تقديم

محطات كتابية -34-

انت كاهن إلى الأبد

********

المونسنيور بولس فغالي

دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت

دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة

********

منشورات الرَّابطة الكتابية

تقديم

بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، سرت فكرةٌ إن الانسان يكون كاهن لفترة معيّنة. عشر سنوات، على مثال الزواج. كتلك المرأة التي قالت لزوجها: أنا ماضية إلى رجل آخر. ضجرتُ من العيش معك وأحبّ أن أغيّر. قضينا عشر سنوات وهذا شيء عظيم. وأين هو الكلام القائل: الحب قوي كالموت. أو هو أقوى من الموت. ما معنى كلام طوبيا وسارة: أعطنا يا ربّ أن نشيخا معاً، أن نبلغ معاً إلى الشيخوخة في حبّ ينمو وينمو؟

في السودان كهنة يعيشون كهنوتهم عشر سنوات، ثم يتركون الحياة الكهنوتيّة ويؤسّسون عائلة، ويعيشون مثل أي رجل في القبيلة، فيأخذ بالعادات المعمول بها، يموت أخوه فيأخذ له زوجته وأولاده. وفي أوروبا، هناك كهنة يتعبون، يضجرون فيعودون إلى العالم. لماذا لا يكونون مثل سائر الناس؟ ومتى تميّز الكهنة عن سائر شعب الله؟

وهكذا نقص عدد الرهبان والكهنة بشكل مرعب بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. كما أخذ الشبّان اليوم يتورّعون ولا يواصلون الطريق إلى الكهنوت في صدق من نفوسهم: أنت كاهن إلى الأبد. واحد هو كاهن إلى الأبد: يسوع المسيح. ونحن كهنة مع الابن الوحيد. قد نكون كهنوتنا، ونبحث عن تعزية في الخارج، على مستوى المال أو المقام، كما نودّ أن "نتّحد" بغير العريس السماوي الذي تقول عنه عروس نشيد: أنا لحبيبي وحبيبي لي. الأمانة الزوجيّة ضروريّة من أجل سعادة الأسرة وكل فرد فيها. والأمانة للرب يسوع وحدها تعطي العادة إلى الكاهن. وكل بحث آخر هو بحث عن السراب، وعودة إلى الوراء على مثال الشعب العبراني الذي وضع يده بيد الرب وانطلق في الصحراء. ثم تأسّف على ما فعل، لأنه خسر السمك واللحم والبطيخ والقثاء. وربما ندم هارون الكاهن، في راحم في تأسّفهم وهنّ في العودة إلى الماضي.

يأخذ الربّ كاهنه من بين الناس لما هو الله. فيودّ الكاهن أن يعود إلى الناس، وينسى أنه مكرّس الله، إنه وُضع جانباً فما عاد يملك نفسه، بل صار معك من اختاره. يرفع الرب كاهنه. أما الكاهن فينحدر. ولكن هنيئاً له إن شبك يده بيد الرب. عندئذ يرتفع كالنسور. يكون النور الذي يوضع فوق المكيال، فيشير به الذين في الداخل، الذين في الخارج يرون نوره من بعيد فيصلون إلى من هو نور العالم. هل نقبل نحن الكهنة برفقة الرب يسوع ولو أوصلتنا إلى الجلجلة وإلى الصليب؟ هل نقبل أن نحمل معه مسؤوليّة خلاص العالم؟ هل نجعل ثقتنا به مهما كانت الظروف، أم نهرب أمام أول خطر نتعرّض له؟

ذاك هو تأمّلنا. عدنا إلى القديم فاكتشفنا وجوهاً سارت في طريق الكهنوت، منذ موسى وهارون وحموئيل وصولاً إلى العهد الجديد. هم سبقونا، مرّوا في الصعوبات التي نعرفها اليوم، فاستطاعوا أن يهتفوا هتاف بولس الرسول: "أنا عالم بمن آمنت وأنا واثق أنه قادر أن يحفظ وثيقتي إلى يوم ربّنا. وأخبرنا الرسول أن لنا إخوة يتألّمون، يُضطهدون، يموتون، لأنهم لم يهربوا، بل لبثوا في خطّ الدفاع. وقال لنا الكتاب: لم تقاوموا بعدُ حتى الدم بإزاء الخطيئة. فالطريق طويلة. والنفق لا ينتهي. لذا قال لنا الربّ: "من يصبر إلى المنتهى يخلص. فبعد الضيق الأفق الواسع، وبعد العتمة النور، وبعد الحزن الفرح، وبعد الصليب مجد القيامة.

هل نستعدّ أن نُبحر في خط الذين فتحوا الأشرعة وانطلقوا، وما خافوا هيجان البحر وما يمكن من يأتي من أعداء؟ هل نستعدّ أن نضع حياتنا ورسالتنا في مرآة كلام الله دون أن نغشّ أنفسنا؟ إذا كان الأمر كذلك، ننطلق في قراءة هذا الكتاب: أنت كاهن إلى الأبد!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM