تقديم

محطات كتابية -33-

********
الخوارسقف بولس فغالي

دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت

دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة

********
منشورات الرَّابطة الكتابية

تقديم

تناقش التلاميذ وتجاولوا: من هو الأكبر في الملكوت، من يكون عن يمين الرب وعن يساره حين يكون في ملكوته المجيد. تعجّب الربّ من هذه الأفكار التي كانت في العالم الوثني وتواصلت في العالم اليهوديّ، كما في جميع الديانات. أجاب: أنا لستُ في هذا الوارد. ولا أريد أن أراكم تبحثون عمّا يبحث عنه الناس في هذا العالم حيث البحث عن السيادة والسلطان. أنا ما دعوتُ نفسي كاهن ولا إبن كاهن. أنا انسان بين هؤلاء الناس، ولا شيء يميّزني عنهم في الخارج. أما هدف حياتي فهو الخدمة: أنا جئت لأخدم. جئت لأبذل حياتي عن الكثيرين.

ولكني أتعجّب بعد ألفي سنة أن أرى الذين أخذتُهم ليواصلوا الرسالة، يريدون من الناس أن يخدموهم. فهم الرؤساء والسادة في هذا العالم. يقفون في الصفوف الأمامية لكي يراهم الناس بلباسهم المميّز. أما ماذا يقولون عنهم فشأن آخر. هم كل شيء إلاّ خدّام. فصورة الكاهن كما عرفها العالم القديم عادت إليهم: الناس يحتاجون إليهم في الأوقات الهامة؛ وقت الولادة، وقت الموت. أو من أحل تزيين المقام لا أكثر ولا أقلّ. غير هذا هم يستغنون عنهم.

يبدأ "الكاهن" رسالته باسم "خادم الرعيّة"، وما أحلاها تسمية، ولكن سريعاً تتبدّل الأمور. هل الرئيس والمترئس. يستفيد منه عظماء هذا العالم لكي يُحكموا سيطرتهم على شعب الله. والأسقف هو "الحقير"، ذاك الذي يكون في المقام الأخير بقرب يسوع. قال لتلاميذه: تدعوني الرب والمعلّم وأنت على حقّ في ما تقولون. ولكن أنا المعلّم والربّ أفتخر بأنني كنت راكعاً قدامكم وأغسل لكم أرجلكم. هكذا تصنعون إذا أردتم أن تكونوا لي تلاميذ. أن تفتخروا باسمي، لا أن تفتخروا بالدرجة التي نلتموها وتتاجروا باسمي.

تلك هي تأمّلاتنا في هذا الكتاب: كهنة وخدّام في بيت الرب. فالكاهن منذ أقدم العصور هو الذي يوصل جواب الإله إلى البشر. يعتبر الوسيط بين السماء والأرض. رجل في صعوبة. ما هو الحلّ الآتي من العلاء؟ الكاهن كان يساعد الناس. ويكفي أن نتذكر ما حصل شاول والخادم الذي معه: ضاعت الاتن، فمن يساعدنا لكي نعثر عليها؟ مضوا إلى صموئيل. فهو الرائي. يرى ما لا نراه نحن. في محطة أولى أجاب: الاتن وُجدت، لا تبحثا بعد عنها. غير أن صموئيل ليس ذلك "البرّاج"، فهو من يقوّم مقاصد الله في شعبه. شاول سوف يكون الملك الذي اختاره الله. وهكذا دلّ هذا الشاب المميّز على ما ينتظره من رسالة. مثله الكاهن يرفع المؤمنين فوق التفاهات التي يطلبون. صموئيل رأى الشرّ عند ابني عالي، وهدّد بالعقاب. ومثله يفعل الكاهن حين يعلن كلمة الله، لا من أجل منفعته، بل من أجل تقدّم الملكوت.

تأملاّتنا عودة إلى الانجيل ينير حياتنا، نحن الكهنة والأساقفة في هذه السنة الكهنوتيّة، ونحن المؤمنين المشاركين في كهنوت المسيح. كلّنا خدّام في بيت الله. لهذا، كان فعل عن راهبة وآخر عن راهب لم يكن كاهناً، نظر إليه من سوف يصبح "قسّ" من عليائه. ولكن ذلك "القسّ غاب في عالم النسيان، ومن كان راهباً، خادماً، فلاحاً، يُرفع اليوم على المذبح. ذاك هو الهدف الذي يطلبه ربنا: أن نكون قديسين.

إلى هذا يدعونا هذا الكتاب. فهل نحن مستعدون أن نسير إلى حيث يدعونا الربّ.ِ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM