تقديم

قراءة ربية-32  -

الرسالة إلى العبرانيين

كلم الله آبائنا

الخوري  بولس الفغالي

الرابطة الكتابية.

طبعة أولى 2011.

 

تقديم

في 16 حزيران 2009، أعلن قداسة البابا بندكتس السادس عشر هذه السنة سنة كهنوتيّة، وقدّم لنا مثالاً الخوري يوحنا ماري فياناي، خادم رعية أرس، فكانت مناسبة أن نقرأ الرسالة إلى العبرانيّين التي تقدّم بامتياز وجه الكاهن الأول يسوع المسيح. وبالتالي وجه كل كاهن من الكهنة. في الأصل، لا كاهن، لا وسيط بين السماء والأرض سوى ابن الله. مسحه الآب: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. وطلب من التلاميذ: اسمعوا له. ولكن هذا الكاهن الذي ألغى كل كهنوت سبقه سواء في العالم اليهودي أو خارج العالم اليهودي، أراد أن يفتح لنا في قلبه موضعاً، بحيث يكون في الكنيسة كهنةٌ يكمِّلون عمله الكهنوتيّ، يواصلون عمله الكهنوتيّ. فإذا كانت آلام يسوع ناقصة، وهو أرادها ذلك حباً بنا، وطلب منا أن نكمّلها (كو 1: 24)، فكهنوته أيضاً »ناقص« أو هو »نقَّصه« ليترك مكاناً للكهنة حتى نهاية العالم. يا للشرف الكبير للبشر الذين يختارهم »قبل إنشاء العالم« (أف 1: 4) ليواصلوا عمل ابنه! ويا للمسؤولية التي يكلّفنا بها ذاك الذي أرسل ابنه إلى العالم (يو 3: 16) لكي يخلّص العالم. أجل، ما بدأه يسوع يواصله من هم على صورة يسوع. هو عاش بين البشر حاملاً كلمة الخلاص، ويطلب من الكاهن أن يكون شبيهاً به. سلطة يسوع بشرية وإلهية لأنه إله وانسان. وسلطة الكاهن الذي هو انسان منتخَب من الناس، صارت كبيرة، لأن فمه فم المسيح، ويده يد المسيح، وقلبه قلب المسيح، بل مسيرته داخل الرعيّة هي مسيرة يسوع الذي يمضي في المدن والقرى لكي ينقل بشارة الملكوت، كما قال »لأني لهذا أرسلت« (لو 4: 43). ويواصل الانجيلُ كلامه عن الرب يسوع: »وكان يكرز في مجامع الجليل« (آ 44).

في هذا الضياء بدأنا التأمّل في الرسالة إلى العبرانيين. منذ القديم بدأ الله يكلّم آباء  الشعب العبراني، بواسطة الأنبياء. هم يحملون الكلمة ويُعدّون الطريق لمن هو الكلمة يسوع المسيح. أجل، بعد الذين أرسلهم الآب، الواحد بعد الآخر، من اشعيا إلى ارميا وهوشع وعاموس، ها هو يُرسل إلينا ابنه المساوي له في الجوهر، وفي الوقت عينه المساوي لنا: أتى وتجسّد من مريم البتول، عاش الحياة الخفيّة، وبعد أن دعا الناس للدخول إلى الملكوت، مات من أجلنا لكي يُطهّرنا من خطايانا (عب 1: 3). وأنهى حياته على الأرض صاعداً إلى السماء، جالساً عن يمين الآب، كما نقول حين نتلو النؤمن.

أخذ جسداً، فهل صار أقلّ من الملائكة؟ كلا، فهم خدّام له، يسجدون له. وفي أي حال، افتخر بأن يكون بين البشر، وأعلن أنه لم يستحِ بنا (2: 11)، لم يستح أن يدعونا إخوته، جاء فكان قائدنا ونحن نسير وراءه. اسمه أعظم الأسماء، هو الاسم الالهي. تقدّس فقدّسنا، رُفع فرَفعنا، لا على الصليب فقط، بل إلى الأعالي، فهل نتجاوب معه أم نبقى بعيدين؟ هل نرفضه كما رفضه شعبه؟ لا سمح الله، لا يمكن أبداً. إذا كان أتى إلينا وما أتى إلى الملائكة، عل نعرف ما هي قيمتنا في نظر الله؟ على ما قال المزمور: ما الانسان حتى تذكره وابن الانسان حتى تفتقده؟ نقّصتَه قليلاً عن الملائكة. بل قال النص العبري: نقّصته قليلاً عن الإله. أجل، في يسوع المسيح »صرنا آلهة« كما يقول المزمور. فماذا نطلب بعد ذلك؟ ولكن تأليهنا لا يتمّ بقوانا وبمبادرتنا. إنه نعمة من لدنه تعالى. فمن أراد أن يكون الله بمعزل عن الله، أو في وجه الله، يشابه »آدم« الذي أراد أن يصير »مثل الله عارفاً بالشرّ والخير«. وماذا كانت النتيجة؟ سقط من عليائه. كان مرتدياً بهاءً من عند الله بحيث لم يعرف الحياء، فإذا هو عريان يستحي من الله ويختبئ بين الأشجار ويحتاج إلى بعض ورق التين.

تلك هي الطريق التي نفتحها برفقة هذه الرسالة البولسيّة، الرسالة إلى العبرانيين، فلا يبقى لنا سوى أن ندخل ونرافق ذاك الذي أراد أن يكون شبيهاً بنا، بحيث يصير كل واحد منّا شبيهاً به في عطائه وتضحيته من أجل إخوته. أجل إلى مثل هذا الكاهن تحتاج الجماعة!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM