23- لا تضلّوا كما فعل الآباء عب 3: 7

23- لا تضلّوا كما فعل الآباء

عب 3: 7

لا تضلّوا كما فعل الأباء، هذا هو موضوع تأمّلنا في هذا اليوم. لا تضلّوا كما فعل الأباء. ونحن نقرأ الرسالة إلى العبرانيين 3: 8 وما يلي:

لذلك كما يقول الروح القدس إذا سمعتم صوت الله، فلا تقسّوا قلوبكم كما فعلتم يوم العصيان يوم التجربة في الصحراء، حيث جرّبني أباؤكم وامتحنوني، ورأوا أعمالي مدّة أربعين سنة. لذلك غضبت على ذلك الجيل وقلت: قلوبهم بقيَتْ في الضلال وما عرفوا طرقي، فأقسمتُ في غضبي أن لا يَدخلوا في راحتي.

قرأنا أحبائي الرسالة إلى العبرانيين الفصل الثالث من 8 إلى 11: "لذلك". هي النتيجة، بعد كل ما قيل من قبْلُ عن موسى، الذي كان أمينًا في بيت الله، وما يمكن أن تكون أمانته بالنسبة إلى الرب يسوع المسيح. وفي هذه الأمانة عينها ينخرط كل الكهنة في الكاهن الأوحد يسوع. هو أمين، هو ثابت، هو نعم في كل حياته. ما كان يوماً نعم ولا، كلّ حياته. كانت حياته نعم، وفي خطه يكون الكهنة الذين نعيّدهم في هذه السنة، سنة كاملة يتذكرون فيها الأمانة لله.

قالت لنا الرسالة إلى رومة: الله آمن بنا ونحن نؤمن به. من إيمان إلى إيمان، من إيمان الله الذي آمن بنا، وثق بنا، أتكل علينا، اختارنا، ما نظر إلى ضعفنا. فنحن ضعفاء وهو يعرف من أي جبلة نحن جُبلنا. هو لا ينظر إلى خطايانا. إنه يعرف أننا خطأة، وهو الذي مات عن الخطأة، من أجلنا، ومن أجل خلاصنا. حتى لم ينظر إلى خياناتنا، فهو الأمين ويبقى الأمين، لأنه لا يمكن أن يبدّل ذاته. نعم الرب يسوع هو أمين، ويدعو كلَّ كاهن، بل يدعو كلَّ مؤمن لأن يكون أميناً. لأننا إن أنكرناه، أنكرنا وإن اعترفنا به اعترف بنا قدام الله. لا قدام البشر. فالبشر ينظرون إلى أمورهم إلى منافعهم. أما يسوع فيعترف بنا قدّام الآب السماويّ.

يقول الكاتب الملهم: "يا لك عبداً صالحاً وأميناً، كنت أميناً على القليل، فسوف أقيمك على الكثير، أدخل فرح سيدك". نعم الأمانة تنتهي في الفرح مع الرب الذي لا ينتزعه أحد منّا، لا فرح السماء فقط، بل الفرح الذي يبدأ هنا على الأرض. وما أجمل الكاهن، وما أجمل المؤمن الذي يعيش الفرح الدائم! ومن أين يأتي هذا الفرح والصعوبات تلاحقنا والصعوبات تحيط بنا؟ الفرح يأتي لأن الربّ يُمسك بيدنا.

فالطفل التي تمسكه أمه بيده، لا يمكن أن يخاف، مهما كانت الأخطار، ولو سار في الليل. ولو سار بين المياه هنا وهناك، فهو لا يخاف لأن يد أمه تمسكه. والشعب العبراني لما عبر في البحر، والمياه من هنا والمياه من هناك، مشى كأنه على الأرض اليابسة. لماذا لم يخف؟ لأنه عرف أن الرب يسير قدامه، يفتح له الطريق، ينير له الطريق. ذاك هو قلب الله.

لذلك قالت بداية الرسالة إلى العبرانيين (3: 8): "لذلك كما يقول الروح القدس. نعم العهد القديم هو كلام الروح القدس. مرات عديدة، هناك أناس يقولون: لماذا العهد القديم؟ يكفينا العهد الجديد، يكفينا الإنجيل. لماذا العودة إلى القديم؟ ويعطونا النعوت التي تدل على جهلهم بكلام الله. فكلام الله يبدأ من سفر التكوين "في البدء خلق الله السماوات والأرض" وينتهي في سفر الرؤيا حيث تقول العروس أيها الرب يسوع العهد القديم كله هو قول الروح القدس. من أيام ابراهيم واسحاق ويعقوب وداود واشعيا وصموئيل وارميا وحزقيال. كل هذا إنما هو الروح القدس. فالروح القدس يأخذ فم الأنبياء ليتكلم به. نلاحظ كل مرة: هذا ما قال الرب. إشعيا، لم تعد صورته أمامنا. إرميا، لم تعد صورته أمامنا، وكذلك حزقيال وهوشع وعاموس، وكل الذين كتبوا الكتاب المقدس. ومرات عديدة لا نعرف من كتب. فإشعيا تكلّم ومثله إرميا، ولكن في الواقع، لا نعرف اليد التي كتبت الكتابة النهائية. فالكاتب الأساسي في الكتاب المقدس هو الروح القدس. لهذا لا يمكن أن يكون خطأ على مستوى العقيدة وعلى مستوى الإيمان. وان نحن اعتبرنا أن المعاني لا تليق بنا، لأننا لم نفهم الرموز، لم نفهم المعاني العميقة، بقينا على مستوى القشرة والقشرة، لا تعطي لذة الليمونة من الداخل.

"يقول الروح القدس". هو الذي تكلّم في الماضي، حلّ الروح القدس، روح الرب، حلّ على يسوع المسيح. "روح الربّ حلّ عليّ، فأرسلني لأبشّر المساكين" يسوع الكلمة ابن الله، رافقه الروح القدس، كما رافق موسى وسائر الأنبياء. الروح القدس هو الذي يقول. ونحن عندما نقرأ الكتاب المقدس لا نسمع شخصاً من الأشخاص فقط، بل الروح. لا شك الروح القدس لا فم له يتكلّم به، ولا يد له تَكتب، ولكن الروح هو الحاضر من وراء كل فرد. من وراء كل يد، هو الذي كتب، هو الذي ألهم، هو الذي نوّر.

ونحن عندما نقرأ الكتاب المقدس، نسمع الروح القدس فكما كان حاضراً بفم الذين تكلّموا، وبيد الذين كتبوا، هو حاضر أيضاً في آذاننا لكي نسمع. هو يعلّمنا كيف نسمع: هناك سماع وسماع. هناك سماع الأذن. هذا لا يروح بعيداً. ما يدخل في الأذن يخرج من الأذن. وهناك سماع آخر: سماع القبول سماع القلب، كما قال النبي: "أكتب شريعتي في قلوبهم، أحفرها في ضمائرهم لا لم تَعُد الشريعة، لم تعد الوصايا مكتوبة على لوحين من حجر. هذان اللوحان كسرهما موسى. الشريعة مكتوبة في القلوب. ومن كتبها؟ الروح القدس؟ ومن يرددها؟ الروح القدس. ومن يفسّرها؟ الروح القدس، فيطبعها في قلوبنا ويدعونا إلى العمل بها.

نحن نسمع لأن الروح القدس ينزع الغشاء عن عيوننا، ينزع الغشاء عن قلوبنا. والروح القدس تكلّم وما زال يتكلّم. نعم يتكلّم بواسطة المؤمنين الذين عليهم أن يحملوا الكلمة، كلمة الكتاب المقدس، وخصوصاً بواسطة الكهنة. فالكاهن من أولى واجباته التعليم، أولى واجباته أن يقول الكتاب المقدس، أن يقول الإنجيل، أن يقول كلام الله، كما يقرأه في الكتاب المقدّس كل يوم.

هذا هو الغذاء اليومي لكل مؤمن، وبالتالي بالأحرى، لكل كاهن. كل يوم نتغذى من كلام الرب، الذي يَكتبه الروح القدس، الذي يُفهمنا إياه. وخصوصاً يدعونا لأن نحمله، والويل لنا إذا كنّا لا نحمل الكلمة! ذاك ما قاله بولس الرسول: الويل لي إن لم أبشّر! يعني الويل، يعني أنا تعيس، يعني أنا حياتي لا معنى لها إذا كنت لا أبشّر بكلام الله. ذاك الرجل الذي كان معروف جداً لدى رؤساء الكهنة، الذي كان قائد حملة طويلة عريضة، انقلبت حياته. قال: الويل لي إن لم أبشّر! اعتبر حياته الماضية انها ناجحة. في الواقع اعتبرها كالزبل، اعتبرها كالنفاية. والآن حياته صار لها معنى، لما أخذ يبشّر لما أخذ يحمل الكلمة. وهذا ما يمكن أن نقوله عن الكهنة، ونقوله للكهنة ولكل أخ من الإخوة. الويل لنا ان لم نبشّر! الويل لنا إن لم نسمع كل يوم الروح القدس يكلّمنا بكلام الله، يُفهمنا كلام الله، يجعل في أفواهنا كلام الله، لا كلام البشر!

البشر يتكلّمون ويتكلّمون، وهو كلام ينتهي في الفراغ. وهذا كلام الربّ الذي يرسله الروح القدس. هذا هو الكلام الذي يبني. لذلك نقرأ: كما يقول الروح القدس. قال في الماضي، ويقول كل يوم. فماذا ينقص؟ أتراه لم يعد يتكلّم؟ مساكين أناس عديدون! يقولون. لم يعد الله يتكلم. كلا. إذا كان يسوع المسيح هو الكلمة لا فقط ذاك الذي يتكلم. هو الكلمة منذ بداية الكون حتى نهايته. هو الكلمة أمس اليوم وإلى الأبد.

الله يتكلّم ودوماً يتكلّم، لكن نحن لا نسمع. يكلّمنا أولاً في ضميرنا. فالضمير هو صوت الله فينا، يحرّكنا، يدفعنا إلى العمل، إلى التضحية بحياتنا من أجل اخوتنا. هو ينبّهنا أمام الخطر، أمام الخطيئة. هو يوبّخنا إذا وقعنا في شر من الشرور. هو يحامي عنا. يقول لنا يسوع: لستم أنتم المتكلمين، لكن روح أبيكم هو المتكلّم فيكم. لا تخافوا، الله يتكلم. نعم الروح يتكلّم. نعم ولكن ينقص لا الكلام بل السماع. هل نسمع؟ هل لا نؤخذ بالضجة نهاراً وليلاً؟ فالروح القدس صوته ناعم خفيف، قريب من الصمت، ولا يسمعه ولا يفهمه الا ذلك الصامت لا الصمت السلبي صمت الأموات، كما في عزاء الناس. كلهم صامتون وهذا صمت الموت.

أما صمت الحياة فهو انفتاح القلب، انفتاح العينين، انفتاح الأذان حتى يدخل هذا الكلام في قلب المؤمن.

نعم "الروح القدس يقول". قال في الماضي، ويقول اليوم. يقول في قلب كل واحد منا، ويجعل كلمة الله على أفواهنا لنحملها الى الآخرين.

لذلك تقول الرسالة: "كما يقول الروح القدس" لم يُجعَل الفعل في صيغة الماضي: كما قال، كما قال في الماضي، من مئة سنة أو الف سنة. بل كلا كما يقول اليوم. من هنا يتابع النص: كما يقول الروح القدس اليوم، لأن كلام الله ليس من الماضي. لا شك كُتب في الماضي، منذ عدد من السنين، ولكن هو يتكلم اليوم، يصلُ إليّ اليوم. اليوم نعم، لأن الإنسان هو ابن الحاضر. لا يمكن أن يكون الإنسان ابن الماضي. فالماضي مضى، والذين يتعلقون بالماضي يتعلقون بالأحلام. بل إن من يبقى بالماضي هو ماض إلى الموت. نعم نحن لسنا أبناء الماضي. هناك خطايا، لا بأس. نحن نندم عليها كما ينام البعض على الحرير. اليوم نحن نسمع صوت الله، واليوم ربّنا يدعونا لأن نسمع هذا الصوت، لأن نحفظ هذا الصوت، لا في قلبنا فقط، بل في أعمالنا.

لذلك كما يقول الروح القدس: اليوم إذا سمعتم صوت الله. هالإذا شرطية، نعم شرطية إذا، وهذه الإذا لا تتعلق بالله. فالله يتكلّم. صوت الله حاضر ودائماً حاضر. إذاً هي مرتبطة بسمعتم. نعم إذا سمعتم صوت الله. إنه حاضر. فهل نستعد أن نسمع هذا الصوت؟ يقول لنا سفر الرؤيا: "أنا واقف على الباب أقرعه. إن سمع أحد صوتي" الرب يقرع دوماً باب بيوتنا، باب قلوبنا. ها أنا واقف على الباب أقرعه. إن سمع أحد صوتي. مرات عديدة لا نريد ان نسمع، لأننا نعرف أننا إن سمعنا فالسماع له متطلبات. فالرب لا يأتي إلينا، لأنّ عندنا هذه الصفة أو تلك، عندنا الجمال أو الصحة أو العلم. كلا. هو يأتي إلينا كما الصديق إلى صديقه، كما العريس إلى عروسه. يأتي إلينا لكي يعطينا مهمّة، لكي يعطينا رسالة. لكي يطلقنا في الحياة، فلا نبقى نحن مثل حجر على قارعة الطريق على مثال طيما ابن طيما الأعمى، الذي كان على الطريق والحجّاج يمرّون بأريحا ويمرّون، منطلقين الى اورشليم، وطيما ابن طيما مثل حجر على قارعة الطريق. ولكن لما دعاه يسوع، ماذا قال الإنجيل؟ رمى المشلح، رمى مشلحه، وقفز هو الأعمى، قفز آتياً وراء يسوع. ويقول الإنجيل: سار وراءه في الطريق. نعم عندما يدعو الربّ، عندما يقرع الباب، فهو يدعونا لأن نسير وراءه، لأن نسير معه.

عروس نشيد الأناشيد أتى إليها عريسها، أتى إليها الرب، جاء في الليل. نعم جاء في الليل، ولكنه النور في الليل. جاء في المطر، شعره تبلّل، ولكن هذا المطر، هذا الماء، انما يحمل البركة. واجمل بركة: "إفتحي لي يا حبيبتي، يا يمامتي. رفضت ان تفتح، وأعطت الاعذار الواهية: غسلتُ رجلي، فكيف أوسّخهما، خلعتُ ثوبي فكيف ألبسه؟ يا لها من اعذار واهية! ويقول الكتاب: "فمضى الحبيب وراح. يا للخسارة الكبيرة! جاء الى عروسه، جاء إلى كل واحد منا يقرع بابنا، ينادينا من الخارج، ونحن نبقى نائمين، نبقى راقدين. لا نريد أن نسمع، لأننا لا نريد أن نعمل. مساكين مرات عديدة.

نحن مثل هذه العروس. "إذا سمعتم صوته" يا ليتنا نسمع هذا الصوت الإلهي يصل إلينا، يخلّص حياتنا، يبدِّلها كلها، فتصبح حياتنا جديدة. وهذه العروس، عروس نشيد الأناشيد قامت في الليل. يا لها من سخيفة! جاء إليها نور العالم، رفضت النور، وفضلت على النور الظلمة. هي التي وجدت الاعذار وما فتحت الباب، لأنها لا تريد أن تغسل رجليها ولا أن تلبس ثوبها. رفضت، ولكنها بعد ذلك قامت لأن عطر العريس عطَّر البيت كلّه. فكيف يمكن أن تبقى في فراشها نائمة، والنوم درجة أولى في طريق الموت. قامت، لبست ثيابها، وراحت في الليل تبحث عن عريسها. يا لها من تعيسة! ونحن مثلها. تركنا النور وفضّلنا الظلمة على النور. لا يا رب، لا تسمح. فافتح أذاننا، افتح قلوبنا حتى نسمع صوتك بين كل الأصوات، ونقوم بسرعة. فأنت تمرّ ولن تمرّ مرّة ثانية. فكم نكون تعساء إن كنا لا نقوم مثل هذا الأعمى طيما إبن طيما. نقفز بسرعة ونسير وراءك في الطريق. إلى أين؟ إلى حيث تريد، ولو كانت الطريق تصل بنا إلى أورشليم، إلى الجلجلة، الى الموت، فبعد الموت القيامة، وبعد الذل الفرح والمجد لك المجد، يا رب من الآن وإلى الأبد. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM