الفصل الثامن:نداء يتجدَّد إلى الثقة

الفصل الثامن

نداء يتجدَّد إلى الثقة

هي سلسلة متنوِّعة من أقوال نبويَّة وفعلات رمزيَّة تتركَّز على دعوة إلى الثقة بالربّ على جبل صهيون. وإن غابت هذه الثقة، غرقت مملكة صهيون الصغيرة في امتداد الإمبراطوريَّة الأشوريَّة بحيث لا يبقى لها أثر. أمّا المقاطع فهي كما يلي: 8: 1-4: اللوح الكبير. في آ5-8، بين شيلوح والفرات. ونعود إلى عمانوئيل كآية النصر (آ9-11) قبل التنبيه بأن لا نخاف إلاَّ الله (آ11-15). في آ16-20 كلام إلى التلاميذ، وفي النهاية، الطريق إلى فجر جديد (آ21-27).

8: 1-4 اللوح الكبير

هو خبر من حياة إشعيا الخاصَّة، يرتبط بالنبوءة. لسنا أمام قول نبويّ كما كان الأمر بالنسبة إلى آية عمانوئيل، بل أمام مقطع نثريّ قصير يمكن أن نقرِّبه من آ16-20. هي ولادة لابن ثانٍ لإشعيا، ولكنَّها ليست ولادة سرِّيَّة لأنَّنا نعرف اسم الوالد، إشعيا، واسم الوالدة، النبيَّة أو زوجة النبيّ. الاسم وحده هو سرّيّ. ولا كلام هنا عن الحاشية ولا عن الملك.

"وقال لي الملك" (آ1). هي فعلة نبويَّة، بمعنى أنَّ النبيّ يقوم بعمل ثمَّ يشرحه للحاضرين. أُمر النبيّ بأن يأخذ لوحًا كبيرًا. هو بشكل إسطوانة ليسع هذا الاسم الطويل. "واكتب بقلم إنسان" أي بقلم عاديّ، لا ذاك الخاصّ بالكتبة. أمّا الاسم الذي كُتب فيعني: أسرعْ إلى السلب. عجِّلْ إلى النهب.

ومن الذي يشهد على صحَّة هذه الكتابة؟ شخصان معروفان. الأوَّل، الكاهن أوريّا (2 مل 16: 10-16) وهو شخص يقابل ما يكونه رئيسُ الكهنة بعد السبي، أمّا هنا فهو قريب من آحاز. والثاني، زكريّا بن برخيا (2 مل 18: 2) الذي هو حموّ الملك، على ما يبدو. فكلُّ عمل يحتاج إلى شاهدين لكي يصحّ (تث 17: 6) كما تقول الشريعة. والشاهدان هنا قريبان من الملك فتكون شهادتهما رسميَّة. في النصِّ الماسوريّ قرأنا: "وأن أشهد". أمّا في نصِّ قمران فيتكرَّر أمر الله: "وخذْ لي شاهدين".

اقترب إشعيا من النبيَّة (ه ن ب ي ا ه). هي هنا زوجة النبيّ. ولكنَّ المعنى العاديّ يدلُّ على امرأة تمتلك الموهبة النبويَّة مثل مريم (خر 15: 20)، دبّورة (قض 4: 4). حبلت النبيَّة وولدت ابنًا. فجاء أمر آخر إلى النبيّ: ادعُ اسمه. الأب هو من يعطي الاسم. أمّا في آية عمانوئيل فالأم أعطت الاسم (7: 14). ونقرأ هنا معلَمًا كرونولوجيًّا يشبه ما في 7: 16: "قبل أن يعرف". يعني يكون الولد ابن سنة بأقصى حدّ، ولا ينتظر سنَّ الرشد مثل ابن آحاز. كما يعني أنَّ هذا الطفل وُلد سنة 724 يوم دخلت الجيوش الأشوريَّة إلى المنطقة وما كانت بعدُ غلبت دمشق، مركز الحلف. هذا يعني أنَّ الحبل بالولد حصل خلال حصار أورشليم (2 مل 16: 5) ويوم أرسل آحاز وفدًا إلى تغلت فلاسّر. وهكذا يتوضَّح اسم الطفل في الواقع التاريخيّ: محاصرو أورشليم سوف يُسلَبون ويُنهَبون. ويهوذا أيضًا لن تسلم، بحسب آ5-8. متى يقتنع الملك ومتى تفهم الحاشية المحيطة به؟

8: 5-8 بين شيلوح والفرات

هربت مملكة يهوذا من الحلف الأراميّ الأفرايميّ لكي تقع في يد أشورية. السياق هو الذي عرفناه في 7: 1-9 مع رصين وابن رمليا.

"هذا الشعب" (آ6). هو شعب يهوذا (28: 11، 14) الذي سار مع مليكه، فما صدَّق مواعيد الربّ حول خلاص المدينة المقدَّسة. "رذل" (م أ س)، رفض أو احتقر. مياه شيلوح (مع الحاء) لا شيلوه (مع الهاء) التي تعني المرسَل (يو 9: 7). إنَّ مياه شيلوح تصبُّ في جيحون، نبع أورشليم الوحيد، هي رمز حماية الربِّ لمدينته، والاهتمام بحياة الناس اليوميَّة. ونضيف: في مياه جيحون يكرَّس الملك الداوديّ (1 مل 1: 38) الذي به يؤمِّن الله لشعبه حياة هادئة، مستقلَّة عن العالم الخارجيّ.

مياه تسير "على مهل" (ل أ ط) لا يقبلون بها. فماذا يريدون؟ يأتي فعل "سُرَّ" (حرفيًّا: سرور: م ش و ش)، رضي، أراد. لا يريد الشعب الملك الداوديّ، كما لا يثقون بالربِّ الذي اختار داود. وها هم يطلبون الحلف الأراميّ الأفرايميّ. لهذا ستكون لهم المياه الجامحة، مياه النهر، نهر الفرات.

"مصعِدٌ عليهم". أو: فوقهم. نتذكَّر أنَّ نهر الفرات يفيض كلَّ سنة في الربيع، وحين تنطلق الجيوش للقتال. وهكذا بدا الاجتياح الأشوريّ مثل فيضان وطوفان (17: 12-14). لا تريدون مياهًا هادئة تكفيكم لحياتكم اليوميَّة، إذًا ستكون لكم الأمواج العاتية التي تفرِّقكم. وجاء التوضيح في حاشية: ملك أشور. سُرَّ المشايعون للحلف بعض الوقت، ولكنَّ الأشوريّين كانوا هنا. وتتواصل صورة النهر، فتملأ البلاد عرضًا وطولاً.

عندئذ ينطلق النداء: يا عمانوئيل، يا حامل الخلاص، أين أنت، أين مواعيدك؟ لا. لم تُلغَ المواعيد، والمياه لن تزيل يهوذا وأورشليم. وإن كان العقاب قاسيًا بسبب موقف الملك وشعبه.

8: 9-10 عمانوئيل آية النصر

ضياع تامّ، لهذا احتاج الشعب إلى راية تجمع صفوفه. اسم عمانوئيل يكفي: الله معنا. بعد الصورة المريعة، أطلق النبيّ كلامه باسم الربّ، واتَّخذ لهجة احتفاليَّة وكأنَّه الأقوى. دعا الشعوب، وأوَّلهم يهوذا وحليفه الجديد، أشور، الذين يعارضون الربّ.

"ر ع و". معانٍ كثيرة لهذا الفعل. وكلُّها تهديد وتحذير: ارعووا، ارجعوا عن جهلكم، أو: اعرفوا، في مقابلة مع "أصغي". أو: انهزموا، ارتعدوا. وهذا ما يقابل الفعل التالي: اكسروا. يتردَّد هذا الفعل ثلاث مرّات: سوف تُسحَقون. فالدينونة آتية من أقاصي الأرض (10: 3؛ 30: 27) وتمضي إلى البعيد فلا يُفلت منها شعب. هنا نتذكَّر المزمور الثاني: الربُّ يحطِّم الاستعدادات الحربيَّة ومؤامرات الأمم، بيده وبيد مسيحه. وينشد مز 46 عن الله الذي "يكسر القوس ويقطع الرمح ويحرق المركبات بالنار" (آ9) ويقول: "كفّوا واعلموا أنّي أنا الله، أتعالى بين الأمم، أتعالى في الأرض" (آ10).

يتحدَّاهم النبيّ: احتزموا، ويكرِّر كلامه: احتزموا. احملوا السلاح واستعدُّوا. حرفيًّا: ائتزروا (ه ت ا ز ر و). وإذا ائتزر الله (مز 93: 1)، فمن يقف في وجهه؟

ماذا تنفع مشاريعكم؟ لا شيء. وكلامكم لا يقوم. بل هو يمضي إلى الفشل. هذا ما ينشده مز 33 فيقابل بين مشروع الأمم ومشروع الربّ: "الربُّ حطَّم مشروع الأمم، لاشى مقاصد الشعوب. أمّا مشروع الربِّ فيقوم إلى الأبد، ومقاصد قلبه من جيل إلى جيل" (آ10-11). وماذا يُقال بعد ذلك؟ طوبى للأمَّة التي إلهها الربّ (يهوه)، طوبى للشعب الذي اختاره ميراثًا له" (آ12). وهذا ما نقرأه هنا. لماذا يثق المؤمنون؟ "لأنَّ الله معنا[RK1] ".

إنَّ العهد الذي مثَّله عمانوئيل حاضرٌ دائمًا ولا شيء يلغيه. والوعد بالخلاص باقٍ. بانتظار تحقيقه النهائيّ. كلُّ مشاريع البشر تفشل، ويُحكَم على مخطَّطات آحاز. وهكذا ينتهي القول الثالث حول عمانوئيل. في ف 7، حاول النبيّ أن يضغط على آحاز ليمنعه أن يتَّخذ قرارًا مشؤومًا من أجل مستقبل يهوذا الدينيّ والسياسيّ. ولكن حصل الذي حصل. في 8: 5-10، اختار آحاز أشورية، ورفضت يهوذا مياه شيلوح فأعلنت النبوءةُ هجمة الجيوش الأشوريَّة، ولكنَّها شدَّدت أن لا شيء نهائيًّا لأنَّ المواعيد لم تُنقَض. فعمانوئيل هو الإله الذي وُعدنا به، والخلاص سوف يأتي بالرغم من خطايا البشر.

8: 11-15 مخافة الله

في آية عمانوئيل جاء شرط لكي يتحقَّق كلام الربّ: الإيمان (7: 9). وهنا، تبدو مخافة الله ضروريَّة. بدون الإيمان لا يمكن أن ننعم بمواعيد الله. ومع مخافة الله يكون الله لشعبه "مقدَّسًا"، وصخرة يتأسَّس عليها فلا يُقتلَع.

ويُطرَح السؤال: هل تردَّد إشعيا؟ هل جرَّه الشعب كما جرَّ إرميا إلى مصر بعد مقتل جدليا؟ هنا نقرأ ثلاثة أفعال: "قال". ثمَّ "شدَّ" (ح ز ق). وأخيرًا، "أنذر" و ي س ر ن ي). حين يتكلَّم الربُّ أيستطيع النبيّ أن لا يسمع ويطيع؟ ونقرأ حرفيًّا: "بشدَّة اليد" أي بقوَّة يده. فكانت يده أقوى منّي. هل مانع النبيّ؟ ونحن لا ننسى أنَّ يد الربِّ تدلُّ على قدرته في وقت هامّ من خبرة النبيّ وخدمته. فموقف النبيّ يجب أن يكون مختلفًا عن موقف معاصريه (إر 15: 17: جلستُ وحدي). أجل، أمسك الربُّ إشعيا بيده، كما سوف يمسك عبد الربّ (42: 6). وهكذا وجَّه له تفكيره وحياته. وفي محطَّة ثالثة هناك الطريق التي يأخذها "هذا الشعب"، سواء شعب إسرائيل أو شعب يهوذا: بعضهم مع الملك وبعضهم أعداؤه والاثنان على خطأ: لأنَّهم يبتعدون عن الله ويبعدونه عنهم فيأتي وقت يقول لهم كما في هو 1: 9: ليسوا شعبي. أنا لا أعرفهم.

على النبيّ أن يبدِّل موقفه، هو وتلاميذه والذين يحافظون على الثقة بالربّ (آ16). لهذا جاءت صيغة الجمع: "لا تقولوا" أنتم، لا أنتَ فقط. هم بعض المؤمنين وسط شعب يضلّ بأكثريَّته (7: 9). تحذير أوَّل: "لا تقولوا فتنة"، أو مؤامرة (ق ش ر). أورشليم محاصرة أو مهدَّدة، فيسيطر مناخٌ من الخوف والشبهات لدى شعب يعيش الضياع. الفتنة هي الحلف الأراميّ الأفرايميّ والذين يساندونه. أو هي مشروع آحاز الذي يهدِّد استقلال البلاد (2 مل 17: 4). والفريقان يتَّهمان إشعيا بالخيانة، مع أنَّهما يخونان الربَّ ويلجآن إلى البشر. والتحذير الثاني: ولا تخافوا. الشعب خائف، فعلى تلاميذ النبيّ أن لا يخافوا بل يجعلون ثقتهم بالله.

ويأتي في آ13 ذروة القول النبويّ مع المواضيع الأساسيَّة في تعليم إشعيا: قداسة الربّ (6: 3). لذا يكون الاستناد عليه وحده لا على القوى البشريَّة (مز 20: 8) وعربات مصر الحربيَّة. لا نخاف إلاَّ الله. ذاك هو موقف النبيّ الذي اعتبر "فتنة" لدى المستندين على القوى البشريَّة.

الله هو القدّوس. والله هو "المقدَّس" (حز 11: 16) أو الموضع الذي فيه يتقدَّس الشعب، كما حصل لإشعيا حين دعاه الربّ. ثمَّ الله صار "حجرًا" يصطدم به أولئك الذين يرفضون مشروعه، ثمَّ يعثرون. هذا ما حصل (لمملكة[RK2] ) إسرائيل مع بيت فقح وخلفه بيت هوشع. لا هذا ولا ذاك أسَّس سلالة ملكيَّة، وحصل أيضًا لأورشليم. والنتيجة ما حصل للسامرة سنة 722-721، وربَّما تتبعها أورشليم.

8: 16-20 تلاميذ النبيّ آيات

وصل أمرٌ إلى النبيّ من قبل الله. "صرَّ" أغلق بحيث لا يراها أحد. ثمَّ "شهادة" بدون أل التعريف. لسنا أمام شهادة محدَّدة ولا أمام تعليم محدَّد (ت و ر ه، شريعة). كلُّ شهادة، كلُّ تعليم يُختَم عليهما فيُحفَظان للتلاميذ. لا حاجة لإعلانهم على الشعب لأنَّهم لا يفهمون. فكأنّي به نسمع كلام الربّ "لا ترموا جواهركم أمام الخنازير[RK3] ". فهذا التعليم يُحفَظ للتلاميذ. تلاميذ يهوه وتلاميذ النبيّ. وهكذا ينعزل إشعيا مع تلاميذه ليعمِّق فيهم "ت و ره" أو التعليم. ونحن نعرف أنَّ هؤلاء التلاميذ وتلاميذهم لبثوا يقرأون كلمات المعلِّم مئتي سنة ونيِّف، وخصوصًا على ضوء المنفى البابليّ وبعده. أما هكذا فعل يسوع حين رأى الشعب لا يفهمون؟ "بدأ يعلِّمهم أنَّ ابن الإنسان..." (مر 8: 31).

مع آ17 كانت فترة انتظار، ما عاد الربُّ يُظهر وجهه. لا مجال بعدُ للكلام مع الملك آحاز وحين يُضَمُّ حزقيّا إلى العرش فيشارك أباه، يكون تلاميذ النبيّ، أولاده، مستودعَ الكلام الذي تفوَّه به والشهود أنَّ ما قاله النبيّ بقي مختومًا وما حوَّر فيه إنسان. أجل، الربُّ "ستر وجهه"، لا عن النبيّ، بل عن "بيت يعقوب"، الذي يمثِّل القبائل الاثنتي عشرة، لا مملكة الشمال فقط كما في 2: 6. هو نداء دينيّ إلى مجمل شعب الله (10: 20). هي فترة صبر وانتظار ورجاء. وهكذا يعيش النبيّ في الأعماق مسيرته مع الربّ بانتظار الوقت المؤاتي.

لا كلام في الوقت الحاضر، بل "نبوءة حيَّة". يكفي أن ينظر الشعب إلى موقف النبيّ وتلاميذه لكي يتعلَّم. نحن أمام حقبة صامتة في حياة النبيّ. هو وأولاده هم "آيات" وعلامات تدلُّ الناس على المثال الذي يتبعون. وهم "عجائب"، يدفعون الناس لأن يتعجَّبوا فيتساءلوا فربَّما يعودوا عن ضلالهم.

ماذا كانت ردَّة الفعل؟ بما أنَّ الله صمت، نمضي إلى حيث يكون الكلام: إلى الذين يمارسون العرافة مع أنَّ الشريعة تمنعها (لا 19: 31). ولماذا لا نمضي إلى الموتى كما فعل الملك شاول حين اشتدَّت عليه الأمور؟ (1 صم 28: 3ي). "ألا يسأل شعب الله؟" (آ19). فهل صار "الموتى" آلهة تجاه من هو الإله الحيّ؟ في الترجوم: ألا يسأل شعب أصنامه؟ هكذا فعل عبّاد البعل على جبل الكرمل (1 مل 18: 25ي). هي نظرة شافقة على الشعب الذي يمضي في كلِّ اتِّجاه، ما عدا في اتِّجاه الربّ، ساعة طلب النبيّ من تلاميذه ألاَّ يخافوا إلاَّ الربّ (آ13).

فلماذا لا يعودون إلى "التعليم والشهادة"؟ فإن رفضوا، لا يكون لهم "فجر"، لا يطلع "السحر" (ش ح ر) عليهم. أي لن يروا ضياء الله. نتذكَّر أنَّ النور يدلُّ على الحياة والفرح، أمّا الظلمة فتشير إلى الموت والحزن والحداد. بعد ذلك هل يتساءلون: لماذا الضيق يحلُّ بهم؟ ماذا ينتظرون لكي يعرفوا أنَّ كلام الربِّ هو سراج ونور؟ (مز 119: 105). نتذكَّر هنا كلام الربّ: "أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام" (يو 8: 12[RK4] ).

8: 21-23 الطريق إلى فجر جديد

"يعبرون فيها"، أي في الأرض الخربة، فيثورون حين يرون الضيق. لا وجود للفجر، والظلام في كلِّ مكان. هذا في البلاد. وفي قلب الناس، الضيق، الجوع، الحنق، اللعنة. ولو نعرف من يلعن الشعب؟ الملك والله. هو فعل "ق ل ل" شتم، القريب من جدَّف. فاليأس مسيطر في كلِّ مكان. فالملك مسؤول عن كلِّ شيء، عن ازدهار المملكة ونجاح المزروعات (2 مل 6: 26-27). ثمَّ إن لعن أحد الله والملك استحقَّ الموت (خر 22: 27-28). هكذا مات نابوت حين اتُّهم ظلمًا "جدَّف نابوت على الله والملك" (1 مل 21: 13). هذا يعني أنَّ الشعب ماضٍ إلى الموت لأنَّه جدَّف ولأنَّه لجأ إلى العرّافين وأرواح الموتى. ضاع الإيمان فبقي التمرُّد. فأينما يتطلَّعون "فوق" (ل م ع ل ه) أو على الأرض، لا أمل ولا نور، بل ظلمة وسواد (5: 30). "هم مطرودون" (آ22). وفي معنى أوَّل، يُدفَعون دفعًا، كما يدفع القطيع نحو جرف البحر (تث 22: 1؛ مي 4: 6). هكذا مضت قافلة المسبيّين من جلعاد ومن الجليل بين سنة 734-732 ق.م.

ولكنَّ الظلام لن يدوم  ولا الضيق (آ23). فالنور آتٍ. وكانت مقابلة بين وضع سابق ووضع منتظر. "الزمان الأوَّل" (ع ت. ه ر ا ش و ن). والزمان "الأخير" (ه ا ح ر و ن). ماذا في الأوَّل؟ الإهانة (ق ل ل). وفي الأخير؟ المجد (ك ب و د). وتُحدَّد الأرض: تلك التي ضمَّها الحكم الأشوريّ. نعرف من التاريخ الأشوريّ: مجدّو في الجليل، جلعاد إلى الشرق من الأردنّ، دور على الشاطئ الفلسطينيّ. فالجليل هو جليل الأمم (2 مل 15: 29)، الذي ضُمَّ مع جلعاد سنة 532. نتذكَّر أنَّ منطقة جلعاد كانت موضوع خلاف دائم بين دمشق والسامرة. أمّا طريق البحر من مصر إلى فينيقية فهي ضروريَّة من أجل التجارة. لهذا أراد الأشوريّون أن يسيطروا عليها.

بدا النبيّ صامتًا متأمِّلاً، وخفَّ عددُ سامعيه. فالحالة عتمة وظلمة، ولكنَّه يستعدُّ للتدخُّل بعد أن أطلَّ بعض النور، بل نور عظيم. وهذا ما نكتشفه في الفصل التالي.

 


[RK1]تطبيق وتشجيع جميلان.

[RK2]لا ضرورة للقوسين.

[RK3]المصدر؟

[RK4]فكرة جيدة!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM