يوحنا المتوحّد: قراءة نسكية لسفر أيوب

يوحنا المتوحّد

قراءة نسكية لسفر أيوب

قراءة لسفر أيُّوب

تضمَّن القسم الأوَّل من المخطوط عددًا من الكتابات النسكيَّة التي نُسبَتْ إلى يوحنّا المتوحِّد ومرقس المتوحِّد. أمّا الصفحات الأخيرة فتتضمَّن خبرًا أغفل اسمه. أمّا عنوان نصِّ يوحنّا فهو: «شرح حول آلام (أو حاش) حياة مار يوحنّا المتوحِّد الفاضلة»([1]). منذ البداية يتَّضح أنَّ النصَّ جزء من تفسير سفر أيُّوب، وردت فقط بضعُ آيات ونُشرت. أوَّلاً، 2: 8-3: 3 في شرح متواصل، وهناك بضعة أسطر لقراءة 3: 11-12 ثمَّ 3: 23: أيُّوب يرثي حاله ويتمنَّى الموت لنفسه. وفي النهاية، شرحٌ قصير حول 29: 30 بعد أن دخل فيها 7: 9-10. في القطعة الأخيرة، يربط الكاتب بين أيُّوب وإرميا حين يلعن نفسه (إر 20: 14-16). فالموت والحياة يفسَّران في شكل أليغوريّ، استعاريّ، كالخطيئة والفضيلة.

1- وإذ كان أيُّوب جالسًا على المزبلة (2: 8)، المملوءة بالأمور الشرِّيرة، وفي حساب متقن يجرِّد قيحه والدود منه، التي هي الخطيئة والأهواء التي من النفس ومن الجسد، قالت له امرأته (2: 9) التي هي الفكر الجسديّ الذي يقوم قبالة (= يقاوم) الإرادة الجبّارة ويقطع جرْيَ الصبر، ويُرضي الأيدي (المهتمَّة) بأعمال مخافة الله. ومن موضع إلى موضع تتيه (2: 9ب): من الطهارة إلى الفجور، من السيطرة على الذات إلى ملء الكرش (= الشراهة)، من محبَّة البشر إلى بغض البشر. ومن بيت إلى بيت، ومن الإيمان إلى اللاإيمان (= الكفر)، من الرجاء إلى قطع الرجاء (= اليأس)، من الحبِّ إلى البغض (قائلة): «قُل كلمة باتِّجاه الربّ وأنهِ (حياتَك)» (2: 59)

2- قالت بجلاء: قابلوا مع حاش (أو: آلام) ربِّنا الخلاصيّ. قال في الكتاب إنَّ الذي صُلب هو إنسان يُشبه واحدًا منّا. قالت: هو إيمان آخر يقاوم (إيمان) الرسل. دَمَّروا أقوال الحياة التي في الإنجيل! تكلَّموا الآن أيضًا كما في زمن تكلَّمت عبر بطرس بكلام حنون: «حاشا أن يكون لك هذا» (مت 16: 22). ولاموا أيضًا الربَّ اللامائت على موته حين صرخ في كلِّ آن تجاه الذين لا يحيون جسديًّا، لكن روحيًّا: «إن لم تسقط حبَّة الحنطة في الأرض وتمُت تبقَ وحدها» (يو 12: 24). هناك ألوهة مخفيَّة ومطمورة في وجدان أولئك الذين بكلام البرِّ وفي طَور السيطرة على الذات يرونها (أي الألوهة) بعيون العارفين قدَّام اثنين، موسى وإيليّا، وقدَّام ثلاثة، بطرس ويعقوب ويوحنّا([2]) بواسطة الحواسّ الخمس.

3- قال (أيُّوب): «لماذا تكلَّمتِ مثل واحدة من هؤلاء النساء اللواتي لا طعم (أو: لا فطنة) لهنَّ؟» (2: 10). كيف قبلتِ أن تتشبَّهي بآراء الهراطقة التي لا حكمة فيها؟ كيف قبلتِ عليك أن تكوني محبوبة من هذا الذي امتلأ مرارة والذي فمه (امتلأ) لعنات؟ فهكذا في أيَّام ربِّنا، كما نقول: في النفوس المستنيرة تستطيع أن تظهر شمسُ المعرفة الحقَّة، وتُمسك المعنى الدقيق للعمل. فالكنيسة تُفهَم في اثنين (مختلفين): الأوَّل، المجيد، وما يقابله (أو: الثاني) ذاك الذي يرذل مريم على أنَّها والدة الله، وينكر تقليد (= تسليم) الرسل ويأمر بأن تُدعى (مريم) أمَّ المسيح، وأن يُعلَن المسيح إنسانًا([3]).

4- إن نحن قبلنا الخيرات من يد الربِّ، أما نحتمل الشرور؟ (2: 10). قال (بولس): سمعنا أنَّ المجد المقبل سوف يتجلَّى فينا (رو 8: 18) وإنَّنا ننجو من آلام هذا الزمان ومن استعبادها ونرجو أن نقبل إكليل البرّ ونبتعد عن مذمَّة ما يسحقُنا.

5- وسمع أصدقاؤه الثلاثة، اليهود والبرارة واليونان، بكلِّ الشرور (2: 11) التي حلَّت بالكنائس من قبل المناوئ للمسيح([4])، الذين في ذاك الزمان سيكونون أصدقاءه. منذ القديم يحتقرونه احتقارًا في لاإيمانهم (= في كفرهم) وبعد ذلك (يريدون أن) يُطهَّروا بيده من الخطايا (أي: خطاياهم). فربُّنا قال: «لو لم يكن لأجله (لأجل أيُّوب)، لكنتُ أبدتكم (أعني الأصدقاء) (42: 8). أي أولئك الذين قرَّب (عنهم) سبعة عجول وسبعة كباش: مفاهيم النفس وأعمال (أو: مقتنيات) الجسد. يفسَّر إليفاز: «رذْل الله» لأنَّ يهوذا([5]) رذل ربَّنا حين رُذل من قِبَله. بلدد هو البلاء لأنَّ اليونان ابتلُوا بالإثم. وصوفر بالتبدُّد، لأنَّ البرابرة تبدَّدوا في الأماكن البرِّيَّة من الأرض. فوجب أن يخلَّصوا([6]) بواسطة القبَّة([7]) الكنسيَّة في الطوفان الذي سيكون بواسطة النار، بحسب بطرس الذي قال: «السماوات التي هي الآن والأرض وُضعت وحُفظت عبر كلمة واحدة، حُفظت للنار في يوم دينونة البشر([8])الأشرار، وللدمار (2بط 3: 7). ويُخلَّص لا البشر وحدهم، بل أيضًا أجناس الحيوانات والبعير والزواحف. حرم اليونان والبرابرة واليهود وأولئك الذين هم من ديانات أخرى كما قال ربُّنا أيضًا: «لي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة (حظيرة) المسيحيِّين» (يو 10: 16). فهم أيضًا (يجب) أن نأتي بهم (إلى الحظيرة).

6- كانوا جالسين لديه سبعة أيَّام وسبع ليالٍ (2: 13): بسبب ثلاث سنوات ونصف سنة المناوئ للمسيح([9]). فإن ضاعفت عددها، تُضحي سبع (سنوات) التي فيها سيكون ضيق مثل هذا. بالنسبة إلى الذين يخلَّصون، تكون الأيّام، وإلى الذين يهلكون تكون الليالي.

7([10])- بعد هذا، فتح أيُّوب فمه، وكأنَّه يوجِّهه([11]) نحو الذين حسبوا أنَّهم أهل لتعليم النعمة، ولعن اليوم الذي أتى فيه إلى الوجود. هذا للكثيرين سبب حزن وللذين يظنُّون أنَّهم شيء. أمّا بالنسبة إليَّ فهو يفرحني. يا ليت ربَّنا يفعل فيبيد هذا اليوم وهذه الليلة اللذين لم يستمع فيهما لوصيَّة الله ووجدَ اليوم. قال «اليوم» على الخطيئة التي عاشت في الجسم. أمّا «الليل» فعلى البرّ الذي مات في الروح. وربَّما رأى في هذا اليوم المعلِّم الكنسيّ([12])الحقيقيّ. ما وهب فقط الويل للمدينة النفسانيَّة وكأنَّ لاسور يحيط بها وليست (موضوعة) تحت يد مدبِّر، بل أيضًا رذل العقل الملكيّ (أو: عقل الملك) الذي تجتذبه شهوات الصبا (جا 10: 16). وإذ كان جاهلاً في أفكاره ركض وراءه الأراكنة([13]) واستسلموا لجمال أيَّام هذا العالم ولتعليمه وبأسنان التعليم الشرِّير لعقوا المآكل المنتنة من المعرفة الجسديَّة. وهكذا أيضًا هو الإنسان الترابيّ. فحين ذاق من الشجرة النفسانيَّة والجسدانيَّة، صنع (أو: بدأ) ولادة البشر الفاسدين والمائتين وصلَّى حسنًا بأن لا يُفحَص من قبل ربِّنا لئلاَّ يحسبه([14]) مذنبًا مع الشيطان على أنَّه مُفسد.

8- وإذ كان يبكي فراغ الحياة في هذا العالم، قال: «لماذا لم أمتْ في الحشا» (3: 11)، في الفردوس الذي فيه خُلقتُ. ولماذا خرجتُ من البطن ولم أهلك في الحال. أو أيضًا: لماذا لم أمت ساعة صعدتُ من المعموديَّة، بلا خطيئة، مبتعدًا عن نشاطات هذا العالم؟

9- ولماذا رضعتُ من الثديين (3: 12). كيف ارتضيتُ أن أكون (أو: أحيا) بحسب صبا الفكر بعد معرفة البرِّ فرفضتُ ثديي الخطيئة والفساد (الآتي) من ولادة الشهوة.

10- الموتُ راحةٌ للرجل (3: 23). (هذا قيل) على هؤلاء الذين يُميتون النشاطات الجسديَّة بوجدان جبّار.

11- يا ليت صلاة الهالك تدخل عليَّ (29: 13). (هذا قيل) عن هؤلاء الذين عنهم قال ربُّنا: «من أهلك نفسه لأجلي...»([15]). والرسول أيضًا (قال): «أظنُّ أنَّ الله بيَّن فجعلنا نحن الرسل آخرين مثل مائتين» (1 كو 4: 9).

12- فم الأرملة باركني (29: 13). (هو فم) النفس التي تقول: «لي صُلب العالم» (غل 5: 14)، و»ها نحن تركنا كلَّ شيء وأتينا وراءك» (مت 19: 27). وهذه حقًّا هي أرملة: النفس التي رجاؤها في الله هو، والمحرومة كلِّيًّا من ملذَّات هذا العالم. قال (أيُّوب): إن نزل الإنسان إلى الشيول([16]): إلى عمق جبِّ الملذَّات، وجبِّ الفضَّة والتشامخ وأمور أخرى شرِّيرة، لا يصعد بعد (أي 7: 9)، لأنَّه يصعب عليه أن يصعد سلَّم الخلاص، مثل ذاك الذي قال له الربّ: ما أصعب على الغنيّ أن يدخل ملكوت السماء([17]). هو لا يعود إلى بيته (أي 7: 10)، أورشليم العليا (غل 4: 26). ومكانه لا يعرفه (أي 7: 10): موضع الحياة ولو كانت له صورة شبه ربّنا أو حملَ رسْم وطبْع المعموديَّة اللذين لا يفسدان. وقيل: أيُّها (الربّ) في مدينتهم تُحتقر صورتهم (مز 73: 20).

13- ربَّما وُجد أيضًا من يلومون النبيّ إرميا ويحسبون أنَّه أضاع عقله، لأنَّه لعن يوم ولادته، حين تقدَّس ودُعيَ من البطن إلى النبوءة (إر 1: 5). قال: «ملعون يومٌ جئتُ فيه إلى الوجود». ها هو يلعن اليوم السادس. فإذ خُلق فيه آدم قرَّب الشيطان في الحال سمَّ اللذَّة المرّ. واليوم الذي فيه ولدتني أمِّي (إر 20: 14): اليوم التاسع الذي فيه حبلت الشهوة بسبب النشاط وولدَت الخطيئة. ملعون هو ذاك الرجل الذي بشَّر أبي وقال له: وُلد لك ابن ذكر (إر 20: 15): هو الشيطان الذي تحدَّث عن معصية آدم إلى هذا العالم وبيَّن (أو: أدخل) الاختلاط الجنسيّ بين الذكور والإناث. وإذ أرسله (إرميا) إلى النار الأبديَّة، قال له: ليكن هذا الرجل مثل المدن التي اقتلعها ربُّنا في سخطه بدون أيِّ لوم (إر 20: 26). انتهى

 


[1](1) ܦܘܫܩܐ ܕܚܫ̈ܐ ܕܡܝܬܪܘܬܐ ܕܡܪܝ ܝܘܚܢܢ ܐܝܚܝܕܝܐ

[2]() رج مت 17: 1-3؛ مر 9: 2-4؛ لو 9: 28-30. هي الخبرة على جبل التجلّيّ.

[3]()   هو موقف نسطور الذي رفض عبارة ܝܠܕܬ ܐܠܗܐ qeotokoV وأحلَّ محلَّها عبارة ܝܠܕܬ ܡܫܝܚܐ cristotokoV.

[4]()  ܐܢܛܝܟܪܣܛܣ:Antichrist

[5]() ربَّما يجب أن نقرأ: اليهود ܝܗܘܕܝܐ الذين رُذلوا.

[6]() أضيف هذا الفعل ܢܬܦܪܩܘܢ إلى النصّ لكي يستقيم المعنى.

[7]()  ܩܐܒܘܬܐ: تابوت العهد.

[8](8)  صُحِّح النصُّ فوضعت ܕ قبل ܒܢܝܢܫܐ (البشر) وإلاَّ كنّا قرأنا: «لأنَّ البشر الأشرار حُفظوا للنار في يوم الدينونة وللدمار».

[9]()    راجع دا 7: 25؛ رؤ 11: 3؛ 12: 14. الرقم سبعة رقم الكمال.

[10]() هنا نقرأ شرح 3: 1-3.

[11]() حرفيًّا: ܒܐܝܕܝ: وكأنَّه يجعله بين يديّ...

[12]() ܐܩܠܝܣܝܣܛܝܣ: Ecclésiaste أو سفر الجامعة. في اليونانيَّة ekklhsiasthV، في العبريَّة קהלת من קהל: الجماعة.

[13]()  ܐܪ̈ܟܘܢܐ، arcwn: الذي يأمر، الطاغي.

[14]() في الأصل: ܠܢ (لنا). نصحِّح إلى ܠܗ: له.

[15]() مت 10: 39؛ 16: 25؛ مر 8: 35؛ لو 9: 24.

[16]()  ܫܝܘܠ: مثوى الأموات.

[17]() رج مت 19: 23؛ مر 10: 25.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM