18- اسمه أعظم الأسماء 2: 8-9

18- اسمه أعظم الأسماء

2: 8-9

أحبائي، نتعرف الى يسوع المسيح هذا الكاهن العظيم. هو قائدنا نسير وراءه. هو المكلّل بالمجد والكرامة، ونحن نريد أن نتكلّل معه. لكنه يفهمنا أن إكليلنا لن يكون من ذهب، بل يكون من الشوك. لأنه سار أمامنا وحمل صليبه، ويطلب منا أن نسير وراءه مثل سمعان القيريني ونحمل صليبا. إذا أردنا مجده، نمرُّ في هوانه. إذا أردنا قيامته، نمرُّ في موته. مثلُ هذا القائد وحده يستحقّ أن نسير وراءه. القوّاد على الأرض يذهبون الى الموت، وهذا القائد وحده يذهب الى الحياة. وما قيل عن الملائكة يبقى على مستوى المخلوقات، أما يسوع فهو الذي خُلق السماوات والأرض، خُلق العالم المنظور والعالم اللامنظور به خُلق الإنسان وبه خُلق الملائكة. لهذا أعطي الاسم الذي هو أعظم الأسماء. نعم قائدنا اسمه أعظم الأسماء، هذا هو موضوع حديثنا اليوم.

ونقرأ الرسالة الى العبرانيين الفصل الثاني: فإذا كان الله أخضع له كل شيء أن يذوق الموت بنعمة الله لخير كلّ إنسان. وحده يسوع المسيح يستحقّ أن يُعطَى الاسم، إسم الملك، إسم الكاهن، نعم اسم الملك، اسم الكاهن. ولكن هذا الكاهن هو فوق الملائكة، هذا الملك هو فوق الرئاسات والسلاطين. من أجل هذا قال النصّ: اللّه أخضع له كلّ شيء، كلّ مخلوق. البشر خاضعون للّه، لابن اللّه. الخليقة خاضعة كلّها له مرَّت في الخطيئة فرفعها الى النعمة. هي تئنّ وتنتظر تجلي أبناء اللّه. من يرفعها الى مستوى أبناء اللّه. وحده يسوع المسيح.

ويشدّد النصّ: كلّ شيء. كلّ، يعني لا شيء خارج الخضوع ليسوع المسيح. إذا أخضع له كلّ شيء فلا يكون ترك شيئاً غير خاضع له. لا يمكن لإنسان أن يقول: أنا لا أخضع للّه ليست حياتي في يد اللّه. تصرّفاتي ليست في يدّ اللّه! ماذا يستطيع النهر أن يفعل إذا انقطع عن النبع؟ ماذا تستطيع الساقية أن تفعل إذا انقطعت عن النبع. النبع هو اللّه. حياتنا من حياة اللّه. فكرنا من فكر اللّه إرادتنا من إرادة اللّه. من يستطيع. من يجرؤ على القول: أنا لستُ خاضعاً للّه. في الكتاب المقدّس، نرى مرات عديدة هؤلاء الملوك: نبوخذ نصر الملك البابلي الذي دمّر أورشليم، كورش الذي غلب البابليّين وأعاد المسبيّين الى ديارهم. ماذا دعاهم الكتاب المقدّس؟ أداة في يد اللّه، منشار في يد النجار، منجل في يد الحاصد، فأس في يد ذلك الذي يقطع الخشب.

نعم الإنسان كبيراً كان أو صغيراً هو خاضع للّه، شاء أم أبى. وكلّ ما يستطيع أن يفعله هو أن يجعل إرادته خارج إرادة اللّه. وهنا تكون الخطيئة الخطيئة الأولى. في المعنى اللاهوتي، حيث أراد الإنسان أن يصير متل اللّه. حسب نفسه كذلك، ولكن كم كان تعيساً. أراد أن يكون أكثر ذكاء من اللّه، فصار عرياناً من كلّ ذكاء. ترك صوت اللّه، وسمع صوت الشرّ المتجسّد في الحية، موضع الشرّ. فماذا كان له؟ هل استطاع أن يتخلّص من حضور اللّه؟ كلا. فاللّه كان حاضراً في حياته: أين أنت يا آدم؟ أين تختبئ يا آدم؟ هل يمكن أن تهرب من نظر اللّه؟ إرادتك خارجة عن إرادة اللّه؟ ولكنّ حياتك هي في يد اللّه نقول بالنسبة إلى قايين: اعتبر أنه في البرية، وأن الله لا يراه هناك. مسكين الإنسان الذي يريد أن يهرب من اللّه! هكذا قيل في الكتاب عن قايين: أراد أن يهرب من اللّه، أن يهرب من نظر اللّه.

وقال المزمور 139 : كيف أهرب من وجهك؟ في السماء أنت هناك. على الأرض أنت هناك. تحت الأرض أنت هناك. ولكن في عقلنا الصغير، نعتبر أن اللّه يراقب كلّ تحركانا، مثلَ سيدٍ قاسٍ ينتظر أن يعاقبنا، أن يعطينا المرض، أن يقتل أولادنا، أن يحطّم حياتنا. كم نخن مساكين! الشرّ الذي فينا نجعله في اللّه! كلا. نظرة اللّه هي نظرة الأم والأب. الأم تنظر الى ابنها الى أين مضى؟ هل هناك من خطر يتهدّده؟ تنظر اليه بعينيها، بقلبها. بكلّ حواسها. هذه هي نظرة اللّه. هذه هي نظرة الله الآب، الآب السماوي.

نعم، كلّ شيء خاضع للّه. وهنيئاً لنا إن عرفنا أن نُخضِع إرادتنا لإرادة اللّه! يعني أن نقبل أن نمشي معه، أن نجعل يدنا بيده. فهو رفيق دربُنا، كما كان على طريق عماوس، مع هذين التلميذين. نعم، هنيئاً لنا إن قبلنا أن يُمسك الربُّ بيدنا ويمشي معنا. هذا لا يعني أنه قَتَل حرّيتنا، هذا لا يعني أنه سيطر على إرادتنا. كلا، بل أراد أن يكون لنا النور الذي يوجّه خطانا. ولكن عقل الإنسان الصغير يعتبر أن حريته ماتت، لأن الربّ أمسك بيده بل إن حريتي صارت حية، صارت عيشة. لأن الربّ وحده يحافظ على حريتنا. ولو أراد أن يقتل الحرية فينا، أن يقتل الإرادة فينا، لمنعنا من الخطيئة، لضربنا ضربة قبل أن نقع في الخطيئة ونتمرّد عليه. الربّ وحده يحافظ على حريتنا، ولا يريدنا إلاّ أحرارًا. أما الخطيئة فهي التي تجعلنا عبيدًا لها. من يفعل الخطيئة، يصبح عبداً للخطيئة. والبشر يريدون أن يخضعوا لها، ان تستعبدوهم اللّه وحده يحرّرنا.

ذاك هو شخص ابراهيم: اترك أرضك وعشيرتك. ترك كلّ شيء ومشى، يدُه بيد الرب، كما قال الكتاب. وقال البشر: الى أين يمضي هذا الرجل؟ هو في مدينة كلّها حضارة، فكيف يترك كلّ هذا الغنى ويمضي؟ قال الكتاب: لم يكن يعرف الى أين هو ذاهب. نعم، هذا في نظر البشر لا في نظر المؤمن! فالمؤمن لا يهمّه الى أين يمضي، المؤمن يهمّه أن يده في يد اللّه. قَبِلَ ابراهيم أن يخضع للّه، أن يضع يده بيد اللّه، وهكذا صار حقيقة رجل الإيمان. ابراهيم هو المثال لنا. هو خضع للّه، وصار مع اللّه.

وما نقوله عن البشر نقوله عن الملائكة. الكتاب لا يقول لنا شيئاً عن أصل الملائكة. ولكننا نكتشف أنهم في خدمة اللّه. وإذا جُعل للملائكة أجنحة، فالجناح يرتبط بالطائر. فإذا قلنا إن للملاك جناحين فهذا يعني أنه يطيع بسرعة، أنه يخضع بسرعة للّه، ينفّذ أوامره بسرعة، لا يجادل ولا يناقش. هذه الفكرة مهمة جداً. ولكن ذاك الذي جعله اللّه حيناً دون الملائكة، أعني يسوع، نراه مكلَّلاً بالمجد والكرامة، لأنه احتمل ألم الموت.

نعم الملاك هو فوق الأرض، إذا شئنا. الملاك لا يصيبه ما يصيب البشر، من ضعف، من تعلّق بالمادة وبأمور عديدة. هذا هو المفهوم الذي يُعرَف به. لهذا اعتُبر فوق الإنسان. ولكن الكتاب واضح: الملاك هو في خدمة الانسان هذا ما نعرفه. مثلاً من خبر طوبيا. أراد الوالد طوبيت أن يرسل ابنه. فمن يكون خادم هذا الابن؟ من يرافق هذا الابن؟ الملاك رافائيل، كما يقول الخبر التقوي، رافائيل الذي هو عملياً عزريا، يعني عون اللّه، مساعد اللّه. نعم الملاك هو في خدمة الإنسان. جاء الى زكريا يبشّره. جاء الى مريم يبشّرها. وقيل في سفر دانيال: إن الملاك يشرف من السماء على كلّ مملكة من الممالك. الملاك في اللغة هو المرسل. اللّه يرسله، ويرسله في مهمة تختصّ بالبشر. ومع ذلك جعل بعضُهم الملائكة فوق يسوع المسيح. ولماذا جعلوه فوقه؟ لأنهم اعتبروا أن الملاك لا يتألم، أن الملاك لا يموت، أن الملاك لا ينام، لهذا يُدعَى في اللغة السريانية "عيرو"، يعني اليقظ، يعني الذي لا ينام أبداً.

هي مفاهيم جميلة ولكنها لا تستند الى نصوص الكتاب المقدس. أما يسوع فلما أخذ الجسد لم يعد كذلك فعرف التعب. نحن نعرف كيف جلس عند بئر يعقوب وكلّم السامرية، وكيف تعب من المسير في الطريق. احتاج الى الماء ليشرب. وفي المفهوم المعروف، الملاك لا يتعب، الملاك لا يعطش، الملاك لا يأكل، كما قال الربّ يسوع. في السماء لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون مثل الملائكة في السماء. وملكوت اللّه، قال الرسول، ليس أكلاً ولا شرباً، بل هو برّ وسلام في الروح القدس.

إذاً بما أن يسوع احتاج الى الطعام، احتاج الى اللباس، احتمل الألم، مات فهذا يعني أنه أقل من الملائكة. ولكن يقول النصّ: ذاك الذي جعله اللّه حيناً دون الملائكة، يعني في وقت قليل، في وقت قصير لا على المدى الطويل هو يسوع وهو أدنى من الملائكة.

ونتخيل الى أي حدٍ تنازل يسوع المسيح: احتمل ألم الموت. نعم، قَبِلَ كلّ هذا التنازل، وهذا كلا شيء بالنسبة للملائكة. فالرسول يقول لنا: ذاك الذي هو صورة اللّه. قال في الرسالة الى فيليبي: ذاك الذي هو صورة اللّه، أخذ صورة العبد، وصار طائعاً حتى الموت، والموت على الصليب. لم يكن فقط على مستوى الملائكة، لم يكن فقط أقلّ من الملائكة، بل صار أقل إنسان بين الناس، صار عبداً طائعاً حتى الموت والموت على الصليب، وذلك مع أنه مكلّل بالمجد والكرامة. ولماذا قَبِل هذا الإنحدار، هذا التنازل، هذا التلاشي؟ لماذا قبل أن يذوق الموت؟ لخير كلّ إنسان، نعم لخيرنا كما، نقول في النؤمن: من أجلنا ومن أجل خلاصنا تألّم ومات وقُبِر وهذا ما لا يحدث للملائكة. هم لا يتألمون، لا يموتون، لا يُقبَرون. وفي أي حال سنجد الملاك عند القبر يوم القيامة ويخبرنا القديس لوقا، كيف أن ملاكاً أتى الى يسوع وهو يتألّم، وهو يعرق دماً في بستان الزيتون. آتاه ملاك يشجّعه. تتخيّل! ابنُ اللّه تشجّعُه خليقته. نعم، قَبِلَ هذا التنازل من أجلنا نحن البشر، تذوَّق الموت بنعمة اللّه لخيرنا جميعاً.

هو طلب ما لنا. طلب لنا كلّ خير. هكذا نفهم أن المسيح صار أقلّ من الملائكة، وصار في وقت محدّد لا إلى الأبد. "وكان عليه". ونفهم كلمة "عليه" كأنه مُجبَر. كأن واجباً عليه أن يذوق الموت. ذاك هو مخطّط اللّه. فحين كان في بستان الزيتون، قال: يا أبتاه إن كان مستطاعًا ان لا أشرب هذه الكأس، ولكن لا إرادتي بل إرادتك. هو مخطّط اللّه منذ البدء. فابن اللّه تجسّد قبل كلّ خليقة، فكان بكرَ الخليقة، أوَّلَ الخليقة. به تمّت الخليقة. هذا على المستوى اللاهوتي، لا شكّ، لا على المستوى التاريخي. فعلى المستوى التاريخي، تجسّد يسوع تقريباً منذ ألفي سنة، على زمن هيرودس، على زمن أغسطس قيصر. ولكن لاهوتياً، تجسّد الابنُ قبل كلّ خليقة، لأنه لو تجسّد بسبب الخطيئة لكانت الخطيئة أثَّرت على قرار اللّه. كلا، مشروع اللّه هو منذ البداية، وقبل الخليقة. مشروع اللّه قديم جداً. وإذا قيل إن عُمرَ الأرض والسماء عشرة مليارات سنة أو عشرين مليارًا فتجسّدًُ الابن سابقٌ لكلّ هذا، على المستوى اللاهوتي، لا على المستوى التاريخي.

"عليه". قال: لكي تعلموا أني أحبّ الآب نمضي الى الموت. هذا ما قال للتلاميذ. هذا ما قال للرسل قبل أن يمضي الى الآلام. لكي تعلّموا أني أحب. هو مشروع قديم جداً، دخل فيه يسوع وقال: أنا لا أعمل مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني. ولما قال له تلاميذه بأن يأكل، أجاب: طعامي أن أعمل مشيئة الآب. نعم، مشيئة الأب بالنسبة اليه أهمّ من الطعام، أهمّ من الشراب، أهمّ من كلّ شيء ونحن نعرف في عمر 12 سنة كيف قال لأمه وأبيه: يجب أن أكون لما هو للآب.

نعم، عليه أن يذوق الموت. ويسوع جَعل عليه هذا الواجب، إكراماً لنا، محبّة لنا، من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا. وبعد ذلك من يجسر أن يقول إن الملائكة أعظم من يسوع المسيح؟ ماذا يستطيع الملاك أن يفعل تجاه الابن؟ لا شيء فالملاك مرسَلٌ شأنه شأن كلّ خليقة. كما يمكن أن يُرسَل كاهنٌ الى منطقة من المناطق ليحمل الإنجيل: كذلك يُرسَل الملاك. فمن هو أهمّ؟ المرسل أم ذاك الذي أرسله؟ لا شكّ ذاك الذي أرملةُ. فالابن هو الذي يرسل الملائكة، هو الذي يرسل البشر. ولكنه قَبِلَ في وقت من الأوقات أن يُرسَل. قال لنا: كما أرسلني الأب كذلك أنا أرسلكم. أرسلني الأب، ولأنه قَبِلَ هذا الإرسال، نال الاسم الذي يفوق كلّ الأسماء. اسمه ابن اللّه، اسمه اللّه، هو اله من اله، نور من نور، اله حقّ من اله حقّ. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM