الخاتمة

الخاتمة

قرأنا مطوَّلاً خبر يوسف بن يعقوب في اثنتي عشرة قصيدة نسبت إلى أفرام السرياني، ولكنَّها لا تلتقي إلاَّ قليلاً مع تفسير أفرام لسفر التكوين الذي نُشر ونُقل إلى اللاتينيَّة، وأخيرًا إلى العربيَّة. كما لا تلتقي مع تفسير منسوب إلى أفرام ولكنّه يعود إلى كاتب مصريّ هو ابن قنبر الذي تحدَّث فيما تحدَّث عن الانفصال بين رومة والقسطنطينيَّة سنة 1054.

اثنتا عشرة قصيدة من التقليد السريانيّ لم يُعرَف كاتبها، ولكنَّها جاءت عارفة ببعض ما في التقليد اليهوديّ. ولهذا أوردنا هذا المدراش الذي اسمه "برشيت ربّه": هذا المدراش يقدِّم الدرس من كلِّ حدث من أحداث حياة يوسف. كما يتوسَّع في العبارة في أكثر من اتِّجاه. هكذا نخرج من العالم المسيحيّ لنكتشف بعض جذوره في هذا الفكر الذي قرأ التوراة وأعاد قراءتها فكان لنا الترجوم والمدراش وغيرهما من الكتب التي نرى آثارها لدى المفكِّرين العديدين في الشرق العربيِّ القديم، كما في الشرق السريانيّ، ناهيك عن العالم القبطيّ، والعالم الحبشيّ اللذين احتفظا لنا بنصوص ضاعت في أصولها أو "دمِّرت" ولكنَّها وصلت إلينا آتية من الصحراء مثل نصوص نجع حمّادي، أو من جبال لم تصل إليها يدُ الإمبراطور البيزنطيّ.

اثنتا عشرة قصيدة مشوِّقة، نقرأها فلا نستطيع أن نتوقَّف عن قراءتها، لأنَّها تجذبنا بأسلوبها، كما تجذبنا بطريقة تقديم الخبر الذي يأخذ، من أصله، بمجامع قلوبنا. هذا الشابُّ الذي يُعدُّه الله لمستقبل خلاص لأبيه ولإخوته، يمرُّ في الذلِّ وفي الألم، يُبعَد عن البيت وعن الحنان الوالديّ، يُصبح عبدًا، يوضع في السجن بالرغم من الفضيلة الأولى التي تظهر أمامنا: عفَّته. كان بإمكانه أن يستفيد من الظرف وهو "السيِّد" في البيت بعد أن سلَّمه سيِّده فوطيفار كلَّ شيء، ولكنَّه لم يفعل. هو الأمانة بالذات تجاه لا أمانة امرأة سيِّده.

ولكن كان الله معه. لا معجزة ولا تخليص بقوَّة السلاح. في أيِّ حال، إذا كان إخوته أعداءه فمن يكون أصدقاءه، ومن يدافع عنه؟ الله. فلو لم يُبَع إلى مصر للبث راعيًا بين الرعاة، ولو لم تفترِ عليه امرأة فوطيفار، لبقي عبدًا بين عبيد سيِّده ينتبه إلى أمور البيت وإلى ما يمكن أن يطرأ من أشغال. فمن بيت فوطيفار مضى إلى السجن القاسي الذي عرف فيه يوسف الحكم بالإعدام على خبّاز فرعون. ولكن من عمق السجن وصل غلى قمَّة المجد فصار الرجل الثاني في مصر، بحيث إنَّ الملك لم يصنع شيئًا بدون مشورته، بل سلَّم إليه ثروة مصر كلَّها من القمح.

منَّنه إخوته. باعوه فوصل إلى هذا المستوى من الرفعة. عملوا الشرَّ واعتبروا أنَّ هذا الشرَّ ولَّد الخير. كان بالإمكان أن يموت يوسف بيد فوطيفار بسبب امرأته. وربَّما لبث عبدًا طوال حياته فيُباع من سيِّد إلى سيِّد. فالنيَّة الشرِّيرة تبقى شرِّيرة والخطيئة تبقى خطيئة. ولهذا "عذَّب" يوسفُ إخوتَه ليفهموا الشرَّ الذي عملوه، وليدخلوا في مخطَّط الله الخلاصيّ. هذا يشبه ما قيل عن يهوذا (أو: يوضاس). لو أنَّه ما سلَّم يسوع، لما كان مات يسوع لخلاص العالم. إذًا، نشكر يوضاس على خيانته وقبلته الكاذبة وخداعه وحبِّه للمال. ما هذا المنطق الذي يشجِّع على عمل الشرِّ لكي يصدر منه الخير!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM