تقديم

دراسات بيبلية -47-

الكتاب المقدس وامتداده

*******************

الخوري بولس الفعالي

دكتور في الفلسفة واللاهوت

دكتورفي الكتاب المقدس في اللغات الشرقية

***************

الرابطة الكتابية

طبعة أولى- 2012-


تقديم

على مدِّ عصور الكنيسة برزت التيّارات. منها مع القدِّيس جيروم، مترجم الكتاب المقدَّس إلى اللاتينيَّة، في النسخة المسمّاة “شعبيَّة” أو “فولغاتا” Vulgate. تحدَّث عن اللغة العبريَّة وحدها، فراح يترك النصوص الواصلة إلينا في اليونانيَّة. والحمد لله أنَّه عرف حكمة يشوع بن سيراخ في أصلها العبريّ، وإلاَّ لما كان نُقل هذا الكتاب الفريد لأنَّه يقع على منعطف عامّ في تاريخ الشعب: أيتبع الحضارة اليونانيَّة وآلهتها، أم يعود إلى جذوره؟
أمّا بيزنطية فلم تهتمَّ كثيرًا باللغة العبريَّة، بل قرأت نصوص العهد القديم في اللغة اليونانيَّة، في الترجمة المسمّاة سبعينيَّة، Septante مع ما أضيف من آيات هنا وهناك في ما يُدعى النصّ الذي تسلَّمته الكنيسة في ليتورجيَّتها Textus receptus. بل إنَّ كنيسة اليونان لبثت متعلِّقة حتّى زمن قريب بنصِّ السبعينيَّة وإن لم يعد الشعب يفهمه بعد أن تطوَّرت لغة بولس والأناجيل تطوُّرًا عميقًا.
وتوقَّف لوثر والذين ساروا مساره عند الكتاب المقدَّس وحده، كما جاء في اللغة العبريَّة Sola Scriptura. لا حاجة إلى الشروح من هنا وهناك. فميَّز بين الأسفار المقدَّسة، والأبوكريفا أي المكتوبة التي وصلَتْ إليه في اللغة اليونانيَّة، والمنحولات في العهد القديم والعهد الجديد. أمّا آباء الكنيسة فلا مجال للحديث عنهم سواء كانوا في اليونانيَّة أو اللاتينيَّة وغيرهما.
ولا نقول شيئًا عن العالم العربيّ الذي يرى التحريف في أسفار العهد القديم كما في أسفار العهد الجديد. بل إنَّ الأناجيل الأربعة ليست كلام يسوع. فكلام يسوع جاء في الأراميَّة لأنَّه تحدَّث في أراميَّة فلسطين. أمّا الأناجيل الأربعة التي كانت نسختها الأصليَّة في اليونانيَّة، فليست كلمات يسوع. لهذا لا يمكن الاستناد عليها على أنَّها من الوحي. هي كتب بشريَّة. وتتوَّجت هذه المقولة مع إنجيل برنابا الذي اعتبر نفسه، كذبًا، أنَّه أقرب تلميذ إلى يسوع، مع أنَّه لم يعرف يسوع وهو العائش في القرن السادس عشر. واعتبر، كذبًا، أنَّ ما كتبه هو «الإنجيل الحقيقيّ». ولكنَّنا لا نستطيع أن ندعوه إنجيل يسوع المسيح، بل إنجيل راهب ترك الحياة الرهبانيَّة ومرق على ديانته. خان يسوع المسيح، ابن الله وكلمته، الذي كرَّس له حياته في البداية، ولكنَّه لم يثبتْ إلى النهاية. خان الكنيسة وخرج منها مع أنَّ أحد الآباء قال: «لا يستطيع أحدٌ أن يدعو الله أباه إن لم تكن الكنيسة أمُّه». الكنيسة هي جسد المسيح. تستقبل كلَّ واحد منّا عند جرن العماد فنصبح أولادها وأولاد الله. ثمَّ تُغذِّينا بالكلمة، وبعد ذلك بجسد المسيح ودمه. كلُّ هذا رماه وراء ظهره «برنابا» الرسولُ الكاذب. لستُ أدري ماذا طلب وما ناله من رهبنته وكنيسته. ولست أدري الشيء الذي حصل عليه. فاستحقَّ كلام الرسول إلى الغلاطيِّين الذين تركوا إيمانهم وعادوا إلى الوراء: «أيُّها الغلاطيُّون الأغبياء، ماذا دهاكم، أنتم الذين رُسم أمام عيونكم يسوع المسيح، والمسيح مصلوبًا... أهكذا أنتم أغبياء! أبعد أن ابتدأتم بالروح (تستنيرون بالروح القدس) تعودون إلى أعمال اللحم (والدم، بما فيها من ضعف) لتجدوا فيها الكمال؟». بعد البتوليَّة والتكرُّس لله، اختار «برنابا» الزواج وتعدُّد الزوجات. هنيئًا له هذا الانحدار! عمل معلِّم! عاش ديانته الجديدة وكتب عنها، فماذا ينقصه سوى كلام الربِّ يسوع الذي سمعه مرارًا وما زال يرنُّ في أذنيه: «من اعترف بي أمام الناس... من أنكرني أمام الناس...».
أمّا نحن في هذا الكتاب فقرأنا من الكتاب المقدَّس بعهديه، وما تبعنا بعض الجماعات في هذا الشرق التي ترفض العهد القديم لأنَّ دولة إسرائيل تشوِّهه وتسيِّسه. فالكتاب المقدَّس لا يتأثَّر بتعاملنا السيِّئ معه. وكلام الله لا ينحدر حين ننحدر نحن في حياتنا وننسى عمادنا وما وعدْنا به الله. أتُرى الأبرص نجَّس يسوع حين لمسه يسوع؟ بل طهر. وكلام الله في العهدين هو النور للبشر. ومهما عمل عالم الظلمة، فهو لا يدركه ولا يتغلَّب عليه، كما قال يوحنّا في بداية إنجيله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM