الخاتمة

الخاتمة

قدّمنا التراث اليوحناوي في جزئين. في الأول، انطلقنا من أقدم ما دُوّن في هذا المجال. أعمال يوحنا. دُوّن في اليونانيّة، في القرن الثاني، فحدّثنا عن نشاط يوحنا الرسول في آسية الصغرة (عاصمتها أفسس)، وعن وفاته، التي كانت أشبه برقاد منه بموت. ولكن هذا المؤلَّف لم يصل إلينا كله، بل أجزاء مبعثرة جمعها الباحثون كيفما استطاعوا، فبانَ بعضُها صاحب عقيدة لا غبار عليها، ومقاطعُ أخرى تحمل التعليم الغنوصي. وهذا السبب الأخير، أبعدها عن أوساط المؤمنين. وكانت الضربة القاضية في مجمع نيقية الثاني سنة 787: قرأ الآباء ثلاثة مقاطع، فرأوا أن الكتاب يحتوي التجديف وبالتالي يجب أن يُحرق.

وبعد اليوناني، كان السرياني بشكل خبر يبني المؤمنين خلال الاحتفال الليتورجي. ثم جاء اللاتيني في أكثر من نسخة. واحدة بيد بروخور، الذي اعتُبر تلميذ يوحنا، فترك لنا خبراً طويلاً عن أعمال هذا القديس الذي لبث بتولاً ورفض الزواج، بل بالأحرى جعله الرب يرفض حين قال له: أريدُك لي. وهكذا يكون خطُّ المتعففين حاضراً في هذا الكتاب: لا زواج للذين لم يتزوَّجوا. والذين عقدوا زواجاً لا يمارسون الزواج، بل يعيش الرجل مع امرأته كما الأخ مع أخته. ونقول الشيء عينه بالنسبة إلى أكل اللحم وشرب الخمر. حين انتقلت «أخبار» يوحنا في مختلف الكنائس، استفاد منها الرهبان ودوّنوا بطريقتهم ما يتعلّق بحياة يوحنا وموته في أفسس، كما بمنفاه في بطمس حيث دُوّن سفر الرؤيا. أما كتابة الانجيل فذُكرت بشكل عابر في الخبر السرياني. هذا يجعلنا في موقف بعض القدماء الذين ميّزوا بين يوحنا الرسول ويوحنا الانجيلي، على أنهما شخصان مختلفان. ولكن هذا التراث اليوحناوي جَعل في شخص واحد الرسول والانجيلي والتلميذ الحبيب الذي استلقى على صدر معلّمه. عجائبه كثيرة، فتفوّقت على ما قيل عن بطرس وبولس. يقيم الموتى بسهولة تامة، ويُجري الأشفية. بل كانت له قوّة ينقلها إلى الآخرين فيعملون ما عِملَه هو. فدروسياني مثلاً أقامت فورتوناتوس من الموت. كأني بيوحنا هو صورة عن يسوع، لئلاّ نقولا «يسوعاً» آخر، فيجعل الذين آمنوا يُجرون المعجزات حين يسيرون في خطاه.

ويبدو يوحنا أول ما يبدو ذاك المعلّم الذي يكرز بيسوع المسيح «في وقته وفي غير وقته» وهو لا يهاب أحداً. بل يمضي في وجه الخطر خصوصاً ليحطّم الأصنام ويدمّر معابد الآلهة الوثنيّة. أترانا في نهاية القرن الرابع حيث كانت ردّة فعل المسيحيّين قويّة، فقاموا بتدمير الهياكل ولا سيّما في الاسكندرية كما في مدن غيرها. هكذا تُمنع عباداتُ الوثنيين في امبراطورية صارت فيها المسيحيّة الدين الرسمي في زمن الامبراطور تيودوز.

أعمال يوحنا، خبر يوحنا، وفاة يوحنا... مؤلّفات أرادت أن تخلّد بشكل خاص تقليد هذا الرسول الذي عاش في أفسس وارتبط اسمه باسم هذه المدينة. عالمٌ دخلْنا فيه. ونرجو، باذن الله أن نفتح آفاقاً أخرى نتعرَّف فيها على الرسل من بطرس إلى اندراوس إلى توما.... والله يبارك أعمالنا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM