الفصل السابع: خبر آدم من خلقه حتّى وفاته

الفصل السابع
خبر آدم من خلقه حتّى وفاته

وفي اليوم الخامس أمر الله الأمياه أن تولد أجناسًا مختلفة الألوان والأشباه. منها ما يطير في جوف الماء. ومنها ما يطير فوق الماء. وأن يتولد فيها التنانين ونوبايا وبهموت الهايل منظرهما وطاير الهواء وطاير الماء.

خلق آدم
وفي اليوم السادس خلق الله من الأرض جميع البهايم والحيوان والحسّاس وهوام الرجاف. وهذا اليوم يوم الجمعة. وفيه خلق الله آدم من التراب وجبل حوا من ضلعه. وفي اليوم السابع استتم الله جميع الخليقة وسمّاه سبتًا. وكان خلق الله لآدم في الساعة الثالثة من يوم الجمعة سادس الأيَّام وكان ادَّعى إبليس الربوبيَّة الذي دخلته في الساعة الثانية من هذا اليوم. فأهبطه الله من السماء إلى الأرض. وقبل أن يخلق الله الربّ آدم، وقع الهدوء على جميع القوّات.
وقال الله: تعالوا نخلق إنسانًا كمثالنا وصورتنا وشبهنا. فلمّا سمعت الملائكة هذا القول من الربّ صارت في فزع وارتعاد عظيم. وقال بعضها لبعض: ما هذا العجب الكبير الذي نسمع؟ وكيف يتهيَّأ أن يظهر لنا صورة إلهنا وخالقنا.
ثمَّ إنَّ الملائكة نظرت كلُّها إلى يمين الربّ قد انبسطت فوق البرِّيَّة كلِّها فصار جميعها في يمينه. ثمَّ نظرت إلى يمين الربّ وقد تناولت من الأرض كلِّها قبضة يسيرة ترابًا. ومن كلِّ الأمياه نقطة ماء. ومن الهواء نفسًا وروحًا. ومن النار قوَّة الحرارة. فصار في قبضة الربِّ أجزاء من العناصر الأربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وإنَّما خلق الله جلّ وعزّ لآدم من هذه العناصر الأربع الضعاف التي لا قوَّة لها، لتسمع له وتطيع جميع البرايا المخلوقة منها. التراب ليطيعه الناس. والماء ليطيعه ما تولد منه وفيه. والهواء ليتهيَّأ له استنشاقه وشمّ نسيمه وليطيعه أطياره. والنار لتكون حرارة القوى المخلوقة منها معاضدة له مقوِّية لحاسَّته.
وكان سبب خلق الله، تقدَّست أسماؤه، لآدم بيده المقدَّسة على صورته وشبهه. ليقبل الحكمة والنطق والحركة الحيوانيَّة وللمعرفة بالأشياء. فلمّا نظرت الملائكة الممجَّدة المسبَّحة مثله في آدم، ارتعدت وهالها إليها العجيب الذي كان قد علا وجهه وتبيَّنت صورته مضيئة بالنور الإلهيّ الذي كان أفضل من ضوء الشمس. وكان جسمه مضيئًا نيِّرًا كالكواكب المعروف بالأكرسطلس (البلّور). ولمّا امتدَّت قامة آدم وثب قائمًا. فكان في وسط الأرض، وبسط يمينه وشماله، وصفَّ قدميه على الجلجلة وهو الموضع الذي وضعت فيه خشبة يسوع المسيح مخلِّصنا.
ألبس ثوب الملك، وجُعل على رأسه إكليل المجد والسبح والكرامة والوقار، وتوِّج بتاج الملك، وجعل هناك ملكًا، وكاهنًا ونبيًّا. وأجلسه الله على كرسيّ الكرامة. واجتمع إلى ما هناك سائر الحيوان والبهائم والأطيار وكلُّ ما خلق الله، فوقفت بين يدي آدم. وطأطأت رؤوسها وسجدت له، وسمّى كلَّ واحد منها باسمه. فأطاعه جميع الطبائع وأقنعت أمره. وسمعت الملائكة والقوّات صوت الله جلَّ وعزّ وهو يقول لآدم: «يا آدم، إنِّي قد جعلتك ملكًا وكاهنًا ونبيًّا ومولَّى ورئيسًا ومدبِّرًا لكلِّ الخلائق المصنوعة. فلك تسمع كلُّ الخليقة ولقولك تتبع. وتحت قبضتك تكون ولك وحدك أعطيتُ هذا السلطان وخوَّلتُك جميع ما خلقت».
فلمّا سمعت الملائكة هذا القول من الربِّ ازدادت لآدم إكرامًا وهيبة. ولمّا رأى الشيطان الموهبة التي أعطيها آدم من الربِّ، حسده منذ ذلك اليوم. وأعمل المارق من الله الفكر في الاحتيال عليه ليطغيه بجرأته ولعنته. وإنَّه لمّا كفر بنعمة الربّ التي كانت عليه صار وقّاحًا حربًا. فنزع الله، تقدَّست أسماؤه، عن الشيطان ومنه لباس السبح والوقار. ودعا اسمه شيطانًا. تشيطن على الله وساطانا (أي: تشيطن علينا) لأنَّه شطن (أي: مال) من طرق الربِّ ودُعيَ إبليس لأنَّه نزع منه الوقار.
آدم في الجلجلة وفي الفردوس
وبينما كان آدم مستمعًا لخطاب ربِّه إيَّاه وواقفًا على مكان الجلجلة، وقد اجتمع سائر الخليقة لتسمع مناجاة الله له، إذ حملته سحابة من نور فصارت به إلى الفردوس. وكانت طغمات الملايكة تسبح بين يديه، والكاروبين منها يتباركون، والسرافين يقدِّسون، إلى أن وصل آدم إلى الفردوس. فدخله على ثلثة ساعات من يوم الجمعة، وأوصاه الربُّ، له التسبحة، بالوصيَّة. وحذَّره مخالفتها.
ثمَّ إنَّ الربَّ، له التسبحة، ألقى على آدم شبه النوم، فنام في الفردوس نومة حلوة. فاختلع الله من جنبه الأيسر ضلعًا وبرأ (خلق) منه حوّاء. فلمّا استيقظ ورأى حوّاء، فرح بها وسكن إليها، وهي في عدن النعيم من الفردوس. وألبسهما الله سبحًا وبهاء. فكانا يتباهيان بالتمجيد الذي كانا ألبساه. وكلَّلهما الربُّ للتزويج، واستبشر لهما الملائكة. وكان هناك فرح لم يكن مثله ولا يكون إلى اليوم الذي يسمع فيه الصوت البهج من الربّ لأصحاب اليمين (مت 25: 33). فمكث آدم وحوّاء في الفردوس ثلث (أو: ثلاث) ساعات.
ومكان الفردوس متعال في الهواء، وأرضه سماويَّة متعالية على جميع الجبال والروابي الشامخة ثلثين شبرًا، يكون خمسة عشر (أو: خمس عشرة) ذراعًا بذراع روح القدس. وهذا الفردوس يدور من المشرق بحائط من الجوف، إلى مكان الظلمة القبليَّة التي طرح إليها الأركون اللعين، وهو موضع الهماهم.
وعدن فهي نبعة الله المتوَّجِّهة نحو المشرق على ارتفاع ثمان (أو: ثماني) درجات من درجات مشرق الشمس، وهي رحمة الله التي كان بنو البشر وُعِدوا بها، وأنَّه سيكون خلاصهم منها. لأنَّ الله عزَّ وجلّ، علم في تقدمة معرفته ما يفعله الشيطان بآدم. فجعل آدم ساكنًا في خزانة رحمته، كما قال داود النبيّ: «وأنَّك بيت ملجأ صرت لنا إلى الدهور يا ربّ. أسكِنّا داخل رحمتك» (مز 31: 8). وقال أيضًا المغبوط داود، في طلبته من أجل خلاص بني البشر: «اذكر يا ربّ (الشجرة التي كانت الصليب المغروس في وسط الأرض) بنعمتك التي صنعت قبل الدهور» (مز 105: 5). أعني بذلك الرحمة التي أحبَّ الربُّ أن يبسطها على جميع بني البشر وعلى جنسنا الضعيف.
فعدن هي كنيسة الله، والفردوس الذي فيها مذبح النياح. ومدَّة الحياة التي أعدَّها الله لجميع القدِّيسين. ومن أجل أنَّه كان آدم ملكًا كاهنًا ونبيًّا أدخله الله إلى داخل الفردوس ليخدم في داخل عدن، كنيسة الله الربِّ المقدَّس. كما يشهد على ذلك موسى النبيّ القدِّيس إذ يقول: أن تخدم وتعلن بالتشمسة (ت ش م ش ت ا، الخدمة) النبيلة الفاخرة وتحفظ الوصيَّة التي بها أدخل آدم وحوّاء كنيسة الله.
خديعة الشيطان
ثمَّ نصب الله شجرة الحياة وسط الفردوس وهي صورة الصليب الذي مديدة عليها. فهي شجرة الحياة والخلاص. واستمرَّ الشيطان على حسده لآدم وحوّاء، على النعمة التي خوَّلهما الربُّ إيَّاها. فاحتال إن (أو: إذ) دخل في الحيَّة، وكانت أجمل الحيوان، وكان خلقُها على خلق البعير. فحملها حتّى صار بها في الهواء إلى أسافل الفردوس. والسبب في استتار إبليس اللعين في الحيَّة سماجته، لأنَّه لمّا نُزع من كرامته، صار في نهاية السماجة حتّى لم يكن يقدر أحد من المخلوقين على النظر إليه ولهربت منه. ولم يتهيَّأ له فيها حيلة ولا مكيدة، إلاَّ أنَّه احتال بالاستتار بالحيَّة كالمحتال، لتعليم الطير المدوَّر اللسان كلام الناس باليونانيَّة وغيره. فإنَّه تحضَّر مرآة واسعة كثيرة الضوء ساطعة الشعاع فيضعها بينه وبين الطير. ويتكلَّم بما يريد أن يعلمه الطير. وإذا سمع الطير ذلك الكلام، تشوف نحوه ونظر في المرآة فيرى صورة طائر مثله، فيفرح به ولا يشكُّ أنَّه طير من جنسه يكلِّمه فيصغي إليه وينصت للغته. فيلتقفها ويتكلَّم بها في ساعة.
فإنَّ الشيطان اللعين لمّا دخل الحيَّة، قصد نحو حوّاء لمّا تفردَّت في الفردوس عن آدم، فناداها باسمها. فالتفتت إليه، فنظرت إلى مثالها من وراء حجاب، فناطقها فناطقته، فأطغاها بكلامه لأنَّ طبع المرأة رخو، وهي لكلِّ كلام مصدِّقة. فخاطبها في أمر الشجرة المنهيّ عنها بمتابعتها على شهوتها، ووصف لها طيب مذاقتها، وإنَّها متى ما أكلت منها صارت إلهًا، فرغبت فيها. رغَّبها اللعين فيه، ولم تكن سمعت من الربِّ، تقدَّست أسماؤه، ما كان أوصى آدم في أمر الشجرة. فبادرت مسرعة نحوها، فخطفت من ثمرتها بفيها (بفمها). ثمَّ دعت آدم فأسرع نحوها فأعطَتْه من الثمرة، وأعلمته أنَّه إن أكلها صار إلهًا. فأصغى إلى مشورتها، ولأن يكون إلهًا كما قالت.
فلمّا أكل (هو) وهي الثمرة المميتة، تشلَّحا (ش ل ح، تعريَّا) من سبحهما، ونُزع عنهما مجدهما، وصارا متعرِّيين من النور الذي كانا لابسيه. فلمّا نظرا إلى أنفسهما قد تعرَّيا من النعمة التي كانا لابسيها، وبدت لهما سوءتهما، صنعا لأنفسهما ميازر (مآزر) من ورق التين واستترا بهما. وصارا في حزن شديد ثلث ساعات.
فلم يستتم بهما المقام في النعمة والمُلك اللذين خوَّلهما الربُّ إيّاه قبل معصيتهما ثلث ساعات، حتّى نزع منهما وادحضا واهبطا وقت غروب الشمس من ذلك اليوم، فقبلا حكم الله في العقوبة. ولبسا من بعد لباس ورق التين لباسًا من جلود، وهو هذا الجلد الذي يعملوا أجسادنا معشر الناس وهو لباس الأوجاع. فكان دخول آدم الفردوس على ثلث ساعات. وجاز هو وحوّاء الملك العظيم في ثلث ساعات وعرِّيا ثلث ساعات. وفي الساعة التاسعة كان خروجهما من الفردوس مكروهين بالحزن الكثير والبكاء العظيم والندب والزفير.
الوعد بالفداء
ورقدا في مشارقه بقرب المذبح. فلمّا استيقظا من نومهما، كلَّم الله آدم وعزّاه وقال له، تباركت أسماؤه: «يا آدم لا تحزن، فإنِّي رادَّك إلى ميراثك الذي أخرجَتْك منه معصيتُك. واعلم أنَّ من أجل محبَّتي لك، لعنت الأرض ولم أشفق عليها، وذلك من أجل خطيَّتك. ولعنتُ أيضًا الحيَّة التي منها أطغيتَ وأدخلتُ قوايمها في بطنها. وجعلتُ طعامها التراب. ولم ألعنك. وحكمتُ على حوّاء أن تكون تحت خدمتك. فأيقنْ أنَّك إذا استتممت المقام الذي قضيت أن تقيمه في الأكسوريا، وهي الأرض الملعونة لتجاوزك وصيَّتي، بعثتُ ابني الحبيب. فإنَّه ينزل إلى الأرض ويلبس جسمًا من عذراء تُدعى مريم من نسلك. وإنِّي أطهِّرها وأصطفيها، وأنقلها في ظهر جيل بعد جيل إلى وقت هبوط الابن من السماء. ففي ذلك الحين يكون أوَّل خلاصك ورجوعك إلى ميراثك
«فأوصِ أولادك عند اقتراب وفاتك، التي حتَّمتُ بها عليك إذا توفِّيت أن يحفظوا جسمك بالمرِّ والسليخة ويضعوه في المغارة التي تسكنها اليوم حتّى الوقت الذي فيه خروج ولدك من جوف الفردوس وجوازه إلى الأرض الترابيَّة. فإذا كان ذلك الوقت، علِّم من يعيش إليه من ولدك على حمل جسمك معه ووضعه في الموضع الذي أوقفه عليه. فإنَّ ذلك الموضع الذي يوضع فيه جسمك هو وسط الأرض، ومنه وفيه يكون لك ولجميع ولدك الخلاص». وكشف الله له جميع ما يصير إليه من الأحزان والآلام، وأمرَه بالصبر على ذلك. ولمّا أخرج آدم وحوّاء من الفردوس، أُغلق باب الفردوس ووُكّل به ملاكًا من نار.

آدم وحوّاء في مغارة الجلجلة
وسكن آدم وحوّاء على الطور (ط و ر ا: الجبل) المقدَّس الذي عليه أساس الفردوس، في الموضع المعروف بمطاريمون. فكانا يسكنان هناك في مغارة كانت في أعلى الجبل، مستترين فيها مويسين (موآسَين) من الرحمة. وكانا إذ ذاك بكرين طاهرين. ثمَّ همّ آدم بمباضعة حوّاء، فتناول من أساس الفردوس ذهبًا ومرًّا ولبانًا. وترك ذلك جميعًا وقدَّسه في داخل المغارة. وكان قد جعلها بيت صلاته. وكان الذهب الذي تناوله من أساس الفردوس تماثيلاً، عددها اثنان وسبعين تمثالاً. فدفع ذلك مع المرِّ واللبان إلى حوّاء. وقال: «هذا لك صداق، فاحتفظي به. ولا بدَّ من أن يهدي جميعًا إلى ابن الله في وقت مجيئه إلى العالم. فيكون الذهب علامة لملكه. واللبان للتدخين قدَّامه. والمرِّ لتحنيط جسده الذي يأخذه منّا. ويكون ذلك شاهدًا على ما بيني وبينك عند مخلِّصنا إن أتى إلى العالم». وسمَّى آدم تلك المغارة مغارة الكنوز.

قايين وهابيل
فلمّا أتت له بعد خروجه من الفردوس ماية سنة، وهو وحوّاء حزينان باكيان. فنزلا من الطور المقدَّس إلى أسفله. وعرف هناك آدم حوّاء، فحبلت واستتمَّ الحبل. فولدت قايين ولوذيّا أخته توم (توأم). وعاودها، فحملت واستتمَّ الحبل فولدت هابيل وأخته أقليما توم (توأم) أيضًا.
ونمى (نما) الغلامان والجاريتان ولحقوا الإدراك. فقال آدم لحوّاء: «إنَّ الله قد أنمى هولاء الفتيان والشواب (والصواب) أن تزوَّج قايين أقليما أخت هابيل. وتزوَّج هابيل لوذيّا أخت قايين». فعملا على ذلك. فقال قايين لحوّاء: «يا أمّاه، أنا أحقُّ بأختي التي ولدت معي. فلتسلَّم إليَّ زوجة وتسلَّم إلى هابيل أخته التي ولدت معه زوجة». وكانت لوذيّا أجمل من أقليما. كانت مشبهة لأمِّها حوّاء. فبلغ قوله آدم، فاغتمَّ لذلك وصعب عليه. فقال لابنه قايين: «إنَّ الذي تلتمسه يا بني خارج عن الناموس، لأنَّه لا يحلُّ لك أن تتزوَّج أختك التي ولدت معك». وأخذ قايين منذ ذلك الوقت الحسد لهابيل وهمَّ بقتله.
ثمَّ إنَّ آدم قال له ولهابيل: «اختارا أشياء من ثمار الأرض ومن أولاد الغنم، واطلعا هذا الجبل المقدَّس، وادخلا مغارة الكنوز، وصلِّيا هناك بين يدي الله، وقدِّما له ما تحملانه من الثمار ووُلد الشياء (جمع شاة) قربانًا. فإذا فعلتما ذلك تسلَّم كلُّ واحد منكما إمرأته». ففعلا ذلك. فبينما هما يصعدان الجبل، إذ دخل الشيطان في قايين وبعثه على قتل هابيل. ثمَّ قرَّبا قربانيهما بين يدي الربّ. فقبل الله قربان هابيل، ورفض قربان قايين لأنَّ الله، جلَّ وعزَّ علم بنيَّة قايين وما أجمع عليه من قتل أخيه.
فلمّا رأى قايين قبول الربِّ جلَّ اسمه، قربان هابيل دون قربانه، ازداد حسدًا لهابيل وعليه غيظًا. فلمّا نزلا من الجبل شدَّ قايين على هابيل فقتله بحجر محدَّد. ولعن الله قايين ونزل به حكمه. فلم يزل مروَّعًا فزعًا أيَّام حياته. وقدم الله به من الجبل المقدَّس مع امرأته إلى الأكسوريا الأرض الملعونة، فسكنا هناك. وحزن آدم وحوّاء على هابيل حزنًا عظيمًا ماية سنة.

شيت
ودنى (ودنا) آدم من حوّاء، فحبلت وتمَّ الحبل، وولدت شيت الرجل الجميل الجبّار الكامل التامّ. فكان في كماله كآدم أبيه. وخوَّله الله، لمّا بلغ، أن جعله والد سائر جبابرة الأرض. فأوَّل ما ولد لشيت أنوش. وأنوش ولد قينان. وقينان ولد مهلاليل. هؤلاء ولدوا في حياة آدم. فعاش آدم تسعماية سنة وثلاثين سنة إلى الوقت الذي أتت لمهلاليل ماية وخمسة وثلثون سنة. فلمّا حضر وقت وفاته، استحضر شيت وأنوش وقينان ومهلاليل، وصلَّى عليهم وبركهم (وباركهم) وأوصى إلى ابنه شيت هذه الوصيَّة.
وصيَّة آدم
«اسمع يا ابني شيت ما أوصيك به، واحفظه وتفهَّمه، وأوصِ به عند وفاتك ابنك أنوش ليوصي بذلك أنوش لقينان ويوصي قينان مهلاليل. وليعمل بهذه الوصيَّة، وتعلّمها سائر أجيالكم جيل بعد جيل، وشعب بعد شعب.
«فأوَّل ما أوصيك به إذ أموت تحنِّط جسمي بالمرِّ والسليخة، وتجعله في مغارة الكنوز من الجبل المقدَّس. ولتعلم من يعيش من عقبك، في الزمان الذي يكون فيه خروجكم من هذا الجبل المقدَّس المحيط بالفردوس، على أن يحمل جسمي معه، ويصير به إلى وسط الأرض، ويضعه هناك. فإنَّ في ذلك الموضع يكون لي ولجميع ولدي الخلاص. وتكون يا ابني شيت بعدي مدبِّرًا لشعبك بمخافة الله. وأبعد نفسك وولدك جميعًا، وافردهم من ولد قايين القاتول (ق ط و ل ا. القاتل).
الليتورجيّا السماويَّة
«وافهم يا ابني حال ساعات الليل والنهار وأسماها (وأسماءها)، وما يسبَّح الله به فيها، وما يجب أن تدعوا لله به عند حلولها، وفي أيِّ ساعة تجب الطلبة والتضرُّع فيها. فقد علَّمني خالقي ذلك، وفهَّمني أسماء جميع حيوان الأرض وطير السماء، وأوقفني الربُّ على عدد ساعات الليل والنهار وأمور الملائكة وقوَّاتهم وكيف هم.
واعلَم لي أنَّ في الساعة الأولى من النهار ارتفاع تسبحة أولى إلى الله.
وفي الساعة الثانية تكون صلوات الملائكة ودعاؤهم.
والساعة الثالثة يمجِّد الطائر.
والساعة الرابعة عبادة الروحانين.
والساعة الخامسة عبادة سائر الحيوان.
والساعة السادسة طلبة الكروبين وتضرُّعهم.
وفي الساعة السابعة الدخول إلى الله والخروج من عنده. لأنَّ فيها ترتفع إلى الربِّ صلوات كلِّ حيّ.
وفي الساعة الثامنة عبادة السماوين والنورانين.
وفي الساعة التاسعة تشمسة (خدمة) ملائكة الله الذين يقومون بين يدي الله وكرسيّ وقاره.
والساعة العاشرة للماء. ففيها ترفرف (الروح مؤنّث في السريانية...) روح القدس، وتطلع على سائر الأمياه، وتنفر الشياطين عنها. فلولا رفرفة روح القدس وحلولها في هذه الساعة من كلِّ يوم على المياه، لما شرب أحد ماء إلاَّ كان هلاكه فيه من الشياطين المفسدين. ولو خَطف الماء في تلك الساعة خاطفٌ وخلط معه أحدُ كهنة الله زيتًا مقدَّسًا، ودهن به المرضى والذين بهم الأرواح الدنسة، برئوا من أوصابهم.
وفي الساعة الحادي عشر تضرُّع البشر ودعاؤهم مقبول بين يدي الله.
وأمّا ساعات الليل.
ففي الساعة الأولى عبادة الشياطين. وفي تلك الساعة ساعة عبادتهم، ليس يأذون أحد، ولا يفزع منهم شيء حتّى وقت انصرافهم من عبادتهم.
وفي الساعة الثانية عبادة الحيتان وما يكون على الماء وما في داخله من الدواب.
وفي الساعة الثالثة عبادة النار التي أسفل النجوم. وفي هذه الساعة ليس يتهيَّأ لأحد أن ينطق.
وفي الساعة الرابعة تقدِّس السرافين. فإنّي كنت أسمع ذلك في هذه الساعة وقت مقامي في الفردوس قبل مخالفتي الوصيَّة. فلمّا جاوزت الوصيَّة صرت لا أسمع تلك الأصوات ولا حركتهم واضطرابهم كما كنت أسمع، ولا نظرت إلى شيء ممّا كنت أنظره من القدس قبل الخطيئة.
وفي الساعة الخامسة عبادة الماء الذي فوق السماء. ولقد كنت أسمع والملائكة في هذه الساعة، من الماء الذي في العلو، أصواتًا وضجيجًا كضجيج المراكب والعجل العظام، وتصرخ بالأمواج وتهيِّجها للتصويت بالتسبحة للربّ.
وفي الساعة السادسة تضرُّع السحب إلى الله، وهي فزعة مرتعدة.
وفي الساعة السابعة تهدئ قوَّاتُ الأرض وتسبِّح وتنام الأمياه وتهدئ. فلو خطف إنسان شيئًا من الماء في هذه الساعة وخلط فيه الكاهن زيتًا مقدَّسًا ودهن به المرضى والذين لا ينامون الليل، لبرئوا (أو: لبرئ) المرضى ولنام أصحاب السهر.
وفي الساعة الثامنة يخرج العشب من الأرض.
وفي الساعة التاسعة تشمسة (خدمة) الملائكة ودخول الصلوات بين يدي الله.
وفي الساعة العاشرة تُفتَح أبواب السماء ويُستَجاب دعاء أولادي المؤمنين، ويعطون ما يسلون (يَسألون) من الله عزَّ وجلّ. واحتكاك أجنحة السرافين، فبقوّة احتكاكها يصيح الديك بالتسبحة للربّ.
وفي الساعة الحادية عشرة تكون فرحة وبهجة على الأرض كلِّها. وذلك أنَّ الشمس تدخل إلى فردوس الله وتشرق ضياءها في أقطار الأرض فتضيء البرايا كلَّها بوقوع الشمس عليها.
وفي الساعة الثانية عشرة ينبغي لولدي أن يبخروا بين يدي الربِّ بالياسمين. فإنَّ فيها يكون هدوء كثيرًا في السماء على جميع السماويِّين.
الوعد بتجسُّد الابن
«اعلم يا بنيّ شيت، وانصت لكلامي. تيقَّنْ أنَّ الله سينزل إلى الأرض كما قال لي. وفهَّمَني وعرَّفني وقت تعزيته إيَّاي بخروجي من الفردوس. فإنَّه، جلَّت أسماؤه كلَّمني وقال: "في آخر الزمان يتجسَّد من جارية بكر تُسمَّى مريم ويحتجب بي. ويلبس جلدي، ويولَدِ كأولاد الإنسان بقوَّة وتدبير لا يفهمه غيره ومن يطلعه على ذلك ويسعى مع الأولاد من البنين والبنات الذي في ذلك الأبان (أي: الزمان) ويعمل العجائب والآيات ظاهرًا. ويمشي على أمواج البحر كمشيه على الأرض اليابسة. وينتهر الرياح علانية فتنقاد لأمره. ويصوِّت بأمواج البحر فتستجيب طائعة له. وبأمره يبصرون العميان ويتطهَّر البرص ويسمع الأصمّ ويتكلَّم الأخرس وينبسط الأحدب وينهض المقعدون ويقوم الزمنى فيمشون. فيهتدي كثير من الطغاة إلى الله. ويسترشد الضالُّون ويطرد الشياطين. وكان فيما عزَّاني به الربُّ أن قال لي: "يا آدم لا تحزن. فإنَّك إلهًا هممتَ بأن تكون بتجاوزك وصيَّتي. فإلهًا أنا جاعلك في غير هذا الوقت بعد مدَّة من السنين". وقال لي الربُّ أيضًا: "إنِّي أخرجك من أرض الفردوس إلى الأرض المنبتة الشوك والدردار حتّى تسكنها. وأحنى صُلبك، وأرعد ركبتيك من الكبر والشيخوخيَّة. يا تراب، إلى الموت أسلمك، وجسمَك طعامًا للسوس اجعله ورمثٌ للدودة.
«وبعد خمسة أيَّام ونصف من أيَّامي أترأف برحمتي عليك. وإليك أنزل وفي بيتك أسكن وجسمك ألبس.
ومن أجلك يا آدم طفلاً أكون
من أجلك يا آدم في الأسواق أحبو
من أجلك يا آدم أربعين يومًا أصوم.
من أجلك يا آدم اقبل المعموديَّة.
من أجلك يا آدم على الصليب أُرفَع.
من أجلك يا آدم الفرية أقبل.
من أجلك يا آدم بالسوط أُجلَد
من أجلك يا آدم الخلّ أذوق.
من أجلك يا آدم يُسمَّر كفاي.
من أجلك يا آدم بالحربة أطعَن.
من أجلك يا آدم للعلاء أرعد.
من أجلك يا آدم للشمس أظلم.
من أجلك يا آدم الصخور أشقق.
من أجلك يا آدم لقوَّات (أو: قوّات) السماء أرهب.
من أجلك يا آدم لبرِّيَّة (أو: خليقة) السماء أرهج.
«من أجلك يا آدم أرضًا جديدة أصنع، ومن بعد ثلثة أيَّام أقيمها في القبر. أنهض الجسد الذي أخذتُه منك، وأصعده معي بلا افتراق منِّي، وأجلسه عن يمين لاهوتي. وأجعلك إلهًا كما أحببت».
«فاحفظ يا بُنيَّ شيت وصايا الله ولا ترخص عندك كلامي. واعلم أنَّه لا بدَّ للربِّ من المجيء إلى الأرض. ويأخذه قوم منافقين، ويمدُّونه على عود الصليب. ويعرُّوه من لباسه، ويرفعونه بين لصَّين رديَّين. ويَصعد بجوهر ناسوته على الصليب. ويُقتل ويدفن الجسم الذي يأخذ منّا. ثمَّ يقيمه بعد ثلثة أيَّام ويطلعه معه إلى السماء. ويجلسه معه عن يمين لاهوته. له التمجيد والوقار والتسبحة والعظمة والعبادة والسجود والتهليل والترتيل ولابنه وروح القدس من الآن وفي كلِّ أوان وإلى آخر الدهور والأزمان آمين.
«واعلم يا بنيَّ أنَّه ليس بدّ من أن يجيء طوفان يغسل الأرض كلَّها من أجل أولاد قايين الرجل الرديء الذي قتل أخاك لغيرته على أخته لوذيّا. وبعد الطوفان بسوء بيع كثيرة يكون آخر العالم ويتمُّ الحدود وتتكامل الأشياء وتنقطع المدَّة التي جُعلت للبرايا. وتأكل النار ما تلحقه بين يدي الربّ وتتقدَّس الأرض». فكتب شيت هذه الوصيَّة، وختمها بخاتم أبيه آدم الذي كان معه من الفردوس وخاتم حوّاء وخاتمه.
تحنيط آدم
وتُوفّى آدم فاجتمع لتجنيزه أجناد الملائكة لكرامته على الله. فحنَّطه شيت وكفَّنه. وتولَّى وولده ووضعه في مشارق الفردوس حيث نام عند خروجه من الفردوس بأدنى القرية التي بُنيت قبل كلِّ بنيان المسمّاة أخنوخ في المسكونة. ولمّا توفِّي آدم أظلمت الشمس والقمر سبعة أيَّام وسبع ليال ظلمة صعبة. وجعل شيت الصحيفة التي كتب فيها وصيَّة أبيه آدم في مغارة الكنوز مع القرابين التي كان آدم حملها معه من أرض الفردوس. وهي الذهب والمرُّ واللبان، التي أعلم آدمُ شيت وولده أنَّها ستصير إلى ملوك ثلثة من المجوس ويصيرون بها إلى مخلِّص العالم المولود في مدينة يقال لها بيت لحم بلد يهودا
ولم يبقَ من ولد آدم المولودين قبل وفاته أحد إلاَّ اجتمع إليه فودَّعوه. وصلَّى عليهم ودعا لهم بالسلامة. ثمَّ توفَّى سنة تسع مية (مئة) وثلثين سنة من حساب أبي شيت. وهو الابتداء وكان خروج أبينا آدم من هذا العالم على ثلث ساعات من نهار يوم الجمعة لست خلون من نيسان. وفي أربع عشرة ليلة من الهلال. وفي مثل هذا اليوم أسلم سيِّدنا المسيح نفسه في يد أبيه. فاتَّصل الحزن على آدم من ولده وولد ولده ماية وأربعين يومًا لأنَّه أوَّل ميت مات على الأرض.
وانقسمت الشعوب بين أهل قايين القاتول (القاتل) بعد وفاة آدم. فأخذ شيت أولاده وأولاد أولاده ونساءهم وأطلعهم إلى الطور البهيّ المقدَّس. الموضع الذي قُتل فيه هابيل. وصار شيت مدبِّر أهل زمانه بالتقوى والطهارة والقدس (أو: القداسة).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM