الفصل السادس عشر:بنت يفتاح في التراث السريانيّ

الفصل السادس عشر
بنت يفتاح في التراث السريانيّ

في الفصل الحادي عشر من سفر القضاة، نقرأ عن يفتاح الجلعاديّ ما يلي: «ونذر يفتاح نذرًا للربِّ قائلاً: إن دفعتَ بني عمُّون ليديَّ، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمُّون يكون للربّ، وأصعده محرقة» (آ3-31). ثمَّ أتى يفتاح إلى المصفاة، إلى بيته، وإذا بابنته خارجة للقائه بدفوف ورقص. وهي وحيدة، لم يكن له ابن أو ابنة غيرها. فلمّا رآها مزَّق ثيابه وقال: «آه يا ابنتي! أحزنتني حزنًا وكدَّرتني، لأنَّي فتحتُ فمي (أي: أفرطتُ في الكلام) إلى الربِّ ولا يمكنني الرجوع». فقالت له: «يا أبي! أفرطتَ بكلامك أمام الربّ، فافعل بي كما خرج من فمك، بما أنَّ الربَّ انتقم لك من أعدائك بني عمُّون». ثمَّ قالت لأبيها: «فليتمَّ هذا الأمر. اتركني شهرين فأذهب (أو: أروح) على الجبال وأبكي عذريَّتي أنا وصاحباتي». فقال: «اذهبي». وأرسلها إلى شهرين، فذهبت هي وصاحباتها وبكت عذريَّتها على الجبال. وعند نهاية الشهرين رجعَتْ إلى أبيها ففعل بها نذره الذي نذره. وهي لم تعرف رجلاً. فصارت عادة في إسرائيل أنَّ بنات إسرائيل يذهبن من سنة إلى سنة لينُحن على بنت يفتاح الجلعاديّ أربعة أيَّام في السنة (آ34-340).
كيف شرح العالم السريانيّ هذا الخبر المحزن، وكيف كان الحكم على يفتاح الذي لم يُمدَح ولم يُلم، وما كانت النظرة إلى ابنته التي شُبِّهت بإسحق. قال النشيد الليتورجيّ: إبراهيم قدَّم ابنه، ويفتاح ابنته، أمّا شمونه فقدَّمت أسرتها كلَّها. نبدأ بالنصوص النثريَّة وننهي بالنصوص الشعريَّة.

1-    النصوص النثريَّة
أ‌-    أفراهاط الحكيم الفارسيّ
واضطُهد أيضًا يفتاح كما اضطُهد يسوع.
يفتاح طرده إخوته من بيت أبيه، ويسوع طرده إخوته ورفعوه صلبًا. اضطُهد يفتاح فصار رئيسًا لشعبه. واضطُهد يسوع فقام وصار ملكًا على الشعوب. نذر يفتاح نذرًا، وأصعد ابنته البكر قربانًا، ويسوع ارتفع قربانًا لأبيه من أجل كلِّ الشعوب.

ب‌-     شرح حول سفر القضاة: نصٌّ منسوب إلى أفرام السريانيّ.
«أناس بطَّالون أشرار اجتمعوا وراحوا إلى يفتاح (قض 11: 3). وشيوخ جلعاد قالوا له (آ5): "تعال، كن رئيسًا علينا فنحارب بني عمُّون"» (آ6). ما اقتنع يفتاح بأن ينزل ويكون رئيسًا عليهم لأنَّه رأى أنَّ الشعب رذل أصنامه ولكنَّ توبتهم لم تُقبَل ولا طلبتهم. رأى أنَّهم لم يجدوا ارتياحًا في وضعهم المحزن. توسَّلوا، ولكنَّهم لم ينالوا جوابًا وما نجوا من العبوديَّة. فقال يفتاح في نفسه: «من أنا حتّى يسمع لي (الله) حين لم يسمع إلى إسرائيل الذين رفعوا الصلاة أمامه؟» عندئذٍ عزم في ذاته على ما يلي: نذر نذرًا للربِّ وقال: «إن أنت سلَّمتَ بني عمُّون إلى يديَّ، كلُّ من يخرج من باب بيتي ليلاقيني حين أرجع سالمًا معافى من عند بني عمُّون، يخصُّ الربّ وأنا أرفعه محرقة للربّ». أي، أنا أفتح فمي في طريق خفيّ باتِّجاه الربّ، أنَّ أوَّل من يخرج من بيتي للقائي، سأقدِّمه له (للربّ). وأنا أنذر هذا النذر بيني وبين الله. على هذا يكون على الله أن يهيِّئ ذبيحة لانتصار عبده، كما سبق له وهيَّأ كبشًا ليكون محرقة مكان إسحاق (تك 22: 13).
هذا يعني أنَّه من الواضح أنَّه نذر شخصًا واحدًا من بيته، وتخيَّل أنَّ الربَّ يهيِّئ له ذبيحة كما الإنسان يهيِّئ حملاً للمحرقة.
ولكن حين رجع يفتاح إلى المصفاة، خرجت ابنته الخاصَّة للقائه مع الدفِّ والصنوج (11: 34). تلك كانت عادة قديمة لدى العبرانيِّين: يعيِّدون عيدًا ويحتفلون شهادةً للنصر، كما كُتب في الماضي: كيف أنَّ النبيَّة مريم أخت موسى أخذت دفًّا في يديها، وهي ورفيقاتها امتدحن الربَّ فتجاوب الواحد مع الآخر من أجل النصر الذي منحه الربُّ لشعبه حين فصَلَ البحر الأحمر وغرق فرعون وجيشه في البحر. كذلك حين سمعت بنت (يفتاح) أنَّ أباها انتصر، مضت لتلاقيه بالدفِّ والصنوج. وأيضًا بعد وقت، حين انتصر داود على جليات المحارب وهُزم الفلسطيُّون وعاد داود في رفقة الملك شاول وكلُّ الشعب، كُتب أنَّ الصبايا خرجن للقائهم وهنَّ يردِّدن مع الدفوف ويقُلْن: «شاول قتل ألوفه أمّا داود فعشرات آلافه» (1 صم 21: 12).
وكذلك بالنسبة إلى يفتاح الذي مزَّق ثيابه حين رأى ابنته آتية إلى الذبيحة (11: 35). تردَّد بين الشعب أنَّه حين رأى (في النبوءة) كيف جاء عمانوئيل الذي في أيَّام العالم الأخيرة قدَّم ذاته ذبيحة ذاتيَّة لكي يجعل الخطيئة غير ناجعة، واللباس الرمزيّ الذي كان فيه ملتحفًا كان ممزَّقًا. وأيضًا ثياب الرئيس الذي كان ممزَّقًا دلَّ على رداء عظيم الكهنة الذي كان ممزَّقًا حين قَتْل ربِّنا الذي وضع حدًّا لقيادة المجمع (اليهوديّ).
وقال يفتاح: «يا ابنتي، دمَّرتني اليوم تدميرًا» (آ35). ولكنَّها قالت له: «افعل بحسب ما خرج من فمك، الآن بعد أن أنجحَ الربُّ طلبك على أعدائك» (آ36).
وإذ لم يكن في اليوم عينه الذي فيه رآها يفتاح، أنَّه قدَّمها ذبيحة، هذا لأنَّه لم يكن الوقت الذي فيه عظيم الكهنة رآه أنَّه (أي: الله) سيجعل عمانوئيل للموت ولكن بدل ذلك تركوه يروح ويجيء في مناطق إسرائيل وجبال نسل يعقوب باكيًا على قساوة قلبهم.
والشهران اللذان لبثت فيهما كعذراء ولم تُنحَر فيهما، يدلاَّن على زمن الشريعة وزمن الأنبياء، خُتما (أي أكَّدا) أنَّ المسيح يأتي ويموت بعد الشريعة والأنبياء.
*  *  *
نلاحظ هنا «عمانوئيل»، يسوع المسيح. مرَّة أولى، بنت يفتاح هي صورة عنه في ذبحه. مرَّة ثانية في رمز الشهرين الاثنين اللذين يدلاَّن على الشريعة والأنبياء. وتمزيق الثياب عند يفتاح يشبه ما فعله رئيس الكهنة خلال محاكمة يسوع (مر 14: 63). جاءت مقابلة أولى بين بنت يفتاح وإسحق بن إبراهيم، ومقابلة ثانية بين طريقة استقبال بنت يفتاح لأبيها، مع مريم أخت هارون التي أنشدت الربَّ مع رفيقاتها بعد عبور البحر، ومع النساء اللواتي استقبلن داود بعد انتصاره على جليات.
هذا النصُّ الذي نُسب إلى مار أفرام سيكون له تأثير على ما لحقه.


ج- تيودور بركوني (القرن الثامن)
«لماذا لم يُمدح يفتاح ولم يُلَم (في الكتاب المقدَّس) حين ذبح ابنته»؟
هو لم يُمدَح لأنَّه بلا تمييز وبدون تفكير بالنتائج. نذر نذرًا لله، قال: «كلُّ من يخرج من باب بيتي للقائي أوَّلاً، أقرِّبه للربّ». «ولكن إن خرج كلب أو حمار اللذان هما نجسان في الناموس، ماذا تصنع، يا يفتاح؟» وهو لم يوبَّخ لأنَّه ثبت على عهده ووقَّر بعينيه حبَّ الله أكثر من المراحم الطبيعيَّة. ولأنَّه ما مُنع مثل إبراهيم من قتل إسحاق. أوَّلاً، لكي يتعلَّم الإنسان أن لا يُسرع ببساطة وراء طلبه الشخصيّ (أو: سؤال نفسه). ثانيًا، لأنَّ الله طالبَه أن يصوِّر في ذاته نمط الأمور المتعلِّقة بربِّنا. فالنصر الذي وُهب له على بني عمُّون لم يكن بسبب نذره، لكن ليغلِّب الشعب ويهزم الشعوب. هناك الذين يقولون – وخصوصًا الهراطقة –: نذر ابنته ليقابل ذبحها (بذبح) ابن الله. ما فهم الضالُّون ولم يفهموا أنَّه لو لم يكن نذرَها لما قال: «آه، يا ابنتي، سحقتني سحقًا». ليس لموتها تلبس الحداد العبرانيَّات في شهر آب، كما يفكِّر الناس، لكن لخراب أورشليم.

د- إيشوعداد المروزيّ (منتصف القرن التاسع)
يبدو أنَّه من الخوف ومن الضياع، سقط يفتاح في هذا النذر البليد. فهو عرف، حسب العادة، أنَّه في وقت النصر تخرج النساء للقائهم بالدفّ والطبول. وقد يحصل أيضًا أنَّ كلبًا يخرج من البيت أو أيُّ حيوان نجس. من المعروف في كلِّ هذه أنَّه ينبغي أنَّه لا يكون النذر مصنوعًا بخفَّة. لهذا، فالنذر الذي كان ليفتاح لم (يكن) من أجل نذره، لكن من أجل اسم الله ونعمته، أو من أجل توبة شعب وتأديبه وذنوب الشعوب الضالَّة.
لم يُمدَح (يفتاح) ولم يُلَم. لم يُمدَح لأنَّه نذر لله بدون تمييز وبخفَّة (حرفيًّا: كيفما جاءت). ولم يوبَّخ لأنَّه ثبَّت عهده وتوقَّر في عينيه الحبُّ الإلهيّ أكثر من المراحم الطبيعيَّة. ما مُنع مثل إبراهيم من قتْل (ولده). أوَّلاً ليتعلَّم الإنسان ألاَّ يُسرع ببساطة وراء سؤال نفسه. ثانيًا، لأنَّ الله طلب لكي يصوِّر به مثال ربِّنا. وآخرون امتدحوه (= يفتاح) كما الرسول أيضًا عدَّه بين الفضلاء، مع صموئيل وداود وآخرين (عب 11: 32). والعبرانيَّات لم يلبسن الحداد في آب كما ظنَّ أناس، بل لخراب أورشليم. أمّا الوثنيُّون فوقَّروا بنت يفتاح وسجدوا لها ودعوها اللات.
أوَّاه. (لفظ) يعرِّف بألم قاسٍ. «ما انتصرتُ اليوم، لكنَّ هزيمةً هُزمتُ»، وهذا الكلام هو كلام الكفر.
*  *  *
لاحظنا هنا التقارب بين إيشوعداد وتيودور. يبدو أنَّهما عادا إلى المرجع عينه خصوصًا في أنَّ البكاء لم يكن في النهاية على بنت يفتاح، بل على خراب أورشليم.

هـ- ديونيسيوس برصليبي، شرح حول سفر القضاة.
أوَّلاً: المعنى الحرفيّ التاريخيّ:
حلَّ روح الربِّ على يفتاح، لا من أجل الخوف، ولكن بحيث أصبح شجاعًا. لم يكن مثل شيء طُلب، ولكن لكي لا يخاف.
ونذر نذرًا. أي لم يوضَّح هذا النذر، لأنَّه لم يعرف ماذا يريد الربُّ. فقال (لله): «نذرتُ أنا، وأنت تفرز من بيتي من تريد: أنت تختار الذبيحة وأنا أتمُّها». وإذ رأى الثلاَّب طبيعة النذر اللامحدَّدة، استنبط طريقًا بها يضع فخًّا ليفتاح (فينتج عنها) الخطأ والابتعاد عن الله. حثَّ بنت (يفتاح) أن تخرج لتلاقيه بحيث يُشفق عليها. وهكذا يحطِّم يفتاح نذره فيُحكَم عليه. أمّا هو فحين رآها تبلبل ومزَّق ثيابه بسبب حبِّه لها. ولكن رغم أنَّ حبَّه الطبيعيّ كان كبيرًا، أتمَّ الإرادة (الإلهيَّة)، وعبْر حبِّ الله تجاوز الحبَّ (الطبيعيّ).
«أنت دمَّرتني». فبيَّن أنَّه يلومها.
«افعل لي بحسب ما خرج من فمك» أي: ليس لي أن أتمنَّى أن أبني بيتك بقدر ما يجب أن يكون كلامك صادقًا.
هو ما ذبحها في ذاك اليوم عينه بحيث لا يفكِّر فيه أنَّه فخور (أو متعالٍ). فهذا مدهش أيضًا بأنَّه امتلك نفسه وما ذبحها (في الحال). ولكنَّه لم يضعف أمام نذره وأمام واجبه تجاه الله.
ما امتُدح يفتاح لأجل نذره، لأنَّه نذرَه بدون تمييز. فلو أنَّ كلبًا أو حمارًا اللذين هما نجسان بحسب الشريعة، أتيا للقائه، هل كان ذبحهما؟ وما نال لومًا لأنَّه كان صادقًا تجاه نذره، فأكرم الله أكثر من ابنته. وسمح الله أن تُذبَح ابنة يفتاح وإن لم يكن راضيًا: بهذا يتعلَّم الشعب أنَّ الإنسان لا ينذر نذرًا غير محدَّد. ثمَّ أيضًا نذرَ يفتاح، فظهر أنَّه يحبُّ الله. ولا يفكِّر أنَّ هذه الذبيحة كانت خطيئة له، وقبِل الله معاملة الفتاة على أنَّها شهيدة.
ثانيًا: المعنى الروحيّ
ومضت إلى لقائه، مثل مريم ورفيقاتها حين انقسم البحر، فقرعن الصنوج وكما حصل أيضًا في زمن داود.
مزَّق يفتاح ثيابه. رمز إلى الشعب الذي، حين رأى إلهنا، تمزَّقت ثياب الفضيلة مع رداء عظيم الكهنة الذي تمزَّق.
ما ذبحها يومَ رآها. رمز إلى المسيح الذي لم يُصلَب في الحال بيد اليهود، ولكنَّه مضى يسير وهو يبكي على خرابهم.
بعد ذلك أتت كذبيحة تُنحر. رمز إلى المسيح الذي أسلم نفسه طوعًا للموت.
بكت رفيقاتها. رمز إلى النفوس التي ناحت على قتل الابن.
عملت النسوة ذكرانة لبنت يفتاح. رمز إلى الكنيسة التي تصنع تذكار موت ربِّنا في الفصول الأربعة من السنة.
لا تبكي النساء العبرانيَّات في آب من أجل بنت يفتاح، بل من أجل دمار أورشليم.

و- غريغوريوس ابن العبريّ، مخزن الأسرار
لم يُمدَح يفتاح من أجل نذره، لأنَّه نذر نذره بدون أيِّ تمييز: «كلُّ من يخرج للقائي من باب بيتي، سأقدِّمه محرقة». افترضْ أنَّ كلبًا أو حمارًا خرج، فماذا تفعل؟
ولا هو نال لومًا، لأنَّه كان صادقًا تجاه عهده. أو لأنَّه اعتبر حبَّ الله أكثر كرامة من شفقة الطبيعة (البشريَّة).
ما مُنع كما كان الوضع مع إبراهيم، بحيث يُمنَع الشعب من أن يفعل نذرًا غير محدَّد مثل هذا.
من زمن إلى زمن، اعتادت بنات أورشليم أن يمضين ويبكين في رثاء لبنت يفتاح الجلعاديّ، أربعةَ أيَّام كلَّ سنة. اليوم يبكين في رثاء لا من أجل بنت يفتاح، بل من أجل خراب أورشليم.

2-    نصوص الشعراء
أ‌-    أفرام: نشيد نصيبين  70: 7-12
7-    ويفتاح أيضًا ذاك العجيب، ذاك الفلاَّح الذي قطف
العنقود الذي نضج     وقرَّبه لربِّ الكرم.
8-    انتصر فقرَّب مراحمه     أكرَهَ حبَّه وأصعدها (محرقة)
ما جُنَّ في ألمه        لأنَّ إيمانه سندَه.
9-    خمر الموت        ثمالةٌ أفسدها الألم
بالدموع أروت الأشدَّاء    وبالبكاء المدعوِّين.
10-    إذًا تعزية كبيرة نمطُ    يفتاح، العظيم
الذي بالسيف قرَّب     كنز الحياة لربِّه.
11-    يمينَه مدَّ            يفتاحُ وأصعد الذبيحة
رأته الحمامة حزينًا    فشجَّعته بصوتها.
12-    يليق بالكاهن        الذي يكهن بالدم الذي منه
أن يكون نمطًا لربِّه    الذي كهن بدم نفسه.

ج- الدياتسّارون
الناس يقتدون بفاعلي الصالحات، لا لأجل حبِّهم للصالحات، لكن من أجل فائدتهم. فبلعام الذي بنى سبعة مذابح لأنَّه سمع حول هؤلاء الأقدمين أنَّه بالذبائح التي قرَّبها له (أي: لله) يأخذ منه ما يسأل، تبلبل هو أيضًا. وملكُ موآب نظر إلى يفتاح، ولكن لأنَّه قتل بكره (2 مل 3: 27) وإنسانًا من الناس، لا حيوانًا، حنَّ عليه الله، لأنَّه في الألم فعل هذا لا في الحبّ. ويفتاح، لو أنَّ واحدًا من عبيده كان أوَّل من يأتي إلى لقائه لكان قتله. ولكن لئلاَّ يذبح الناس رفاقهم، جعله يلتقي ابنته لكي يخاف الآخرون من أن ينذروا لله أناسًا. هذا ما كان في وضع إبراهيم، لكي تعرف الآن (في زمن أفرام) أولئك الذين يذبحون أبناءهم. فحين يموت أبناؤهم، لا يجنُّون بل يفرحون، بدل واحد قرَّب (الله الآب) ابنه في الفرح. من أجل هذا، فتح الله أبوابًا كثيرة ليكون الناس يحبُّونه مثل إبراهيم صديقه ومثل كلِّ واحد من أصدقائه الآخرين. فعندما نصنع أعمالاً، من الضروريّ أن نكون مثلهم.

ب- أفرام السريانيّ: في البتوليَّة
10    بنت يفتاح التي أحنَتْ عنقها للسيف
عزَّتها مرجانتُها (أي البتوليَّة)
لأنَّها أفلتت من كلِّ الأخطار وكانت لديها (محفوظة)
ولكن هنا (في زمن أفرام) حين تُبيد (فتاة) مرجانتها (بتوليَّتها)
الحزن يكون رفيقَها في موتها.
وفي يوم الانبعاث يكون الحزن أيضًا (حاضرًا)
قدَّام ذاك الديَّان حين تتوب.
11    بنتُ يفتاح رغبت أن تموت ليَتمَّ نذرُ أبيها
يا بتول، أنت لا تبطلين بعينيك النذر الذي نذره فمك
فيفتاح أفاض دم ابنته
لأنَّ خطيبك (يسوع) أراق دمه حبًّا بك.
ها منذ الآن دم (الابن) الوحيد اشترى
لنفسه هذا الدم الذي به تُختَم أبوابك (أبواب بتوليَّتك)
12    أرادت الزوجة (سوسن) أن تموت لتُبطل الفجور (دا 13)
والبتولة ماتت لكي يكتمل نذرُ أبيها.
الأمُّ رغبت أن تموت ولا تشارك في زرع
لئلاَّ تتقبَّل زرعًا مسروقًا.
لأنَّ زارعه ملعون
والبتول (مريم) لا تسرق في الخفاء زرعًا نجسًا،
لأنَّ الطفل الذي في داخلها طفلٌ نقيّ.

د- مار إسحاق: سواغيت على يفتاح البارّ وعلى ابنته
1    الناس الذين ينذرون         نذورًا في ضيقتهم
ينبغي أن يفوا             للربِّ في طريقهم
2    إن نذرتَ نذرًا            فأعدَّ ماذا تهب
لئلاَّ يُهمَل قربانك        ويُلقى قربانُك (أرضًا)
3    انظر إن كنت نذرتَ        نذرًا للعليّ
ليكن من قبْل الوقت        متقنًا وموضوعًا حسنًا
4    يفتاح فتح فمه            وهكذا قال لهم (= لرفاقه):
يا أبنائي قوموا في جهادكم    وتثبَّتوا في حربكم
5    والله الذي يراكم             يضيف (قوَّة) على قوَّتكم
فيخجل مضطهدُكم        ويفرح مخلِّصكم
6    نساؤكم كلُّهنَّ            في الطلبات يكنَّ
وبصلاتهنَّ كلِّهنَّ        يرضى الربّ
7    بلغ الشعب إلى الشعب         والجانب اقترب من الجانب
الأقداس امتدَّت         والحربُ ترتَّبت
8    السيوف برقت     في العالم     وهي منظورة
والسهام مثل الكواكب        طارت في المعسكرين
9    الإشارة (الإلهيَّة) أمرتها         (أي السهام) فقتلت بتمييز
فقتلوا المضايقين            وحفظوا إسرائيل
10    جلس الشيوخ في الحداد        لأنَّ أبناءهم قُتلوا
والنساء لبسن الحزن        لأنَّ رجالهنَّ هلكوا
11    وابنة يفتاح            كانت واحدة وحيدة
حين سمعت كلام        أبيها عادت بأمان
12    جمعت رفيقاتها            وخرجنَ للقائه
نصفُهنَّ بالغناء            ونصفُهنَّ بالمزمار
13    دخل يفتاح النجيد        في الرأس مثل راعٍ
ورعيَّته وراءه            تشبه البروق
14    الفرسان يصفِّقون        بالكفِّ ويقولون:
ما كانت النيازك (الرماح)    أفضل من مخافة الربّ
15    الأرجل تَرفس            الأعقابَ وهي تقول:
مبارك الربُّ الذي أعادنا        إلى العيون التي تنظرنا
16    رفعت الصبيَّة عينيها        فشاهدت والدها
وبسرعة صاحت هكذا        نحو أبيها وقالت
17    «تعال بسلام أيُّها         الراعي    المبارَك والمبارِك
الذي وهب نفسه للموت    بدل شعب الربّ
18    يا شجرة خالية            اقتنت فقط ثمرة واحدة
مبارك الربُّ الذي أعادك    بالنصر إلى منزلك»
19    ويفتاح رفع عينيه        إلى وحيدته وهو يقول:
وشرع هكذا، قال        بحزن عظيم:
20    «يا ابنتي، يا ليت أباك         قُتل في الحرب
ومات وتلاشى وقُبر        وما شاهد موتكِ
21    حتّى هذه الساعة         اتَّكل أبوك، يا ابنتي
فلو حصل ومتُّ            لكنتِ وارثتَه
22    نذرتكِ للعليّ،            إذًا ماذا نفعل؟
لله نُذرتِ            إذًا ماذا تصنعين»
23    والصبيَّة التي سمعت        كلام أبيها هذا
ابتهج وجدانُها            وقلبُها امتلأ فرحًا
24    وأجابت وهي ترقص        وقالت لأبيها:
«يا والدي لا تتضايق        لأنَّك نذرتَ نذرك للربّ
25    ما أكرهك إنسان لتنذر        فأنتَ من قلبك نذرت
من فمك صرتُ مصطادة    فلماذا تتذمَّر الآن
26    أما سمعت الذين يقولون        عن إبراهيم ماذا صنع،
إذ اقتاد وحيده            وما كُشف شيء لأمِّه؟
27    فالله أعاده             بسلام إلى منزله،
ونبعَ كبشٌ في الجبل        ووُهب قربانًا
28    ما عرفتَ حين نذرتَ        أنِّي أنا ألتقي بك
فالله الذي أحبَّني        جعلني له أمة
29    طوباي لأنِّي حُرِّرتُ        من صغارة العالم
وها أنا أمضي إلى ربِّي        رسالة مختومة
30    لو حصل وغُلبت أنت        وربَّما قُتلتَ
لاقتادوني إلى السبي        وخرَب كلُّ دارنا»
*  *  *
31    إن اقترب ليذبحها        رأف على بنت أمعائه
وإن هو لا ينحرها        يُوجَد كاذبًا
32    شيوخ الشعب سمعوا        أنَّ يفتاح حزين جدًّا
واجتمعوا كلُّهم            وبالكلام عزَّوه:
33    «يفتاح، لا تتضايق        لأنَّك نذرتَ للربِّ نذرًا
ميِّز الموهبة وهبْها        وقرِّبْها للربّ
34    هب نصف أملاكك        واترك وحيدتك
لأنَّ كلَّ ما لك لا يُحبّ        مثل البنت التي لك»
35    قامت الصبيَّة وقالت        قدَّام ناصحيه كلِّهم:
«ما أسوأ نصحكم        وما أبغضه قدَّام الربّ».

في البيت 13، يفتاح هو الراعي. هي صورة نجدها أيضًا عند السروجيّ (310: 11)
البيت 14 الفرسان. قد نكون أمام تلميح إلى خر 15: 1 (نشيد البحر الأحمر).
البيت 26 رج تك 22: 3، تبع إسحاق أفرام (شرح سفر التكوين 22: 1) الذي قال بأنَّ إبراهيم لم يُعلم سارة بالذبيحة التي يقدِّم.
البيت 27. بنت يفتاح هي أمة الربِّ. ومثلها ستكون مريم (لو 1: 38). وهي مباركة مثلها (لو 1: 48).
البيت 29. بنت يفتاح رسالة مختومة. وهذا ما يُقال عن مريم. راجع الشحيمة ليل الجمعة، القومة الأولى، باعوت مار يعقوب: «مثل رسالة مختومة تراءت لنا مريم. فيها أخفيَتْ أسرار الابن وأعماقه. ما كانت رسالة كُتبت ثمَّ خُتمت، لكن ختموها ثمَّ كتبوها من بيت الله».

ما هو مضمون هذه السواغيت؟
بعد كلام عامّ حول النذور (1-3) توجَّه يفتاح إلى الشعب وألحَّ عليه بأن يبقى ثابتًا والربُّ يعينه، وطلب صلاة النسوة من أجل الانتصار (4-6). وتُصوَّر المعركة بإيجاز (7-8) مع ذِكر دور الله الذي يعمل بإشارة منه (ܪܡܙܐ). وبكى الشيوخ والأرامل موتاهم (9-10). وإذ سُمع بعودة يفتاح سالمًا، مضت ابنتُه إلى لقائه (11-12) وانتظرت وصوله (13) ساعة كان الفرسان يمتدحون الله لأنَّهم عادوا سالمين (14-15). ومضت بنتُ يفتاح تستقبل أباها الذي خاطرَ بحياته (16-18). وإذ رآها بكى وتمنَّى لو أنَّه مات. أمّا الآن فلن يكون له من يرثه (19-22). أعربت الفتاة عن فرحتها لأنَّ والدها نذر نذرًا بملء حرِّيَّته. ذكَّرته بإبراهيم وإسحق (26-27). واستعملت كلمات مريم العذراء لتحسَّ أنَّها حرَّة من هذا العالم. ما العمل؟ (31). جاء الشيوخ ونصحوا يفتاح بأن يقدِّم نصف أملاكه ولا يقدِّم ابنته (32-34). فردَّت هي في الحال رافضة مثل هذه النصيحة (35).
نكتشف هنا أوَّلاً صورة الأب. (1) تسرَّع في نذره. فلو أطلَّ كلب للقائه، هل كان يذبحه إكرامًا للربّ؟ (2) وامُتدح لأنَّه نذر ووفى نذره (3) نذر وانتظر أن يعامله الله كما عامل إبراهيم حين مضى ليذبح ابنه إسحق (4) هذا الحدث يقدِّم نمطًا من الخلاص يجد كماله في يسوع المسيح.
ونكتشف بنت يفتاح. ماتت وهي محافظة على بتوليَّتها. هي صورة عن اللواتي استشهدن في زمن شهبور الثاني، ملك الفرس.
ونكتشف أنماط هذا الحدث (1) يفتاح هو نمط الآب السماويّ. هكذا فعل يعقوب السروجيّ (ص 315) وتيودور بركونيّ (2) يفتاح هو نمط المسيح الذي اضطُهد. هنا نجد أفراهاط. (3) بنت يفتاح هي نمط الابن. هكذا قال التفسير المنسوب إلى أفرام، ويعقوب السروجيّ (ص 313) وتيودور بركوني وديونيسيوس برصليبي. (4) يفتاح وابنته يمثِّلان معًا نمط المسيح، كما أفرام في أناشيد نصيبين (نشيد 70) ثمَّ مكسيم المعترف حيث يفتاح يقابل ألوهيَّة المسيح وابنته بشريَّة المسيح.
(5) هناك موازاة بين إبراهيم وإسحق من جهة، ويفتاح وابنته من جهة أخرى. هذا ما نجده في كتاب العاديّات البيبليَّة. (6) هناك مقابلة بين بنت يفتاح في طاعتها، ومريم العذراء في وقت البشارة وما بعد.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM