الفصل الثاني والعشرون: قول على أورشليم والرؤساء فيها

الفصل الثاني والعشرون

قول على أورشليم والرؤساء فيها

فرحت أورشليم، ربَّما على أثر الخلاص الذي تمَّ لها سنة 701 ق.م. واعتبرت أنَّها في أمان وراء أسوارها. ولكنَّها عمياء. هي لا ترى حماية الربِّ وتبحث عن حماية حولها. والصورة عنها "شبنا، جليس الملك" (آ15). هو مرتاح في مركزه، في حياته ومماته مع القبر الذي هيَّأه لنفسه. ولكن هل يعرف ما ينتظره؟ وأورشليم، إلى أين تصل مع الرؤساء الذين فيها؟ وهكذا ينبِّهها النبيّ: لا تسرعي فتفرحي، فقد تنجين من كارثة لتقعي في أكبر منها. في قسم أوَّل (22: 1-14) هو وحي في وادي الرؤيا، يحكم حكمًا قاسيًا على أورشليم. وفي القسم الثاني (آ15-25) قول على موظَّف كبير في أورشليم الذي يموت فيحلُّ محلَّه آخر لن يكون أفضل منه، فيستفيد من وظيفته.

22: 1-14 ما لها فرحت أورشليم؟

"وادي الرؤيا" (ح ز ي و ن) هو قريب من أورشليم. هناك من قاربه مع وادي هنوم، الواقع جنوب أورشليم، ولكن المقاربة صعبة. المهم الاسم. رأى. وماذا رأى النبيّ؟ تحرُّكًا واسعًا في المدينة: يصعدون على السطوح. يضجّون، يغتبطون. هم يعبِّرون عن فرحتهم (آ2). ولكن هل نسوا القتلى الذين طعنوا بالسيوف وهم هاربون؟ وتذكَّر إشعيا، ومثله سيفعل إرميا، وكلاهما يبكيان (آ4). ما احتاج الأشوريّون إلى القوَّة ليقبضوا على الرؤساء. والشعب العاديّ الذي تشتَّت، جُمع واقتيد إلى الأسر.

كارثة كبيرة صوَّرها النبيّ على أنَّها يوم الربّ مع ثلاثة ألفاظ: اضطراب، انهيار (م ب و س ه)، ارتباك (م ب و ك ه). نلاحظ اللفظين الأخيرين القريبين الواحد من الآخر. خلال الهرب يدوس الناس بعضهم بعضًا (آ5). والسبب الأخير: السيِّد ربّ الجنود. أمّا السبب القريب، فالعدوّ الذي نقب السور وفتح ثغرة ها هو يدخل. جيش متنوِّع من عيلام، من قير مدينة الأراميّين في بلاد الرافدين... المركبات، الفرسان. هكذا يكون الحصار على المدينة.

في آ8-14. بدأت الاستعدادات الحربيَّة. "م س ك": ما يغطّي، ما يحمي. هذا يعني أنَّ التحصينات سقطت، ثمَّ لا طعام، لا ماء. هذا على المستوى المادّيّ. وعلى المستوى المعنويّ، ضاعت الثقة بالنفس وارتخى الشجعان، فحلَّ الضيق بالبلاد. "في ذلك اليوم". ليس يومَ البشر، بل يوم الربّ. أين السلاح الذي وُجد في "بيت غابة لبنان" الذي بناه سليمان قرب الهيكل؟ وبركة الماء السفلى يجب أن تمتلئ من عين جيحون. ثمَّ موضع آخر بين السورين أي بركة شيلوح.

مساكين مع هؤلاء الاستعدادات! هل تصمد أمام العدوّ؟ السيِّد "يضحك" (مز 2: 4). والنبيّ معه. نظر الرؤساء إلى هذه "الحجارة" وما نظروا إلى الربّ ولا رأوا أعماله، لا منذ بعض الوقت الذي لا يكفي، بل "من قديم". فمدينة أورشليم في حماية الربّ، فلماذا تتطلَّعون إلى الحمايات البشريَّة؟ ذاك موقف إشعيا في الكتاب كلِّه. من أين يأتي عوني؟ "معونتي من عند الربّ، صانع السماوات والأرض" (مز 121: 2). إذا كان صنع الكون كلَّه، ألا يقدر أن يهتمَّ بمدينته؟

"في ذلك اليوم" (آ12) جاء نداء الربِّ إلى البكاء والتوبة، كما في آ1-2، فما صدَّقه الشعب، بل راحوا كلِّيًّا في خطٍّ معاكس لقوله. فشابهوا يونان الذي دعاه الربُّ إلى الشرق فمضى إلى الغرب، دعاه ليمضي إلى نينوى فمضى إلى ترشيش (يون 1: 2-3). هو تحدٍّ للربِّ كما سبق لأهل أورشليم أن فعلوا: سقط اللبن بأمرِ الله، ونحن نبني بحجارة منحوتة. قُطع الجمّيز ونحن نجعل مكانه الأرز (9: 9). وهنا، لماذا البكاء والندب (س ف ر)؟ بل نعيِّد اليوم ولا نهتمّ بغدٍ "لأنَّنا غدًا نموت". ويأتي الكشف (ن ج ل ه) في أذنَيْ النبيّ: طلبتُم أن تموتوا وسوف تموتون عاجلاً وبأسرع ما قلتم. الفعل هو "ك ف ر". يمكن أن يكون المعنى: إذا لم تكفِّروا عن هذا الذنب (هـ ع و ن)، فسوف تموتون. وهذا يعني ضمنيًّا: إذا كفَّرتم فلن تموتوا. فالطريق إلى التوبة تبقى دومًا مفتوحة. فكيف نريد للربِّ أن لا يغفر، كما قالت الترجمات؟! "أ م ر"، قال. وحين يقول الربُّ فهو يفعل. لا حاجة إلى قسَم.

22: 15-25 شبنا وألياقيم

جاء هذا القول[RK1] في ثلاث قطع. الأولى (آ15-19): يُعزَل شبنا. الثانية (آ20-23): يحل محلَّه ألياقيم. الثالثة (آ24-25): يُعزَل ألياقيم بدوره. شبنا، كما قلنا، هو "الجليس" (هـ س ك ن)، هو "سيِّد القصر". وهي أرفع وظيفة في المملكة. هكذا كان يوسف لدى الفرعون. أمّا شبنا فوصل بسرعة إلى هذه الوظيفة وسقط عنها بسرعة فما ترك أثرًا وراءه. أراد أن يكوِّن له "اسمًا" على حساب المملكة. يبدو أنَّه كان من صانعي السياسة المصريَّة في يهوذا، الذي سيكون له التفاوض مع قائد الجيوش الأشوريَّة (2 مل 18: 18). هذا يعني الدور الكبير الذي لعبه فضاهت سلطته سلطة الملوك. ومع ذلك مضى إليه إشعيا، وواجهه بدون رحمة ولا خوف، وبكلام قاسٍ: ما الذي هو لك هنا؟ خذه وامضِ، ثمَّ: "من هو الذي لك هنا؟ من يسندك بعد اليوم؟ ربَّما دعاك الله لمهمَّة خاصَّة، والآن، رماك رميًا، كما تُرمى الجثَّة ويُوضَع عليها بعضُ الحجارة.

أردتَ أن تخلِّد اسمك حين هيّأت لك قبرًا! هكذا كانوا يفعلون، فيحفرون اسمهم. ووُجد بعض هذه القبور في سلوان ([أو: شيلوح] القريبة من أورشليم) ولكنَّك لن تُدفَن فيه. يبدو أنَّ شبنا عزله حزقيّا الملك وأرسله إلى المنفى، فمات بعيدًا عن أورشليم. الملك هو الذي فعل، ولكنَّ الربَّ يعلن: "أطردك" ثمَّ "أحطّك" (لا: يحطُّك كما قال العبريّ) كما في الترجوم وفي السريانيّ[RK2] . كنتَ مجيدًا فصرتَ مهانًا، كانت لك المركبات، والآن لا شيء. حسب شبنا نفسه شيئًا، فيا ليته سمع كلام الربّ: "قلتُ للمفتخرين، لا تفتخروا! وللأشرار: لا ترفعوا رؤوسكم لكي تُظهروا قوَّتكم! الله يدين، يضع هذا ويرفع ذاك" (مز 75: 5، 8). وهكذا حُطَّ شبنا ورُفع ألياقيم.

في آ20 نقرأ: "ويكون في ذلك اليوم". الربُّ تدخَّل ودعا ألياقيم (أي: الله يقيم) الذي هو عكس شبنا. دعاه الربُّ "عبدي". هي صفة تكريم أعطيَتْ لإبراهيم، لموسى، لداود... لأشخاص كلَّفهم الله بمهمَّة خاصَّة. ما كان لشبنا نسب، أمّا ألياقيم فابن حلقيا (حظّي هو الربّ). اسمه برنامج: الله أقامه، كوَّنه في "وظيفة" يقوم بها. ويأتي عدد من الأفعال، فاعلها هو الله. "ألبسه". اللباس يدلُّ على الإنسان. وحين يُلبس الله شخصًا ثوبًا، فهو يدلُّ على اهتمامه به. ونلاحظ: لبس ألياقيم ثوب شبنا. "أشدُّه". وحين يُشدُّ الإنسان بالمنطقة فهو يُعدّ للعمل. "أعطيه" (إ ت ن) سلطانك. هي موهبة من عند الله. يكون "أبًا" أي يهتمُّ بالذين حوله، فلا يكون مثل شبنا. بما أنَّ ألياقيم سيِّد البيت ويحمل المفاتيح فهو يعيّن متى تُفتَح الأبواب ومتى تُقفَل، ومن يحقُّ له أن يدخل لدى الملك. المفتاح رمز إلى السلطة. ثمَّ كانت المفاتيح كبيرة فتُحمَل على الكتف. وفي 9: 5 قيل إنَّ السلطان هو على كتفَيْ ملك المستقبل" "الرئاسة على كتفه". "يفتح وليس من يغلق، ويُغلق وليس من يفتح". أي لا يحقُّ لأحد غيره أن يضع يده على المفاتيح.

والفعل الأخير: أغرزه (ت ق ع ت ي و) وتدًا (ي ت د). وهكذا يكون ثابتًا لا يتحرَّك ولا تقتلعه أوَّلُ ريح. إذًا لن يكون حظُّه مثل حظِّ شبنا. يكون "مجدًا" (ك ب و د) لبيت أبيه، كما في الأصل العبريّ.

وما الذي حصل؟ هذا ما نقرأه في آ24-25. "يعلِّقون عليه". كلُّهم تعلَّقوا به وأرادوا أن يستفيدوا من رفعته. نسي الدولة واهتمَّ ببيت أبيه حتّى آخر واحد منهم فنعموا بما نعمَ به هو من خيرات: الفروع، الأغصان، الآنية المختلفة. نتخيَّل عدد الأشخاص الذين كانوا ثقلاً عليه. وهكذا اقتُلع الوتد مع أنَّه كان "مغروزًا" ثابتًا.

هو تعليم "للموظَّفين". الأوَّل وصل بسرعة ولكنَّه سقط بسرعة، لأنَّه أساء التصرُّف، فاستحقَّ أن يُعزَل ويُرسَل إلى المنفى. والثاني حلَّ محلَّه لأنَّ الملك (وبالتالي الله) وثق به. أتراه يقع في التجربة التي وقع فيها سابقه؟

وهكذا نرى إشعيا ينزل من "عليائه" ونظرته إلى السياسة. ونرى أنَّه وضع ثقته في ألياقيم. أتُرى نسيَ أنَّ الإنسان مهدَّد بالسقوط في أيِّ وقت كان، وخصوصًا حين يُرفَع إلى هذا المستوى في البلاط الملكيّ؟


[RK1]ما المقصود ب "القول"؟

[RK2]بحاجة لإعادة صياغة لتوضيح المراد منها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM