الخاتمة

الخاتمة

ما زال الحصاد وفيرًا في سنة الكتاب المقدَّس. فكان هذا الكتاب الذي عنوانه من آثار الكنيسة الأولى. نحن ما قرأنا فيه كلام الله بشكل مباشر، بل تطلُّعات لاهوتيَّة وفكريَّة وتقَويَّة ترتبط بالأسفار المقدَّسة. وهكذا كان لنا قسمان في هذا الكتاب.

في القسم الأوَّل توغَّلنا في عالم المعرفة الباطنيَّة، أو العرفان مع اللفظ اليونانيّ: غنوصة، غنوصيَّة، الذي صار معمولاً به في لغات العالم. لا ينطلق الغنوصيُّون من الأسفار المقدَّسة كما أوصلها إليهم الرسل وخلفاؤهم، ولا هم ينطلقون من التقليد، بل من معرفة يكتشفونها في داخلهم ويسندونها إلى أقوال الربّ وما يمكن أن يقرأوا في الأناجيل. تيّار رفضته الكنيسة الكبرى، بل حاربته، فاختفت آثاره: إمّا أُتلفَت، إمّا ضاعت، وإمّا انتقلت إلى لغات غير اليونانيَّة وخُبِّئت في الرمال. ذاك كان الوضع بالنسبة إلى نجع حمّادي في مصر، حيث كُشفت مكتبة كاملة مؤلَّفة من 13 كودكسًا أو مجموعة نصوص. ومن جهة ثانية، حاول مفكِّرون مسيحيُّون أن «يدجِّنوا» هذه الحركة التي سيطر فيها الفكر الفلسفيّ أو التيّارات الآتية من عالم الهند وغيره من العوالم، مع محاولة تصحيح مسار الكنيسة، خصوصًا في ما يتعلَّق بدور المرأة التي غُيِّبَت كما كان الأمر بالنسبة إلى مريم المجدليَّة. نشير هنا إلى كليمان الإسكندرانيّ وأوريجان وغيرهما.

وقبل كتيِّب إنجيل مريم، كان لنا أن نقرأ من نجع حمّادي خفايا يوحنّا. في الواقع، أفلت هذا الكتاب ووُجد سنة 1896، ووصل إلى برلين العاصمة الألمانيَّة. ولكنَّه لبث في أدراج المكتبة إلى أن كُشف في مكتبة نجع حمّادي سنة 1947. حينئذٍ فُسِّر أكثر من مرَّة ونُقل إلى مختلف اللغات منذ سنة 1955. نسخة قصيرة ونسخة طويلة كما يحدث مرارًا في التاريخ القديم. جاء يهوديّ يحدِّث يوحنّا بن زبدى عن يسوع ويؤكِّد له أنَّه أضِلَّ مع رفاقه الرسل. ابتعد يوحنّا عن «الهيكل» أي عن العالم اليهوديّ ومضى إلى العالم الغنوصيّ حيث شُرح له سفر التكوين بطريقة جديدة.

هي دراسة فقط عن خفايا يوحنّا أو كما نقول في اللغة العلميَّة أبوكريفون يوحنّا (أي: الكتاب المكتوم والمخفيّ). من يدري متى ننقل النصّ في سلسلة «على هامش الكتاب».

أمّا إنجيل مريم وهو كتيِّب قصير، فقدَّمنا له ونقلناه إلى العربيَّة. مريم المجدليَّة هي الشخص الأساسيّ في هذا «الإنجيل». الرسل خائفون وهي تشجِّعهم. هم لا «يرون». أمّا هي فنالت «رؤية» وكلَّمها الربُّ سرًّا بمعزل عن الرسل. وهذا ما جعل الرسل (الذكور) ينتفضون في وجه امرأة. هنا نفهم مقال الأناجيل حين بدأت النسوة وبشَّرن بقيامة الربّ. قال لو 24: 10: «وظنَّ الرسل أنَّهنَّ واهمات، فما صدَّقوهنّ». لا قيمة للمرأة في العالم الساميّ. لا قيمة لشهادتها عند العبرانيِّين ولا عند العرب عمومًا. أمّا إنجيل مريم فأعطاها الدور الأوَّل وهي أفهمت «الرجال» كيف يكون اتِّباع يسوع بعد زمن القيامة.

وفي خطِّ إنجيل مريم، قرأنا مقالاً حول النسك وارتباطه بهذا الكتيِّب. يبدو أنَّ ما كان نصيحة من قبل الربِّ في شأن العفَّة (مت 19) أراد الرجال أن يفرضوه على الجميع، ونبتت بدعة «التعفُّفيِّين» الذين يطلبون من الرجل والمرأة أن يعيشا كشقيق وشقيقة ويمتنعا عن كلِّ علاقات جُماعيَّة. فجاء جواب مريم يسنده لاوي: يجب أن لا نضيف «شريعة» على ما أعطانا الربّ، وبالتالي أن نأخذ بعين الاعتبار الضعف البشريّ.

في القسم الثاني من الكتاب، انتقلنا إلى العالم السريانيّ. أوَّلاً مع رؤيا بولس التي تتبَّعناها في لغات قديمة، وانتهينا مع العالم السريانيّ بمخطوطات عديدة في الكنيسة الشرقيَّة، التي سُمِّيت في القديم «نسطوريَّة». وفي الكنيسة الغربيَّة، التي سُمِّيت في القديم «يعقوبيَّة»، وهما تسميتان تعدَّاهما الزمن.

بعد هذا، غصنا في أخبار آدم مع توقُّف عند مغارة الكنوز ونصّ عربيّ قديم، ينظر فيه الكاتب إلى المسيح والخلاص الآتي من خلال الفصول الأولى من سفر التكوين. أمّا النصُّ الأخير، فرسالة بعث بها بيلاطس إلى الإمبراطور يبرِّر فيها نفسه بالنسبة إلى مقتل يسوع.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM