القصيدة الخامسة: يوسف في السجن

القصيدة الخامسة

وحُبس يوسف في السجن ظلمًا

القصيدة الخامسة ترينا يوسف في السجن، بعد أن ظلمه سيِّده فوطيفار. صلَّى هناك فشعر أنَّ الربَّ معه، فما تركه في الضيق، بل جعل رئيس السجن يسلِّم إليه كلَّ شيء. وواظب يوسف على الصلاة وما يئس من وضعه كما لم ييأس من عون الربّ. عزَّى رئيسُ السجن يوسف، فعزَّى يوسفُ بدوره السجناء وحمل إليهم الراحة. وحصل ما لم يكن بالحسبان: حلمَ رئيسُ السقاة حلمًا وكذلك رئيس الخبّازين. فسَّر يوسف الحلمين، وطلب من رئيس السقاة أن لا ينساه. اتَّكل يوسف على البشر لكي يخلِّصوه، ونسي الربَّ الذي هو وحده مَن يخلِّص، فوبَّخه الله. عندئذٍ استغفر يوسف الربَّ فغفر له الربُّ، وبدأت العناية الإلهيَّة تعمل من أجل يوسف: حِلمَ فرعون أحلامًا. ما استطاع أحد أن يفسِّر هذه الأحلام. هنا تذكَّر رئيس السقاة يوسفَ، وهكذا أتى يوسف وفسَّر أحلام فرعون: استخفَّ الفرعونُ بالسحرة، والناسُ بهذا الفتى، ولكنَّ الله هو الذي منح يوسف هذه الموهبة. فخرج من سجنه بانتظار أن يرتفع إلى أعلى مركز في مصر بعد فرعون.

صلاة يوسف في السجن

«عليك اتِّكالي، يا الله، في السجن وفي الجبِّ.

أنت انتشلتني  من الجبِّ فأخرجتني من (هذا) الضيق.

ربِّي، بسبب أحلامي تمرمر إخوتي وأكثروا ونظروا شزرًا.

ما ذُلَّ ضميري في بيت أسيادي، ففاض عليَّ بغضُهم.

5          رأيتُ المضايق في البرِّيَّة، وتحمَّلت القيود في الطريق.

وبعد هذه، ها أنا سقطتُ في الحبس ولا ذنبَ عليَّ.

أما كفَتْني قيودي الأولى والكبائلُ القاسية في رجليَّ؟

دخلتُ فاحتملتُ ثانية آلامًا أقسى من الأولى.

في مصر ما عرفتُ لأجل من حصل لي هذا.

10        ففيها ما قصصتُ أحلامًا، ولا قلت في داخلها تفاسير(1).

إن كانت العذابات قائمة عليَّ، فهبني القوَّة لأتلقّاها.

ولا تتركني أيضًا في أيدي الظلم التي «تكدنني»(2).

 

«يا ربّ، لا تأتِ إلى التمام فكرةُ هذه السفيهة.

فكَّرتُ فيك وملتُ عنها: لتشعرْ أنَّ لي مخلِّصًا.

15        يا من استجابني بجانب الغنم، إسمع لي واستجبني بين المصريّين.

حنانك بدأ معي، فلتُكمل المراحمُ نعمتك.

بدون ذنب في البرِّيَّة، باعوني فصرتُ عبدًا.

وبلا ملامة، وُضعت في الحبس بين السجناء، أنت تعرف.

يا عارفًا بالخفايا في دينونتك، تبحَّرْ(3) وانظرْ أن لا ذنب لي».

 

20        «هو حفظني حيًّا في الجبال والآن أيضًا لا يتركني.

أنا من طبعي ابن الأحرار، وإخوتي جعلوني عبدًا.

قبلتُ أن أعمل كعبد، فحبسني أسيادي بين السجناء.

فجأة كان هذا التبدُّل، ومن الحرِّيَّة نزلتُ إلى العبوديَّة.

حين قمتُ في باب العبيد ظهر الظالمون فنالني الأذى.

25        لا في الحرِّيَّة رُحمتُ، فهي ألقَتْني على الجبال،

ولا في العبوديَّة تُركت، فها دخلتْ بي إلى الضيق.

ما كنت حرًّا ابن الإحرار، لأنَّ العبيد أكلوا ثمني.

ولا كنت عبدًا بين العبيد، لأنِّي ظُلمتُ وما فعلتُ شيئًا.

أنا بعيد عن العبوديَّة، وإخوتي «كدنوني» في القيود.

30        ما صنعت فجورًا، وأسيادي حبسوني ظلمًا.

سُمِّيتُ ابن الأحرار فكتبوا اسمي بين العبيد».

 

«على قوَّتك يا ربُّ أحمل المخاوف التي تجلبها القيود،

لأنِّي عارف أنَّ لا ظلم عندك وفي حبِّك تصنع كلَّ شيء.

في خرائب فارغة من البشر التقيتُ بجموع من البشر.

35        كم سهلٌ عليك داخل الجبّ، أن تساعد عبدك كعادتك!

وإن وجب أن أبقى مدَّة طويلة وأتحمَّلَ الألمَ في الحبس،

فهبني الرحمة قدَّام الرجل الذي جُعل سيّدًا على السجناء».

 

ومع الصلاة السهر

قضى (يوسف) أيّامًا في الحبس، وكلَّ يوم يُكثر الدعاء.

لا في الليل ولا في النهار، توقَّف عن التضرُّعات.

40        من صوت صلواته ذهب النوم من السجناء.

فبصوته تقال الحسرات التي كانت محفوظة (في قلبه).

اختلطت صلاتُه بالبكاء فأبكى أُسسَ السجن.

ودعاؤه سطعَ مثل الدرَّة من حسراته.

ما كان يومٌ سكت فيه ولا توقَّف حتّى الثالثة (ليلاً).

45        بقدر ما طالَتِ المدَّة هناك تشدَّد تضرُّعُه وتفاضل.

ذهب النومُ من السجناء لأنَّ نغماته سحقتهم.

صوتُ حزنه علَّمهم كم كان وجدانه مضايقًا.

 

رأى السجناء فتعذَّبوا، وسأل الواحد الآخر ليعرفوا:

«بماذا أذنبَ هذا المحبوسُ الذي أزال صوتُه نومنا؟

50        ما رأينا قطُّ رجلاً تعبًا يتضرَّع مثل هذا.

ما أعظم قوَّته للصلاة ولسانه للدعاء!

في البحر ينام الملاّحون، وهذا لا يريد أن ينام.

أتى له الليل للتأمّل، وخاف أن ينام طرفُ عينه.

الأسماك في البحر ارتاحت، وهذا لا يريد أن يرتاح.

55        توقَّف صوتُ بنات آوى، وصوته لا يتوقَّف في فمه.

كم استطاع أن يطرد النوم الذي يُريح الأعضاء!»

 

جسده لم يقوَ على تحمُّل سهر الليالي،

والسجنُ هذا كان مليئًا بكلِّ الذين عملوا الشرور.

محبوسون هنا وصامتون إلى أن يأتي وقتُهم.

60        «أخَذَنا العجبُ الكثير على نفسه كم بقيت مستيقظة!

العصافير نامت في أعشاشها، وهو لا يلجأ إلى النوم.

فمن الذي يقول لنا عن ذنبه الذي ارتكبه؟

إذا كان الألم ثماره، فكم تكون شجرته مرَّة!

أوَ يكون ذنبه شديدًا فلا يقدر العقل أن يحمله!

65        أو يكون مظلومًا ويتشكّى على الذين ظلموه!

قلنا له: كفَّ عن البكاء لكي ترتاح قليلاً من السهر،

يكفي بكاء النهار ولتكُنِ الراحةُ لنا في الليل.

نحن أناس قُبض علينا بأمور فعلناها،

فإلى أن يأتي زمنُ الحكم علينا لا تعذِّبْنا بحسراتك.

ذوَّب التفكير وجداننا ولا ندري ماذا سيكون لنا،

لا تزِدْ (وجعًا) على وجعنا حين تزيد شقاءنا».

 

رئيس السجن ويوسف

حين سمع رئيس السجن دعا يوسف وسأله:

«كم ذنبك شديد فحرَّك صوتُك السجناء؟

ها مضت عليك الأيّام، وأنت لا تريد أن تسكت ولا أن ترتاح.

75        هب حكمك لله إن كنت مظلومًا».

«بالحقيقة ظُلمتُ لأمرٍ لم أفعلْه،

وها أنا أدعو الله لكي يكشف الذين ظلموني».

«أسكن، يا يوسف، ولا تضايقْ نفسك ولا يُؤلِمْ قلبَك شيء.

ها أنا جعلتك مسلَّطًا على السجن كلِّه(4).

80        وإن كان هنا أرفع منك فأنا أضيف(5) لك كرامة حبّي لك.

فقط اجعل وجدانك في أمان من الأمواج التي تصدمك».

 

«إن أردتَ(6) أن تقبلني يكون لك حبٌّ صافٍ.

فعلى كثرة حبِّي لأسيادي كثر عذابي في السجن.

وإن أحببتني كثيرًا وما كان حبُّك صادقًا تجاهي،

أعدَّ لنفسك سجنًا آخر لأنزل فيه معك حبًّا لك.

أنا المظلوم في الحالتين لدى الذين أحبُّوني ولدى الذين أبغضوني.

فالذين أبغضوني(7) جعلوني عبدًا، والذين أحبُّوني(8) حبسوني هنا».

تعزَّى يوسف وفرح

فرح به السجناء لأنَّه كان لهم في النهاية عزاء.

نسيَ آلامه، وبأقواله جعل الناسَ ينسون كآبتهم.

90        في الليالي زار السجناء الحزانى بسبب عذاباتهم،

وهو بيديه كان يؤاسي الضربات التي في أجسادهم.

 

في يوسف دهش كلُّ إنسان، ففتح فمه وباركه:

«ما أجمل تدبيرك، يا ليتك تتولاَّه إلى الأبد!

فحكمتُك تستطيع أن تدبِّر مصر كلَّها.

95        لا يحسن أن يبقى في السجن ذاك الذي يحلُّ السجناء.

ملك مصر سوف يشعر بك، وعلى الجميع يمدُّ سلطانك(9).

لا يحبس المكانُ الضيِّق هذا القمرَ الذي يكفي الأرض.

غرستك تبيِّن أنَّ الشجرة ستكون عظيمة.

ومن هذه الكرامة الصغيرة، تمتدُّ وترتفع إلى (كرامة) كبيرة.

100      في مصر تكون آمرًا، ولقولك ينحني مسمعُها.

يخرج خبرك في البريَّة (= الكون)، وتأتي الجموع لكي تراك».

 

«رجلٌ واحد حبسك هنا، ومصرُ كلُّها شعرت بك(10).

فيقول المصريّون: السجن الذي وهبك لنا (جدير) بالذكر.

مبارك الربُّ إلهك الذي وجَّهك رسولاً إلينا.

105      والرحمان، جليًّا، وهبك للسجن رجاء.

الناس الذين حبسوك في السجن سوف يهبون لك الطوبى،

ويلعنون بمرارة تلك الساعة التي فيها حبسوك هنا.

اسم العبد هذا الذي اقتنيتَ، يبقى عندنا في السجن،

وتلازمُك حرِّيَّتُك خارج باب الحبس.

110      العبيد والأحرار إليك يستمعون في مصر،

وبلا خوف تقتربُ من فرعون الملك العزيز».

 

«والله الذي تعبَّدتَ له يخرجك من العبوديَّة(11)،

ويختم (ويطبع) حبَّك الصافي في قلب كلِّ المصريِّين.

فالذي وهب لك العظمة في بيت فوطيفار، رئيس الشرطة،

115      يُبلغك بيديه ويُعليك إلى كرامة أعلى من هذه.

وإن نحن هنا في السجن نسمعُ عن عظمتك،

وإن حصل فخرجنا نراك كما طلبناك.

فتراك المرأة التي ظلمَتْك في ارتفاع لا يُحدُّ.

يكون شخصك محقِّرًا لها حين تراك في الكرامة،

120      فتقول في ضميرها: "هذا كان يُسمّى عبدًا".

تكون باكية ومتوسِّلة لتكون عندك ولو أمة».

 

وعزَّى مسجونَينْ

ما إن انتهت المباركات التي بها بارك السجناءُ يوسف،

حتى سمع الله وكان راضيًا ورحم ابن يعقوب.

فركّب سبب مساعدة بها يكون الخلاص ليوسف،

125      فيدرك الشعب في ما صُنع له أنَّه كان مظلومًا.

أذنب رئيسَا عبيد الملكَ فغضب عليهما (الملك) وحمي غضبه.

حبسهما في السجن مع يوسف العبرانيّ(12)،

إلى أن بلغ الوقت الذي فيه يضيَّق عليهم أو يُفرج عنهم.

أمر (الملك) أن يُحفَظا إلى أن يُسألا في القضاء.

130      في كلِّ وقت كان يوسف يدخل ويعزِّي أفكارهما.

تضايقا وأحسّا بالذلِّ بعد كرامة كانت لهما من قبل.

 

«ما هي جرائمكم التي أرسلَتْكُم إلى الحبس؟

ربَّما حصل أنَّكما دخلتما قبلي إلى السجن ظلمًا.

إن عرفتما أنَّكما تصرَّفتما بالسوء، خافا وارتعدا

135      وإن لم تصنعا (سوءًا)، فلا ينشغل بالكما لأنَّ الله ليس بظالم(13)».

 

وسمعَ لهما أحلامهما

بعد أيّام قليلة رقد (السجينان) وناما كعادتهما،

وحلما أحلامًا لم يعتادا عليها، فتعذَّبا وخافا.

خرج حلمٌ واحد للاثنين، وفصلَهُما في طريقين.

قصَّة(14) الحلمين واحدة، والتفسير اثنان للاثنين.

140      روى الواحدُ للآخر الأحلام التي رأياها معًا،

فقلقا وفكَّرا وظنَّا أنَّ الغضب سينبع من (هذه) الأحلام.

في ليلة واحدة كان حلمان يُشبه الواحد الآخر،

فخشيا أن يُصنَع لهما بطريقة واحدة (ما رأيا) في الأحلام.

سألا في ضيقهما وطلبا: «من يهب لنا مفسِّرًا

145      يهدِّئ روعنا بتفاسير تسهِّل لنا؟

من يهب لنا مفسِّرًا في مكان يبكي فيه كلُّ إنسان».

وكان السجناء كلُّهم يطلبون من يفسِّر أحلامهم.

وكانوا يفكِّرون في ضمائرهم ساعة جسمهم يبيتُ في التفكير.

فالأحلام تتراءى للنائمين فيضطربون في التفكير.

150      كلُّ إنسان يرى هنا (حلمًا) فيطلب مفسِّرًا.

«صعبٌ علينا الآن أن تكون لنا راحة في موضع الضيقات».

 

فدخل عليهما يوسف كعادتهما لكي يزورهما،

فوجدهما حزينين ووجهاهما كالحان:

«لماذا تبدَّل جمال وجهيكما؟

155      أيُّ ليل حمَّلكما الآلام التي ابتليتما بها؟»

 

«حلمنا أحلامًا فمرض وجداننا حين شعرْنا بها.

وبما أنَّ الواحد (= الحلم) يشبه الآخر طارت نفوسنا من الخوف.

مخيفةٌ الأحلامُ التي رأينا، فتعذِّبنا حين احتمينا بها.

فها نفوسنا ذابت من أحلام الليل».

 

«كلّماني عن أحلامكما، فأكونَ مشاركًا لكما في الخبر،

160      لربَّما أراد العارف (الله) أن يكشف لي تفسيرها.

فالأحلام هي لله وله التفاسير(15).

وهو أراد فأراكما الأحلام وهو يُعرِّف تفسيرها.

فأنا أيضًا ابن الأحلام، ورأيت كما رأيتما.

165      وبها يتعزَّى وجداني الذي صوَّر عظمتي وكأنَّه طبعها طبعًا.

فإن هي الأحلام سُمعت (= تمَّت)، كوَّنت صغارتي عظمتي،

فأتحرَّر من العبوديَّة وأتعقَّب حرِّيَّة طبعي».

 

«ما أنت ساحرٌ أيُّها الرجل فكيف لك أن تدرك التفسير؟

وإذا قلنا لك قصَّتَنا، لا تكون أنت عرَّافًا.

170      وإن لم تكن ساحرًا ولا عرَّافًا، فبقوَّة من تفسِّر الأحلام؟

وبما أنَّك ما قرأت أسفار (= كتب) المصريِّين، لا تدرك التفسير».

«مع أنِّي لستُ بساحر، فلعلِّي أدرك الأحلام.

وإذ أنا أكفر بالعرّافين، سوف أعرِّفكما التفسير(16).

وإلى إله العبرانيّين أفوِّض الأحلام وعقلي.

175      فهو يُحلُّ في ضميري معرفتَه التي تكشف أحلامكما».

تشاورا معًا وأخذا (قرارًا) بأن يكشفا الأحلام ليوسف:

«ربَّما أدركها وفسَّرها وكشف لنا (تعبيرهما) فأفرج عنّا».

 

وقدَّم التفسير لرئيس السقاة

فقال رئيس السقاة ليوسف: «نبتتْ قدَّامي جفنة(17)،

وخرجت ثلاثة قضبان من جوانبها وامتدَّتْ إلى الأقطار الأربعة.

180      أفرعت ونبتت أوراقُها ونضجت العناقيد المعلَّقة بها.

قطفتُ الثمار من أغصانها، وعصرتها في كأس فرعون.

ومزجتُ الكأس لفرعون فأخذ وشرب من يدي.

ها إنِّي رويتُ لك حلمي فهب لي تفسيره الآن.

وأنا أستحلفك بالله أن تكشف لي كما أدركتَ.

إن كان قاسيًا لن تُبغَض، وإن كان خيرًا لن أبوِّق.

فلو كان الحلم حلمك، ألا تكشف ما هو لك؟

وإن كان فيه موتي وخبَّأتَه، تُلام لأنَّك أخفيت الحقيقة».

 

«صالحٌ هو حلمك، يا رئيس السقاة، وتفسيرُه صالحٌ مثله.

أودُّ لأحلام حُزَمي أن تتمَّ مثل أحلامك!(18)

190      تراءتْ لك في الجفنة الوظيفةُ التي خدمتَ فيها،

وأيّامُك هنا صارت معدودة بعدد القضبان.

تمضي إلى وظيفتك وتقوم، ويَطلبك أمرُ الملك

وكما أفرعت الأوراقُ ونبتتْ، تلبس أنتَ ثوبَ خدمتك.

مُثِّلَتْ وظيفتك بالجفنة ومثِّلت الأيّام بالقضبان.

195      وشبِّهت الأوراق بالثوب فتلبسه وتقوم تمزج (الخمر).

فأخذك الله وصوَّر خدمتك كلَّها بأحلامك.

في كور أسئلتك سُبكَتْ خدمتك كما يُسبَك (الدرهم)،

ومتى استعيدت عظمتك، لا تنسَ ذاك الذي فسَّرها».

 

«انظر! ها أنا وهبتُ لك درجة، فلا تتخلَّ عمَّن ساعدك(19).

200      وفي الراحة التي تجد لا تنسَ من فسَّر ألغازك.

لا تنسني حين تُعظَّم، لأنِّي أرحتك حين كنتَ مضايقًا.

إخوتي سرقوني وحسدوني، وللتجّار وهبوني عبدًا.

والسيِّد الذي اشتراني، أدخلني السجن وحبسني ظلمًا.

وهذا ما أطلب منك: أن تتذكَّرني قدَّام فرعون.

205      ليأتِ لي هذا بيديك، بحقِّ الله الذي وهب لك درجة.

كفاني ما تضايقتُ وتحمَّلتُ هنا في الحبس.

بدمع عينيَّ تَلِفْتُ، وذاب جسدي وصرتُ سقيمًا».

غضبَ الله على يوسف

سمع الله يوسف وهو يطلب من رئيس السقاة،

فحميَ غضبُه لأنَّه رأى عبده يطلب اللجوء إلى إنسان:

«يا يوسف، من بيَّن لك الحلم الذي حلمَه رئيسُ السقاة؟

عرَّفتُك أنا الحلم الذي رأى، فطلبتَ منه أن يساعدك.

أنا أدخل معك إلى القضاء وأوبِّخك في الخفاء.

خاف رئيس السقاة من حلمه، وأنت تتوسَّل إليه لكي يتذكَّرك.

فالحلم الحقير الذي رآه، صدمه في الحال وروَّعه.

215      وأنت استندت إلى الفزع، وعدتَ فطلبتَه لك معينًا.

أنا أفلتُّك من الأسود في البرِّيَّة، لا قوَّتك.

داخل البيت أنا قاومتُ الحيوان الذي سعى عليك.

في هذه كلِّها أغثتُك يا ابن محبَّتي، فنسيتَني».

 

«والآن لَتَطُلْ مدَّة عذابك لتعود وتطلبني فأنقذك،

220      وأُنْسي ذاك الذي سألتَه أن يذكرك، بحيث لا يذكرك.

ثمَّ تعطف وتُمسك الكنفَ الذي اعتدت أن تستتر فيه(20).

حين قُصَّ عليك الحلم، دعوتَني فعرَّفتُك الخفايا.

وحين عرَّفتُك تفسيره، جعلتَه لك مثل مخلِّص.

وهبتُ لك القوَّة لتضحك (هزءًا) على عشرة أسود(21)،

225      وقوَّيتك لتهزأ بالدبَّة(22) فما فتكت بجسمك.

كرَّمتك في بيت فوطيفار، وفي السجن عظَّمتك.

كشفتُ لك الأحلام وتفسيرها، وبعد هذا تركتني!

خفيةً كانت الكلمة على السمع، فأخرجتَها بلا انتباه(23) وأفسدْتَها.

سنتين اثنتين(24) هنا سوف تتعذَّب في الحبس».

 

فاستغفرَ يوسفُ الربَّ

230      فقابل(25) (يوسف) ربَّه وقال له: «خصومتك يا ربُّ مملوءة أمانًا.

فالآن عرفت أنَّك لا تغضب، وأنَّ وجداني تعالى فخاصمك.

ارتوى (سكرَ) فمي من قوَّة الخمر، فانفتح وتكلَّم.

ارتوى وجداني من الخمر، فجعلني أتجاوز وأتواقح بلساني.

أنتَ نجَّيتني من كلِّ هذه التي رأيتُ،

235      ولكنَّ وجداني صار جبّارًا فيك، ونسيَ الآلام التي أصابته.

منعتَ عنِّي الأسُود، وأنقذتني من الدبَّة.

في البرِّيَّة، يا ربُّ، خلَّصتني من المفسدين بيد التجّار.

حين أحاط بي الأسود، هجم التجّار وفرَّجوا عنِّي.

في السجن ظننتُ أنَّك أنت أرسلتَ رئيس السقاة (ليساعدني)،

240      فلا تغضب يا ربُّ على عبدك، ولا أدخلْ معك إلى القضاء.

بك أتقوَّى، أنا التراب، وفي حبِّك أقدِّم اعتذاري.

ذنبي كثر كثيرًا، فأقرِّبُ لك طلاَّبًا (يتشفَّعون بي).

من أجل يعقوب حبيبك، اغفر ذنبي الذي به تجاوزتُ (وصاياك)».

 

فسَّر يوسف الحلمَين الاثنين، وعرف مسبقًا ما سوف يحصل.

245      قبل الوقت، أدرك وكشف ما سوف يُعمَل للاثنين.

بعد ثلاثة أيّام على مولد فرعون،

حنَّ الملك على عبده رئيس السقاة، وقتل رئيس الخبّازين.

 

شدائد يوسف في السجن

أعرفُ أنَّ في خبر يوسف طُمرَت الأمورُ الخفيَّة(26)،

فاشتهيتُ أن أقول قدَّامكم قصَّة مَضايقه.

250      حُفظتْ لنا أسرارٌ خفيَّة سنتلوها في خبر آخر،

أما في هذا الخبر فنورد المضايقَ التي حمل وتحمَّل.

ترك الالتجاء إلى الله وتنازل نحو الإنسان.

لبث زمنًا طويلاً في السجن إلى أن رجع إلى الله.

ترك الالتجاء إلى مبدعه، ومضى يتضرَّع إلى رفيقه.

255      الإنسان الذي لجأ إليه نسيَه، أمّا ربُّه فذكره وتجاوز (عن ذنبه).

 

«إن كنتَ هكذا تؤدِّبني (يا ربّ) لأنِّي تفوَّهتُ بأقوال سمجة،

فيا ويل إخوتي حين يُطالَبون بحرِّيَّتي التي أكلوا ثمنها(27).

وويل لتلك التي اشترتني حين تُدان، لأنَّها ظلمتني.

كفاني يا ربُّ أنِّي ظُلمت وحسبي أنِّي صرتُ عبدًا.

260      ولأجل هذه الأمور القاسية، إغفر يا ربُّ لعبدك شطحاته.

حرِّيَّتي تشتكي قدَّامك: كُدِنتُ في العبوديَّة.

ابن راحيل يشتغل عبدًا، وابن زلفة يُجعَل حرًّا.

يا ربِّ، لا يتبلبل النظام الذي وُضع للأحرار من الأزل.

أنا مقتنع أنَّك لست مرتاحًا أن يكون ابن الأحرار عبدًا،

265      أبي أوصاني بمخافتك، فإكرامًا لوجهه حرِّرْ ابنَه».

 

فأطلَّت العناية

بعد سنتين كان فيها يوسفُ في السجن،

بسط المملوءُ رحمةً مراحمه لكي يُخرجه من السجن.

ترأَّفّ عليه وهو الرحمن، لينقذه من ضيقه.

زار عبده سنتين (كاملتين)، وكان كلَّ يوم يعالجه.

270      سنَدَهُ بيده، وأقامه يوم كان مرميًّا يتوسَّل إليه:

«لا تخف، يا ابن يعقوب، فخلاصُك بدأ وبلغ (وقتُه):

ها أنا مرسلٌ على فرعون أحلامًا مخيفة، مقلقة.

ها أنا بهذا الحلم أجعل فرعونَ الملك يزورك،

فأعذِّبه بواسطة أحلامه وأقلقه برؤاه.

275      وإن استطاع فطافَ الأرضَ وطلب مفسِّرًا لحلمه،

يبقى (هذا الحلم) مخفيًّا عن الحكماء في مصر، وعن السحرة،

لك وحدك أكشفُه فتعظُم في مصر كلِّها.

وحين ترتفع، لا تنسَ فتظنَّ أنَّ فرعون خلَّصك.

فقدَّامك أُعلنُ وأقول: إلهك معك، يا يوسف،

280      فها أنا أُبدع حلمًا وأَضع (تفسيره) في فمك.

حتّى تكون مستعدًّا لتفسيره حين يدعوك المصريّون».

 

حلم فرعون ومخاوفه

رقد فرعون كعادته، فأتت الأحلام وأحاطَتْ به(28).

اقتربت الرؤى فأفزعته، لأنَّه لم يقدر أن يفسِّر أحلامه.

هرب النومُ من عينيه، لأنَّ الأمر أقلق باله.

285      توالت الأحلام واحدًا بعد الآخر، رهيبةً، فتاه.

ولما أشرق النور وصعدت الشمس، ودخل الأحرار (النبلاء)                                                                                                           كعادتهم،

رأوه قلقًا مبلبلاً، لأنَّه لم يقدر أن يعرف ما الذي رأى.

رأى النبلاءُ الملكَ عابسًا فخافوا أن يتكلَّموا:

«مُرنا، أيُّها الملك، فنتكلَّم ونسألك عن حالك.

290      ها نحن نراك اليوم لا تقابلُنا كعادتك.

فرِّجْ عنك وليبشَّ وجهك، فالمَضايقُ مخفيَّةٌ في قلبك.

البهجةُ عادتك، فوجب أن تقابلنا بها.

لا يستطيع إنسانٌ أن يتكلَّم حين يرى وجهك عابسًا».

 

«أحلامًا حلمت، أيُّها النبلاء، وأنا عابسٌ لأنَّها سحقتني.

295      لا أعرف ماذا سيكون في سلطنة مملكتنا.

مدهشةٌ أحلامي ومخيفة، تناوبَتْ عليَّ في منامي.

ويعسر أيضًا كثيرًا أن نجد من يفسِّر لنا الحلم.

فمن يعرف الأحاجي فيفسِّر لنا الخفايا؟»

 

«اهدأ أيُّها الملك من العذاب، فإنَّ أحلامك آتية إلى التفسير.

300      يأتي السحرة إلينا، والأحلامُ الخفيَّةُ تتَّضح.

أمرُك يُرهب الحكماء والعرّافين،

فتُفتَح حوانيت الفنون في سبيل الأحلام.

فإذا السحرة لا يفسِّرون، يأتي الحكماء، يدخلون،

وإن كان أعظم من الحكماء، تكون لك الراحة بالعرّافين.

305      فليس في الأرض كلِّها سحرة كما في مصر.

ففيها العرّافون والسحرة وعارفو الأسفار والمجوس.

وإذا كنّا معوزين في كلِّ هذه، فنحن أغنياء بالسحرة.

وإذا كانت مصرُ حقيرة، فهي عالية بعرَّافيها.

فالبلدان تستأجرهم لكي يعملوا في السحر لها.

310      والحلم الذي سحق المملكة، به يشتهرون إن أنت أمرت.

فمَن عنده سحرة مثل ما عندنا، وعرَّافون كما في بلادنا؟

ها أنت مُضايقٌ بسبب الأحلام، ونحن لنا من يفسِّرها؟

فالناس البعيدون عنّا يرتاحون بصناعتنا،

وأنتَ، إذ أنت إله مصر، خاف قلبُك وفكَّر.

315      مُر أمرًا فقط أيُّها الملك فتكون لك الراحة سريعًا.

وليرافق أمرُك الرجال فتجتمع (لديك) مصرُ كلُّها».

 

استدعاء السحرة والعرّافين

خرج الخبر بين المصريّين أنَّ الملك يطلب السحرة.

أُمروا أمرًا ملحًّا جدًّا، هم والعرّافون.

أمسكوا الساحر العابر والعرّاف الساهي.

320      هرب الحكماء واختبأوا حين رأوا آلام رفاقهم.

بالخبر الذي خرجَ في الأسواق، ارتهبت مصرُ كلُّها.

ما من إنسان يعرف لماذا أُمروا بالمجيء إلى بيت الملك.

كانت ضجَّة في الأسواق، وولولات داخل البيوت.

مصرُ مثل سفينة في البحر، مضطربة (تتقاذفُها) الأمواج.

325      فمن ليس ساحرًا سُمِّي عرَّافًا،

ومن ليس منجِّمًا، كُتب (سُجِّل) بين الحكماء.

 

«ما كانت العادة أن يُصنَع هذا الأمر في بيت الملك:

أرسل فجمع الكثيرين، إذًا حلَّ به مصاب عظيم!

يطلب أن يملك على الناس إن طلب أن يفعل هذه (الأمور).

330      بصناعة السحرة، مصرُ كلُّها غارقة.

وما من معجزة محصَّنة على المجوس.

أو هو يطلب أن يجلب التنكيل على السحرة والعرّافين.

تعالوا نذهب معهم ونرى بما أَمر بين أيديهم.

إن هو الموت نموتُ معهم، وإن هي الرؤية نرى معهم.

335      ولم يكن عبثًا ولا مجّانًا أن اجتمعت مصرُ بسرعة.

فالعمل الذي يتمُّ في بيت الملك هو رفيع (جدًّا)».

 

دخلوا على فرعون الملك: «ها مصرُ اجتمعت كلُّها،

ها الناسُ قائمون في الأسواق، مرتهبين، فارِّين، خائفين».

فأمر فرعون الملك: «افرزوا السحرة من العرّافين،

340      ولا تُخلَط جوقات المنجِّمين (بأجواق) الحكماء:

لي سؤال أسأله لهؤلاء الذين تربَّوا على مائدتي.

فمن زمن طويل احتجتُ أن أختبر صناعتهم:

لنرَ إن كانوا يصطادون البسطاء بصناعتهم،

فأعلم بما رأيت إن كانوا عارفين أم دجّالين».

 

345      «حلمتُ حلمًا، أيُّها السحرة، وما أدركتُ تفسيره،

ولهذا أرسلتُ وأتيتُ بكم، فأتعلَّم منكم تفسيره.

فإن كان الحلم الذي رأيتُ صالحًا، فسِّروه لي في صلاحه،

وإن أخفيَ شرٌّ في أحلامي، فقولوا لي أين يكون (هذا الشرّ).

 

«قُصَّ علينا حلمك، أيُّها الملك، فنكون سامعين حلمك.

350      كُشف لنا كلُّنا أنَّ حلمك حصين مثلك.

فإن استطعنا فسَّرناه، وإن لم يكن في وسعنا فلا تغضَبْ.

فمن أجلك أتينا بكلِّ الأسفار والطلاسم.

نعود فنبيِّن لك هذه الأقفال الجوّانيَّة.

ولا نترك شيئًا مفيدًا إلاَّ وتلوناه عليك هنا.

355      وإن كان مستطاعًا تحت كلانا(29) عُدنا من أجل حلمك.

فقط، قصَّ الحلم فنسمعه: ما هو الحلم الذي رأيت؟»

 

ها هو الحلم

فقال فرعون للسحرة: «هذا هو الحلم وها أنا أقوله:

رأيتُ سبع بقرات انقذفتْ وخرجتْ من النهر،

فأخذتني الدهشة من حسنها والجمال الذي عليها،

360      ومن قامتها وعافيتها ومن مرأى أجسادها.

وفجأة أصعد النهرُ أيضًا، سبعَ بقرات

مريضات وضعيفات وقبيحات المنظر.

ففتحت (البقراتُ) الضعيفةُ أفواهَها وابتلعت (البقرات) السمان.

ودخلت البقراتُ الحسان في بطون العجاف.

365      أخذني العَجبُ من حلمي: فحين دخلت البقرات في البقرات،

بطونها لم تُعرَف، وإذ أكلت ما وسعت».

 

سمع السحرةُ خبر الحلم، فارتعدوا جدًّا.

صعُبَ تفسيرُه، لأنَّ تعبيره حُفظ لآخر(30).

دعاهم العدل (الإلهيُّ) لكي يُفتضَح سحرَهم(31)،

370      فيرى الفرعون ويهزأ بصناعتهم ويحتقرها.

كم جُنُّوا وذُلُّوا، وكم فُضح تنجيمْهم!

فالأسفار التي قرأوها كاذبة، فما عرفوا فيها الحقيقة (التي يطلبون).

الأحلام محفوظة، وهي تنتظر متى يأتي (المفسِّر) الصادق.

هو ما قرأ الكتب، (ولكنَّه) ميَّز الخفايا بإيمانه(32).

375      الحلمُ فَضح السحرة، والعرَّافون أُخجلوا.

صناعة المزيَّفين بدت حقيرة لدى المصريّين.

ما من إنسان عرف أن يفسِّر: فخاف الملك وعبس.

فقام الذهلُ العظيم والحيرة (عليه) وعلى كلِّ جنده.

بهذا الحلم الذي حلم الملك انكسفت مصرُ كلُّها.

380      ما استُقبلَ رجلٌ واحدٌ فبيَّن التفسير للملك.

فقال الملك لجنده: «من يهبُ لي مفسِّرًا

فأهب له كلَّ ما يطلب وأعظِّمه في مملكتي».

 

وتذكَّر ساقي الملك

رئيس السقاة كان قائمًا هناك، وهو الذي كان محبوسًا مع يوسف،

فطلب أن يكلِّم الملك، وخاف أن يذكر جهالته.

385      رأى مصر مضطربة، ورأى الملكَ منزعجًا،

جعل نفسه للتهلكة وطلب أن يَكشف أمرَ يوسف.

«أتذكَّر اليوم ذنبي قدَّام عظمتك، أيُّها الملك،

وبالأمر الذي أجلو لك، أتذكَّر الجهالةَ التي صنعت.

في ذلك الزمن الذي غضبتَ علينا، قبل سنتين عبرَتا،

390      أنا ورئيس الخبّازين، يا سيِّدي، أمرتَ فحبستنا في السجن.

استُقبل هناك عبدُ رئيس الشرطة الذي حُبس هناك.

(رجلٌ) مليء بالفهم والفطنة، وما قال لنا من كلام كان صادقًا.

في السجن حلمنا أحلامًا عذَّبتنا أنا ورفيقي.

قصَصْنا الأحلام قدَّامه، ففسَّر لنا كما حصل لنا.

395      أنا أقامني (أعادني) في منصبي، وهكذا فعلتَ أيُّها الملك.

وعُلِّق رفيقي على الخشبة، وهكذا تمَّ بحسب أمرك.

واستحلفَني أن أذكره قدَّام عظمة وقارك.

وخفتُ أنِّي إن تذكَّرت يتجدَّد (ذكرُ) ذنبي.

اسمُ العبد يُخفي الفتوَّة، وجمالُ الأحرار يشعُّ فيه.

400      إن أمرتَ يأتي إلى هنا فمنظره يلذُّ لك وحكمتُه».

 

أمر فرعون الملك أن يأتي (يوسف) عاجلاً فيسمع الأحلام.

فإن استطاع وفسَّرها لنا، (حسنًا)، وإلاَّ يعود إلى الحبس مثل                                                                                                           السحرة.

ينزعُ الأثواب التي يلبسها الآن، ويلبس ثياب الكرامة

لئلاَّ يرى في وضاعة السجناء التاجَ (الملكيَّ) الرفيع.

 

 

أرسل الملك فأتى يوسف

405      أرسل الملك (رسولاً) إلى يوسف (وأمر) أن يُخرجوه من السجن.

فطار الرسل وأسرعوا، لأنَّ أمر الملك معجَّل.

سألوا: «أين يوسف العبريُّ الذي أمره الملك (بالمجيء)؟»

بشَّره السجناء: «ها فرعون الملك أمرَك (أن تأتي إليه).

فإن طلبك ليحاكمك تكون بريئًا حين يحاكمك،

410      وإن طلب شيئًا بواسطتك فالله يُظهره لك.

فاخلعْ أثواب حبسك وألقها (عنك)، واكتسِ بدلاً منها

فتدخل قدَّام الملك وتراه بثياب جميلة».

 

أخذوا يوسف وأتوا، ورافقته مصرُ كلُّها.

أمرَه الملكُ، فأتت الجموعُ لتسمع تفسيره.

منهم من استخفَّ بيوسف حين رأوا أنَّه فتى:

415      «لا يقدر أن يفسِّر الأحلام من لم تطعَّم معرفتُه (بالحكمة).

فالذين شاطوا في السحر ما استطاعوا أن يفسِّروها،

والذين عتقوا في الكتب ما استطاعوا أن يبيِّنوها.

فهل يُدرِك هذا العبريُّ حلمًا تغلَّب على السحرة؟

وهذا الذي لا يعرف الأسفار هل يقدر أن يتغلَّب على السفرة؟»

 

يوسف أمام فرعون

420      سجد يوسف وحنى رأسه، فسأله فرعون إن كان هو.

وهب (الربُّ) الجرأةَ للفتى، لئلاَّ يخاف أمام الملك.

أجاب فرعون الملك وقال: «لا تخف أيُّها العبريُّ

فوجدانُك يتبلبل إن خاف عقلك.

ساندْ نفسك، فإن أنت خفتَ لن تفيد كلمتُك الملك.

425      إن فسَّرتَ أقوالي حنوتُ عليك، فأحلامي أقلقَتْني وأزعجتني.

السحرة مرمروا حياتي، وما روَّحوا عنِّي في يقظتي.

ربَّما وُهبت لك (المعرفة) فننال بواسطتك التفسير.

وما خفيَ عن كلِّ إنسان، يكشفُه فهمُك».

 

رأيتُ(33) بقرات حسانًا اندفعَتْ وصعدَتْ من النهر،

430      ومثل هذا الحسن وهذه العافية ما رأيتُ في الحيوانات.

كان عدد (البقرات) سبعًا، وفي القامة شديدة.

هي مجلَّلة بالقامة والحسن، فاندهشتْ عينِي بمنظرها.

وفي الحال وأنا قائم (في أفكاري)، وَلد النهرُ (بقرات) أخريات

كانت بعدد الأولى ومختلفة عنها بالمنظر.

435      فتحتِ الأخرياتُ أفواهها واغتالت قوَّة الأولى،

واغتيلت الحسان في بطون الضعيفات.

وهكذا أيضًا مثل هذا الحلم، (رأيت) أيضًا سنابل بهذا النوع،

سبعَ سنابل ضعيفة ابتلعت سبعًا سمينة.

البقراتُ أربع عشرة والسنابل ستًّا وثمانيَ.

440      كتيبة(34) الجانب الضعيف تغلَّبت وسيطرت على المعافى.

فاشرعْ وهبْ لي تفسير هذا الحلم الذي أضنى حياتي،

وهكذا تُريحني أنا فينتشر خبرُك الطيِّب في مصرَ كلِّها».

 

وفتح يوسف فمه

فتحَ يوسف فمه وصلَّى إلى الله قدَّام المصريّين:

«أيُّها الربُّ، يا إله أبي يعقوب، هبْ لي أن أفسِّر الحلم.

445      إلى السماء ترتفع عيناي، فمن هناك يأتي الحنان.

فهو (= الله) يحلُّ الأمور الصعبة، ويجلو الأمور الخفيَّة».

عندئذ نزلتْ قوَّةٌ على طلبته، فملأت عقله بتفسير الأحلام.

وكيلُ المراحم (ملأ) لسانه في ذلك الوقت، فشرع يفسِّر:

«يا فرعون، واحد هو حلم البقرات والسنابل.

450      أراد الله بواسطة الحلم أن يبيِّن لك ما هو فاعل.

فالبقرات السمان هي سبع سنين طيِّبة،

والبقرات الضعاف هي سبع سنين سيِّئة.

بيَّنَ لك بالسبع سنين، سبع بقرات وسبع سنابل،

وإذ اشتدَّ غضبُه، كشف لك بهذه رحمته.

455      وأضاف فكرَّر الحلم لتصدِّق أنَّ الجوعَ آتٍ.

فأسرعْ وأرسلِ الرسل ولا ترتَبْ بهذه الآيات.

وكما ابتلعتِ البقرات الضعاف (البقرات) السمينات،

هكذا تبتلع سنوات الجوع السنوات الخصبة(35)».

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM