الفصل الثالث
إنجيل مريم المجدليَّة
1. المقدِّمة
إنجيل مريم هو أوَّل كتاب في كودكس برلين 8502 [1]، الذي عنوانه بحسب الكولوفون: الإنجيل بحسب مريم (19: 3-5). ومع أنَّ الإنجيل ليس خبر حياة يسوع وموته، نال عنوانَ «إنجيل»، لأنَّه نقل بلاغًا صادرًا عن المخلِّص. ويمكن أن يتسجَّل في خطِّ التعاليم التي وزَّعها المسيح القائم من الموت قبل أن يَترك التلاميذ وهم حائرون.
وشخصُ مريم في هذا الإنجيل، ليس شخص العذراء، أمِّ يسوع المسيح، بل شخص مريم المجدليَّة، التي عنها تقول الأناجيل إنَّها كانت الأولى التي رأت القائمَ من الموت وتسلَّمت منه بلاغًا. نقرأ في مت 28: 1: «ولمّا مضى السبت وطلع فجر الأحد، جاءت مريم المجدليَّة ومريم الأخرى لزيارة القبر». أخبرهما الملاك «فذهبتا تحملان الخبر إلى التلاميذ» (آ8). ونقرأ في مر 16: 1: «ولمّا مضى السبت، اشترت مريم المجدليَّة، ومريم أمُّ يعقوب، وسالومة، بعض الطيب ليذهبن ويسكبنه على جسد يسوع». ظهر شابٌّ وقال لهنَّ: "اذهبن وقلن للتلاميذ ولبطرس: هو يسبقكم إلى الجليل وهناك ترونه كما قال لكم" فخرجن من القبر هاربات» (آ7-8). ويتواصل الخبر في آ9-11: «وبعدما قام يسوع في صباح الأحد، ظهر أوَّلاً لمريم المجدليَّة التي أخرج منها سبعة شياطين. فذهبت وأخبرت تلاميذه، وكانوا ينوحون ويبكون. فما صدَّقوها عندما سمعوا أنَّه حيّ وأنَّها رأته». أمّا إنجيل يوحنّا فجاء طويلاً جدًّا بالنسبة إلى دور المجدليَّة، التي بدت وكأنَّها كانت وحدها: «ويوم الأحد جاءت مريم المجدليَّة إلى القبر باكرًا... فأقبلت مسرعة إلى سمعان بطرس...» (يو 20: 1-2). ولكنَّها لم ترضَ، بل «توقَّفت عند القبر تبكي، وانحنت نحو القبر وهي تبكي...» (آ11). ورأت يسوع «فظنَّت أنَّه البستانيّ» (آ15). وسوف تعرفه حين يناديها باسمها. «فرجعت مريم المجدليَّة وأخبرت التلاميذ بأنَّها رأت الربّ» (آ18).
انطلق إنجيل مريم من هذا الكلام الأخير: أعلنت مريم أنَّها «رأت الربّ». فامتياز الرؤية التي منحها يسوع لتلك التي أحبَّها أكثر من سائر التلاميذ، رجالاً ونساء[2]، يتَّخذ هنا أهمِّيَّة خاصَّة: أعطى الربُّ مريمَ المعرفةَ الكاملة التي تتيح لها، لا أن تدخل في السرِّ فقط، بل أن تضيء أيضًا على السرِّ وتُدخل فيه الآخرين. ودورُ المجدليَّة هذا الذي احتفظت منه الأجيال اللاحقة بالبكاء والاهتداء، صار موضوع تفاسير عديدة وإشارات في القرون المسيحيَّة الأولى[3].
2- مضمون الكتاب
مع أنَّ المخطوط القبطيَّ مشوَّه في بدايته، وفي وسطه، فهو مع ذلك يقدِّم تأليفًا متناسقًا، ونحن نستطيع أن نقسمه قسمين يتوازيان: في الأوَّل، حوار يسوع مع تلاميذه قبل أن يتركهم. ومركزُ الثاني خطابُ مريم التي تحاول أن تشجِّع رفاقها وتعزِّيهم بخبر رؤية منحها الربُّ لها. وكلٌّ من هذه التدخُّلات يحرِّك وسط الرسل ردَّات فعل وجدالات تتوخَّى أن تنال جوابًا على تساؤلات شرعيَّة.
بعد توطئة فلسفيَّة حول طبيعة الشرِّ والمادَّة، والخطيئة ونتائجها، يذكِّر يسوع التلاميذ بإنجيله، بالسلام الذي يرافقه، بحضور الملكوت فيهم. وقبل أن يتركهم، يرسلهم ليحملوا البشارة بدورهم. تبلبل الرسل وارتاعوا بسبب انطلاق يسوع، والنظرة إلى الآلام الآتية. كلُّ هذا حرَّك تدخُّل مريم. فإن كان إخوتُها حائرين، فلأنَّهم لم يصلوا بعد إلى المعرفة الحقيقيَّة – تلك التي وحدها تستطيع أن تؤمِّن الثبات والهدوء الداخليَّين، حيث الرجل الكامل هو ثمرتهما. بفضل توحيد (جديد) النفس مع العقل، سأل بطرس فعرضت مريم ما أُوحيَ لها في رؤية. وإذ اتَّخذت هذه الرؤية شكل سفَر النفس نحو العالم العالي، كشفَت الفخاخ التي تحاول قوى الشرِّ أن تنصبها، ولكن باطلاً، أمام النفس التي تسعى للبلوغ إلى المعرفة.
ويحرِّك خطابا يسوع المتتاليان ثمَّ خطاب مريم، لدى التلاميذ، تساؤلات يمكن أن تكون انعكاسًا للأسئلة التي تُطرَح في بعض جماعات الأزمنة الأولى.من جهة، سعى بطرس لكي يحصل من يسوع على تعليم حول مصير الإنسان على هذه الأرض. وسأله عن المادَّة، عن الخطيئة ونتائجها، عن المرض والموت. من جهة ثانية، أمام ثقة مريم الهادئة، تساءل الرسل هل بالإمكان أن تكون نعمَت، بواسطة وحي مميَّز، بمعرفةٍ لم تُمنَح لهم، وإذا كان شرعيًّا أن نثق بها. والجدال الذي حرَّكه بطرس وأندراوس ينتهي عند إيعاز لاوي بأن يقبلوا من مريم تعليمًا أتاها من المخلِّص نفسه لأنَّه أحبَّها أكثر منهم.
3- متى كُتب هذا الإنجيل وأين؟
يرى الباحثون انطلاقًا من الأجزاء اليونانيَّة التي كُشفت، أنَّ تأليف إنجيل مريم يمكن أن يحدَّد تاريخُه في منتصف القرن الثاني أو في النصف الثاني من القرن الثاني. والمنطقة التي دُوِّن فيها؟ نحاول أن نكتشفها انطلاقًا من النقد الداخليّ، من قراءة النصّ: هي إمّا مصر، إمّا فلسطين، إمّا سورية الشرقيَّة.
قارب السيِّد ميشال تارديو بين هذا النصِّ مع تنظيرات الفيلسوف السريانيّ برديصان التي نكتشفها خصوصًا في مؤلَّفه كتاب شرائع البلدان[4] الذي يعود إلى نهاية القرن الثاني. ثمَّ إنَّ العظة التاسعة عشرة من العظات البسيدوإقليميَّة[5] تستعيد النظريّات عينها عن مسألة الشرِّ ومصير الإنسان وحرِّيَّة الخيار عنده. هذه المقابلات أتاحت للسيِّد تارديو أن يفترض أنَّ هذا الإنجيل تضمَّن توسيعًا مشابهًا في الصفحات الناقصة في بداية خطبة المخلِّص (ص 1-6): فقد تكون عالجتْ مسألةَ الشرِّ في العالم ومسؤوليَّة روح الشرِّ في هذا الوضع، قبل معالجة المادَّة والخطيئة والمرض والموت (ص 7-8).
لا شكَّ في أنَّ نسختَي الرؤية البسيدوإقليميَّة جاءتا بعد الإنجيل بحسب مريم، لأنَّهما تعودان إلى القرن الرابع، ولكنَّهما تستندان إلى مصادر قديمة يمكن أن تعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني[6]. إنَّ التقاربات التي يمكن أن نكتشفها فيما بينها وبعض اهتمامات هذا الإنجيل – مثل موضوع الزنى أو موضوع شرعيَّة الرؤى الشخصيَّة، مع تساؤلات عبَّر عنها بطرس حول مصير الإنسان على الأرض – يمكن أن تكون الإشارة إلى انتماء هذه النصوص إلى وسط واحد هو سورية، فلسطين أو ربَّما الإسكندريَّة.
ثمَّ إنَّ التنظيرات الهرمسيَّة حول أصل الإنسان ووجوده الأرضيّ ومصيره المقبل، كما نجدها مثلاً في الكتاب الأوَّل من المجموعة الهرمسيَّة[7]، تقدَّم هي أيضًا خلفيَّة إيحائيَّة قادرة أن تلقي الضوء على تعليم الإنجيل بحسب مريم، الذي يبدو بعض المرّات غامضًا.
4- طبيعة التعليم: إرشاد نسكيّ
إنَّ طبيعة البلاغ الذي يريد هذا الإنجيل أن ينقله، ذات بُعد خاصّ. فأمام قلق وتضايق التلاميذ الحائرين تجاه ذهاب يسوع ووُسع المهمَّة التي كلَّفهم بها، ذكَّرتهم مريم بما في نظرها يقوم جوهر الموهبة التي أعطاها للمؤمنين المسيحُ القائمُ من الموت: نعمة إنسانٍ مجرَّدٍ كلِّيًّا فيه وعلى صورته التي أُصلحَتْ الآن فيهم بالخلاص: «وحَّدَنا، جعلنا إنسانًا» (9: 19-20). وهذا الموضوع، موضوع توحيد المركَّب البشريّ المصنوع من عنصر أنثويّ، هو النفس، ومن عنصر ذكريّ، هو العقل، موجود في تنظير هرمسيّ يونانيّ من بويماندرس[8]. ففي هذا المقال، الإنسان الذي يلده العقل – الآب[9]، الذي هو ذكر وأنثى، يجد نفسه مغموسًا في المادَّة حيث يصبح اثنين: مائتٌ في ما يخصُّ جسده الذي يعود إلى العناصر الأربعة الأولى. لامائت في ما يخصُّ الإنسان الجوهريّ الذي صار فيه نفسًا وعقلاً. ثمَّ هو يحتمل قسمة جميع الكائنات، إلى ذكور وإناث. ومع ذلك فهو موعود بمصير أبديّ بقدر ما يعرف ذاته لامائتًا، فيطلب الخير الفائض الذي هو حياة ونور. إذًا يرتبط مصيرُه المقبل بنوعيَّة حياته على الأرض وبالعقل (نوس) الذي يعرفه. في الموت، يمضي جسدُه إلى الانحلال. أمّا نفسه فتصعد عبر الدوائر وتتخلَّى، كما يتخلَّى الإنسان عن ثيابه، عن الأهواء التي ارتدَتْها حين نزلت على الأرض. عندئذ تدخل في الله وتصبح الله «الذي لا يعطيه سوى الصمت أن يسمِّيه»[10].
وهذا الموضوع نفسه، موضوع توحيد الإنسان، ذكرًا وأنثى، نجده في بعض النصوص الغنوصيَّة في القرن الثاني مثل فسار النفس[11]. ولكنَّنا نشهده أيضًا في عدد كبير من الكتابات المسيحيَّة في القرون الأولى: إنجيل المصريِّين[12]، رسالة إقليمس الرومانيّ الثانية[13]، الإنجيل حسب توما[14]. ولكن في هذه الكتابات، لا يُعتبَر التوحيد في وجهته المحض فلسفيَّة، بل صار وجوديًّا. إنَّها متطلِّبة نسكيَّة كما يمارسها الإنسانُ صاحبُ القلب الموحَّد. في هذا المنظار النسكيّ يجب أن نحدِّد (على ما يبدو) موقع التعليم الذي سلَّمته مريم في إنجيلٍ يحمل اسمها[15].
5- المعرفة الكاملة هي مثال التنسُّك
هذا التناسق المستعاد يقود إلى الثبات في المعرفة، وإلى غياب هذه البلبلة التي لبث الرسل يشعرون بها بعد ذهاب يسوع. وهذا ما يدلُّ عليه بوضوح ولْيُ النصّ (15: 1-17: 6). هنا تصوِّر مريمُ المسيرةَ الضروريَّة للوصول إلى قمَّة المعرفة، في شكل رمزيّ قريب من أخبار أسفار النفس في الحلقات السماويَّة، كما تصوِّرها بعضُ أسفار الرؤيا، اليهوديَّة والمسيحيَّة[16]. في الواقع، الموضوع هنا هو تمثُّل بالنظر لصراع النفس الداخليّ في وجه قوى الشرِّ التي تسودها ظلماتُ الجهل وتحاول أن تعيق صعودها. ولكنَّ حبَّ الربِّ الأمين للنفس المختارة، يتيح لها أن تنجو من الفخاخ وتبلغ إلى الراحة المطلقة في الأبديَّة وفي الصمت.
6- ردَّة فعل الرسل
مثل هذا التعليم لبث غريبًا، في نظر الرسل، لأنَّ بطرس لبث يرى في مريم، المرأةَ خصم الرجل. وبشكل إجماليّ، ردَّةُ فعلهم هي عاديَّة، لأنَّ تقليد الكنيسة يرتكز على كرازة الرسل والموكَّلين بنقل ما تعلَّموه من يسوع خلال حياته على الأرض. بعد ذلك، أيَّة مصداقيَّة تُمنَح لتعليم وصل في رؤية شخصيَّة، ولاسيَّما أنَّه وصل بواسطة امرأة. وطرح أندراوس سؤالاً: هل يتوافق هذا التعليم مع ذلك الذي تلقَّيناه من المخلِّص؟ وأضاف بطرس على هذا السؤال سؤالين: هل يمكن أن يكون يسوع تحدَّث سرًّا مع امرأة من دون علمنا؟ هل اختارها وفضَّلها علينا؟ (17: 10-22).
قد يشير هذا المقطع إلى مسألة بدت وكأنَّها كانت حقيقيَّة في الكنيسة الأولى: مسألة سلطة الأنبياء، رجالاً ونساء، تجاه سلطة متنامية، سلطة الخدَّام المؤسِّسة والثابتة. فالأنبياء، برؤاهم وبتأثير من الروح القدس، يستطيعون أن يحملوا عن بلاغ يسوع تفسيرًا قادرًا أن يُفلت من مراقبة رؤساء الجماعات، أساقفة أو شيوخًا، خلفاء الرسل[17].
7- جواب لاوي
واضحٌ هو موقفُ لاوي الذي لامَ بطرس لأنَّه احتقر تلك التي اختارها الربّ. قبِلَ لاوي بلاغَ مريم لأنَّه جعل الإيعاز خاصًّا به: «... لنرتدِ الإنسانَ الكامل، ولنجعله خاصَّتنا، كما أمرَنا» (18: 16-18). والتزم بأن ينفِّذ الوصيَّة بأن يعلن الإنجيل، ولكن دون أن يفرض «قاعدة أخرى، ولا شريعة أخرى إلاَّ ما فرضه الربُّ علينا» (18: 19-21). وهذه الملاحظة الأخيرة هي هامَّة، بمضمونها كما بالدور الذي نُسب إلى لاوي.
لاوي، وأصل الاسم العبريّ يعني «المنزويّ» (في الهيكل)، إذًا المكرَّس لله – لا يُذكر في لوائح الرسل في العهد الجديد، إلاَّ إذا ماهيناه مع متّى، جامع الضرائب كما يفعل متّى وحده بين الإنجيليِّين[18]. مقابل هذا يظهر في إنجيل بطرس (60)[19]، وخصوصًا في الرؤيا الأولى ليعقوب[20] حيث يُدعى المستودع المميَّز للتقليد الذي ناله من الربِّ يعقوب، وتسلَّمه منه تلميذه أداي[21] لكي يسلِّمه بدوره إلى لاوي. والحال أنَّنا نعرف أنَّ يعقوب، أخا الربّ، بحسب صورةٍ حُفظَتْ عنه، اشتهر بتقشُّف كبير في حياته[22]. وإذ كان رئيسَ كهنة أورشليم، لبث متعلِّقًا بالتقاليد اليهوديَّة ومنها تقليد الأنبياء. إذًا بدا لاوي كفيل هذا الميل ووارثه. وهذا ما يفهمنا أنَّه استطاع، أفضل من غيره، أن يدرك بُعد بلاغ مريم.
إذا كان لاوي ما استطاع أن يفرض قاعدة ولا شريعة سوى ما ثبَّته الربّ، فلأنَّه ما أراد كمتطلِّبة قاعديَّة، المثال النسكيّ الذي أخذ به، والذي اكتفى يسوع بأن يقترحه، لا بأن يفرضه. وهكذا تصيب هذه الملاحظة الحركةَ التعفُّفيَّة[23] التي بدأت تنتشر في الجماعات المسيحيَّة، في سورية وفي الإسكندريَّة، منذ بداية القرن الثاني. كما يمكن أن تكون تحذيرًا من بعض اليهومسيحيِّين المتشدِّدين الذين يريدون أن يفرضوا على جميع المؤمنين، ما دعاه أفراهاط، أحد آباء الكنيسة السريانيَّة، في بداية القرن الرابع، «الشريعة الثانية» أي ممارسات مادِّيَّة، محض تربويَّة وزمنيَّة في نظره[24]. وأن تشدِّد على باطنيَّة المثال النسكيّ أكثر ممّا تشدِّد على ممارساته الخارجيَّة («... ابن الإنسان هو في داخلكم...»، قال يسوع في 8: 18-19) في حقبة حذَّرت فيها الرسائل الرعائيَّة وإغناطيوس الأنطاكيّ وإيرينه وكليمان الإسكندرانيّ من قساوة نسكيَّة مفرطة تدفع المؤمن إلى النهاية، وفي حقبة أيضًا كان فيها الأسقف دنيس الكورنتيّ[25] يحضُّ زميله بينيتُس أسقف كنوسوس[26] «أن لا يفرض على الإخوة حمل العفَّة الثقيل، بل يأخذ بعين الاعتبار ضعف العدد الكبير»[27].
8- مكانة المرأة
ونستطيع أن نستخلص استنتاجًا أخيرًا من هذا النصّ، البسيط في الظاهر والغنيّ بمضمونه حين نضع هذا التعليم على اسم مريم المجدليَّة. فهو يعطي المرأة التي اسمها مريم، كرامتها كأوَّل شاهد للقيامة. وربَّما يمنحها موهبة النبوءة التي كانت تتطلَّع إليها في تقليد زمانها[28]. وأخيرًا، يريد هذا النصُّ أن يبيِّن المساواة بين الرجل والمرأة، كما سبق بولس وقال للغلاطيِّين: «... الذين لبسوا المسيح... لا رجل ولا امرأة، بل كلُّهم صاروا واحدًا في المسيح» (3: 27-28). وهكذا يشهد الإنسان بحسب مريم بأنَّ المرأة تستطيع أن تبلغ إلى هذه المعرفة الكاملة، معرفة سرِّ يسوع الذي جعلها فوق الرسل أنفسهم، في سلَّم القيم الروحيَّة.
9- نصُّ إنجيل مريم
الإنجيل بحسب مريم هو أوَّل مقال في كودكس برلين 8502، وجاء في ص 1-18 مع أربعة أسطر في ص 19. هذا الكودكس المكتوب على الورق البرديّ، اقتناه عالم ألمانيّ سنة 1896، فحُفظ في برلين، في القسم المصريّ من المتاحف الوطنيَّة. عَدَّ في الأصل 72 وريقة في دفتر واحد مجلَّد. ولكن لم يبق اليوم سوى 65 وريقة. يبدو أنَّه جاء من منطقة أخميم، وأنَّه نُسخ في بداية القرن الخامس. وتضمَّن مع الإنجيل بحسب مريم ثلاثة مقالات: أبوكريفون يوحنّا، حكمة يسوع المسيح، عمل بطرس.
من المؤسف أن يكون في هذا الإنجيل فجوتان كبيرتان: تنقص ص 1-6 ثمَّ ص 11-14. ومع أنَّ بداية النصِّ ضاعت، إلاَّ أنَّ الكولوفون (ص 19) قدَّم لنا العنوان. فالنصُّ القبطيّ في اللهجة الصعيديَّة مع بعد الخصوصيّات الأخميميّة، وتحأخميميَّة، هو ترجمة عن الأصل اليونانيّ تمَّت في القرن الرابع أو بداية القرن الخامس.
والأجزاء اليونانيَّة؟ هناك جزءان مختلفان يعودان كلاهما، على ما يبدو، إلى ألبهنسة. تعرَّف عليهما الباحثون بفضل التقاطع مع المخطوط القبطيّ. ولكنَّهما لا يستطيعان أن يكمِّلان الفجوتين في النصِّ القبطيّ.
واحد منهما هو برديَّة رايلندس. نُشر سنة 1938 بيد روبرتس[29] ثمَّ سنة 1939 بيد كبسومانس[30]، وأعادت باسكييه[31] نشرة كبسومانس في حاشيةِ نشرتها لمخطوط برلين. هذا الجزء الذي يحتلُّ ورقة واحدة يقابل ص 17: 5-21؛ 18: 5-19 من المخطوط القبطيّ. واستطاع الناشرون أن يملأوا الفجوات بفضل الترجمة القبطيَّة التي ليست مثاله. نستطيع أن نجعل له تاريخًا: بداية القرن الثالث.
والجزء الثاني هو برديَّة ألبهنسة 3525 التي تعرَّف إليها بَرسونس[32] سنة 1983. تاريخها هو أيضًا يمكن أن يكون القرن الثالث. أعيد تكوينها بفضل الترجمة القبطيَّة. وهي تقابل ص 9: 5-10: 4 من مخطوط برلين. يبدو أنَّها لا تنتمي إلى مخطوط رايلندس الذي لا يبدو موافقًا للمثال اليونانيّ الذي استعمله المترجم القبطيّ. فهناك بعض الاختلافات بين النصَّين.
نُشر هذان الجزءان اليونانيَّان وتُرجما إلى الألمانيَّة وفُسِّرا تفسيرًا دقيقًا بيد لوهرمان[33] سنة 1988.
مع أنَّ النصَّين اليونانيِّين يقدِّمان حالة سابقة للنصِّ القبطيّ، جاءت الترجمة الحبشيّة لا عن اليونانيَّة وفيها فجوات عديدة، بل عن اللغة القبطيَّة. أمّا تقسيم النصّ، فبحسب الصفحة والسطر كما في مخطوط برلين القبطيّ.
وها نحن نقدِّم النصّ.
* * *
1- وحي المخلّص
أ- نهاية الحوار مع القائم من الموت
7 (1) [34] [...] إذًا[35] هل تكون المادَّة[36] (2) مدمَّرة أم لا؟ «فقال المخلِّص: "جميع الطبائع[37]، جميع المخلوقات[38]، جميع الخلائق (4) هي متداخلة الواحدة في الأخرى (5) ولكنَّهم في جذورهم الخاصَّة (6) يعودون لينحلُّوا، لأنَّ(7) في جذور الطبيعة (8) تنحلُّ طبيعة المادَّة. فمن له (9) أذنان للسماع، ليسمع».
(10) فقال له بطرس: «بما أنَّك شرحتَ لنا (11) كلَّ شيء، قُلْ لنا هذا: (12) ما هي خطيئةُ العالم[39]؟» (13) فقال المخلِّص: «لا وجود للخطيئة (14) بل أنتم تصنعون الخطيئة (15) حين تعملون في توافق مع طبيعة الزنى[40] (16) الذي يُدعى الخطيئة. (17) لهذا جاء الخير[41] (18) في وسطكم[42]، حتّى العناصر التي تكوِّن كلَّ طبيعة (19) من أجل إعادتها في (20) جذرها». وواصل (كلامه) أيضًا (21) وقال: «لهذا أنتم مرضى (22) وأنتم تموتون[43]، لأنَّ [...].
8 (1) من ذاك الذي [...]. فمن استطاع (2) أن يفهم ليفهم. فالمادَّة وَلدت (3) الهوى[44] الذي لا يمتلك الصورة[45] (4) لأنَّها مولودة من وحدة معاكسة للطبيعة (5) عندئذٍ تنتج بلبلة في (6) الجسد كلِّه. لهذا قلتُ لكم: "كونوا في تناسق[46] و(8) إن لم تكونوا، فكونوا (9) على الأقلّ في تناسق مع كلِّ صورة (10) (من صور) الطبيعة". فمن له أذنان (11) للسماع، فليسمع».
ب- الصعود: توصيات المخلّص وحزن التلاميذ
(12) حين قال[47] المطوَّب هذا (13) حيّاهم جميعًا وقال: (14) «ليكن السلام معكم[48]. ليصبح سلامي سلامَكم. اسهروا بحيث ما من أحد (16) يضلُّكم[49] قائلاً: (17) "ها هو هنا" أو "ها هو هناك"[50] (18) لأنَّ في داخلكم هو (19) ابن الإنسان[51]. اتبعوه. (20) الذين يطلبونه (21) سوف يجدونه. إذًا امضوا و(22) أعلنوا[52] إنجيل الملكوت.
9 (1) لا تفرضوا أيَّة قاعدة[53] خارج (2) ما حدَّدتُ لكم، ولا تُعطوا شريعة (3) على طريقة المشترع لئلاَّ (4) تسود عليكم»[54] (5) وبعد[55] أن قال هذه الأمور، مضى.
أمّا هم[56] (6) فاكتأبوا وبكوا (دموعًا) وافرة[57] (7) قائلين: «كيف نمضي (8) إلى الأمم (الوثنية) لنعلن (9) إنجيلَ ملكوتِ ابن (10) الإنسان؟ إذا كان هو لم (11) يعفوا عنه، فكيف نحن (12) يعفون عنّا؟»
ج- خطبة قصيرة من مريم حول الانسان
عندئذٍ نهضَتْ مريم (13) حيَّتهم كلَّهم و(14) قالت لإخوتها: «لا تبكوا (15) لا تكتئبوا ولا يكن قلبُكم (16) منقسمًا[58]، لأنَّ نعمته تكون (17) معكم كلِّكم وتحميكم (18) فلنمدح بالأحرى (19) عظمته لأنَّه وحَّدنا[59] (20) جعلنا الإنسان[60]». بهذه الأقوال (21) حوَّلت مريم قلبهم[61] (22) نحو الخير، فأخذوا (23) يتجادلون حول أقوال المخلِّص.
2- وحي مريم
10 (1) قال بطرس لمريم: «يا أختُ، (2) نحن نعرف أنَّ المخلِّص أحبَّك (3) أكثر من أيَّة امرأة أخرى[62]. (4) فقولي لنا إذًا أقوال المخلِّص التي (5) تتذكَّرين، تلك التي تعرفين (6) والتي لا نعرف ولم نسمعها».
أ- العقل والرؤية
(7) فأجابت مريم وقالت: (8) «ما هو مخفيٌّ عليكم سوف أُعلنُه لكم» (9) وشرعت تلقي عليهم (10) هذه الخطبة. قالت: «أنا رأيتُ (11) الربَّ[63] في رؤية، وله (12) قلت: "أيُّها الربُّ، رأيتك (13) اليوم في رؤية". فأجابَ (14) قال لي: "طوباك[64] أنت يا من لم تتبلبلي (15) حين رأيتني، لأنَّه حيث العقل (16) هناك الكنز"[65]. فقلت له: (17) "يا ربّ، من يرى الآن (18) الرؤية. هل يراها بالنفس أو بالـ (19) الروح؟". فأجاب المخلِّص (20) وقال: «لا بالنفس (21) ولا بالروح يرى، بل العقل[66] الذي هو (22) بين الاثنين. فهو الذي (23) يدرك الرؤية[67] وهو الذي [...].
صعود النفس ثانية: حوار مع القوّات
15 (1) [68] «هو، والشوق[69] قال: (2) "ما رأيتُكِ نزلتِ[70] (3) أمّا الآن فأراك تصعدين. (4) كيف استعطت أن تغشِّيني وأنت (5) تخصِّيني؟" فأجابت النفس وقالت: (6) "أنا رأيتُك، أمّا أنتَ فما رأيتني (7) ولا عرفتَني. كنت (8) لك بمثابة ثوب وما عرفتني" (9) وإذ قالت هذا، مضت في فرح عظيم.
(10) والتقت أيضًا (11) بالقوَّة الثالثة[71] تلك التي (12) تُدعى الجهل[72]. وهذه (13) سألت النفس[73] قائلةً لها: "إلى أين تذهبين؟ أما كنت مملوكةً[74] (15) بيد ميل شرِّير؟ أجل، كنتِ مملوكة، إذًا (16) لا تقفي مثل ديّان". (17) فقالت النفس: "لماذا تدينيني (18) وأنا ما دنتُ؟ سادوا عليَّ (19) وأنا ما سُدتُ. ما عُرفت (20) أمّا أنا فعَرفتُ[75] أنَّ (21) الكلَّ ينبغي أن ينحلَّ، شأنه شأن ما على الأرض،
16 (1) وما هو في السماء"[76]. وإذ تخلَّصت من (2) القوَّة الثالثة، النفسُ (3) واصلت صعودها.
عندئذٍ رأت (4) القوَّة الرابعة (5) بأشكالها السبعة. الشكل الأوَّل (6) هو الظلمة. والثاني، الشوق. (7) والثالث، الجهل. (8) والرابع، هو الغيرة من الموت. (9) والخامس، مملكة اللحم (والدم، أو: الجسم البشريّ). (10) والسادس، الحكمة الجاهلة (11) اللحميَّة (أو: البشريَّة). السابع، الحكمة (12) الغضوبة. تلك هي السبع (13) قوى الغضب التي تُنهك (14) النفس بأسئلتها: "من أين جئتِ (15) يا قاتلة الإنسان [77]؟" أو أيضًا: (16)"إلى أين تمضين يا ملتهمة المدَى؟" (17) فأجابت النفس وقالت: "ذاك الذي سادني (18) دُفن. ذاك الذي سجنني (19) أُعدم. عندئذٍ شوقي (20) انطفأ[78] والجهل (21) مات. في عالمٍ نجوتُ
17 (1) بواسطة عالم. في (2) صورةٍ، بواسطة صورة (3). هي من العلاء. والحال هو رباط النسيان (4) الذي هو موقَّت. منذ الآن (5) في الصمت[79] أنال راحة (6) الزمن، السانحة، الدهر[80] (إيُّون)».
3- ردّ التلاميذ على خطاب مريم
(7) وإذ قالت مريم هذا (8) صمتَت[81]، لأنَّ المخلِّص، حتّى هنا (9) كان قد تكلَّم معها.
(10) عندئذٍ أجاب[82] أندراوس وقال (11) لإخوته: «قولوا ما به تفكِّرون (12) بالنسبة إلى ما تفوَّهت به الآن. (13) أمّا أنا فلا أصدِّق أنَّ (14) المخلِّص قال هذا. (15) فهذه التعاليم تبدو لي من فكر مختلف» (16) فأجاب بطرس وقال رأيه في (17) أسئلة من النوع ذاته. هو (18) سألهم بالنسبة إلى المخلِّص: «هل يمكن (19) أن يكون تحاور سرًّا مع امرأة (20) دون علمنا، لا بشكل علنيّ، بحيث يجب علينا (21) أن نتحوَّل[83] كلُّنا ونطيعها؟ هل اختارها وفضَّلها علينا؟»
18 (1) عندئذٍ بكت مريم وقالت (2) لبطرس: «يا بطرس أخي، إذًا ماذا تفكِّر (في هذا)؟ (3) أتظنُّ أنّي نلتُ هذه الأفكار (4) بذاتي[84]، في قلبي أو (5) أنِّي أكذب بالنسبة إلى المخلِّص؟» (6) عندئذٍ أجاب لاوي[85] وقال لبطرس: (7) «يا بطرس، منذ زمن وأنت تُدفَع دفعًا إلى (8) الغضب[86]. والآن أراك تتجادل (9) مع امرأة وكأنَّها (10) خصم[87] (لك). ومع ذلك، فإن كان (11) المخلِّص رآها أهلاً، فمن تكون (12) أنتَ لكي ترذلها؟ لا شكَّ بأنَّ الربَّ عرفها بلا صدع[88]، (14) لهذا أحبَّها أكثر (15) منّا[89]. فلنستحِ بالأحرى، (16) ولنرتدِ الإنسانَ الكامل (17) ولنجعله خاصَّتنا كما إيّانا (18) أمرَ، ولنعلن (19) الإنجيلَ دون أن نفرض أيَّة (20) قاعدةٍ أخرى ولا شريعة أخرى سوى (21) ما أوصانا به الربّ».
19 (1) بعد أقوال لاوي هذه، راحوا في (2) الطريق ليعلنوا ويبشِّروا[90] (3) الإنجيل (4) حسب (5) مريم[91].
* * *
وجه مريم المجدليَّة في العالم الغنوصيّ
مريم تدلُّ على المجدليَّة، على ما يبدو[92]. استعمل إنجيل مريم «المخيِّلة اللاهوتيَّة» فأبرز المجدليَّة لأنَّها تؤلِّف مع المخلِّص زوجين. هي حاضرة في عدَّة نصوص من نجع حمّادي: الإنجيل بحسب توما، حوار المخلِّص، الإنجيل بحسب فيلبُّس، حكمة يسوع المسيح. أمّا بستيس سوفيا (ف 96) فأعلنتها مع يوحنّا أسمى من سائر التلاميذ.
رأى إنجيل مريم، شأنه شأن إنجيل فيلبُّس، في مريم المجدليَّة تلك التي تدلُّ أفضل دلالة على اتِّحاد كلِّ مؤمن مع المخلِّص. وقدَّمها إنجيل فيلبُّس بشكل صريح رفيقته، وهذا ما نفهمه من إنجيل مريم. هذه الفكرة التي سيكون لها امتداد طويل، اتَّخذت ينبوعها من إنجيل يوحنّا حيث تظهر مريم المجدليَّة تحت الصليب (يو 19: 26) ثمَّ حالاً بعد القيامة (يو 20: 11-18)، وهي تبكي عند القبر الفارغ. منذ بداية المسيحيَّة، فُسِّر هذا الحدث بحسب نشيد الأناشيد حيث امرأة تطلب الحبيب الذي سيصبح قرينها، وحيث العريس يلتقي العروس.
يطلب إنجيل مريم من المؤمن أن يتبع ابن الإنسان داخل ذاته وأن يلد في ذاته الإنسان الكامل الذي هو موضوع الوحدة الأندروجينيَّة. حسب تك 1: 26-27، الإنسان على صورة الله ومثاله هو مذكَّر ومؤنَّث. قد يعني أنَّ الله حين كشف عن نفسه عبر شبهه، كشفها في وجهتين. وفي المسيحيَّة، صورة الله الحقيقيَّة هي أوَّلاً الابن (ابن الله). إذًا هو من يمثِّل، حسب تك 1: 26-27، شبه الله، أو أقلَّه الجزء الذكر في هذا الشبه. أمّا الجزء الأنثى فهو بشريَّتنا الروحيَّة. انفصلت هذه البشريَّة عنه فراحت تبحث عنه وتنتظر مجيئه. وهكذا يمكن أن تتمثَّل في مريم المجدليَّة الصورةُ على أنَّها قرينته. فعلى كلِّ واحد أن يلد في ذاته المسيح الأندروجينيّ وملكوته. و«صورة الطبيعة» (8: 9-10) التي يُدعى المخلِّص لكي يكشفها هي بلا شكّ في تلميح إلى تك 1: 26-27. فملكوت ابن الإنسان (9: 9-10) هو ما يقابل الشريعة التي تقود إلى انفصال الرجل والمرأة. كما يرى إنجيل مريم.
مريم المجدليَّة «رفيقة» المخلِّص، ترمز إلى مجموعة المخلَّصين. لم تسلم من الهجوم. ففي إنجيل توما (قولة 14): في النظام الروحيّ، صيرورة «الذكر» تتيح ملء تجلّي المرأة. اجتذبها[93] يسوعُ فصارت «روحًا حيًّا» حيث الصفة «هي» تلمِّح إلى حوّاء (تك 3: 20). وحين اتَّحدت به، الذكر، تجلَّت كحوّاء روحيَّة. وهكذا مثَّلت جميع الذين صاروا «مذكَّرين» حين اتَّحدوا بالمخلِّص وكلُّ واحد يُدعى لأن «يصير ذكرًا» ليتجلَّى كروح حيّ.
ورفضت سلطة بطرس. ففي نظره، المذكَّر والمؤنَّث، المفهومان في المعنى الطبيعيّ، هما علامة الفصل. إنَّه جسَّد بعض ميزوجينيَّة[94] وتقليدًا يرى في حوّاء مُدخلة الخطيئة. في ثلاثة مقالات، إنجيل مريم، إنجيل توما، بستيس سوفيا، يُروى بشكل رمزيّ حسد بطرس تجاه مريم. لا شكَّ في أنَّ هذه النصوص لا تعكس معارضةَ حقيقيَّة بين بطرس والمجدليَّة، ولكن الوضعَ التاريخيّ في القرنين الثاني والثالث. فبواسطة هؤلاء التلاميذ، نجد هنا مجموعتين من المسيحيِّين أو نمطين من المسيحيَّة يتواجهان (أع فيل 8/2-4). فالكتابات الروحيَّة التي فيها مريم حاضرة، تشدِّد على دور الروح. مثلاً في بستيس سوفيا (6) يحتجّ بطرس ضدَّ هذه المرأة «التي تأخذ مكاننا ولا تترك أحدًا منّا يتكلَّم ساعة هي تتكلَّم عدَّة مرَّات». هذا ما قال بطرس. فأجابه يسوع: «ذاك الذي تغلي فيه قدرة روحي لكي تُفهمه ما أقول، فليتقدَّم ويتكلَّم».
وإذ عارضت هذه النصوص بمريم بطرس وهو أكثر المعروفين بين الاثني عشر، رفضت الجماعةُ الكنائسَ التي تجعل من بطرس المتكلِّم باسمها. وهذه الكنائس هي المرتبطة فيما بينها ببنية الأسقف والكاهن، المتنامية. وقد يكون بطرس، رمزًا إلى كنيسة تنتظم في خدمة ذكور، وترفض دور النساء في الحركات النبويَّة. ومع ذلك، ينتهي إنجيل مريم بدعوة إلى الوحدة، إذ ينطلق التلاميذ ليعلنوا البشارة. والجدال الذي فتحه هذا الإنجيل قد يكون أحد الأسباب لوجود عمل بطرس في خاتمة كودكس برلين.
المراجع الأساسيَّة
- Anne PASQUIER, Évangile selon Marie in Écrits gnostiques, Paris, Gallimard, 2007, 1653-1668. Une étude antérieure fut publiée dans la « Bibliothèque copte de Nag hammadi » section textes, 10 » in Québec, Presses de l’université Laval, 1983.
- Françoise MORARD, EAC, II, p. 5-23
- W.C. TILL, Die gonstischen Schriften des koptischen papyrus Berolinensis 8502 (Texte und Untersuchungen, 60), Berlin, 1955, 2e éd. H.M. SCHENKE, Berlin, 1972.
- R. McL WILSON et G.W. MacRAY, « The Gospel according to Mary », 8502, 1 and 4 (« Nag Hammadi Studies », 11) éd. D.M. Parrot, 1979, p. 453-471.
- H.C. PUECH, “Das Evangelium der Maria”, Neutestamentliche Apokryphen, 1, éd. W. Schneemelcher, Tübingen, 19873, p. 313-315.
- K.L. KING, “The Gospel of Mary”, The Complete Gospels, Annotated Scholars Version, resized and expanded edition by R.S. Miller, San Francisco, 1994, p. 361-366.
- Id, “The Gospel of Mary Magdalene”, Searching the Scriptures, volume Two: A feminist Commentary, éd. F. Schüssler Fiorenza, New-York, 1994, p. 601-634.
- A. MARJANEN, The Woman Jesus loved, Mary Magdalene in the Nag Hammadi Library and related Documents (“Nag Hammadi Studies”, 40), Leyde, New-York, Cologne, 1996.
- Michel TARDIEU, Écrits gnostiques. Codex de Berlin (« Sources gnostiques et manichéennes », 1), Paris, 1984.
ملحق
1- برديَّة ألبهنسة 3525 (9: 5-10: 24)
(5) وحين قال هذا، مضى. أمّا هم فاكتأبوا وبكوا بدموع غزيرة وقالوا: «كيف نمضي إلى الأمم ونكرز إنجيل ملكوت ابن الإنسان؟ إذا هو ما عفُّوا عنه فكيف يتركوننا (وشأننا)؟» عندئذٍ وقفت مريمة وضمَّتهم وأعطت قبلة للجميع وقالت: «يا إخوة، (10) توقَّفوا عن البكاء والاكتئاب. ولا ترتابوا بعد، لأنَّ نعمته تكونُ معكم وتحفظُكم. أدُّوا بالأحرى الشكر لعظمته لأنَّه انضمَّ إلينا وجعلنا بشرًا». وإذ قالت مريمة هذا، حوَّلت عقلهم نحو الخير فأخذوا يقدِّمون البراهين على أقوال المخلِّص. قال بطرس (15) لمريمة: «يا أختُ، نعرف أنَّ المخلِّص أحبَّك كثيرًا، وما شابَهَتْكِ امرأة في ذلك. فقولي لنا كلَّ خطب المخلِّص التي عرفتِها أنت ونحن ما سمعناها». فأجابت مريمة قائلة: «كلُّ الأشياء المخفيَّة عليكم والتي أذكرها أنا، سوف أعلنها لكم». وأخذت تورد لهم هذه الأقوال: «إذ رأيتُ مرَّة في رؤية، الربَّ (20) قلتُ له: "يا ربّ، رأيتُك اليوم". فأجاب قائلاً: "طوباك...».
* * * *
2- برديَّة رايلندس 463 (17: 4-19: 5)
المقطع 21: «بالنسبة إلى ما تبقَّى من مسيرة الزمن الموقَّت للأبديَّة، سوف أنال الراحة في الصمت». وبعد أن قالت مريمة هذا، احتفظت بالصمت، لأنَّ الربَّ سبق له وتكلَّم حتّى هذه النقطة. (5) فقال أندراوس: «أيُّها الإخوة، ماذا ترون في ما قيل لنا الآن؟ فمن جهتي، لا أؤمن أنَّ المخلِّص قال هذه الأشياء. فهي، كما يبدو، لا (10) توافق فكره». فقال بطرس: «حين سُئل المخلِّص حول مواضيع مثل هذه، هل حصل له وتكلَّم مع امرأة في الخفية، لا في العلن، بحيث نستطيع كلُّنا أن نسمع؟ (15) هل أراد أن يجعلها أكرم منّا؟
(غابت الأسطر 17 وما يلي)
المقطع 22: ...أو أنِّي أكذبُ في شأن المخلِّص؟» فقال لاوي لبطرس: «يا بطرس، أنت تميل دومًا إلى الغضب. وهكذا الآن، تتجادل مع المرأة وكأنَّك خصمها. (5) فإذا اعتبرها الربُّ أهلاً فمن أنتَ لتحتقرها؟ فبدون شكّ، قد أحبَّها ذاك الذي عرفها بشكل لا يقبل الشكّ. فلنخجل بالأحرى بعد أن ارتدينا (10) الإنسان الكامل، ولتُتمّ ما أُمرنا به. لنعلن الإنجيل دون أن نثبِّت قواعد ولا أن نجعل شريعة، إلاَّ كما قال المخلِّص». وحين تلفَّظ لاوي بهذا الكلام، ابتعد وراح يبشِّر.
[1] Michel TARDIEU, Écrits gnostiques. Codex de Berlin (Sources gnostiques et manichéennes, 1), Paris, 1984.
[2] إنجيل مريم 10: 1-3: «قال بطرس لمريم: "يا أختُ، نحن نعرف أنَّ الربَّ أحبَّك أكثر من أيَّة امرأة"». وفي 18: 14-15 نقرأ: «لهذا أحبَّها أكثر منّا».
[3] F. BOVON, « Le Privilège pascal de Marie-Madelaine » in New Testament Studies,30 (1984) 50-62.
[4] نقلناها إلى العربيَّة. فظهرت أوَّلاً في مجلَّة دراسات 14 العدد 22 (1987) ص5-8، ثمَّ في كتاب. راجع المسرة (1983) ص62-82.
[5] Écrits apocryphes chrétiens, II, Paris, Gallimard, 2005, p. 1547
قال سيمون الساحر: «هل تقول، نعم أم لا، إنَّ هناك أمير الشرّ؟ فإن قلت لا وجود له، أبرهن لك من أقوال عديدة من معلِّمك أنَّ هناك أمير الشرّ...».
[6] J.-D. KAESTLI, « Où en est le débat sur le judéo-christianisme? » in Le Déchirement Juifs et chrétiens au premier siècle, éd. Daniel MARGUERAT, Genève, 1996, p. 243-272; S.C. MIMOUNI, Le Judéo-Christianisme ancien, Paris, 1998, p. 277-286.
[7] Corpus hermeticum (Poimandrès), éd. A.D. NOCK et A.-J. FESTUGIERE, Paris, 1978, p. 1-28.
[8] Poimandrès
[9] Nom-Père. هو اللفظ اليونانيّ nouς
[10] المجموعة الهرمسيَّة 1/9؛ 1/12.
[11] Exégèse de l'âme، نجع حمّادي 2/6. راجع Écrits gnostiques. La bibliothèque de Nag Hammadi, Paris, Gallimard, 2007, p. 477ss.
[12] ذكره كليمان الإسكندرانيّ في الموشَّيات Stromates, III, 13.
راجع EAC, I, p. 477
[13] 12/1-6. هي في الواقع عظة تعود إلى القرن الثاني حول الإيمان والحياة المسيحيَّة، خرجت ربَّما من كنيسة رومة قبل سنة 150.
[14] EAC, I, p. 38-39 et 53. هي القولة logia 22 والقولة 114.
[15] Françoise MORARD, “L’évangile de Marie: un message acétique?” in Apocrypha, 12 (2001) 155-171.
[16] صعود إشعيا. EAC, I, p. 509-545
[17] المرجع السابق، ص 503-504 ومقدِّمة صعود إشعيا بيد E. NORELLI.
[18] مت 9: 9: «وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا على مائدة الجباية، اسمه متّى، فقال له: "اتبعني"، فقام وتبعه». هذا ما يقابل مر 2: 13-14: «وعاد فخرج إلى البحر... ثمَّ اجتاز فرأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مائدة الجباية. فقال له: اتبعني. فقام وتبعه».
[19] EAC, I, p. 254.: «أما أنا سمعان بطرس وأندراوس أخي، فأخذنا شباكنا ومضينا إلى البحر. وكان معنا لاوي بن حلفى الذي الربّ [...]».
[20] نجع حمّادي 5/3، 37: 7. حاشية 11، ص 755.
[21] أداي، هو تلميذ الربِّ ومبشِّر بلاد الرافدين.
[22] أوسيب، التاريخ الكنسيّ 2/23: 4-5: «هذا الرجل قُدِّس من بطن أمِّه: لم يشرب خمرًا ولا شرابًا مسكرًا، لم يأكل لحمًا. لم يمرَّ الموس برأسه، لم يدهن نفسه بزيت ولم يستحمّ».
[23] encratite: ابتعاد عن اللحم والخمر وكلِّ العلاقات الجنسيَّة.
[24] بولس الفغالي، أفراهاط الحكيم الفارسيّ. سيرته، عصره، مؤلَّفاته، فكره اللاهوتيّ، دار المشرق، بيروت، التراث السريانيّ، 2، 1992. ثمَّ المقالات، قدَّم لها ونقلها الخوري بولس الفغالي، دار المشرق، بيروت، طبعة ثانية، 2007، ص 260-261.
[25] Denis de Corinthe
[26] Pinytos de Cnossos
[27] التاريخ الكنسيّ 4/23: 7.
[28] مثل بنات الشمّاس (أو: الخادم) فيلبُّس. رج أع 21: 8-9 (سبع بنات يتنبَّأن)؛ أوسيب، التاريخ الكنسيّ 3/31-4-5 (أربع نبيَّات).
[29] C. H. ROBERTS, Catalogue of the Greek and Latin Papyri in the John Rylands Library Manchester, III, Manchester, 1938, p. 18-23
[30] S. G. KAPSOMENOS, to kata Mariam Apokruphon Euaggelion, Athena, 49 (1939) 177-186.
[31] A. PASQUIER, L’Évangile selon Marie, Québec, 1983, p. 42-46.
[32] P. J. PARSONS, The Oxyrhynchus Papyri, Londres, 1983, p. 12-14.
[33] D. LÜHRMANN, “Die griechischen Fragmente des Mariaevangeliums Pox 3525 und PRyl 463”, Novum Testamentum, 30 (1988) 321-338.
[34] ظنَّ ميشال ترديو أنَّ تصميم العظة 19 من عظ إقل قد تعطينا إشارة إلى مضمون ما ينقص من النصّ: ربَّما يكون تعليم يسوع بدأ بجدال حول الخصم، الروح الشرِّير، المسوؤل عن الشرِّ في العالم، ثمَّ عالج أسئلة لاحقة عن المادَّة والخطيئة والمرض والموت.
[35] 7: 1-8: 11. حسب ترديو، هذه الخطبة الفلسفيَّة حول المادَّة وعناصرها المكوِّنة، هي قريبة من طروحات برديصان (وهو عالم من أصل فارسيّ وُلد سنة 154 ب.م.، وعلَّم الفلسفة والأسترولوجيا في الرها حيث مات سنة 222). أمّا مؤلَّفه كتاب شرائع البلدان فيرد مرارًا في تع إقل 9/19-29) EAC, II, p. 1939. اعتبر برديصان المادَّة أنَّها مكوَّنة من أربعة عناصر أوَّليَّة، الهواء والنار والماء والتراب. وأضاف إليها عنصرًا آخر، الظلمة التي تأتي لتبلبل تناسقها الأوَّل وتحرِّك مزيجًا لا يستطيع أن ينظِّمه سوى الكلمة Parole الخلاَّقة. ولكن لبث بعضُ الشيء من الظلمة ممزوجًا في كمول العناصر الأولى، من هنا ضرورة تطهير متواصل للعالم المخلوق حتّى نهاية المسيرة التي يجب أن تمتدَّ ستَّة آلاف سنة. أمّا بالنسبة إلى الإنسان، فحرِّيَّة الخيار التي نالها تتيح له، حين يختار الخيارات الموافقة، بأن يشارك هو أيضًا في هذا التطهير الضروريّ ليبلغ إلى التحرير الكامل.
[36] المادَّة هي العنصر المشترك بين مختلف الكائنات المنظورة.
[37] الطبائع. رج تك 2: 8. Engendrer, procurer: ejuteusen. المادة هي العنصر المشترك بين مختلف الكائنات المنظورة. هذا بالنسبة الى «الطبائع».
[38] بالنسبة الى «الخلائق» plasa. رج تك 2: 7 eplasen: جبل، صنع. وبالنسبة الى أكثر من «خَلْق» ektisen رج تك 1: 14، 19، 22 . كلُّ هذه لامتناسقة، فلا تُجمَع بشكل دائم. ولكنَّ الطبيعة ستنحلّ في جذرها الخاصّ، وهكذا يتحرَّر الإنسان الباطنيّ (8: 8) من الجسد (8: 6).
[39] رفض المخلِّص عبارة بطرس «خطيئة العالم» (يو 1: 29)، فشرح أنَّ الخطيئة لا تأتي من المادَّة نفسها، بل من امتزاج النفس مع المادَّة، الذي هو زنى. قال إن فيل 2/61: 10-12: «كلُّ اتِّحاد يحصل بين كائنين لامتشابهين هو زنى». هنا نتذكَّر في العهد القديم منع كلّ امتزاج. إذًا يُوجد بشكل موقَّت «طبيعة الزنى» التي هي طبيعة النفس الساقطة، والمنفصلة عن قرينها السماويّ (رج تأنف 2/127: 22-29).
[40] الزنى يمثِّل اتِّحادًا يعارض الطبيعة، بين الروح والمادَّة (عظ إقل 3: 27-28). هي خطيئة الانقسام التي تعارض وحدة القلب التي سيكون الكلام عنها في 9: 19. في العهد القديم، الزنى يمثِّل نقض العهد مع الله. الانفصال عن الواحد. في رسالة يعقوب «أصحاب النفسين» diyucoi، أو النفس المنقسمة، هم أعداء الله ويوصَفون بالفجور والزنى (4: 4، 8).
[41] لكي يكون زنى، يجب أن يكون للنفس قرين (زوج) شرعيّ: هو الخير الذي يأتي عليها مثل مخلِّص. يُدمّر المادَّة ويضع حدًّا للمزيج ويعيد الطبيعة الروحيَّة إلى جذورها (إن فيل 2/53: 20-23). فالطبيعة المعادة «إلى جذورها» موضوعٌ نسبَه هيبوليت إلى النحشيِّين naassènes. بحسب هذه المجموعة، عرف المخلِّص من أيِّ طبيعة خرج كلُّ واحد من تلاميذه. وعرف أنَّ كلَّ واحد سوف يعود إلى طبيعته الخاصَّة، لأنَّ ما ليس بحسب الطبيعة هو ضدّ (أو: معاكس) الطبيعة.
[42] حسب طرح برديصان: «الخير هو ما يخصُّ الإنسان [...] أمّا الشرُّ فهو عمل الشيطان». الإنسان مدفوع إلى الخير الذي يلازمه: «ابن الله في داخلكم» كما يقول النصُّ (8: 18-19). الخير هو يسوع الذي جاء يصلح طبيعة الإنسان الحقَّة.
[43] بحسب عظ إقل (19/20: 8): «ما دام التناسق، فلا عذاب ولا موت». بعد القاطعة في 8: 1 (فمن استطاع)، يستعيد النصُّ الفكرة عينها: الوحدة ضدّ الطبيعة، الزنى، الانقسام، مَحَت الصورة الروحيَّة. والدواء للبلبلة التي وُلدت هكذا، هو استعادة التناسق المفقود (8: 2-10).
[44] «الهوى» و«بلبلة» الجسد يَنتجان من الاتِّحاد المعاكس للطبيعة. الزنى يسبِّب الضعف والموت (7: 21-23).
[45] الطاعة إلى كلِّ صورة من الطبيعة تعني التوافق مع الحقيقة المعقولة التي تجلَّت في العالم المحسوس «فالحقيقة لم تأتِ عريانة من الطبيعة، بل أتت في أنماط وصور. وهو (أي: الهوى) لا يتقبَّلها بشكل آخر» (إنج فيل 2/67: 9-10؛ رج 84: 20-21). إن أطعنا الصورة عصينا طبيعة الزنى أي شريعة العالم المادّيّ.
[46] أي: كونوا هادئين، متقبِّلين، خاضعين.
[47] 11-12. راجع رس بط فيل 8/135: 16.
[48] رج يو 20: 19، 21، 26. تلفَّظ يسوع بأقوال السلام بعد قيامته، وحين تبلبل تلاميذُه تردَّدوا للتعرُّف إليه (لو 24: 36). ولكنَّ السلام عطيَّة تركها المخلِّص لهم قبل ذهابه (لو 24: 51). أمّا هنا فهو «يلد نفسه» فيهم، مثل ولادة باطنيَّة. منذ الآن صار ابن الإنسان «مستبطنًا» (8: 18).
[49] مت 24: 4-5؛ مر 13: 5-6؛ لو 21: 8.
[50] مت 24: 23؛ مر 13: 21؛ لو 17: 23. لاحاجة لترقُّب علامات الملكوت (لو 17: 20) أو المجيء الثاني، لأنَّ ابن الإنسان هو «في داخلكم» (رج آ21). عارض الكاتب إيرينه (الردّ على الهراطقة 3/21: 4) فما أورد هذا النصَّ ليدلَّ على واقع التجسُّد، بل ليمثِّل المخلِّص على أنَّه كائن روحيّ. في حك يس مس، بدا الصعود أيضًا بشكل استبطان ليسوع: «اتِّباع ابن الإنسان يعني استعادة الإنسان الكامل» (9: 20؛ 18: 60). أي الأندروجينيّ الأولى.
[51] لو 17: 21. غير أنَّ الكلام اللوقاويّ يتحدَّث عن ملكوت الله مثل قولة 3 وقولة 113 في إن تو EAC, I, p. 33, 53
[52] رج مت 28: 19؛ مر 16: 15.
[53] هذا الإيعاز الذي يعود في 18: 19-21 يلمِّح، على ما يبدو، إلى الشرائع التي حاولت الاتِّجاهات المتطرِّفة في بداية التعفُّفيَّة أن تفرضها على المتنسِّكين فيما يتعلَّق بالحياة الجنسيَّة، والامتناع عن الأطعمة، والفقر والتخلِّي عن الخيرات المادِّيَّة، وهي أمور اقترحها يسوع ولكنَّه لم يفرضها يومًا.
G. QUISPEL, “The Study of Encratism: a Historical Survey” in La Tradizione dell’enkrateia Motivazioni ontologiche e protologiche. Atté del colloquio internaziolale, Milano, 20-23 aprile 1982, éd. U. BIANCHI, Rome; P. F. BEATRICE, “Continenza e matrimonia nel cristianesimo primitive (secc. I-II), Etica sessuale e matrimonio nel cristianesimo delle origini, éd. R. CANTALAMESSA, Milan, 1976, p. 3-68.
[54] يجب أن نتملَّص من الشريعة التي «سيادتُها» قاتلة لأنَّها خارجيَّة (لا باطنيَّة، رو 7: 3-6). إنَّ «قاعدة» المخلِّص هي أيضًا، وهي «حدّ» تثبِّت التلاميذ حين تفصلهم عن الشريعة، كما عند الولنطيِّين.
[55] هنا يبدأ المقطع اليونانيّ المحفوظ في برديَّة ألبهنسة 3525 Oxyrhynque
[56] ما فهم التلاميذ توصيات يسوع الأخيرة، وظنُّوا أنَّ عليهم أن يتبعوه في حاشه وآلامه. رج رس بط فيل 8/138: 16-17.
[57] هي ردَّة فعل نموذجيَّة لدى الرسول في جميع الأخبار المنحولة، تقريبًا، لظهور يسوع القائم من الموت، ساعة يترك أخصَّاءه. نلاحظ هنا الفرق مع موقف التلاميذ بعد الصعود في لو 24: 52 (أمّا هم فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم فرحين) وفي أع 1: 12-14.
[58] حاولت مريم أن تشفي «القلب المنقسم» لدى الرسل. هم ما حقَّقوا بعدُ الوحدة الباطنيَّة، وهم ممزَّقون بين ثنائيَّة النفس والبنفما (10: 18-19). الفعل اليونانيّ mh distazete: لا تشكُّوا، لا ترتابوا. يرد الفعل خمس مرَّات في راعي هرماس، والصفة diyucoς 58 مرَّة. العبارة القبطيَّة: لا يكن فبلكم قلبين، أو «منقسمًا». تقابل حقًّا اللفظ اليونانيّ diyucoς التي نجدها مرارًا في الكتابات اليهومسيحيَّة (يع 1: 8؛ 4: 8: الرجل أو النفسين؛ راعي هرماس الرؤيا 3: 4؛ الفريضة 9. رسالة إقليمس إلى الكورنثيِّين 11: 2؛ 23: 2-3). انقسام القلب يتعارض مباشرة مع وحدة الكائن، التي ستذكِّر مريم بضرورتها بعد قليل.
[59] الفعل القبطيّ يعني: أعدَّ، نسَّق، وفي النهاية: وحَّد. هو يذكِّرنا بإيعاز يسوع في 8: 7 (كونوا في تناسق)، ويترجم الفعل اليونانيّ sunartaw الذي نقرأه في المقطع اليونانيّ والذي يعني: جمع، ربط، وحَّد. نلاحظ المسبَّق sun مع فعل artaw.
[60] في اليونانيَّة anqrwpoς. هو الكائن البشريّ الذي يجمع الذكر والأنثى. لا الرجل الذكر. حسب المجموعة الهرمسيَّة (1: 9؛ 1: 12)، الإله العقل nouς الذي هو ذكر وأنثى، أب لجميع الكائنات، الحياة والنور، وَلَد إنسانًا شبيهًا به. هذه الوحدة الأوَّليَّة ستعرَّض للخطر بسقطة الإنسان في المادَّة. في عظ إقل ر2/15: 2-3) نجد فكرة تقول إنَّ العالم الحاضر مؤنَّث معدّ إلى الصيرورة والجهل، ساعة العالم المقبل هو ذكر، أبديّ، هو معرفة. من هنا ضرورة التوق نحو الملكوت في محاولة لاستعادة الوحدة الأولى. وهناك نصوص أخرى في القرون المسيحيَّة الأولى تعبِّر عن الفكرة عينها عبر صورة انقسام الجنس البشريّ بين رجل وامرأة. مثلاً إنجيل المصريِّين الذي ورد في موشَّيات (3/13) كليمان الإسكندرانيّ. يقول: سألتْ سالومة حول مجيء الملكوت، فأعطى يسوع هذا الجواب: «حين الذين هم اثنان يصبحان واحدًا، حين الذكر مع الأنثى لن يكون ذكرًا ولا أنثى» EAC, I, p. 477. في إن تو (قولة 22) الدخول في الملكوت مشروط بتوحيد الكائن EAC, I, p. 38. نتذكَّر أنَّ المسيح «جعلنا الإنسان»، ممّا يعني التوق نحو التوحيد الباطنيّ الذي هو ويبقى المثال الخاصّ في الحركة النسكيَّة.
[61] كان لكلِّ سرِّ مريم نتيجة مباشرة: فقد أقنعت التلاميذ بأن يختاروا الخير أي بأن يطيعوا المخلِّص. بما أنَّه فيهم، فهذا يعني اهتداء إلى الحياة الباطنيَّة: قدَّموا البراهين أو اهتمُّوا gumnazein بأن يتأمَّلوا ما سمعوا.
[62] فضَّل يسوع مريم، وهذا أمر يشير إليه يو 11: 5 («وكان يسوع يحبُّ مرتا وأختها». نتذكَّر أنَّ القرون المسيحيَّة الأولى جمعت في شخص واحد، مريم أخت مرتا، ومريم المجدليَّة، والخاطئة في لو 7: 36ي). رج إن فيل (63: 34-64: 5) الذي يجعل من مريم المفضَّلة. نقرأ في الكتابات الغنوصيَّة (ص 352): "«كان هناك ثلاث نساء قريبات من الربّ: أمُّه مريم، وأختها، ومريم المجدليَّة التي دعيَتْ رفيقته. فأخته كانت مريم وأمُّه ورفيقته أيضًا». ونقرأ ص 357: «أمّا مريم المجدليَّة، فالمخلِّص أحبَّها أكثر من جميع التلاميذ، وكان يقبِّلها على فمها... قالوا له: لماذا تحبُّها أكثر منّا كلِّنا؟ فأجاب المخلِّص وقال: «لماذا لا أحبُّكم مثلها؟»
[63] رج يو 20: 18: رأت مريم الربَّ وروَتْ للتلاميذ ما رأت. حسب المجموعة الهرمسيَّة (كتاب 13) المنشَّأ l’initié يرى حين يبلغ إلى الولادة التامَّة، إلى الدرجة السامية من المعرفة. وهذه الرؤية ليست جسديَّة، بل روحيَّة (المجموعة 13: 13). ثمَّ إنَّ الرؤية تعطي المنشَّأ ثبات الله نفسه، لأنَّ الله حاضر في أناه الجديد (المجموعة 13: 11؛ راجع A.-J. FESTUGIERE, La Révélation d’Hermès Trismégiste, 3, Paris, rééd. 1986, p. 156-157) وهنا هذا الواقع الجديد يُعبَّر عنه بكلمة يسوع: «طوباك يا من لم تتبلبلي حين رأيتني» (10: 14-15). ثمَّ، بواسطة الرؤى يتقبَّل النبيّ الأسرار الإلهيَّة. وبحسب هذا النصّ، تطلَّعت مريم شرعًا إلى مثل هذه الموهبة النبويَّة، كما سبق وقلنا في المقدِّمة. نشير هنا في قراءة يو 20: 15-16 أنَّ مريم لم تعرف الربَّ حالَ ظهوره لها، فظنَّته البستانيّ. أمّا في إنجيل مريم، فالرؤية فجائيَّة والتعرُّف مباشر وكامل، مثل اكتشاف عفويّ. وغياب البلبلة علامة السلام الداخليّ.
[64] هنا ينتهي المقطع اليونانيّ المحفوظ في برديَّة Oxyrhynque 3525
[65] هي قراءة مختلفة لما في لو 12: 34 («حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك». رج مت 6: 21). هذا القول المشهور عند الآباء (يوستين، الدفاع الأوَّل 15: 16؛ كليمان الإسكندرانيّ، الموشَّيات 7/77:12؛ 4/6: 33؛ أي غنيّ يخلص 17؛ مقار المصريّ، العظة 43: 3) وعند الغنوصيِّين (بستيس سوفيا 90؛ صلاة الرسول بولس 1، أ: 1-5) وعند المسيحيِّين المتأثِّرين بأفلاطون (تعليم بسلطان 6/28: 22-27). فالكنز ليس في السماء، بل في نفس الغنوصيِّين كما هو في الملكوت. راجع المجموعة الهرمسيَّة: بالنسبة إلى المختار، تتمُّ في العقل رؤيةُ الأنا الجديد، كما يُوجَد فيه كنز الولادة الجديدة régénération. بالنسبة إلى مقار المصريّ، نشاط العقل المهتمُّ دومًا بالله يؤمِّن للإنسان خلاصه.
[66] nouς في اليونانيَّة. Intellect. هو الوسيط بين النفس والكائن السامي المدعوّ pneuma، وهو ملكة ترى ذاتها. إنَّه يرى ذاته حين يعود إلى ذاته. راجع أفلاطون Timée 901. ثمَّ الوليمة Banquet 154. فمن امتلك العقل ennouς يعرف ذاته أنَّه خالد، لامائت» (المجموعة الهرمسيَّة 1/18).
[67] إنَّ جواب يسوع يثبِّت معنى القول السابق: بالعقل الذي هو العنصر الذكر في المركَّب البشريّ، والمعارض للنفس الأنثى، يتمُّ التوحيد (الجديد) الذي يقود إلى المعرفة الكاملة.
[68] في ص 11-14 الناقصة، يبدأ بلا شكّ صعود النفس. وخصوصًا لقاؤها مع القوَّة الأولى، الظلمة (15: 10-12 والحاشية). واللقاء مع القوى الحارسة للحلقات السماويَّة. هي ثيمة معروفة في الأدب الكلدائيّ والغنوصيّ. راجع Michel TARDIEU, “La Gnose valentinienne et les oracles chaldaïques”, The Rediscovery of Gnosticism, I, éd. B. LAYTON, Leyde, 1980, p. 194-237.
يبدو أنَّ خبر هذا السفَر في الآخرة يخدم هنا فقط كإطارٍ لوَحيٍ يعني الصراع والتنقيَة الضروريَّين لكي تبلغ النفسُ إلى المعرفة الكاملة وإلى الثبات الذي يرافق هذه المعرفة. أمّا القوى المعدَّدة هنا فهي تشخيص الميول الشرِّيرة التي تعيق مجهود التوحيد المطروح.
[69] Le Désir. إنَّ صعود النفس وحوارها مع القوى هو ثيمة غنوصيَّة معروفة جدًّا. رج رؤ بو 5/20: 13-21: 14؛ 1 رؤ يع 5/33: 10-35: 21. هنا تلج النفس دائرة الشوق، القوَّة الثانية، حالاً فوق الظلمة (16: 6): «ما رأيتكِ»، قال الشوق: إذا كانت النفس لم تنزل أبدًا، فهذا يعني أنَّها ليست من أصل سماويّ ولا هي تخصُّه. أجابت النفس: «أنا رأيتك، ولكن أنتَ ما رأيتني». في الواقع، كانت لامنظورة قبل أن ترتدي «ثوب» المادَّة الذي به مزجها الشوق.
[70] نزول النفس، عكس صعودها، لا يتمُّ عبر الحلقات السماويَّة. فالنفس تنزل حين تقتني القوى اللاعاقلة التي ارتدتها بشكل قمصان عديدة (15: 7-8). وإضافة هذه القمصان الخاصَّة بالنفس المتجسِّدة، كوَّنت تصرُّفها الخلقيّ وبنيةَ المركَّب البشريّ الذي يخصُّ عالم المادَّة. راجع A.-J. FESTUGIERE, op.cit,p. 131; M. TARDIEU, op.cit., (note 18), p. 202-204. استعمل الغنوصيُّون موضوع ارتداء النفس خلال نزولها، وتعرِّيها خلال صعودها وسفرها عبر الحلقات السماويَّة W. BOUSSET, Hauptprobleme der Gnosis, Göttingen, 1907, rééd. 1973, p. 361-369..
[71] الصعود في الحلقة الثالثة: الجهل، التسلُّط، الدينونة. هي تتتابع في نظام معاكس في أسئلة القوَّة وجواب النفس. ظنَّت القوَّة، في جهلها، أنَّ سيادة الخطيئة تجتذب الدينونة. أمّا النفس فعرفت أنَّ الدينونة تجتذب سيادة الشريعة التي هي جهل فحسب. لهذا، فهي لا تدين ولا تسود، وهكذا تتحرَّر من الكلِّ المعدِّ للدمار.
[72] يمكننا أن نفترض، بحسب تعداد 16: 5-13، أنَّ القوَّة الأولى التي وجب أن يكون اسمها في الفجوة، كانت الظلمة. والثانية، الشوق. وتتوزَّع سائر القوى الشرِّيرة مجالاتِ الشهوة والغضب والخجل. والظلمة التي ترافقها هي ينبوع جميع الشرور.
[73] الأسئلة الموجَّهة إلى النفس من قبل قوى الشرِّ حين صعودها نحو الدوائر السماويَّة (من أنت؟ من أين جئت؟ إلى أين تمضي؟)، نجدها في عدد كبير من النصوص المعاصرة. إنجيل توما، قولة 50؛ رؤيا يعقوب الأولى 33-35؛ إيرينه، الردّ على الهراطقة 1/21: 5. هذه الأسئلة تدلُّ على جهل القوى اللحميَّة (أو: البشريَّة) أمام سرِّ الخلاص. وكذلك أجوبة النفس، والتي هي في تناقض تامّ، تدلُّ على معرفة الخلاص التي اقتنتها. ولكنَّنا لا نجد حقًّا في إنجيل مريم كلمة السرِّ المفروضة كرسم العبور، كما هو الحال في النصوص الغنوصيَّة التي أوردنا.
[74] النفس مملوكة بيد المادَّة في جسدها. لهذا اعتبرتها القوَّةُ غير قادرة على التمييز.
[75] تحرَّرت النفس من تسلُّط اللحم والدم (أو: الجسم البشريّ) فبلغت إلى معرفة طبيعة المادَّة، وإلى انحلال العالم الأرضيّ والكونيّ الذي لا مفرَّ منه.
[76] من القوَّة الثالثة، عبرت النفس، بشكل منطقيّ، إلى الرابعة. ولكنَّنا نكتشف أنَّ هذه القوَّة المسبَّعة الأشكال تسود على الحلقة السابعة. هناك مصدر يعرض نهجًا بأربع درجات، أعيدت صياغتُه فترك المكان لسبع قوى، كما هنا سبع دوائر في السماء وسبعة أيّام بحسب شريعة الخالق. أسماء القوى الثلاث الأخيرة تكوَّنت كما في سلسلة. من الغضب تنتج الحكمة (سوفيا) الغاضبة ثمَّ الحكمة اللحميَّة (أو: البشريَّة) ثمَّ ملكوت اللحم (والدم، أو البشريّ). كلُّ هذا نجده في الكتابات الجليانيَّة أو الغنوصيَّة المعاصرة، والتي كانت مشتركة في الأسترولوجيا القديمة.
[77] اتُّهمت النفس بقتل الإنسان الأرضيّ الذي «كان يسودها». وفي الوقت عينه، هي تسود على الموضع الذي كان «يحيط بها». وهكذا استطاعت أن تعبر دوائر الشوق والرغبة (15: 1) والجهل (15: 11-12).
[78] إنَّ خلاص النفس بالمعرفة، نتيجته، مع موت الجهل، التحرير من الشوق ومن رباط النسيان. في عالم الأرض الغشّاش، تحرَّرتْ بواسطة الصورة الحقيقيَّة وبواسطة الواقع العلويّ، وهكذا دخلت في راحة الأبديَّة.
[79] هنا يبدأ المقطع اليونانيّ من برديَّة رايلندس 463، ويتواصل حتّى النهاية.
[80] اعتبرت النفس أنَّها أجابت القوَّة بما فيه الكفاية، فأخذت تكلِّم ذاتها بشكل حرّ. وهذا لأنَّها تحرَّرت من العالم المادّيّ والتصقت بالصورة المعقولة (8: 9). وفي نهاية صعودها، حصلت على الراحة «في الزمن والسانحة والدهر» (أو بحسب ترجمة أخرى: في زمن الدهر الآتي) أو خارج زمن الإيُّون (أو: الدهر). و«رباطات النسيان» أي رباطات الجسد هي فقط لزمن محدَّد. والراحة هي خارج الزمن «وحده اللوغس الخارج من الصمت [...] هو خلاص» J.P. MAHÉ, Hermès en Haute-Égypte, t. II, p. 173.
[81] ما راحت مريم أبعد ممّا قال لها الربُّ، فهي ما أضافَتْ شيئًا شخصيًّا على الوحي الذي نالته.
[82] إنَّ تساؤلات أندراوس وبطرس تمثِّل ردَّة فعل سلطات الكنيسة تجاه مسألة طرحتها المجموعات النبويَّة. فالسلطات التي تريد أن تكون الكافلة لتقليد بلاغ يسوع، واجهت ظاهرة النبوءة التي كانت بعدُ حيَّة في بعض الجماعات المسيحيَّة في بداية القرن الثاني، وحاولت أن تدقِّق فيها وتراقبها. وطُرحَتْ هنا ثلاثة أسئلة: أيَّة قيمة نمنحها لوحي وصل إلى شخص فرد؟ هل الوحي يتوافق مع البلاغ الذي تسلَّمناه من الربّ؟ هل يمكن لامرأة أن تكون مستودع وحي؟ في عظ إقل (17: 13-15)، طُرح سؤال حول رؤية بولس على طريق دمشق. وفي إنجيل مريم، لبث بطرس عند تساؤلاته وبدا وكأنَّه لم يتَّخذ قراره. نشير هنا إلى أنَّ أندراوس كان أوَّل المدعوِّين مع أخيه بطرس (مت 4: 18)، فاعتبر أنَّه يعرف كلَّ ما قاله المخلِّص، ولكن مع ذلك، طُلب من مريم أن تورد كلامًا لم يسمعه سائرُ التلاميذ (10: 4-6).
[83] هو انقلاب في موقف السلطة الرسوليَّة.
[84] دافعت مريم عن نفسها: هي ما تصوَّرت «وحدها» التعليم الذي عرفته الآن. لو أنَّ الأمر كان هكذا، لكانت اقترفت ذات الذنب الذي تصوَّرته الحكمة بدون قرين. ولكانت تجاوزت فريضة التوحيد الأندروجينيّ الذي علَّمها الربُّ. هذا الجواب نقصَ في برديَّة رايلاندس.
[85] وردت دعوةُ لاوي كجامع الضرائب في مر 2: 14 حيث يقدِّم على أنَّه ابن حلفى (رج لو 5: 27). وجامع الضرائب هذا يُدعى متّى في مت 9: 9. وبما أنَّ اسم لاوي لا يظهر في لوائح الرسل، في العهد الجديد، نظنُّ أنَّه تسمَّى هكذا باسم متّى. ولكن قد يكون أيضًا لاوي في إنجيل مريم من لم ينتمِ إلى مجموعة الاثني عشر، شأنه شأن يعقوب أخي الربّ، وكان تلميذًا قريبًا من يعقوب. هذا بحسب 1 رؤ يع (نجع حمّادي 5: 3) كما سبق وقلنا في المقدِّمة. ومنح إنجيلُ مريم إلى لاوي دورًا مميَّزًا. وحده قَبِل البلاغ الذي أوصلته مريم، ووحده فهم أنَّها وصلت إلى درجة من المعرفة نالت بسببها حبًّا ثابتًا من المخلِّص. وهو أيضًا وحده، إذا تبعنا نهاية الخبر في المقطع اليونانيّ، من انطلق ليعلن الإنجيل (18: 21-19: 2 والحاشية). فإن كان البلاغ الذي سلَّمته مريم يمثِّل التيّار النسكيّ في بعض جماعات البدايات، عندئذٍ يظهر لاوي كأفضل صورة مختارة لكي يكون المتكلِّم باسم هذا التيّار.
[86] لام لاوي بطرس على حدَّته (رج مت 26: 74؛ يو 18: 10-11). وفي الحقيقة، الغضب هو القوَّة المسبَّعة في العالم المادّيّ. فدعوة الغنوصيّ أن ينفصل عن الغيرة وعن الغضب (شع 60: 6-7). ونعود إلى العلاقة بين لاوي ومتّى. هي في الواقع إعادة كتابة. فإنْ تماهى الاسمان في بداية المسيحيَّة، إلاَّ أنَّنا نجد الاسمين واردين الواحد قرب الآخر، مثلاً عند هرقليون (كليمان الإسكندرانيّ، الموشَّيات 4/71: 3). بطرس وأندراوس ولاوي هم مجموعون في إنجيل بطرس (60) كما في الديدسكاليا السريانيَّة. في رؤيا يعقوب الأولى (5/37: 5) لاوي هو متسلِّم تقليد الربِّ الذي تلقَّاه يعقوب. وفسَّر النحشيُّون بشكل أليغوريّ، صورة عشّار مت 21: 31: «إنَّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت السماوات»). دُعيَ العشّارون في الإنجيل telwnai لأنَّهم يجمعون الضرائب telh. والروحيُّون دُعوا أيضًا telwnai لأنَّهم معدُّون ليتقبَّلوا كمالات (teleutai) الآب (هيبوليت، الردّ 5/8: 28-29).
[87] إنَّ بطرس الذي لم يدخل بعدُ في سرِّ توحيد الكائن الباطنيّ، لا يَرى بعدُ في المرأة سوى العنصر الضعيف الذي تجبُ محاربته. لا، المرأة ليست الخصم (18: 9-10) لأنَّها جزء من الإنسان الكامل (9: 20). فمريم التي وُلدَت روحيًّا بيد المخلِّص، هي حقيقةً الإنسان (9: 20). وعلى مثالها، يجب على الرسل أن يقوموا بالمجهود عينه من أجل الولادة الجديدة (إن تو 114).
[88] Sans faille. في اليونانيَّة: asjalwς. لفظ دقيق للدلالة على حالة الاختيار النهائيّ والذي لا رجوع عنه، التي إليها رفع يسوعُ مريم.
[89] صارت مريم «أهلاً» لأن يكون لها رؤية لا تتزعزع (10: 4)، أن ترى المخلِّص الذي «يعرفها» بشكل لا صدع فيه. فتعليم المعلِّم، مثل التنشئة على العبادات السرّانيَّة، لا يمكن أن يُنقَل إلاَّ بالوحي إلى الذين هم أهل له. فالذي يعرف هو في الوقت عينه معروف، من هنا «تفضيل» المخلِّص.
[90] نقرأ في برديَّة رايلندس 463 ما يلي: «حين قال لاوي هذه الأقوال مضى وأخذ يعلن الإنجيل». هكذا يكون لاوي وحده المنادي بالبلاغ الذي أوحت به مريم. أمّا النصُّ القبطيّ فجعل صيغة الجمع، بعد أن توسَّعت الحركة النسكيَّة وامتدَّت.
[91] لا يمكن إعلان إنجيل ابن الإنسان دون تحقيق الإنسان الكامل في الذات. وكانت مريم أوَّل من حقَّق ذلك. لهذا كان هذا الإنجيل إنجيلها. وهو بيان جماعة مسيحيَّة محدَّدة.
[92] ذكرنا في حاشية سابقة وجود أكثر من مريم. فنكون أمام كائن واحد ينكشف في ثلاث وجهات مختلفة وحوارات الوحي الغنوصيّ جاءت في إطارها بعد القيامة، وهو الوقت الذي فاض الروح القدس. فمريم تمثِّل قبل كلِّ شيء الروح الذي يبدو في سمات أنثويَّة، لأنَّ «روح» في العبريَّة والسريانيَّة مؤنَّث. وصُوِّرت ولادة ابن الإنسان لتجميع لكلِّ قوى الروح بحيث يُدعى «أمًّا». غير أنَّ الروح يمكن أن يُدعى أيضًا رفيقه وأخاه بقدر ما الابن يعطيه للذين يكوِّنون الكنيسة.
[93] في إنجيل توما 114، تلميح إلى يو 12: 32 حيث يقول يسوع إنَّه سيجتذب إليه جميع البشر.
[94] misogynie من اليونانيَّة miso-gunhς: من يبغض المرأة.