنبياء
وفي ذلك الوقت أو بعده، جُمعت نصوص الانبيأء وتلاميذهم. فكان لنا الانبياء السابقون أو الأولون: يشوع، القضاة، صموئيل، الملوك. نجد في هذه الأسفار أخباراً دوّنت بروح الانبياء. وهي التي سمّيت التاريخ الاشتراعي لأنها كتبت بروح تثنية الاشتراع. وكان لنا الانبياء اللاحقون أو الآخرون: أشعيا، إرميا، حزقيال، الأنبياء الإثنا عشر (هوشع، يوئيل، عاموس...). هذه المجموعة كانت ثابتة أقلّه سنة 180 ق. م. على ما يقول ابن سيراخ (ف 48- 49).

ثالثاً: الكتب
وتضمّ المجموعة الثالثة "الكتابات الاخرى" أو الكتب التي لم تدخل في أسفار الشريعة ولا مع الأنبياء. هي آخر الواصلين إلى الكتاب المقدس. يحدّثنا حفيد ابن سيراخ عن هذه المجموعة في مقدمة ابن سيراخ. لا سلطة واحدة لهذه الاسفار، والتيارات اليهودية المختلفة تعترف بقسم وتترك الآخر. وسوف ننتظر سنة 90 ب. م. واجتماع يمنية لتتحدّد اللائحة اليهودية الرسمية في 39 كتاباً.

2- قانون (لائحة كتب) العهد القديم لدى المسيحيّين
هناك لائحتان لأسفار العهد القديم لدى المسيحيّين

أولاً: اللائحة الأولى
تقابل هذه اللائحة التوراة التي يقرأها اليهود اليوم. هذا ما يسمّى "القانون اليهودي". فكلمة قانون يونانية وتعني: قاعدة، لائحة. من هنا تسمية الأسفار القانونية أي التي تقدّم لنا القاعدة (قاعدة الحياة والايمان). ثبّتت هذه اللائحة بصورة نهائية سنة 90 ب. م. فدمار الهيكل فرض على اليهود أن يعيدوا تنظيم نفوسهم ويحدّدوا هويّتهم. ساروا حسب الخط الفريسي بما فيه من نقاوة وقداسة، بعد أن زال الصادوقيون والاسيانيون في دمار اورشليم وحُرق الهيكل على يد الرومان. لمِ يعد لليهود هيكل، فلم يعد لهم ذبائح ولا وظائف كهنوتية. فلم يبقَ لهم إلا النصوص المقدّسة. فحدّدوها حسب قواعد دقيقة جدا. إحتفظوا بما هو قديم، ورذلوا الجديد الذي انتشر في الجماعات اليونانية ولدى المسيحيين.
يقابل هذا القانون اليهودي ما يسمّى "الأسفار القانونية الأولى" وهي التي وصلت الينا في العبرية مع مقاطع قليلة في الارامية. هذا القانون هو الذي أخذ بهد البروتستانت يوم أعلنوا اصلاحهم في القرن السادس عشر.

ثانياً: اللائحة الثانية
واللائحة الثانية تضمّ الكتب المتأخرة التي رذلها الفريسيون. دوّن معظمها في العبرية أو الارامية. ولكن بما ان العالم اليهودي الفلسطيني لم يستعملها، ضاعت النصوص الأصلية وبقيت الترجمة اليونانية. وضع المسيحيون لائحتهم بصورة نهائية منذ القرن الرابع. فضمّت هذه اللائحة الأسفار الفانونية الاولى (ما وصل إلينا في العبرية) والأسفار القانونية الثانية (وصل في اليونانية). أما البروتستانت فسموا الأسفار القانونية الثانية "كتباً منحولة" لا يشملها الالهام.
3- كتب ترافق التوراة
هناك كتب عديدة دوّنت في الحقبة البيبلية. تم اختيار 39 كتاباً (لدى اليهود) وزاد عليها الكاثوليك والارثوذكس 7 كتب. أما ما تبقى فسمّي آداب منحولة أو "أسفار بين العهدين" (القديم والجديد).
أولاً: التقليد الخطي
* الترجوم: ترجمة التوراة إلى الارامية مع كثير من التصرّف. ساعة لم يعد يفهم الشعب العبرية، إنتقلت هذه الكتب إلى لغته المحكية. ولم يكتفِ الناقل بالترجمة الحرفية بل أؤن النص ليتجاوب وحاجات معاصريه. التراجيم مهمة لانها تفهمنا كيف فهم اليهود توراتهم في زمن المسيح.
* أسفار الرؤى: كتاب أخنوخ، عزرا الرابع، وصية موسى... إنها تعبّر عن انتظار ورجاء شعبي.
* جماعة قمران: تركت لنا كتباً تتحدّث عن قواعد الجماعة ومثالها ورجائها.
* كتب حكمة: موشحات سليمان. تفاسير فيلون الاسكندراني الذي عاش في زمن المسيح.
* كتب تاريخ: القديميات اليهودية لفلافيوس يوسيفوس (حرب اليهود ضدّ الرومان، سنة 66- 70).

ثانياً: التقليد الشفهي
وتوسّع بجانب هذا الكتب التقليد الشفهي. فما زال الكتبة والمعلّمون (رابي، رابانيون) يفسّرون النصوص ويؤوّنوها ليحدثوا الشرائع الواجب ممارستها، أو ليساعدوا المؤمنين في حياتهم الروحية. تعود هذه الشريعة إلى موسى، كما يقولون، وستدوّن فيما بعد في التلمود (الذي هو الدرس. راجع كلمة تلميذ) والمدراش (أو الدرس والبحث).

ب- القراءة المسيحية للتوراة
1- العهد القديم والميثاق القديم
لم يتحدّث أحد قبل يسوع المسيح عن العهد القديم. لقد أعطى المسيحيون هذا الاسم لكتب العالم اليهودي التي دوّنت قبل كتابات الرسل. وقد سمّى المسيحيون الاولون العهد القديم: الكتب (المقدسة) أو الكتابات (2 تم 3: 15؛ 2 بط 1: 20؛ لو 24: 27).
العهد يدلّ على بادرة الله الذي جاء يعاهد البشر، يقيم معهم ميثاق صداقة. ولقد رأى المسيحيون في يسوع المسيح ذاك الذي يتمّم مواعيد العهد: "كل مواعيد الله وجدت "نعمها" في شخصه" (2 كور 1: 20). وسيفهم تلاميذ المسيح أن بمجيء يسوع تمّ وعد إرميا: "ستأتي أيام أقيم مع جماعة اسرائيل وجماعة يهوذا عهداً جديداً. هو يختلف عن العهد الذي قطعته مع آبائهم حين أخذت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر. أمّا هم فنقضوا عهدي" (إر 31: 31- 32). والعهد الجديد الأبدي هو ذبيحة المسيح على الصليب (1 كور 11: 25؛ لو 22: 25)..
وهكذا تحدّثنا عن العهد القديم أو التوراة والميثاق القديم (2 كور 3: 14).
2- قراءة جديدة على ضوء المسيح
قرأ اليهود أسفار العهد القديم وما زالوا يقرأونها ويؤوّنونها. ولكن المسيحيين لا يقرأون هذه الكتب كما يقرأها اليهود. فهم يعودون إلى حدث جديد، الى حدث مؤسِّس هو حياة يسوع وأعماله وأقواله، هو موته وقيامته بقدرة الله.
وهكذا يفهمون أن العهد القديم هيّأ الطريق لمجيء يسوع المسيح. ويرون في تاريخ إسرائيل ونظمه صوراً ورموزاً عن يسوع المحسيح (1 كور 10: 1- 6). فيسوع هو الهيكل الحقيقي (يو 2: 21)، وملء الشريعة (غل 6: 2)، والعهد الجديد (لو 22: 20)، والمسيح الموعود به وابن داود (مت 21: 9).
وبفضل عمل يسوع يكتشف المسيحيون المدلول الكامل لخبرة شعب التوراة كما يرويها العهد القديم. المسيح هو جواب رجائهم وهو المفتاح الذي يدخلهم إلى معنى التاريخ الذي سبقه.
وهكذا يرى المسيحيون أن العهد الجديد يتخفى في العهد القديم، وأن العهد القديم ينكشف (يستنير) بالعهد الجديد. فالعهد القديم أعطى المسيحيين الأولين كلماته ليعبّروا بها عن خبرتهم مع يسوع المسيح (لو 24: 13- 35)، غير ان العهد الجديد أعطى هذه الكلمة معنى جديداً، فجّرها لتحمل المضمون الجديد الذي حملته إلى العالم قيامة المسيح.

3- الكتاب بعد 2000 سنة
أغلق الكتاب المقدس فلا يُزاد عليه شيء. وظل المسيحيون يقرأونه ويؤوّنونه لينيروا به حياتهم. فتاريخ جماعات المؤمنين منذ 2000 سنة يدلي على أن كل حقبة جديدة حاولت أن تكتشف ما في الكتاب من جديد. فإذا كان الكتاب يعطي معنى لحياة البشر، فحياة البشر تجعل الكتاب يتجسد في العالم، تجعله كلمة حية في عالمنا اليوم.
مثلاً، فهم المسيحيون بعد بضعة أجيال أن الأخوّة التي يريدها المسيح تفرض عليهم إلغاء العبودية. وفهموا اليوم الطابع الجماعي في حياة البشر بفضل المنظمات العالمية، فهموا أن سيكون للمحبة بُعد جماعي وسياسي في الصراع من أجل العدالة والغاء الظلم في المجتمع.
لا، لم ينتهِ المؤمنون بعد من قراءة الكتاب المقدّس، ولن ينتهوا حتى يصبح يسوع الذي هو كلمة الله، كلاً في الكل، حتى يتجسّد يسوع الكلمة في حياة البشر فيصبحوا الملكوت الذي يقدّمه لله الآب

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM