4- كلّمنا الله بالابن الوحيد عب 1:2

4- كلّمنا الله بالابن الوحيد

عب 1:2

هذه السنة، هي سنة خدام الله، خصوصاً في كهنوت الخدمة. لأن جميع المؤمنين يشاركون المسيح في الكهنوت العام. ولكننا نتحدّث بشكل خاص عن الكهنة الذين يخوفونا في خطّ ما طلبه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، حول الكهنوت والكهنة بمن فيهم الأساقفة وصولاً الى قداسة البابا.

ولهذا السبب نقرأ الرسالة الى العبرانيين اللتي هي بالدرجة الثانية رسالة الكاهن. فلا كاهن الا يسوع المسيح. هو الكاهن الأوحد تجاه عشرات الكهنة اليهود. وإذا نحن كنّا من الكهنة، فلأننا نشارك المسيح في كهنوته. فكما هو الابن الوحيد، هو الكاهن الوحيد. قدَّم ذاته ذبيحة مرة واحدة. ولكن هذه الذبيحة تحمل الثمار، تحمل النعم حتى نهاية العالم، حين تصبح البشرية كلّها ذبيحة، فتمرّ في الموت كما مرَّ يسوع، وتصل الى القيامة كما وصل يسوع، بحيث يصبح الكون كلّه أرضاً جديدة وسماءً جديدة.

في المرات السابقة، أحبائي، تحدّثنا عن هذا الكاهن يسوع المسيح، تحدّثنا عن الآباء والأنبياء، وعن الطرق العديدة اللتي بها كلّمنا الربّ. واليوم نصل الى الذروة، الى القمة، كلّ هؤلاء أرادوا أن يصلوا بنا الى الابن الوحيد. لهذا عنوان كلامنا اليوم كلّمنا اللّه بالابن الوحيد.

في بالمرات السابقة، قرأنا فقط آية أولى: كلّم اللّه آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء. مرات كثيرة وبمختلف الوسائل، كلمات الأباء الأنبياء. واليوم نصل الى الإبن (آ 2).

ولكنه في الأيام الأخيرة كلّمنا بابنه، الذي جعله وارثاً لكلّ شيء، وبه خلق العالم. ولكنه هذه الكلمة البسيطة تجعلنا بموازاة كلّ ما سبق: الآباء، الأنبياء، موسى، إشعيا، إرميا، الحكماء، الكتَّاب الملهمون. كلّهم كانوا من قبل. ولكن لسنا فقط على مستوى الموازاة، كأننا نستطيع أن نضع الأنبياء من جهة ويسوع من جهة. كلاّ، لسنا على المستوى نفسه. كلّ الباقين هم بشر. أما هنا فنصل الى اللّه، الى إبن اللّه. لهذا السبب نقول مراراً، يسوع المسيح ليس نبياً من الأنبياء، ولا هو آخر الأنبياء. بالنسبة الى المسيحية، آخر الأنبياء هو يوحنا المعمدان. فيسوع ليس نبياً من الأنبياء. كلّ الأنبياء تكلّموا ووصل كلامهم الى من هو الكلمة. ذاك ما قال لنا القديس يوحنا الإنجيلي: في البدء كان الكلمة، يعني الابن، والكلمة كان لدى اللّه. والكلمة هو اللّه. نعم، كلمات عديدة سبقت الكلمة، وصبّت كلها في الكلمة. وبعد يسوع، لا كلمة إلاّ الابن الوحيد، ولا يمكن أن نتكلّم أو نعظ أو نبشّر، إلاّ بمن هو الكلمة. كتب بولس الرسائل لكي يتحدّث عن الكلمة. يبدو أنّ في رسائله 260، 270 مرة، لا أذكركم، يُذكَر إسم يسوع المسيح. يسوع نعم، لا كلمة بعده. وإذا كان هناك من كلام فهو يستلهم من هو الكلمة.

قابل العهد القديم بين موسى ويسوع. وقابل إنجيل متى يسوع وشبهته موسى: موسى كان في مصر وأتى  من مصر ويسوع كان في مصر وأتى من مصر. ولكن الفرق أن موسى لم يصل الى أرض الموعد فلبث على جبل موآب، ونظر الى أرض الموعد من بعيد. أما يسوع، فدخل أرض الموعد، أقام في الناصرة، لا في بيت لحم، وخصوصاً دخل في الأرض السماوية. بذبيحة واحدة، دخل وادخل معه الإخوة العديدين، لأنه لم يستحِ بهم، لم يستحي أن يدعوهم إخوة.

وشبة الرسل يسوع بإرميا. سألهم مرة: من يقول الناس إني أنا هو. قالوا: بعضهم يقول أنت إرميا. كلا، إرميا يبقى إنسانًا ولو أنه نبيّ إختاره اللّه في الأزمات الصعبة، ليمنع اليأس من قلوب الناس المحاصَرين المعذَّبين الذين سوف يتشتتون. ولكن إرميا يبقى إنسانًا.

هيرودس إعتبر أن يسوع هو يوحنا المعمدان وحسبه قام من بين الأموات. لا. قال عن نفسه يوحنا المعمدان: أنا لست العريس، أنا صديق العريس، وأنا آتي له بالعروس يعني شعبه، يعني كلّ واحد منّا. وبدأ يوحنا المعمدان يقول حين رأى يسوع آتياً إليه. هذا هو حمل اللّه.

وفي الحال، اندراوس والتلميذ الآخر تبعا يسوع. وفي النهاية الذين كانوا مع يوحنا، تبعوا يسوع. ولكنه ننتقل من الأرض الى السماء، من الكلمات الكثيرة الى الكلمة الواحدة. ومتى؟ في هذه الأيام الأخيرة.

إنتهينا، إنتهى عهدٌ وبدأ عهد آخر. يقول لنا الإنجيل: كلّ الأنبياء حتى يوحنا، وبعد ذلك بدأ الملكوت. والملكوت هو يسوع المسيح. بدأ شيء جديد بالنسبة الى القديم، شيء جديد كلّياً. صار اللّه على الأرض ما أرسل فقط أنبياء من بعيد، لكن أرسل ابنه: هكذا أحب اللّه العالم حتى إنه أرسل إبنه الوحيد لكي لا يهلك أحد، بل لتكون للجميع الحياة الأبدية. فاللّه ما أرسل إبنه الى العالم ليُهلك العالم، بل ليخلّص به العالم. ويوحنا حدثنا عن الكلمة، هذا الذي رأيناه بعيوننا، سمعناه بآذاننا، لمسته أيدينا من كلمة الحياة وقال: به نبشركم.

وفي الإنجيل، الكلمة الذي هو لدى اللّه، صار بشراً وسكن بيننا، جعل خيمته بين خيامنا، بيته بين بيوتنا، صار واحداً منا شبيهاً بنا بكلّ شيء ما عدا الخطيئة. ومتى حصل كلّ هذا؟ في هذه الأيام الأخيرة.

نتذكّر هنا أولاً تلميذَيْ عماوس، ثم العمال في الكرم. تلميذا عماوس هما تلميذان، واحد اسمه كيلوباس، والآخر لا يَذكُر الإنجيل إسمه، ليقول لكلّ واحد منّا: يمكنك أن تقول رفيق كيلوباس في الطريق من أورشليم الى عماوس، ومن عماوس الى أورشليم. هذان التلميذان قالا له: أما عرفت ما حدث في هذه الأيام، وكلّما يسوع عن يسوع فهذه الأيام الأخيرة تختلف عن الأيام السابقة. قال لنا الرسول بولس في رسالته الى غلاطية: ولما تمّ ملء الزمان أرسل اللّه إبنه مولوداً بإمرأة مولوداً تحت الناموس ليحمل الخلاص الى الجميع. تم ملء الزمان: من أتمّه؟ الرب نفسه، لا نحن البشر. فلا يستطيعون أن يُتمّوا الزمان. وحده اللّه يقدر.

كلّم اللّه أباءنا بالأنبياء. ذاك ما أراد أن يقوله يسوع في مثل الكرّامين القتلة. غرسَ الربُّ كرماً وسلّمه الى الفلاحين، الى العمّال، والكرم يدلّ على الشعب الأول كما قال إشعيا: أنشد لحبيبي نشيدَ محبوبي لكرمه.

الكرم هو الشعب الأول. سلمه الربّ إلى الرؤساء، ولكنه رفض أن يعطي ثمارًا. أرسل الفوج الأول من الأنبياء، والفوج الثاني من الأنبياء، والفوج الثالث، فعادوا بأيدٍ فارغة، بل إضطُهدوا، ضُرِبوا، شُوهوا، وبعضهم قتلوا. ماذا قال اللّه؟ قال: أرسل ابني لعلّهم يستحون منه. ولكنهم ما استحوا أبداً، بل قالوا، هذا هو الوارث، تعالوا نقتله فيكون الميراث لنا.

مساكين! قتلوه، فإذا هم يموتون ويتشتتون في الأرض. قتلوه، وما عرفوا أن موته حياة، قتلوه، وما عرفوا أن آلامه هي الطريق الى المجد.

تعالوا نقتله فيكون الميراث لنا. عملياً لم يبق لهم شيء، وما كان لهم أُخِذ منهم. على ما قال الإنجيل: من له يُعطَى ويُزَاد، ومن ليس له يُؤخَذ منه ما يَظنّه له.

وهكذا، فالشعب الذي قَتل الابن، أُخذت منه الأرض التي أعطيَتْ له ليكون فيها شاهداً لمجيء المسيح.

جاء الابن، فما عرفوه وعملوا به كلّ ما أرادوا. ما أرادوا أن يسيروا وراءه، ما أرادوا أن يتكلّموا عنه، بل تكلّموا عنه بكلام بذيء، ومنعوا الرسل من أن يَذكروا اسمه. ومع ذلك، هذا الابن جاء يكلّمنا، كما الأخ يكلّم إخوته. إخوتُه خطأة، ضعفاء، مساكين. إخوتُه خانوا الربّ أكثر من مرة، فدعابَتْ خيانتُهم زنى. والآباء في الكنيسة شبَّهو يسوع بيوسف إبن يعقوب.

يوسف باعه إخوته، ولما جاعوا أتوا اليه بعد أن انتقل من العبودية فصار الشخص الثاني في مصر. كلّمهم يوسف، بل غفر لهم. كلّمهم بكلام المحبة. قال لهم: أنتم أردتم لي شراً ولكنّ الربّ أراد لي خيراً. واليهود قتلوا الابن، قتلوا يسوع، فقال للآب: اغفر لهم يا أبتِ، لأنهم لا يدرون ماذا يعملون. هذا الابن يأتي الينا اليوم، كما في الماضي، ويكلّمنا يريد أن يعلّمنا. نعم، الربّ يكلّمنا هل نسمع له، يقول لنا المزمور: إن أنتم سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم.

نعم، الابن جاء الينا، كان قريباً منّا. وهكذا كلّمنا اللّه نفسه، كلّمنا بلسان بشري وهو جاء كما يقول يوحنا. ليخبرنا عن اللّه. كان العهد القديم يقول: اللّه ما رآه أحد قطّ، وهذا صحيح. أما الإبن فجاء يخبرنا عن الأب، وقال لتلاميذه وهو يقول لنا: من رآى الآب. كيف نجرؤ أن تقول يا فيليبا: أرنا الأب وهذا يكفي. فأنت ترى الآب من خلال الابن. مع الابن لم يعد اللّه غير منظور. بل ننظره بعيوننا من خلال الابن، نسمعه بأذاننا من خلال كلام الابن، نلمسه، نلمس حضوره من خلال أعمال الابن. لا لم يعد اللّه بعيدًا.

ويسوع في رسالته التعليمية هو الكاهن الأول الذي يرسل الى اليوم الكهنة فيحملون الينا التعليم. تعليمُهم إمتداد لتعليم يسوع، حضورُهم إمتداد لحضور يسوع وحين يقدّسون المؤمنين يكون تقديسهم امتدادًا لتقديس يسوع لنا.

نعم الكهنة هم هنا يواصلون عمل الكاهن الاوحد الكاهن الأول والأخيرة الذي هو الالف والياء هم يواصلون عمله حتى نهاية العالم.

نعم يواصلون كلامه حتى نهاية العالم أراد أن يكون معنا لا كاهن فقط في العالم كله أراد أن يكون مئات الآلاف من الكهنة لا ليس يسوع وحده بعد اليوم الكاهن الأوحد كهنة عديدون مع ضعفهم مع خطاياهم مع ترافيهم يواصلون عمله.

شكرًا لك يا يسوع جعلتنا أبناء الكنيسة وجعلت لنا الكهنة أعطهم أن يكونوا على مثالك خدمة في الكنيسة خدمة للمؤمنين خدمة للبشر جميعًا لك المجد من الآن وإلى الأبد آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM