أرى شعبي مبعثرين في الجبال

أرى شعبي مبعثرين في الجبال

الخوري بولس الفغالي

أراد الملك آخاب والملك يوشافاط أن ينطلقا إلى الحرب، فوجب أن يأتي "نبيٌّ" يقول لهما إن كانا سوف ينتصران أم لا. فجاء أنبياء عديدون. أربعمئة رجل يقولون لهما: "اذهبا، فالنصر يكون حليفكما". أربعمئة نبيٍّ برأي واحد، بصوت واحد. لا شكَّ ليسوا بأنبياء وإن دعوا نفوسهم بهذا الاسم. هم "كذّابون". لهذا، لم يرضَ يوشافاط بمثل هذا الجواب الذي لا يعطي الثقة. فسأل: "أما من نبيٍّ آخر للربِّ هنا فنستشير به الربّ؟" (1 مل 22: 7). "نبيٌّ للربّ"، لا "نبيٌّ للملك". فنبيُّ الملك يقول ما يقوله له الملك. ونبيُّ الربِّ يقول ما يقوله له الربّ. أجاب آخاب منزعجًا من هذا السؤال لأنَّه لا يريد أن يسمع صوت الله، بل صوت نفسه ورغباته ونزواته: "هناك (نبيٌّ) واحد بعد. لكنِّي أبغضه لأنَّه لا يتنبَّأ عليَّ إلاّ بالشرّ، وهو ميخا بن يملة" (آ8). أجل، هو مبغض لأنَّه يقول الحقيقة لملك شرِّير. ومع ذلك، إرضاء لصديقه أرسل في طلب ميخا بن يملة (آ9). ونبَّه الرسول هذا "النبيَّ" الخاصّ: "بصوت واحد تنبَّأ الأنبياء، فليكن كلامك ككلامهم" (آ13). ونكاد نسمع ميخا هذا يقول في قلبه: "إذا كانوا يدعونني لأقول ما يقولون، فلماذا يدعوننا؟ فماذا يضيف كلامي على كلامهم سوى الكذب على الكذب؟ لهذا أجاب ميخا الرسول: "حيٌّ هو الربّ، ما يقوله لي الربُّ أقوله أنا" (آ14). وهكذا لمّا وصل أمام الملكين، وكانا "لابسين ثيابهما الملوكيَّة وجالسين كلُّ واحد على عرشه في الساحة عند مدخل باب السامرة، وجميع الأنبياء يتنبَّأون في حضرتهما" (آ10)، ما تأثَّر بهذا المشهد، طلبوا كلام "الصدق" (آ16). فقال ميخا: "أرى شعب إسرائيل مبعثرين على الجبال كغنم بلا راعٍ" (آ17). هكذا صار شعبنا، مهجَّرًا في أرضه وفي خارج أرضه: مبعثرًا، ضائعًا، تائهًا. أين هم الرعاة؟ مضوا، هربوا قبل الآخرين. بحثوا لهم عن مكان هادئ، آمن، وكأنَّهم يقولون في داخلهم: "من بعدي الطوفان".

شعب مبعثر. مهجَّر من أرضه. ذاك كان وضع حزقيال الذي مضى مع أوَّل تهجير عرفته أورشليم سنة 597 ق.م. "كان هناك على نهر خابور"، وهو قنال بموازاة الفرات، ينطلق من بغداد إلى الوركاء (أو أرك القديمة). هناك سمع صوت الله ولاسيَّما بعد الهجير الثاني سنة 587-586 ق.م. بعد أن ضاع كلُّ شيء، خربت الأسوار، أُحرق الهيكل، فمضى الذين يستطيعون المضيَّ إلى الخارج، وبقي في الأرض شعب الأرض ويدعوه النبيُّ صفنيا "شعبًا وديعًا متواضعًا يعتصمون باسم الربّ" (صف 3: 12). ولكن هل بقي معهم أحد من رعاتهم؟ والربُّ يودُّ أن يكون شبيهًا بميخا بن يملة الذي يقول ما يقول الربُّ له، ويعمل فقط مرضاة الله لا مرضاة نفسه، كما قيل عن عابد الربِّ في إشعيا (53: 10).

في هذا الإطار نقرأ كلام النبيِّ حزقيال حول الرعاة في شعب الله. ويتوزَّع مقالنا على ثلاثة محاور: عمل الرعاة، وبكلام قريب إلينا، عمل الكهنة. كيف يتصرَّفون مع الذين أُرسلوا إليهم. المحور الثاني، عمل الرعيَّة. كيف يكون "الغنم"، وهل يدوس القويُّ الضعيف؟ في المحور الثالث نتألَّم في نفوسنا حين لا نرى أحدًا يقف في "الثغرة" (حز 13: 5) ليدافع عن هذه الرعيَّة، فيعلن الربُّ بأنَّه سيقوم بنفسه بإبعاد مثل هؤلاء الرعاة واختيار رعاة بحسب قلبه.

1. ويل لرعاة يرعون أنفسهم

هكذا بدأ الربُّ يتكلَّم بفم نبيِّه، بعد أن رأى الحالة التي وصلت إليها الرعيَّة. أتُرى الله يبقى ساكتًا ولا يتدخَّل؟ ألا يرى الحالة التي وصل إليها شعبه؟ قيل عنه في سفر الخروج إنَّه سمع تأوُّه هؤلاء المستعبَدين وأرسل إليهم من يخلِّصهم (خر 3: 7). "نزلتُ لأنقذهم". الربُّ يهتمُّ ولكنَّه لا يفعل بيده، بل يحتاج إلى أيدينا لكي يقوم بعمليَّة الإنقاذ هذه. ولكن من المؤسف أن أوَّل إنقاذ يجب على الربِّ أن يقوم به، هو إنقاذ الغنم من الراعي. لهذا أعلن: "ويل لرعاة إسرائيل الذين يرعون أنفسهم" (حز 34: 2). ومن خلال شعب من الشعوب، يتطلَّع الربُّ إلى جميع الشعوب، ومن خلال إشفاقه على مدينة يشفق على كلِّ مدن العالم. اعتبر يونان أنَّ نينوى لا تستحقُّ الغفران لأنَّها ظلمت الشعوب التي احتلَّتها ولكنَّ الربَّ نبَّهه: "أفلا أشفق أنا على نينوى العظيمة التي فيها أكثر من مئة وعشرين ألف نسمة؟" (يون 4: 11).

الرعاة في نظر حزقيال هم أوَّلاً الملك ثمَّ العظماء في المملكة على المستوى الدينيِّ كما على المستوى المدنيِّ الذين قادوا الشعب إلى الدمار والهلاك. ومع أنَّهم رأوا ما تركوا وراءهم في هذه الكارثة، لم يتوبوا، بل حاولوا أن يستفيدوا حتَّى النهاية من الوضع الذي يتنعمُّون به. ويل لهم. هم لا يرعون الغنم. ألا ينظرون إلى "الرعاة الصالحين الذين يرعون الغنم؟" (حز 34: 2). "أمّا أنتم". ويعدِّد النبيُّ خطايا هؤلاء الرعاة الذين ما زالوا حاضرين اليوم وفي كلِّ يوم، وخصوصًا بين "الكتبة والفرِّيسيّين" في كلِّ جيل.

فنحن حين نقرأ إنجيل متّى نعتبر أنَّ ما كتب في ف 23 هو من التاريخ. كم نحن مخطئون! فحين كُتب الإنجيل كانت أغلب الجماعة المسيحيَّة في خبر كان: دُمِّر الهيكل فضاعت النظم والمؤسَّسات في الشعب اليهوديّ. فلا مجال للكتابة عن الذين كانوا يتولُّونها. فالكلام يتوجَّه إلى المسؤولين في الكنيسة، لأنَّ الإنجيل يتوجَّه قبل كلِّ شيء إلى المؤمنين. أمّا الآخرون فيمكن أن يقرأوا أو لا يقرأوا، ويمكن أن يسمعوا أو لا يسمعوا، ولا يحقُّ للإنجيليِّ أن "يدينهم"، على ما قال الرسول لجماعة كورنتوس تجاه ذلك الزاني في الكنيسة: "كتبتُ إليكم في رسالتي أن لا تخالطوا الزناة، ولا أعني زناة هذا العالم على الإطلاق أو الفجّار أو السرّاقين أو عبّاد الأوثان، وإلاَّ اضطررتم إلى الخروج من العالم... هل لي أن أدين الذين هم خارج الكنيسة؟" (1 كو 5: 9-12). والجواب: كلاَّ. ونحن حين نسمع الإنجيل، هل نحسب أنَّ هذا الكلام توجَّه إلى بعض الفئات في الماضي وهو اليوم لا يعنينا؟ هي أفضل طريقة بأن لا نصلح حياتنا، هذا إذا أردنا.

كلام إنجيل متّى يتوجَّه إلى الكهنة والأساقفة في أيّامنا، كلام يتوجَّه إلى المؤمنين، ولاسيَّما في ما يتعلَّق بالإصلاح الأخويّ (مت 18: 1ي) وحين يكتب كاهن إلى إخوته الكهنة فهو لا يعطيهم درسًا من فوق وكأنَّ الكلام لا يتوجَّه إليه. وكذلك نقول عن الأسقف. فكلام الله الذي نحمله إلى الآخرين يمرُّ فينا قبل أن يمرَّ في غيرنا. وينبِّهنا قبل أن ينبِّه غيرنا، وإلاَّ يكون كلامًا بكلام. قال الربُّ: "الويل لكم أيُّها الكتبة والفرِّيسيّون والمراؤون..." (مت 23: 13ي). ونبَّهنا من الدينونة الآتية، حيث يقول لنا: "لا أعرفكم من أين أنتم، امضوا عنِّي يا ملاعين إلى النار الأبديَّة". يا ليتنا نرعوي منذ الآن ولا ننتظر نهاية حياتنا التي لا نعرف متى تكون كما قيل للقدِّيس أنطونيوس.

وكما كلام متّى كذلك كلام حزقيال. هو نبيّ، أي دخل في سرِّ الله، وحمل كلام الله الذي يتوجَّه اليوم إليَّ ويقول لكلِّ واحد: "اليوم إن سمعتم صوته فلا تُقسُّوا قلوبكم". ماذا قال حزقيال عن الرعاة الأردياء؟ "تأكلون اللبن، وتلبسون الصوف، وتذبحون الخروف الثمين" (حز 34: 3). لا بأس. فخادم المذبح يأكل من المذبح. ولكنَّ هناك شرطًا: يأكل إن خدم. ولكن إن لم يخدم فهو متطفِّل إن لم يكن سارقًا، معتدِّيًا. "تأكلون" ويضيف النبيّ: "ولكنَّكم لا ترعون الغنم". أنتم لا تفعلون، أنتم تهملون ما طُلب منكم. فأيُّ راع يبقيه سيِّده على قطيعه إن هو لم يقم بواجبه تجاه الغنم؟

ويقدِّم النبيُّ بالتفصيل واجب الراعي، وبالتالي واجب الكاهن الذي يجب أن نسمعه بانتباه في هذه السنة الكهنوتيَّة بشكل خاصّ. الغنيُّ لا يحتاج إلينا، بل نحن نحتاج إليه. وصاحب البنية القويَّة يستغني عن خدماتنا. والعظيم لا يحتاج إلى رعايتنا، بل نلجأ نحن إليه لكي "يخلِّصنا" وننسى أنَّ لا مخلِّص لنا سوى الربّ. لا، واجب الرعاة هو في غير هذا الموقع. عملهم مع "الضعيف"، مع "المريض". مع "مكسور" الرجل أو اليد، مع "الشارد"، مع "المفقود". خمس فئات. والرقم خمسة هو رقم مقدَّس. تلك هي الفئات التي يجب الاهتمام بها.

الكاهن هو السند، فيقوِّي "ضعاف الغنم"، إلاَّ إذا كان ضعيفًا واحتاج إلى من يقوِّيه. أتُرى ينسى قول الرسول: "أنا قويٌّ بالمسيح الذي يقوِّيني؟" فهل يحتاج إلى سند بشريّ؟ وإذا لم يجد يهرب من نفسه ويمضي فربَّما يكون في المال سنده! والكاهن هو الطبيب فيداوي المرضى، لا مرضى الجسد فلهم الأطباء الكثيرون، بل مرضى النفوس والمتألِّمين في قلوبهم وفي حياتهم. أم يعلن: ما لي من هموم يكفيني. أتُرى يسوع حين كان ذاهبًا إلى الجلجلة انغلق على نفسه وأخذ يندب حظَّه؟! كلاّ. جاءت نساء أورشليم "يلطمن صدورهنَّ ويَنُحن عليه" (لو 23: 27). كان بإمكان يسوع أن يقول: نعم. هل ترون حالتي. فأنا بريء ومع ذلك يُحكم عليَّ، أنا في ريعان الشباب والحياة قدَّامي وها هو شبابي يُقصَف. وانظرن إلى أمِّي التعيسة. لا ما قال يسوع هذا الكلام. بل دعا هؤلاء النسوة إلى التوبة: "فإذا كانوا هكذا يفعلون بالغصن الأخضر (أي يسوع البريء)، فكيف تكون حال الغصن اليابس (الذي لا يحمل ثمرًا يستحقُّ أن يُلقى في النار)؟" (آ31). وعلى الصليب ما تطلَّع يسوع إلى جراحه، بل اهتمَّ باللصِّ التائب: "اليوم تكون معي في الفردوس" (آ43).

خروف كسرت ساقه. يتركه يمشي ولو تألَّم. ربَّما لا يراه فيمشي في المقدِّمة مع أصحاب "الصحَّة والعافية". من يجبر هذا الكسر؟ الكاهن أم اللاويّ؟ لا هذا ولا ذاك. بل السامريّ الغريب. "رآه فأشفق عليه. فدنا منه وسكب زيتًا وخمرًا على جراحه وضمَّدها. ثمَّ حمله على دابَّته وجاء به إلى فندق واعتنى بأمره" (لو 10: 33-34). اعتنى، وما كان اعتناؤه عملاً عابرًا، وكأنَّه غسل يديه ومضى. هكذا أكون عملتُ واجبي. ولكنَّ الربَّ جعل في طريقنا هذا الجريح ويطلب منّا أن يكون اعتناؤنا به في امتداد اعتنائه بكلِّ واحد من أبنائه ولاسيَما المحتاجين. أمّا السامريُّ "فأخرج في الغد دينارين ودفعهما إلى صاحب الفندق وقال له: اعتنِ بأمرِه ومهما أنفقتَ زيادة على ذلك أوفيك عند عودتي" (آ35). الغريب اقترب من الجريح لأنَّ الجريح لا يقدر أن يقترب منه. وماذا يفعل الكاهن الذي هو أب وأمٌّ في الرعيَّة؟ حضوره بقرب هؤلاء المتألِّمين حضور الربِّ وإلاَّ لماذا يحيِّينا المؤمنون: "المجد لله".

شرد خروف. أضاع الطريق. ربَّما رفض معاملتنا. أو تضايق كثيرًا فما عاد يحتمل السير مع القطيع على مثال الابن الأصغر، الابن الشاطر. هل نتركه يشرد؟ هل نقول: نبَّهته فلم ينتبه. ليتدبَّر أمره! وإن عاد سوف أعلِّمه وأجعله يدفع ثمن شروده. أهكذا استقبل الأب ابنه العائد إليه؟ هل عاتبه؟ هل طرح عليه سؤالاً واحدًا؟ وخروف فُقد. ماذا فعل الربُّ؟ ترك التسعة والتسعين في مكان آمن ومضى يبحث عن المفقود. وحين وجده حمله على كتفه وردَّه إلى الحظيرة. هل ننتبه إلى الخراف التي في عهدتنا؟ أتقبل الأمُّ (والأب) أن تجلس إلى المائدة وأحد أولادها غائب؟ أين هم الذين لا يأتون إلى الكنيسة؟ أمضي وأزورهم فلا أترك أصحاب البدع أكثر غيرة منِّي.

من خلال هذا الكلام حيث الكاهن يفحص ضميره ويرى إهمالاته العديدة، يفهم واجباته: يقوِّي الضعاف، يداوي المرضى، يجبر المكسورين على كلِّ المستويات، الجسديَّة والنفسيَّة، يردُّ كلَّ شارد ويبحث عن كلِّ مفقود. فماذا يفعل عددٌ من الكهنة أضاعوا رسالتهم الكهنوتيَّة ونتمنّى أن لا يكون عددهم كبيرًا؟ فليسألوا الراعي الذي يقود خرافه: أيَّ عصًا يستعمل؟ عصًا من حديد أم عصًا من خشب؟ وهل العصا هي للضرب أم لكي يدلَّ الراعي خرافَه على الطريق ويدافع عنها إن رأى الذئب مقبلاً؟ أمّا رعاة شعب الله فيقول لهم النبيّ: "تسلَّطتم عليها بقسوة وعنف" (حز 34: 5). تفرضون عليهم الفرائض القاسية وأنتم لا تمسُّون "حملاً بإحدى أصابعكم". ثمَّ قال الربُّ: "تأكلون بيوت الأرامل بعلَّة تطويل صلواتكم". وماذا كانت النتيجة بحسب النبيِّ حزقيال المتكلِّم باسم الله؟ "تبعثرت غنمي من غير راعٍ وصارت مأكلاً لكلِّ وحوش البرِّيَّة. تاهت غنمي في جميع الجبال وعلى كلِّ تلَّة، وتشتَّتت على وجه الأرض ولا من يسأل ولا من يبحث" (آ6). يا للمأساة الرهيبة التي تتطلَّب اهتمامًا مضاعفًا! ولكن من يهتمُّ إلاَّ بنفسه؟ كان يقول أحد المزارعين: لو أنَّنا نهتمُّ بأولادنا كما نهتمُّ بأغراس التفّاح، لكان أولادنا عظماء محلِّقين. ونحن الكهنة لو كنّا نهتمُّ بأبناء الرعيَّة وبناتها كما نهتمُّ بشؤوننا البيتيَّة، فأيُّ شعب يكون لنا! أعرف كاهنًا متزوِّجًا مضى إلى أوستراليا مع أسرته. سألته. فأجاب: هكذا أؤمِّن مستقبل أولادي. إذًا هو لم يمضِ لكي يرافق الذين هاجروا من لبنان. ولكنَّه عاد، لا لأنَّ الرسالة كانت صعبة عليه، بل لأنَّ مستقبل الأولاد لم يؤمَّن. وكاهن آخر قال لي أوَّل ما لاقاني: أحتاج إلى كذا ملايين لأؤمِّن تعليم أولادي في الجامعة. هذا هو همُّ بعض الكهنة. كم هو بعيد عن بولس الرسول: يتحدَّث عمّا قاساه في سبيل الرسالة (2 كو 11: 23-27). ووصل إلى القول: "وهذا كلُّه إلى جانب ما أعانيه كلَّ يوم من اهتمام بجميع الكنائس (ولاسيَّما كنيستي ورعيَّتي وكنائس بلدي) فمن يضعف ولا أضعف أنا؟ ومن يقع في الخطيئة وأنا لا أحترق من الحزن عليه" (آ28-29).

2. بين الكباش والتيوس

إذا كان الغنم بدون راعٍ، فماذا يكون حالها؟ وإذا المدينة منقسمة فخرابها قريب. ولو أنَّ الربَّ ما جعل بطرس رئيس الرسل، لكانوا تزاحموا على المراكز الأولى: واحد عن يمين الربِّ وآخر عن يساره "في مجده" (مر 10: 37). وجاء الغضب من التلاميذ العشرة (آ41). ونحن، أين تجعلوننا؟ أتذكَّر هنا بعض ما جاء في أفراهاط الحكيم الفارسيّ: الاضطهاد يكاد يفني الكنيسة والرؤساء يتجادلون في من يكون الأوَّل، مع أنَّ كلام يسوع واضح: العظيم يكون الخادم. والأوَّل يكون في المرتبة الأخيرة، لأنَّ الأوَّلين يصيرون آخرين والآخرين يصيرون أوَّلين. وكما قال شارل ده فوكو: "أخذ يسوع المكان الأخير بحيث لا يأخذه منه أحد".

السلطة، القوَّة، العنف، البطش، المقاتلة من أجل لقمة العيش. يكفي أن ننظر إلى ما حصل في هاييتي بعد الزلزال: كيف كانوا يتناتشون الخبز وسائر الأطعمة. والقويّ لا يكتفي بأن يؤمِّن خبزه اليوميّ، بل يريد أن يكدِّس ولو مات إخوته وأخواته جوعًا. ذاك هو عمل الكبش بين الخراف والتيس بين الماعز. وما يخيف هو أن يتقاتل الكباش والتيوس، الأقوياء والأغنياء وتكون النتيجة وخيمة على الصغار.

القويُّ يختار "المرعى الصالح" (حز 34: 18). لا بأس. المهمُّ أن يترك للآخرين المرعى الرديء. ولكن كلاّ. الخير له والشرُّ للآخرين. الطعام له والجوع لغيره. وكذا نقول عن الشراب. "هو يشرب المياه الصافية" ولكن لا يحقُّ للآخرين أن يشربوا مثل هذا الماء. ماذا يفعل ذاك المقتدر؟ يدوس الماء برجليه "ليكدِّرها" و"يدوس" المراعي برجليه، ليكون وحده من يأكل ويحيا، ويموت الآخرون من الجوع. وماذا يبقى للفقير والضعيف واليتيم والأرملة، الذين هم حصَّة الله بشكل خاصّ؟ "البعض الآخر من غنمي يرعى ما انداس من المرعى ويشرب ما تكدَّر من المياه" (آ19).

أجل، وضع رديء بين الكنائس اليوم كما في الأمس، حيث كلُّ كنيسة تحاول أن تدبِّر أمرها على حساب أختها. وحين نقرأ التاريخ نكتشف كيف أنَّ جماعة تشي بالجماعة الأخرى لدى السلطان لكي يكون لها منه "بركة". وتردُّ أختها التحيَّة بأفضل منها. أمّا الربُّ فما أراد ذلك. ولكنَّنا نحن نبني "كنيستنا". لا كنيسة المسيح، ونفرح حين نضع اسمنا على مدخل كنائس شيَّدناها، أو بالأحرى شيَّدها الآخرون "في أيّامنا" المجيدة. بما أنَّنا في نبوءة حزقيال، نقرأ ف 37 في قسمه الثاني:

"وقال لي الربّ: وأنت يا ابن البشر، خذ لك عصا واحدة واكتب عليها ليهوذا... وخذ عصا أخرى واكتب عليها ليوسف أي أفرائيم" (آ15-16). أي مملكة الجنوب ومملكة الشمال، أورشليم والسامرة، أو رومة والقسطنطينيَّة، أو الكنيسة المشرقيَّة والكنيسة الغربيَّة السريانيَّة، أو الكنيسة السريانيَّة والكنيسة المارونيَّة... لا يمكن أن تبقى العصا منفصلة عن أختها، كما لا يمكن أن تعادي أختها. فيكون اللقاء بالعصا بانتظار سلاح آخر. وتابع الربُّ كلامه لنبيِّه: "واقرنهما الواحدة بالأخرى حتّى تصيرا لك عصا واحدة في يدك" (آ17). واحدة في يد الربّ. شهادة واحدة للربِّ، إيمان واحد، معموديَّة واحدة، قربان واحد. ويا ليتنا فقط عصوَين، بل أربعًا وخمسًا. في لبنان 13 عصا. فتات وفتات، فهل يمكن أن يكون الفتات خبزًا؟ ومن يستعدُّ ليأكله حين يكون أمامه رغيف كامل، أحمر، تشتهي العيون أن تنظر إليه والأفواه أن تتذوَّقه. وتنظر الكنيسة القويَّة من فوق إلى أختها الصغيرة: حرام، ماذا تستطيع أن تعمل. والصغيرة "تنفخ نفسها" لكي تبدو كبيرة. وكأنَّ الرسل كانوا بالآلاف.

وما نقوله على مستوى الكنائس نقوله على مستوى الأفراد، فنعيش بعض الشيء في جماعة كورنتوس ونسمع كلام الرسول: "إذا كان لأحدكم دعوى على أحد الإخوة، فكيف يجرؤ أن يقاضيه؟" (1 كو 6: 1). ويواصل بولس كلامه رافعًا مستوى الكلام إلى مستوى الله: "أما تعرفون أنَّ القدِّيسين (أي: المؤمنين) سيدينون العالم؟ فإذا كنتم أنتم ستدينون العالم، ألا تكونون أهلاً لأن تحكموا في القضايا البسيطة؟ أما تعرفون أنَّنا سندين الملائكة؟ فكم بالأولى أن نحكم في قضايا هذه الدنيا" (آ3). ويطرح بولس السؤال: "أقول هذا لتخجلوا: أما فيكم حكيم واحد يقدر أن يقضي بين إخوته؟" (آ5). يا لتعاسة مثل هذه الجماعة المسيحيَّة: "أنتم تقاضون بعضكم بعضًا وهذا عيب! أما هو خير لكم أن تحتملوا الظلم؟ أما هو خير لكم أن تتقبَّلوا السلب؟ وذلك بدل أن تظلموا أنتم وتسلبوا حتّى الذين هم إخوتكم؟ أما تعرفون أنَّ الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ (آ7-8).

من الذي يظلم؟ هل الفقير يظلم الغنيّ؟ حاشا. فهو لا يسر. وهل يتعدَّى الضعيف على القويّ؟ كلاّ. لهذا نبَّه النبيُّ من "الكباش والتيوس". ولماذا هذه الفوضى؟ لأنَّ القطيع بدون راعٍ. وإن وُجد فهو لا يرى. وإن رأى فهو لا يفعل شيئًا حفاظًا على مصالحه. أو أقلَّه عنده أشغاله التي هي أهمّ. رفضًا لأقوال الربّ: "ما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه". المسيح بذل نفسه، ونحن لا نجسر أن نعطي بعض وقتنا وربَّما بعض ما لنا. غياب الراعي لسبب أو لآخر يجعله عرضة للدينونة القاسية. كان الأفضل له أن لا يقبل الرسامة الكهنوتيَّة. اتَّكل الربُّ عليه وسلَّمه مهمَّة فشابه ذاك الابن الذي أرسله أبوه إلى كرمه. فقال نعم، ولكنَّه لم يمضِ (مت 21: 30). أتُراه عمل مشيئة أبيه؟ كلاّ. ويُقال كذلك عن العبد "الذي لا يعمل إرادة سيِّده. فهو يلقى قصاصًا شديدًا" (لو 12: 17)، إلاَّ إذا اعتبر أنَّه لم يعرف هذه الإرادة، حينئذٍ يكون الشرُّ أعظم. مسؤوليَّة كبيرة جُعلت على أكتفانا، وقبلناها بطيبة خاطر، وما فرضها علينا أحد. فالويل لنا إذا تهرَّبنا. والويل لنا إن لم نكن مثل هؤلاء الأنبياء الذين ذكرناهم، ومثل غيرهم. أتتخيَّلون إشعيا يرضى بأن يأخذ الغنيُّ بيت الفقير، والقويّ حقل الضعيف؟ (5: 8). وجاء عاموس من الجنوب إلى الشمال. هل لكي يرضي الملك، أو الكاهن الأوَّل أمصيا؟ لا شكَّ في أنَّ حمل الكلمة يحمل الخطر على النبيّ. أما عرف ذلك حين راح في الطريق التي دعاه إليه الربّ؟ والكاهن يعرف منذ البداية ما يجب أن يتخلّى عنه للقيام برسالته. سمع كلام الربّ: "إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمَّه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتّى نفسه فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 12: 26).

3. الله راعي شعبه

ولكنَّ الكاهن تهامل، والنبيَّ ما عاد يتكلَّم باسم الربِّ بل باسم مصلحته الخاصَّة، فصار نبيَّ الملك لا نبيَّ الله. وكذا نقول عن الكاهن الذي صار كاهن نفسه وعائلته وأولاده "خصومتي معكم أنتم أيُّها الكهنة. تسقطون في النهار وفي الليل، ويسقط الأنبياء أيضًا معكم، فأنتم علَّة دمار شعبكم" (هو 4: 4-5). بما أنَّ "المسؤولين" تهاملوا، فالربُّ سوف يتدخَّل بنفسه. يكون هو راعي شعبه. فينشد له المؤمنون: "الربُّ راعيَّ فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خصيبة يقيلني ومياه الراحة يوردني. يردُّ نفسي ويهديني في سبل البرِّ من أجل اسمه" (مز 23: 1-3). ذاك ما يفعل الربّ، وكأنَّه يعلِّم كهنته ما يجب أن يفعلوا، على ما عرفنا من يسوع الذي أعطى تعليماته للرسل، ثمَّ انطلق قدَّامهم لكي يعرفوا كيف يتصرَّفون. فنقرأ في مت 11: 1: "ولما أتمَّ يسوع وصاياه لتلاميذه الاثني عشر، خرج من هناك ليعلِّم ويبشِّر في المدن المجاورة".

أوَّل خطوة قام بها الربّ: سأل، بحث، طلب. بما أنَّ لا أحد يسأل، فالربُّ يسأل "فغنمي صارت نهبًا ومأكلاً لكلِّ وحوش البرِّيَّة، وبما أنَّها من غير راعٍ ولا يسأل رعاتي عن غنمي، بل يرعى الرعاة أنفسهم وغنمي لا يرعونها" (حز 34: 8). إذًا، أيُّها الكاهن اسأل عن كلِّ خروف في الرعيَّة، ضاع فابحث عنه. أخذه أحد فاطلبه. الفعل الثاني: افتقد، تفقَّد، زار. فأنا الكاهن أزور بيوت الرعيَّة. أسأل عن كلِّ واحد. أحسب نفسي طبيبًا. ولا حاجة أن يطلبني أحد. فالأمُّ لا تنتظر ابنها لكي يصرخ، بل تسبق وتلبِّي حاجاته. هذا ما قيل عن الآب السماويّ الذي يعرف أنَّنا نحتاج إلى هذا كلِّه (مت 6: 32). والعمل لا يكون من بعيد. فالابن صار بشرًا وسكن بيننا. أراد أن يكون أخًا لنا وما استحى أن يدعونا إخوته (وأخواته). والربُّ يكون وسط غنمه المنتشرة (آ11). يرى الجميع، يلاحظ كلَّ خروف فلا يفقد أحدًا. هذا مريض، هذا مكسور، هذه النعجة حبلى وتلك مرضع.

عمل إيجابيّ، بنّاء. ولكن بما أنَّ الخراف مشتَّتة، فلا بدَّ من جمعها. وبما أنَّها مظلومة فالربُّ ينقذها. قال الربّ: "أُنقذها من جميع المواضع التي تشتَّتت فيها يوم الغيم والضباب وأُخرجها... وأجمعها... وأجيء بها إلى أرضها، وأرعاها في مرعى صالح... خصيب... وأعيدها إلى حظيرتها" (آ12-15). ويقول الربُّ لنا في عبارة واحدة ما يجب أن نعمل نحن الكهنة: "فأبحث عن المفقودة، وأردُّ الشاردة، وأجبر المكسورة، وأقوِّي الضعيفة، وأحفظ السمينة والقويَّة، وأرعاها كلَّها بالعدل والحقّ" (آ16).

هكذا يكون الراعي. قيل في ترجمة أخرى إنَّه "يبعد السمينة والقويَّة". ربَّما يكون هذا المعنى صحيحًا، لأنَّ الراعي "يحكم بين ماشية وماشية". يوقف تعسُّفات الأقوياء فيمنعهم من ظلم إخوتهم وأخواتهم. وفي أيِّ حال، حضوره كافٍ لكي تكون العدالة داخل القطيع. فيقول الربُّ: "سأحكم بين الماشية السمينة والماشية الهزيلة، لأنَّكم دفعتم ضعاف غنمي بالجنب والكتف، ونطحتموها بقرونكم إلى أن شتَّتوها إلى الخارج" (آ20-21).

يا له من حكم قاسٍ حين يعتبر الربُّ الراعيَ الذي كلَّفه بالخراف غير أهل. وواأسفاه على كاهن "يعزل" من خدمته. ربَّما يبقى حاضرًا "لتصريف الأعمال"، ولكنَّ الربَّ انتزع منه ثقته. ففي تصريف الأعمال هذا، يبقى الربح حاضرًا، ولكنَّ "قلب الربِّ" صار بعيدًا، على ما حصل بين شاول وداود. اختار الربُّ شاول أوَّل ملك على القبائل، اختيارًا خاصًّا، وما كان ينتظر قطُّ هذا الاختيار وهو الذي أرسله أبوه في مهمَّة بسيطة: أن يبحث عن الأتن. ولمّا بيَّن له صموئيل قصد الله، هتف: من أنا؟ قبيلتي صغيرة وأنا الصغير في قبيلتي. ولكن لم يمضِ وقت حتّى أحسَّ أنَّه قويٌّ واغتنى، بحيث صار يطيع الجيش ومصالحه، لا الله. فكلَّم الربُّ صموئيل في شأنه: "ندمتُ على إقامتي شاول ملكًا، لأنَّه مال عنِّي ولم يسمع لكلامي" (1 صم 15: 11). تضايق صموئيل، صلَّى إلى الربّ، صرخ. أمّا شاول فاعتبر أنَّ الأمور على أحسن ما يُرام. وحين التقى بصموئيل قال له: "مبارك أنت عند الربّ، فأنا سمعتُ لكلامه" (آ13).

غشَّ شاول نفسه كما نفعل نحن مرارًا. ثمَّ من انتصر. هو أم الله لكي "يقيم لنفسه نصبًا" (آ12). وها هو يأتي بالذبائح والممارسات الخارجيَّة لكي يغطِّي على عصيانه للربّ. فردَّ عليه صموئيل: "أبالمحرقات مسرَّة الربِّ أم بالطاعة لكلامه؟ الطاعة خير من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش" (آ22). ما هذه الأمثولة الرائعة للكهنة، ونحن نُصعد الصلوات ونقدِّم القدَّاسات ونشارك في الزواجات وفي الجنّازات! ويأتي الربُّ فيقول لنا ما قاله لشعبه في نبوءة إشعيا: لا تأتوا إليَّ بتقدماتكم! ذبائحكم دخان لا أستطيع أن أتنشَّقه، وعودتكم إلى الصلاة لا أطيقها (1: 13). كلُّ هذا صار ثقلاً على الربِّ وحملت إليه السأم. بعد اليوم لن يسمع لنا. والسببُ؟ الرأس مريض، والقلب سقيم (آ5). يا ويلنا من الربِّ الذي يطلب قلوبنا ولا شيء آخر. لأنَّ القلب المتخشِّع المتواضع لا يرذله الله (مز 51: 19).

استغنى الربُّ عن شاول وأتى بداود الرجل الذي بحسب قلبه. قال النبيّ: "أخلِّص غنمي... وأقيم عليها راعيًا واحدًا ليرعاها كعبدي داود. فهو يرعاها ويكون لها راعيًا صالحًا. وأنا الربُّ أكون لغنمي إلهًا ويكون الراعي الذي كعبدي داود لها رئيسًا. أنا الربُّ تكلَّمت" (حز 34: 22-24). لا نتوقَّف على الكلام عن داود ولا عن غيره من الملوك أو من الكهنة. الراعي الذي يطلبه الله يكون "مثل داود". ونحن نعرف أنَّه "ابن داود" يسوع المسيح. إذا كان إشعيا تطلَّع من خلال داود الذي مُسح بالزيت، إلى المسيح الذي يجعل في الأرض السلام والعدل فأنشده مز 72 (اللهمَّ اجعل أحكامك للملك وعدلك لابن الملك). فحزقيال تطلَّع إلى الكاهن الذي سيقول له مز 110: "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق. وإذا كان من كهنة في العهد الجديد، فهم ليسوا على مثال كهنة العهد القديم الذين غرقوا في ذبائح عديدة لم تكن نافعة في النهاية فوجب تكرارها، بل على مثال يسوع المسيح الذي بذبيحة واحدة جعل لنا خلاصًا أبديًّا.

الخاتمة

وضعٌ قاسٍ في شعب الله، في كنائسنا وطوائفنا ورعايانا. خراف تبعثرت فبدت بدون راعٍ يهتمُّ بها. هي ظروف خارجة عن إرادتنا بسبب الحرب وما يتبعها من عنف وضياع. هذا يعني أنَّ الله اختارنا لمهمَّة صعبة وجعل ثقته فينا. ولكنَّنا لم نكن كما أرادنا الربّ. هكذا يفهمنا أنَّنا مدعوُّون إلى التوبة والاضطلاع بمسؤوليّاتنا بعد أن نظر الله إلينا وأحبَّنا. وإلاَّ سوف يستغني الله عنّا، كما استغنى عن شاول وأتى بداود. لا شكَّ لبث شاول ملكًا وحارب داود، ولكنَّ الربَّ سبق وقال لصموئيل: أنا رذلتُ شاول. فالويل لنا إن رذلَنا الله إذا كنَّا نسينا الطاعة له والإصغاء. نحن الرعاة في خطِّ الراعي الصالح الذي أرسله الآب من عنده، فهل نواصل رسالة ذاك الذي ضحّى بنفسه من أجل الخراف، أم نفتح رسالة خاصَّة بنا تكون نهايتها "هلاك" الرعيَّة، لا خلاصها، مع أنَّ الله أرسلنا في عمليَّة خلاص وإنقاذ. عندئذٍ يأتي الربُّ ويطالبنا: أرسلتك لتدعو الخاطئ إلى التوبة. هل دعوته؟ أرسلتك لتأتي بالخراف المبعثرة، هل جمعتها؟ أرسلتك لتحمل الشفاء إلى المرضى والعزاء إلى المتألِّمين والشجاعة لليائسين... هنيئًا للكاهن الذي لبّى نداء الربّ: يا لك عبدًا صالحًا وأمينًا. والويل للعبد الشرِّير فالله سوف "يمزِّقه تمزيقًا". عُدْ يا ربُّ إلينا، وإلى رعايانا. حوِّل قلوب كهنتنا بحيث يكونون قدِّيسين ويقودون شعبك في طريق القداسة والعطاء والبناء. عندئذٍ تهتف بفم نبيِّك: "أعاهد غنمي عهد سلام، وأردُّ الوحش الضاري عن الأرض، فتسكن في البرِّيَّة آمنة... فتعلم أنِّي أنا الربّ". آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM