7- الابن بهاء مجد الآب 1: 3

7- الابن بهاء مجد الآب 1: 3

الإبنُ بهاء مجد الآب. ذاك هو التأمّل الرابع في شخص يسوع المسيح الكاهن الأوحد به كلمنا الأب به صرنا وارثين لكلّ شيء، به ومعه صرنا خالقين في العالم. وأخيراً نكتشف وجهه، وبالتالي نكتشف وجه الآب فنقول: الابن هو بهاء مجد اللّه. كيف رفعتنا هذه الرسالة الى أعلى قمم الفكر اللاهوتي؟ لم نعد أبناء الأرض، صرنا في السماء وهذا ما يفهمه الكاهن. والكهنة يفهمون أنهم ليسوا فقط من أبناء الأرض. فإذا هم أرادوا أن يكونوا فقط من أبناء الأرض، لا يمكن أن يكونوا كهنة المسيح. هم صاروا من أهل السماء. يدهم بيد المسيح الجالس من عن يمين الآب.

الرسل بطرس وأخوه اندراوس، يعقوب وأخاه يوحنا، كانوا يعملون على الأرض. تركوا والدهم، تركوا الشباك، تركوا العمّال وتبعوا يسوع. قال لهم يسوع: من الآن لن تصطادوا بعدُ سمكاً، بل تصطادون بشرًا، تجمعون البشر في شبكة اللّه. بعد اليوم، لن تأكلوا من الخبز الفاني، ولن توزِّعوا الخبز الفاني. بعد اليوم، تأكلون الخبز الذي يمنح الحياة الأبدية. من يأكل جسدي ويشرب دمي يحيا فيَّ وأنا فيه. ولما أراد يسوع أن يرفعهم الى فوق الخبز المادي، تشكّكوا. من هو يسوع؟ هو نجار إبن النجار. وبدأوا يتركونه، الواحد بعد الآخر، لأنه أراد أن يرفعهم من الأرض الى السماء. نعم، هذا هو الكاهن في نظر يسوع المسيح. هل يستعد أن يرتفع؟ هذا هو الخادم في كنيسة المسيح والخادمة في كنيسة المسيح؟ هل يستعدون أن يرتفعوا فوق الخبز الفاني ليصلوا الى الخبز الذي يهب الحياة؟

ويقول يوحنا كثير: من تلاميذه بدأوا يتركونه. الكاهن عليه أن يرتفع مع المسيح. لا شكّ هو من الأرض. وتقول الرسالة الى العبرانيين: هو مأخوذ من البشر لأن اللّه ما اختار من الملائكة، بل اختار من البشر إختارَني أنا، أنت، أيها الكاهن إختارك أنتُ أيتها الخادمة، اختارك أنت أيها الشماس، أيها الأسقف. إذاً من البشر ربُّنا اختارنا في ما هو للّه، لا في ما هو للبشر. فنحن لا نرجع الى الوراء. لهذا السبب قال يسوع أكثر من مرة: من وضع يده على الميراث ونظر الى الوراء ليس جديراً بالملكوت. اسمح لي أن أمضي وأدفن أبي. كلا. اترك الموتى يدفنوا موتاهم. أتبعُك الى حيث تمضي. وأين يمضي الربّ. إذا فكرت أن للرب يسوع قصرًا كبيرًا حوله وزراء، كما تخيّل أن يعقوب ويوحنا أكون في سراب.

الرب يأخذنا من الأرض ويرفعنا الى السماء. وهؤلاء الصيادون بعد القيامة، أرادوا أن يرجعوا الى الوراء. قال لهم يسوع: لم تعودوا صيادي سمك. صرتم صيادي بشر. ومع ذلك في إنجيل يوحنا 21، حين غاب المسيح ولم يعودوا يرونه بعين الجسد، قال لهم سمعان بطرس. ننتبه، سمعان بطرس. كان سمعان فصار بطرس. يعني بدَّل اللّه له اسمه وبالتالي بدَّل له وظيفته. سمعان كان ذلك الصياد على بحيرة طبرية. أما بطرس فهو الصخرة التي عليه تُبنى الكنيسة.

قال لهم سمعان بطرس: أنا ذاهب لأصطاد سمكاً. قالوا له ونحن نذهب معك. ماذا مضوا يفعلون؟ أيصطادون بعدُ سكمًا؟ هذا ما طلب منهم الربّ يسوع؟ هم يعودون الى الوراء والشرف الكبير يقول لهم: أنتم الذين ثبتّم معي في تجاريبي، تجلسون على إثني عشر كرسياً وتدينون أسباط اسرائيل الإثني عشر. لم يعد الديان دياناً واحداً، صار الرسل ديانين معه. أنتم الذين ثبتّم معي في تجاريبي أعطيكم ما أعطاني أبي. وتعودون الى الوراء؟ لا يمكن أن يكون هذا والا الويل لنا. نكون من الخاسرين الكبار. بعد أن جعلَنا الربّ، كما يقول حزقيال وآباء الكنيسة، الرقيبُ الذي يرافق الراعي الصالح الذي يعرف خرافه. تركنا مهنة وأخذنا مهنة أخرى أخذنا مهنة ثانية الى هذا المستوى ترفعنا الرسالة الى العبرانيين. حين ننسى أن يسوع كان ذلك الإنسان الذي وُلد كما يُولَد كلّ طفل جُعل في المذود كما يُجعَل كلّ ولد في بيوت أشخاص وسط، ربما فقراء. جُعل في المذود، في غرفة ثانية لأن الغرفة الأولى هي لأهل البيت. وكان صبياً مثل سائر الصبيان. ولكنّ هذا الولد هو الابن ويقول لنا القديس بولس في هذه الرسالة: هو بهاء مجد اللّه، ثلاث كلمات أحبائي: البهاء، الشعاع، النور. الشمس لها بهاء. القمر، الكواكب، النجوم لها بهاء. ولو أن هذا البهاء ظهر خلال حياة يسوع الرسولية على الأرض، لما تجرّأ أحد على الاقتراب منه.

نتذكّر كلّنا موسى الذي هو إنسان. سوف تقول لنا الرسالة: هو عبد في البيت. ليس هو الابن. ومع ذلك موسى، حين كان يمضي ويصلّي قدام اللّه، كان وجهه يشعّ من بهاء وجه اللّه. نور الربّ يحلّ على وجه موسى على وجه خادمه ونحن كلّنا خدّام والكاهن هو الخادم على مثال المسيح الذي جاء ليُخدَم لا ليَخدُم. وجه اللّه شعّ على وجه موسى، الخادم، عبد الربّ في بيته. وقال الكتاب: لم يكن بنو اسرائيل يستطيعون أن يُحدّقوا في بهاء وجهه، فكان يضع البرقع لئلا يُعميهم بهاءُ الله الذي تصوَّر على وجه موسى.

نتخيّل هذا العبد الخادم كيف شعَّ وجهه حين اقترب من وجه اللّه. وسيقول الربّ حين يقوم بعضهم على موسى: إن كان الله كلمه فقد كلّمنا نحن أيضاً. هو نبي ونحن أنبياء. ولكنّ الجواب كان أقوى قال الرب: فماً الى فمّ أكلّمه، وجهاً الى وجه أكون معه. لهذا صار وجهه يشعّ بالنور، صار وجهُه بهاءً.

فماذا نقول بالنسبة إلى الابن؟ الخادم شعّ وجهه، فماذا يكون في الابن؟ فالابن هو البهاء، هو الشعاع. هو قال: أنا نور العالم وطلب منا أن نكون نحن بدورنا نور العالم. جعلتكم سراجًا جعلتكم نورًا ليرى الداخلون النور المطلوب. يأتي الناس من الخارج، من الظلمة، ظلمة العالم، ظلمة الخطيئة، ظلمة الموت. يرون النور من بعيد، يعرفونه. ولكنّ هذا النور هو امتداد لنور المسيح. نعم الابن هو البهاء، هو النور. ولكن نقول: موسى شعّ وجهه، فما عاد أحدٌ يستطيع أن يرى وجهه، فجعل البرقع، جعل الحجاب على وجهه بحيث لا يضر النور بهؤلاء الضعفاء، هؤلاء الخطأة.

والمسيح، أين هو بهاء وجهه؟ يعطينا القديس بولس هذه الكلمات: هو في صورة اللّه. ما تمسك بهذه الصورة، ولو تمسّك بها ما استطاع أحد أن يقترب منه. كانوا يقولون: اللّه نار آكلة. من يجسر أن يقترب من النار المادية، فكيف يقترب من النار الكبرى؟ فإشعيا نفسه قال: أنا خاطئ، أنا ذاهب الى الموت، لما رأى السارافيم، هذه الكائنات النارية التي تدلّ على أن اللّه نار آكلة.

يقول لنا الرسول: هو في صورة الله. لاشى نفسه، أخفى ذاته، ما أراد أن يَظهر كإله على الأرض. أراد أن يكون إنسانًا وكان إنساناً حقاً. فعامله اليهود كإنسان، أمسكوه كمجرم، صلبوه كمجرم، واعتبروا أنه مات ومات حقًا. هذا البهاء، أخفاه يسوع المسيح من أجلنا، ومن أجل خلاصنا. وما يكون بهاء موسى قرب بهاء الابن؟ لا مكان لهذا البهاء. لا يمكن أن يُقابَل البيتُ بالذي يبنيه، أن يُقابَل موسى بيسوع المسيح. وماذا يشعّ يسوع؟ هو بهاء مجد اللّه. ما هو المجد؟ كلمة غنية جداً. المجد هو التعبير عن حضور اللّه على الأرض. هذا هو المجد اللّه لا يُرى، لكن مجده يُرَى في السماء، في الأرض، في الكواكب، في النجوم، في البحار، في الزرع، في الحيوان، في الإنسان. لهذا السبب، عبَدَ الأقدمون السماء والأرض الشمس. عبدوا كلّ هذه المخلوقات عبد المصريون النيل، هذا البحر وسط صحراء مصر، فيجعلها جنة غناء.

أمّا نحن، فنعرف ان الله هو حاضر في كل هذه الأمور، كما يقول الكتاب: السماوات تنطق بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. السماوات تنطق، ومتى السماء تتكلّم. نعرف أنها جامدة، كما قال الأقدمون. ونحن، بطريقتنا الحديثة، نعرف أن فيها الهواء وما بعد الهواء والطبقات المتواصلة، ومع ذلك هي تَنطق والفلك يُخبر.

ويتابع: يوم ليوم يبدي علماً بيوم الأربعاء يخبر الخميس، ويوم الجمعة يخبر السبت. والليل يخبر الليل. بغير قول ولا كلام. نعم مجدُ اللّه حاضر، وحاضرٌ بقوّةٍ في الكون.

هذا المجد ظهر أول ما ظهر في شخص يسوع المسيح، في مجد يسوع المسيح. إذا كانت السماء تمجّد اللّه، إذا كانت الأرض، إذا كانت الأفلاك لمجد الله، فما يكون المجد الذي حمله يسوع على الأرض! في أحد المشاهد قال: أيها الآب مجّده اسمك. فسُمع صوتٌ من السماء هوشع نبههم: اللّه هو الذي يرسل المطر، اللّه هو الذي يعطي الخصب. فإذاً اللّه يجب أن يمجَّد لا الأصنام الجامدة. والأصنام تدلّ على الخلائق. فليعرفوا كم ربنا أجمل منها! كم ربنا أعظم منها كم ربنا أقوى منها!

أما المسيح، فجاء يحمل إلينا هذا المجد، في كلّ نقاوته، في كلّ طهارته، في كلّ عظمته. لا يمكن أن نتوقّف أبداً عند الشكل البشري. ترَوني، يجب أن تروا الأب، قال الربّ يسوع. أنا لا أطلب مجدي بل مجدَ الآب الذي أرسلني. الهياً، مجد الابن هو مجد الآب. لكن بشرياً وباسم الكنيسة وباسم الخليقة وباسم المؤمنين، نحن نمجّد الأب، نحن نمجّد اللّه بحياتنا. كما يقول أحد الآباء. مجد اللّه الإنسان الحي فعندما نعيش حياتنا المسيحية، نمجّد اللّه. يعني نجعل حضوره منظوراً، ملموساً. هكذا كان القديسون. الأم تريزا جعلت حضور الربّ منظوراً: هو الربّ يسير في الطريق، يهتم بالمساكين، يهتم بالفقراء. لا أطلب مجدي بل مجد الأب الذي أرسلني.

ذاك هو المؤمن الحقيقي الذي يسير في خطّ يسوع المسيح. ذاك هو الكاهن الذي يعرف أن عمله بما فيه من عظمة، يمجّد الآب. فيا أيها الرب يسوع، إخترت كهنة في كنيستك، اجعلهم يمجدونك. إذا قدسوا المؤمنين مجّدوك إذ تدبّروا رعاياهم مجّدوك. وإذا حملوا الكلمة مجّدوك. فلك المجد والشكران والقدرة الى أبد الآبدين آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM