الفصل الثاني عشر: حزقيال،النبيّ الذي أعاد بناء الشعب

(المجلَّة الكهنوتيَّة، 3/2011)

حزقيال

النبيّ الذي أعاد بناء الشعب

الخوري بولس الفغالي

إذا أردنا أن نقرأ سفر حزقيال، نبدأ في النهاية، في ف 40 حيث نجد الربّ يعود إلى مدينته وهيكله فينظِّم الأمور في شعبه وكأنَّه لم يمضِ إلى المنفى ولا هو عرف الذلَّ والعبوديَّة. ونحن نسمع النبيَّ يتكلَّم عن الروح الذي أخذه إلى المنفى، كما أخذ الروح يسوع إلى البرِّيَّة ليجرَّب من قبل الشيطان، والذي أعاده إلى أورشليم وبالتحديد إلى الهيكل.

وجاء الروح بي إلى الباب الشرقيّ، فإذا بمجد الله جاء من طريق الشرق. وصوته كصوت مياه غزيرة، والأرض تلألأت من مجده (43: 1-2).

لماذا "إلى الشرق"؟ لأنَّه من هناك خرج الربُّ لكي يرافق شعبه في طريق المنفى. هم ذهبوا إلى المنفى بعد أن دُمِّرت أورشليم، فهل يمضون وحدهم؟ كلاّ. فإن هو الله تركهم يفهمون أنَّ الله إله الحجر لا إله البشر. ولكنَّ هذا الإله الذي بُنيَ له هيكل ضخم وضع فيه سليمان كلَّ الغنى من خشب أرز لبنان حتّى الذهب والفضَّة والنحاس، هيكل دشَّنه سليمان بكلِّ أبَّهة (1 مل 8: 1ي)، لم يكن يهتمُّ لهذا الموضع الذي يُسجَن فيه. فسبق وقال لداود حين فكَّر وقال للنبيّ ناتان:

ها أنا مقيم في بيت من أرز، وتابوت العهد (رمز حضور الله) مقيم في خيمة (2 صم 7: 2).

فأتى جواب الربِّ إلى ناتان: اذهب وقلْ لعبدي داود: هذا ما يقول الربّ:

أأنتَ تبني لي بيتًا لسكناي؟ ما سكنت بيتًا من يوم أخرجتُ بني إسرائيل من مصر حتّى الآن، بل في خيمة كنتُ أنتقل معهم على الدوام. وفي كلِّ ارتحالي مع جميع بني إسرائيل لم أسأل أحدًا من رؤسائهم لماذا لم تُقمْ لي بيتًا من الأرز (آ4-7).

لا يحتاج الله إلى بيت وهو الذي مجده يملأ السماوات والأرض. هو يقيم حيث يقيم المؤمنون وفرحه أن يكون في وسط بني البشر. ذاك كان التمنِّي لدى شعب دعا الله عمّانوئيل، أي إلهنا معنا، إلى أن صار هذا التمنِّي حقيقيًّا وواقعًا: "والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا فرأينا مجده" (يو 1: 14).

مجد الله هو حضوره. ولكنَّ الله لا يُرى. ولكنَّ مجده يُرى من خلال أعماله في الكون: "السماوات تنطق بمجد الله، والفلك يخبر بأعمال يديه، فيعلنه النهار للنهار والليل يخبر به الليل بغير قول ولا كلام ولا صوت يسمعه أحد" (مز 19: 2-3). النهار يتكلَّم. والليل يتكلَّم لأنَّهما يتعاقبان. ومجد الله يظهر خصوصًا في الإنسان المخلوق على صورة الله كمثاله (تك 1: 26). ولكنَّ المجد الكامل لحضور الله على الأرض هو يسوع المسيح الذي استطاع أن يقول في الصلاة الكهنوتيَّة: "يا أبي... مجَّدتك في الأرض حين أتممتُ العمل الذي أعطيتني لأعمله" (يو 17: 4).

مضى شعب أورشليم إلى المنفى وهذا ما تذكَّره النبيّ، فقال:

والرؤيا التي رأيتُها كالرؤيا التي رأيتُ حين جاء يدمِّر المدينة... فسقطت على وجهي ساجدًا إلى الأرض، ودخل مجد الربِّ إلى البيت من الباب الشرقيّ، فحملني الروح ودخل بي إلى الدار الداخليَّة، فإذا بمجد الربِّ ملأ البيت (حز 43: 3-4).

هذه الرؤيا تشبه ما رآه آشعيا حين هتف: قدُّوس، قدَّوس. الربُّ آتٍ، يسمع وقع قدميه الذي يشبه صوت المياه الغزيرة. في قلب الظلام، هو يشعُّ وكأنَّه نور يفتح الطريق للآتين وراءه من المنفى. أما هكذا كانت مسيرة البرِّيَّة برفقة موسى حالاً بعد عبور البحر؟

وكان الربُّ يسير أمامهم نهارًا في عمود من سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود من نار ليضيء لهم، فواصلوا السير نهارًا وليلاً (خر 13: 31).

وهكذا عاد المنفيُّون الذين مضوا على دفعات. مرَّة أولى سنة 597 ق.م.، ومضى حزقيال معهم ومن عند نهر خابور (في العراق) تنبَّأ، أي دخل في سرِّ الله واكتشف مخطَّطه وأعلن كلامه على الأحدات التي يعيشها الشعب. في ذلك الوقت، استسلم فقط الملك وما دُمِّرت المدينة. ومرَّة ثانية سنة 586. يومها أُحرق الهيكل وأُسقطت أسوار المدينة فما عاد من يحمي السكّان فجهروا. والمرَّة الثالثة سنة 582.

رجعوا، وكانوا قليلين، ورجع الربُّ معهم. فبنوا الهيكل وعادوا يقدِّمون الذبائح وقسموا الأرض من جديد، لأنَّ الحالة السابقة كانت ظلمًا وجورًا، فقال فيهم إشعيا:

ويل للذين يضمُّون بيتًا إلى بيت. ويصلون حقلاً بحقل. حتّى لا يبقى مكان لأحد، فيسكنون في الأرض وحدهم (إش 5: 8).

*  *  *

من هو حزقيال صاحب هذه النبوءة التي يمكن أن نقسمها قسمين كبيرين: أقوال تدين أورشليم والأمم (ف 1-32)، لأنَّ الله ربُّ الكون كلِّه. ثمَّ أقوال تعيد بناء أورشليم ويهوذا (ف 33-48). ومن يراقب العمل؟ حزقيال نفسه. "وأنت يا ابن البشر، جعلتك رقيبًا على بيت إسرائيل فتسمع الكلمة من فمي وتنذرهم عنِّي" (33: 7).

حزقيال هو من يجعله الله قويًّا، شديدًا. هو كاهن ابن كاهن. قال عن نفسه: "أنا حزقيال بن بوزي الكاهن" (1: 3). ولكنَّ الكاهن صار نبيًّا، فقال: "وكانت يد الربِّ عليَّ" ممّا يعني أنِّي صرت له، وما عاد يحقُّ لي أن أتصرَّف بنفسي، على مثال ما قيل لبطرس بعد أن أعلن حبَّه للربّ: "حين كنت شابًّا كنت تشدُّ حزامك وتذهب إلى حيث تريد. فإذا صرت شيخًا مددْتَ يديك وشدَّ غيرك حزامك وأخذك إلى حيث لا تريد" (يو 21: 18).

ذاك كان وضع حزقيال. هو كاهن بين الكهنة. وكم كان يودُّ أن يعيش معهم كما يقول المزمور: "أعبر مع الجموع في موكب نحو بيت الله. أقودهم بصوت الترنيم والحمد وبالهتاف كأنَّهم في عيد" (مز 42: 5). أُخذ ربَّما حزقيال "إلى حيث لا يريد". ولكن ما أسعده حين أطاع نداء الربِّ. مثل عاموس الذي أخذه الربُّ من جنوب البلاد وأرسله إلى الشمال وهو ما كان نبيًّا ولا ابن أحد الأنبياء. قال له الربُّ: "اذهب، تنبَّأ" (عا 7: 15). وهذا الكلام كان كافيًا لكي ينطلق. والرسل دعاهم يسوع: اتبعوني. فتركوا كلَّ شيء وتبعوه (لو 5: 11). ومضى حزقيال مع الماضين "وحمل البقجة"، لا في الرمز فقط، كما طلب منه الربّ، بل في الحقيقة: "وأنت يا ابن البشر، فهيِّئ لك بقجة الذاهب إلى السبي، واذهب نهارًا من موضعك إلى موضع آخر قدَّام عيونهم" (12: 3).

ماذا في هذه البقجة؟ لا شيء تقريبًا سوى الأمتعة القليلة لأنَّه يجب حملها قرابة ألف كيلومتر، وهي المسافة بين فلسطين والعراق، عبر البادية السوريَّة. تجرُّد تامّ. فلم يبق له سوى الله الذي دعاه:

يا ابن البشر، قفْ على قدميك فأتكلَّم معك". ولمّا كلَّمني دخل فيَّ الروح، وأقامني على قدمَي وسمعتُ صوته. وقال لي: "يا ابن البشر، سأرسلك إلى بني إسرائيل، إلى شعب تمرَّدوا عليَّ وعصوني، هم وآباؤهم... وسواء سمعوا أو لم يسمعوا... يعلمون أنَّ بينهم نبيًّا. وأنت يا ابن البشر، فلا تخف منهم ولا من كلامهم، وإن كانوا عليك قرّاصًا وشوكًا، وكانت سكناك بين العقارب. لا تخف من كلامهم ولا من وجوههم المرعبة...".

هي الصعوبة أمام حزقيال، والخطر من أهل البيت، ولكن عليه أن يتكلَّم "سواء سمعوا أو رفضوا أن يسمعوا"، "في وقته وفي غير وقته" كما قال الرسول لتلميذه تيموتاوس. هكذا يعرفون أنَّ "بينهم نبيًّا". هم لا يستطيعون أن يقولوا: الله لم يكلِّمنا. بل الله كلَّمكم وأنتم لم تسمعوا. خبرة حزقيال لا تختلف عن خبرة إشعيا: "أجعل قلب هذا الشعب قاسيًا وأذنيه ثقيلتين وعينيه مغمضتين، لئلاَّ يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع إليَّ فيُشفى" (إش 6: 10). نلاحظ أنَّ كلَّ شيء يعود إلى الربّ. ولكن في الواقع، الإنسان هو الذي يرفض فينغلق على الله. والإنجيل نفسه سوف يردِّد كلام إشعيا في معرض كلام الربِّ وأمثاله (مت 13: 14-15).

لن تكون حياة حزقيال سهلة. هو يقيم وسط "القرَّاص والشوك والعقارب". كيف يتصرَّف؟ هل يخاف؟ كلاّ. فالخوف ممنوع. سواء نظر إلى وجوههم أو سمع كلامهم. وإن خاف سمع ما قال الربُّ لإرميا: "لا تفزع من وجههم لئلاَّ أُفزعك أمامهم" (إر 1: 17). هذا يعني أنَّ النبيَّ لا يحقُّ له أن يتراجع إلى الوراء مهما كانت الظروف، لأنَّ الربَّ قال لإرميا أيضًا: "جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمودًا من حديد، وسورًا من نحاس" (إر 1: 18).

*  *  *

وراح حزقيال مع الذين راحوا إلى السبي، وسألوه أكثر من مرَّة: متى العودة؟ لا مجال للعودة في الوقت الراهن، لأنَّ أورشليم مليئة بالأصنام وعابديها. جاء إلى النبيّ الشيوخ مرَّة أولى.

فقال لي الربّ: "يا ابن البشر، ارفع عينيك نحو طريق الشمال". فرفعتُ عينيَّ نحو طريق الشمال، فإذا عن شمال المذبح صنم الغيرة هذا في المدخل. وقال لي: "يا ابن البشر، أرأيتَ ما يعملون؟ أرأيتَ الأرجاس العظيمة التي يعملها بيت إسرائيل هنا ليبعدوني عن هيكلي؟" (8: 5-6).

الله حبيب شعبه. لهذا يغار حين يراهم يعبدون غيره. أمّا صنم الغيرة، فيبدو أنَّه صنم تمُّوز. كان "دوموزي" في بلاد الرافدين. هو إله الزراعة والخصب. نزوله إلى الأسافل، الذي يرمز إلى موت النبات الذي تُيبِّسُه الشمس. كانوا يعبدونه في الشهر الرابع من السنة. أي حزيران – تمُّوز. عُبد هذا الإله في شاطئ البحر المتوسِّط باسم أدونيس، أي سيِّدي وربِّي (أ د و ن ي). فنقرأ في حزقيال أيضًا:

ثمَّ جاء بي إلى مدخل باب بيت الربّ، الذي هو من جهة الشمال، فإذا هناك نساء جالسات يبكين على تمُّوز. فقال لي: "أرأيتَ، يا ابن البشر؟ سترى أرجاسًا أعظم من هذه" (8: 14-15).

هي ليتورجيّا تُقام في الهيكل لغير الله. ونتذكَّر أنَّ الهيكل لم يُدمَّر بعد. فهو سيدمَّر ويحترق سنة 586 حين سقوط أورشليم. وقمَّة الاحتقار نراها حين الشيوخ يديرون ظهورهم لله ووجوههم إلى الشمس:

ثمَّ جاء إليَّ إلى دار هيكل الربِّ الداخليَّة، فإذا عند الرواق بين الهيكل والمذبح، نحو خمسة وعشرين رجلاً، ظهورهم إلى هيكل الربِّ ووجوههم إلى الشرق وهم يسجدون للشمس... انظر إليهم يقرِّبون الغصن إلى أنوفهم..." (8: 16-18).

وقيل: "إلى أنفي". هي ممارسة وثنيَّة ببعض أوراق الشجر وأزهارها. لا يكتفون برفعها إلى أنوفهم، بل يرفعونها إلى أنف الربِّ لكي يثيروا غيرته ويغيظوه. وهكذا نلاحظ الانحطاط الذي وصلَت إليه أورشليم. ولكن يستطيع الذاهبون إلى السبي أن يقولوا: ما لنا ولعابدي الصور (رج تث 4: 16-18) وللذين يبخِّرونها فيقومون بعمل محفوظ للكهنة (عد 16؛ 2 أخ 26: 19)؟ فنحن في جوار بابل وبالتالي بعيدون عمّا يُصنَع في أورشليم. هنا كان لقاء آخر بين حزقيال والشيوخ:

وجاءني رجال من شيوخ بني إسرائيل وجلسوا أمامي. فقال لي: "يا ابن البشر، هؤلاء الرجال حملوا أصنامهم في قلوبهم وانقادوا في طريق الإثم، فكيف أجيبُ عن سؤالهم؟ لهذلك قلْ لهم ما تكلَّم به السيِّد الربّ: كلُّ رجل من بيت إسرائيل حمل أصنامه في قلبه وانقاد في طريق الإثم، ثمَّ جاء إلى النبيِّ يستشيرني، فأنا الربُّ أجيبه بنفس حسب كثرة أصنامه، لعلِّي أستولي على قلوب بيت إسرائيل، وهم الذين ارتدُّوا عنِّي بأصنامهم" (14: 1-5).

هل الصنم هو فقط من حجر أو خشب؟ إذا كان الأمر هكذا، فالتماثيل كثيرة في بيوتنا وكنائسنا. والصور والإيقونات؟ هل هي مجرَّد ورق وألوان؟ عندئذٍ نعود إلى سفر الخروج والوصايا العشر: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة شيء ممّا في السماء من فوق، ولا ممّا في الأرض من تحت، ولا ممّا في المياه من تحت الأرض. لا تسجدْ لها ولا تعبدها، لأنِّي أنا الربُّ إلهك إله غيور" (خر 20: 4-5).

أوَّلاً، نبدأ فنقول إنَّ التماثيل لم تكن يومًا في تقاليدنا الشرقيَّة، بل جاءت من الغرب. أمّا نحن فنفضِّل الإيقونة التي تُرسَم في الصلاة وتدعونا إلى الصلاة: نرى وجه المسيح أو مريم العذراء أو أحد القدِّيسين، فيرتفع قلبنا إلى السماء.

أمّا شيوخ بني إسرائيل، فجعلوا أصنامهم في قلوبهم، وجعلوا كلَّ ثقتهم بها. كانوا يقولون مثلاً: الربُّ هو إله الصحراء فقط. أمّا بعل فهو إله الأرض المزروعة فيعطيها الخصب. والحيوان والبشر فيعطيهم أن يلدوا. وقيل في الأصنام: لها عيون ولا ترى، لها آذان ولا تسمع، لها أيدٍ ولا تفعل. وسوف يقول النبيّ: يا ليت صانعيها يصبحون مثلها!

الأصنام هي في قلب كلِّ إنسان، في الماضي واليوم وفي كلِّ يوم. هناك صنم المال نتعلَّق به ونستعمل جميع الوسائل لكي نحصل عليه. وهناك صنم العظمة والعنف الذي سيطر على كلِّ تصرُّفاتنا. وصنم الحياة الجنسيَّة مع ما يتبعها من الفسق والفجور الذي تكلَّم عنه بولس في بدء الرسالة إلى رومة: "استبدل الوثنيُّون صورًا على شاكلة الإنسان الفاني والطيور الدوابّ والزحّافات... فأسلمهم الله إلى الشهوات الدنيئة..." (رو 1: 23، 26).

من يجرؤ اليوم أن يهاجم "الأصنام" التي نتعبَّد لها؟ أصحاب المال والنفوذ؟ العائشون بحسب رغباته المشينة؟ الذين يظلمون الناس ويستبدُّون بهم ويحتقرونهم؟ تلك هي الأصنام التي يحملها الكثيرون اليوم في قلوبهم، ونحن نوافقهم عليها، لأنَّنا نستفيد. نرى هذه الأصنام، نقبل بها، نوافق على وجودها. وأقلَّه نسكت والسكوت في هذا المجال خطيئة، على ما قال النبيّ: "فحرَّاس هذا الشعب كلُّهم عميان ولا علم لهم، كلُّهم كلاب بكم لا يقدرون أن ينبحوا" (إش 56: 10).

*  *  *

أمّا حزقيال فتكلَّم: إنَّه الرقيب. إنَّه الحارس على أسوار المدينة. وهو يلاحظ العدوَّ الآتي مهدِّدًا. وبدأ النبيُّ فقدَّم الصورة:

وقال لي الربُّ: يا ابن البشر، قلْ لبني شعبك: إذا جلبتُ الحرب على أرض ما، فاختار الشعبُ رجلاً وجعلوه رقيبًا لهم. ثمَّ رأى الرجلُ جيش العدوِّ مقبلاً على البلاد ونفخ في البوق وأنذر الشعب... (33: 1-3).

هنيئًا للشعب مثل هذا الرقيب. ولكن قد يكون الأمرُ عكس ذلك:

أمّا إذا رأى الرقيبُ الجيشَ مقبلاً وما نفخ في البوق وما أنذر الشعب فجاء الجيش... (آ6).

ماذا يكون العقاب؟ "من يد الرقيب أطلب دمه". فالنبيّ صورة عن الكاهن بالدرجة الأولى وبالأسقف... هو رقيب. ينتبه إلى الخطر الذي يهدِّد الرعيَّة، وإلاَّ فالويل له. وهنا يطبِّق النبيُّ هذا الكلام على نفسه وعلى كلِّ واحد منّا:

"وأنت يا ابن البشر، جعلتُك رقيبًا في بيت إسرائيل، فتسمع الكلمة من فمي وتنذرهم عنِّي. فإذا قلتُ (أنا) للشرِّير موتًا تموت، وقصَّرتَ أنت عن إنذاره، فهذا الشرِّير يموت في إثمه، لكنِّي من يدك أطلب دمه. أمّا إذا أنذرتَ الشرِّير ليتوب عن طريقه وما تاب، فإنَّه يموت في إثمه، وتكون خلَّصتَ نفسك" (آ7-9).

الخاطئ يموت بخطيئته. كانوا يتحدَّثون عن الموت الأوَّل. وفي العهد الجديد، نتحدَّث عن الموت الثاني، حسب قول الرسول: "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا حلَّ الموت بجميع الناس لأنَّهم جميعًا خطئوا" (رو 5: 12). هكذا نُبِّه الرقيب، نُبِّه النبيّ. نبِّه الكاهن. هذا إذا لبث الشرِّير في شرِّه. ولكن إن تاب هذا الشرِّير فهنيئًا له. قال يعقوب في رسالته (5: 19-20): "يا إخوتي، إن ضلَّ أحدكم عن الحقِّ وردَّه أحدٌ عليه، فليعلم أنَّ من ردَّ خاطئًا عن ضلاله خلَّص نفسًا وستر كثيرًا من الخطايا".

الموت؟ ومن قال إنَّ الله خلقنا للموت؟ بل هو خلقنا للحياة. مرَّة تذمَّر المؤمنون: "معاصينا وخطايانا علينا، ونحن نفنى بها، فكيف تريدنا أن نحيا؟" فجاء جواب الربِّ رائعًا:

"قلْ لهم: حيُّ أنا، يقول السيِّد الربّ، لا أكون مسرورًا بموت الشرِّير، لكن بتوبته عن شرِّه فيحيا. فتوبوا، توبوا عن طرقكم الشرِّيرة. فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل؟"

وفي خطِّ الرقيب، نجد الراعي. ويكون كلام النبيِّ قاسيًا على رعاة إسرائيل، من مدنيِّين ودينيِّين، من رؤساء كهنة وكهنة، من الملك وحاشيته كلِّها، ممّا جعل يسوع يقول بعد مئات من السنين: "جميع الذين جاؤوا قبلي كانوا سرَّاقين ولصوصًا" (يو 10: 8). ولنسمع كلام الربِّ بفم حزقيال، وليكن لنا هذا الكلام فحص ضمير:

"ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم! أمّا الرعاة الصالحون فهم الذين يرعون الغنم. أنتم تأكلون اللبن (أو: الشحم والسمنة)، وتلبسون الصوف، وتذبحون الخروف السمين، ولكنَّكم لا ترعون الغنم" (34: 2-3).

هي تجارة رابحة. لا شيء ينقصنا، كما يقول المزمور: "هم لا يقاسون الشدائد، وأجسامُهم سليمة سمينة. لا يتعبون كسائر الناس ولا يُصابون مثل البشر... عيونهم جحظت من الشحم، وقلوبهم جاوزت كلَّ شكوى... يشبعون من الأكل حتّى التخمة وإلى الماء لا يعطشون... هؤلاء هم الأشرار الهانئون، تزداد ثروتهم على الدوام" (مز 73: 3-12). لا همَّ عندهم. عكس بولس الرسول. يضعفون فلا نضعف نحن. يقعون في الخطيئة ونحن "لا يعقصنا برغوث". لا مكان عندنا للعناء والكدِّ والتعب والسهر الدائم (2 كو 11: 27-29). لو جاء بولس اليوم، لاستحى بمثل هؤلاء الرعاة. وما الذي ينقصنا؟ فيأتي الجواب:

الضعاف منها لا تقوُّونها، المريضة لا تداوونها، المكسورة لا تجبرونها، الشاردة لا تردُّونها، المفقودة لا تبحثون عنها (34: 4).

ونتذكَّر ذاك الراعي الذي ترك التسعة والتسعين في الجبال ومضى يبحث عن الخروف الضالّ "فإن وجده ألا يفرح به؟" (مت 18: 12). فالفرح لا يأتي إلاَّ بعد البحث والتفتيش. والفرح لا يأتي إلاَّ بالبذل والعطاء. ولكن ماذا نتيجة تصرُّف رعاة إسرائيل؟

"تسلَّطتم عليها بقسوة وعنف، فتبعثرت من غير راعٍ وصارت مأكلاً لكلِّ وحوش البرِّيَّة. تاهت غنمي في جميع الجبال وعلى كلِّ تلَّة عالية. وتشتَّتت على وجه الأرض ولا من يسأل ولا من يبحث" (آ4-6).

لماذا تاهت؟ لأنّ لا راعيَ لها. فبحثت عن راعٍ آخر. فعلى الجبال المعابد الوثنيَّة وكذلك على كلِّ تلَّة. لم يجدوا الطعام في رفقة الراعي، فراحوا يطلبونه. هل عدَّ الراعي خرافه؟ هل يعرفها بأسمائها؟ فإن عرفها بأسمائها، ربَّما عرفت صوته. ولكنَّه "لا يسأل". هكذا في كنائسنا ورعايانا: هل نسأل عن الذين لا يأتون؟ هل نبحث عن الذين ضلُّوا الطريق؟ ولكن بما أنَّنا لا نفعل، فالله سوف يفعل، والويل لنا عندئذٍ إن هو استغنى عنّا: لا حاجة بي إليكم؟ لا فائدة منكم. بل الضرر كلُّ الضرر منكم. وكم من الناس تركوا كنائسنا بسبب الرعاة وتصرُّفهم ومضوا إلى آخرين يجدون عندهم اللطف والمحبَّة وطول الأناة وروح التضحية. وماذا فعل الله؟

"ولذلك، أيُّها الرعاة اسمعوا كلمة الربّ: حيٌّ أنا. يقول السيِّد الربّ: بما أنَّ غنمي صارت نهبًا ومأكلاً لكلِّ وحوش البرِّيَّة. وبما أنَّها من غير راعٍ ولا يسأل رعاتي عن غنمي، بل يرعى الرعاة أنفسهم وغنمي لا يرعونها، لذلك أيُّها الرعاة، اسمعوا كلام الربّ: أنا أقوم ضدَّ الرعاة، فأستردُّ غنمي من أيديهم، وأمنعهم من أن يرعوا الغنم، فلا يرعى الرعاة أنفسهم من بعد، وأنقذ غنمي من أفواههم فلا تكون لهم مأكلاً" (آ7-10).

صار الغنم مأكلاً للرعاة! يا للبليَّة! قال الرسول لأبنائه: لا أريد ما لكم، ما تملكون، بل أريدكم أنتم لكي أزفَّكم. "لكي أخطبكم (عروسًا) لرجل واحد، هو المسيح، لأقدِّمكم إليه عذراء طاهرة" (2 كو 11: 2). هكذا يكون الراعي الصالح. لا يبذل الخراف من أجل حياته، بل يبذل حياته في سبيل الخراف (يو 10: 11). هو لا يهجم على الخراف كالذئب المتوحِّش، وهو لا يهرب إذا رأى الذئب هاجمًا، بل يدافع كما كان يفعل يعقوب مع قطيع لابان: "يأكلني الحرُّ في النهار، والصقيع في الليل، ولطالما هرب النوم من عينيَّ" (تك 31: 40).

تشتَّتت خراف إسرائيل، فجاء الراعي يجمعها ويدخلها في الحظيرة فتكون الرعيَّة واحدة بإمرة راعٍ واحد (يو 10: 16). هو يقودها. يمشي أمامها. يجابه الخطر من أجلها. يبحث لها عن طعامها، ولا يجعلها طعامًا له. إن كان سارقًا هو من يقتل ويذبح. أمّا إذا كان الراعي بحسب قلب الربّ:

"وأنا الربُّ أكون لغنمي إلهًا، ويكون الراعي الذي كعبدي، رئيسًا. أنا الربُّ تكلَّمت."

أجل، الربُّ تكلَّم وكلمته فاعلة. لا يمكن أن تتراجع دون أن تنفِّذ ما طلب منها. لبث داود ذاك الملك المثالي. أمّا نحن فنتطلَّع إلى ابن داود يسوع المسيح، فهو يبقى لنا المثال حيث نتعلَّم منه الوداعة وتواضع القلب (مت 11: 29).

*  *  *

رفض حزقيال الممارسات الوثنيَّة وما يمكن أن يرافقها من أعمال السحر والعرافة. كما رفض الظلم وربطه بالعبادة الباطلة: "هم يملأون الأرض جورًا" (8: 17). وفي معرض الكلام عن المسؤوليَّة الفرديَّة، يتحدَّث عن الظلم والدين بالربى والربح الفاحش. وفي فعل خاصّ، يورد النبيّ معاصي أورشليم حيث أمور الإيمان تتقاطع مع أمور العدالة: يتدنَّس المؤمن حين يقترب من الأصنام والحيوانات النجسة، كما يتدنَّس حين يمارس الظلم ويتجاوز الوصايا، ولاسيَّما القتل والزنى والسرقة والتسلُّط على أموال الناس.

وقال لي الربّ: "وأنتَ، يا ابن البشر، ألا تدين أورشليم مدينة الدماء (بسبب القتل)، وتخبرها بكلِّ أرجاسها (عبادات الأصنام)؟ فقلْ: هكذا قال السيِّد الربّ: أيَّتها المدينة التي تسفك الدم في وسطها، أيَّتها المدينة التي تصنع الأصنام لتدنِّس نفسها، يجيء وقتك... (22: 1-3).

ويتوسَّع حزقيال في ما يصدر من مظالم في أورشليم:

"رؤساء إسرائيل المقيمون فيك يسفكون الدم البريء، كلُّ واحد حسب طاقته (أو: قوَّة ذراعه، الملك أو أقلَّ منه). وأَهلُكِ يهينون فيك الأب والأمّ، ويعاملون الغريب بالظلم، ويضطهدون اليتيم والأرملة يحتقرون أمكنتي المقدَّسة ويدنِّسون يوم السبت. رجال غيمة يسفطون الدم البريء فيك، وآخرون يأكلون على الجبال من ذبائح الأصنام. وآخرون يرتكبون الفجور فيك من يكشف عورة أبيه، وفيك من ينام مع امرأة منجَّسة بطمثها. بعضهم يزني مع امرأة قريبه، وبعضهم مع كنَّته، وآخر مع أخته بنتِ أبيه. فيك تؤخذ الرشوة لسفك الدم، وأنت تأخذين الربا والربح الفاحش، وتبتزِّين من قريبك ماله وتنسيني، يقول السيِّد الربّ" (22: 6-11).

أوردتُ هذا المقطع كلَّه، لأنَّه يقدِّم صورة عن العالم الذي نعيش فيه، لا شكَّ في أنَّ هناك رجالاً ونساء فضلاء. ولكنَّ النبيَّ يدعو "الخطأة" إلى التوبة، فيوبِّخهم على خطاياهم وآثامهم. فلا مجال للتهرُّب والاختباء وراء المحيط الذي نعيش فيه أو الأهل الذين نسوا أن يربُّوا التربية الصالحة. كلُّ واحد مسؤول عن نفسه. وفي الخطيئة ننسى الربّ، كم نتناسى وصاياه أو نتجاوزها لرياء كما فعل داود حين زنى مع بتشابع ثمَّ قتل زوجها لكي يستطيع أن يتزوَّجها.

وقال لي الربّ: "ما بالكم تردِّدون هذا المثل في أرض إسرائيل: "الآباء أكلوا الحصرم وأسنان البنين ضرست؟" حيٌّ أنا، يقول السيِّد الربّ. لن تردِّدوا بعدُ هذا المثل في إسرائيل: فجميع النفوس هي لي: نفس الأب، نفس الابن، كلتاهما لي. النفس التي تخطأ هي وحدها تموت" (18: 1-4).

في زمن يسوع، طُرح سؤال مشابه أمام أعمى منذ مولده: "من خطئ هو أم والداه بحيث وُلد أعمى؟" (يو 9: 2). واليوم تُطرَح الأسئلة المشابهة: ماذا فعلتُ للربِّ لكي يأخذ لي ابني. ووبَّخوا سيِّدة توفِّي ابنها بسبب خطاياها.

حتّى اليوم ما زلنا نتهرَّب من مسؤوليَّة أعمالنا: ماذا فعلت؟ الجواب: الشيطان طغاني. ولكنَّ الشيطان لا يسيطر على حرِّيَّتي. كما هو لا يجرِّبنا بدون سماح من الله. ولنا في ذلك مثَل أيُّوب، أو نضع المسؤوليَّة على من حولنا. وتأتي الأمثلة متعدِّدة:

"فإذا كان الإنسان صدِّيقًا (أو: بارًّا) وعمل ما هو حقٌّ وعدل، وما عبد أصنام بيت إسرائيل ولا أكل من ذبائحها على الجبال، وما غرَّر بامرأة قريب ولا ضاجع امرأة طامثًا (وما احترم وضعها)، وما ظلم أحدًا، وردَّ إلى المديون رهنه وما سرق. وأعطى خبزه للجائع وكسا العريان ثوبًا (أمر إيجابيّ، رج مت 25: 35، 36). وما أعطى بالربى، ولا أخذ ربحًا، وكفَّ يده عن الإثم (هو أمر عامّ ويعني الجور بدون تحديد)... فهو صدِّيق يستحقُّ الحياة، يقول السيِّد الربّ" (18: 5-9)؟

هو يحفظ الوصايا، "ويسلك في فرائض الربِّ ويعمل بأحكامه" (آ9). لهذا تكون له الحياة. وعكس ذلك، فهو يموت. لذلك لا ينتظر الإنسان "عونًا" من أحد يغنيه عن واجباته تجاه الليل. هنا نتذكَّر مثل العذارى العشر (مت 25): لا مجال للزيت تأخذه الجاهلات من رفيقاتهنَّ أو يشترينه لدى الباعة. وقد يتراجع البارّ عن برِّه فيقع في الخطيئة فتُنسى أفعاله السابقة. كما يعود الخاطئ عن آثامه فتكون له الحياة.

"فلذلك أدين كلَّ واحد منكم بحسب أعماله، يقول السيِّد الربّ، فتوبوا وارجعوا عن جميع معاصيكم لئلاَّ يكون الإثم (أو: الجور) سببًا لهلاككم. انبذوا جميع معاصيكم واتَّخذوا قلبًا جديدًا. فلماذا تريدون الموت، يا شعب إسرائيل؟ فأنا لا أُقرُّ بموت من يموت، يقول السيِّد الربّ، فارجعوا إليَّ واحيوا" (18: 30-33).

*  *  *

في هذا الإطار، نقرأ ما قاله حزقيال عن قيامة شعبه الذي أحسَّ أنَّه مات. في القسم الأوَّل من النبوءة، كان النبيُّ قاسيًا على شعبه، فهدَّده مرَّات عديدة:

سأجلب عليك حربًا وأدمِّر معابدك فتخرب مذابحك وتتحطَّم مباخرك، وأطرح قتلاك أمام أصنامك. وأنتم يا بني إسرائيل، سألقي جثثكم أمام أصنامكم، وأبعثر عظامكم حول مذابحكم. مدنكم تخرب ومعابدكم تتهدَّم في جميع مساكنكم..." (6: 3-6).

ولكن بعد أن دُمِّرت أورشليم، تبدَّلت لهجة الله وبالتالي لهجة النبيّ بعد أن دبَّ اليأس في القلوب:

"أنا الربُّ أكون لغنمي إلهًا... وأعاهد غنمي عهد سلام، وأردُّ الوحش الضاري عن الأرض (المقدَّسة)، فتسكن في البرِّيَّة آمنة وتنام في الغاب. وأجعلها هي والأرض المحيطة بجبلي بركة. وأُنزل المطر في أوانه. فيكون به الخير، ويعطي شجرُ البرِّيَّة ثمرَه، والأرضُ غلَّتها، وتكون غنمي على أرضها آمنة، فتعلم أنِّي أنا الربُّ حين أكسر نيرها وأنقذها من أيدي الذين استعبدوها، ولا تكون من بعدُ نهبًا للأمم، ووحوش الأرض لا تأكلها. فتسكن آمنة ولا أحد يخيفها..." (34: 24-28).

ولكن هل هذا يصدَّق؟ أما هو مستحيل؟ شعب مات هل يقوم؟ أناس صاروا عظامًا فكيف يحيون؟ كم يحتاج النبيّ إلى إيمان ليعيد الإيمان إلى الشعب، ويعطيه الثقة بقدرة الله:

وحلَّت عليَّ يد الربّ، فأخرجني بالروح ووضعني في وسط الوادي وهو ممتلئ عظامًا، وقادني بين العظام وحولها. فإذا هي كثيرة جدًّا على أرض الوادي ويابسة تمامًا. فقال لي: "يا ابن البشر، أتعود هذه العظام إلى الحياة؟" فقلت: "أيُّها السيِّد الربّ، أنت وحدك تعلم". فقال لي: "تنبَّأ على هذه العظام وقلْ لها: أيَّتها العظام اليابسة، اسمعي كلمة الربِّ: هكذا قال السيِّد الربُّ لهذه العظام: سأُدخل فيك روحًا فتحيين. أجعل عليك عصبًا وأكسيك لحمًا وأبسط عليك جلدًا وأنفخ فيك روحًا، فتحيين وتعلمين أنِّي أنا هو الربّ" (37: 1-6).

وهكذا كان. تنبَّأ حزقيال "فدخل في هؤلاء الموتى الروح، فحيوا وقاموا على أرجلهم جيشًا عظيمًا جدًّا" (آ10). وتوجَّه النبيُّ إلى بيت إسرائيل: "سأفتح قبوركم وأُصعدكم منها يا شعبي، وأجيء بكم إلى أرض إسرائيل فتعلمون أنِّي أنا هو الربّ" (آ12-13).

هو كلام عن قيامة الشعب العائش في المنفى وعودته إلى أرضه. أمّا آباء الكنيسة والنصوص الليتورجيَّة، فتحدَّثت عن قيامة الموتى. نقرأ في البيت غازو المارونيّ، ألحان المنتقلين:

  • سمعتُ صوتَ النبيِّ يقول: "أيَّتها الأعضاء المبعثرة، تعالَي. التمِّي بعضك إلى بعض". وبغتة جاء الروح ودخل في المقتولين: فرأت العيون، وسمعت الآذان، والفم أيضًا وهب التسبحة: تعالوا نرتِّل المجد لباعث الأموات.
  • تعال، يا حزقيال بن بوزي، الرجل الذي عظم في بيت الجلاء (في المنفى). اكشفْ وفسِّر لنا كيف يقوم الأموات في يوم الانبعاث... (أجاب حزقيال): "الربُّ قادني وأخرجني إلى السهل وأراني هناك الأعضاء اليابسة. ثمَّ قال لي: "تنبَّأ". وها أنا تنبَّأتُ! وبغتة جاء الروح ودخل في المقتولين وحيوا. وشرعوا يرتِّلون المجد لباعث الأموات".

*  *  *

تلك كانت نظرة سريعة إلى سفر حزقيال الذي عاش في زمن المنفى وما بعده، فقدَّم لنا تعليمًا ما زال صداه يتردَّد في مسامعنا حتّى اليوم. فيا ليتنا نتعرَّف إلى هذا النبيّ الذي شدَّد على معرفة الله الذي يفعل، على حضوره من خلال مجده الذي لا ينحصر في فلسطين، بل يرافق المنفيِّين إلى أرض غريبة، على محاربة الأصنام التي هي في القلوب، وعلى دور الشريعة التي توجِّه المؤمنين في مسيرة الخلاص.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM