خبر يوحنا العربي: النصوص

خبر يوحنا العربي :النصوص

تضمّن خبر يوحنا العربي ثلاثة فصول(*):

1 - قصة يوحنا. من العنصرة وانطلاق التلاميذ، حتى الوصول إلى أفسس والعمل لدى صاحب حمّام! هناك أقام من الموت إبن طورانوس فاهتدت المدينة إلى المسيح.

2- نياحة يوحنا. أو رقاد يوحنا، بحيث لا يكون موتٌ بالنسبة إلى يوحنا، فكانت تفوح عن قبره رائحةٌ طيّبة.

3- مدحة يوحنا. أو: مديح يوحنا في عظة تُلقى يومَ عيده.

قـصّــــة يوحـنـــا

هذه قصة يوحنا بن زبدى كاروز الانجيل وحبيب ربّنا المسيح، أحد الاثني عشر تلميذًا، صلواته تحفظنا. آمين.

لما حلت (أو: حلّ) روح القدس على التلاميذ يوم العنصرة امتلوا (أو: امتلأوا) من روح القدس، وذلك بعد صعود ربنا المسيح إلى السماء، فتكلّموا جميع الألسن. افترقوا في جميع البلدان وبشّروا حقّ بشرا (أو: بشرى، انجيل) صدق المسيح، كلمة الله، لكيما يؤمنون الناس. ثم إن سمعان الصفا ابتدأ بالكلام، ثم قالوا جميع (أو: جميعًا) إن المسيح قد أمرنا قبل صعوده إلى السماء، وقال اخرجوا بأجمعكم فبشّروا الناس واعمدوهم على اسم الآب والابن والابن والروح القدس (مت 28: 19). فمن آمن يحيا ومن يجحد يدان. فينبغا (أو: فينبغي) لنا أن نفترق في البلدان كلها وتسمع عباد الأوثان الذين الشياطين ساكنة فيهم ونطأ العدو بأرجلنا وكلَّ قواته.

فلما تموا (أو: أتمّ) الرسل هذا الكلام، فارق بعضهم لبعض (أو: بعضًا). فلما خرج يوحنا بن زبدى الرسول من أورشليم صحبَتْه نعمةُ الرب، وكانت قرعته قد خرجت إلى أفسس المدينة، وكان معه صليب وانه بعد ثلثة أيام نصبه في الأرض قدامه. وسجد يوحنا، وصلا (أو: وصلّى) وقال: «يا ربي والهي يسوع المسيح، الآن قد تمّ وعدك لنا وأعطيتنا كمسرتك وأنجيتنا من شعل (أو: شيول، أي مثوى الأموات)، وانك منجّينا في أي وقت. ذكرنا مولدك الذي كان من العذرى (أو: العذراء)، ومشيَتك بين الناس وارتفاعك على الصليب وموتك ومدخلك القبر، وقيامتك بعد ثلثة أيام وطلوعك إلى أبيك في السماء. فالآن أعطينا الغلبة على الشيطان العدو، وأنا ماضي إلى البلد الذي يسَّرتَ لي بنعمتك المحبوبة لكيما أردّ الناس عن طغيانهم ويقبلوا روح القدس الذي خرج من عند أبيك وحل بنا، ويخرب أوثان الطاغوت (أو: الضلال. ¢ھذثرA) وأبني لك في مدينة الأصنام هيكلاً لكرامتك.

فلما تمّ يوحنا بن زبدى صلاته أجابه السيد من السماء قائلاً: «قد أحببتك وليس أخيّبك، ولا أدعك بيديهم. أنا معكم أجمعين إلى منتهى العالم. ولا تخاف يا بن زبدى، إذهب فاكرز ولا تهتمّ بما تعمل وبما تتكلّم». وعند تمام كلام الربّ قام يوحنا من صلاته وسار وهو طيّب النفس. وكان لباس يوحنا كمثل زي أهل فلسطين وكان مشيه حافي، فسار في طريقه تلك ثمانية وأربعين يوماً وهو يبشّر سماع (أي: خبر) بشرى المسيح. فكان بعض الناس يقول إنه مجنون، وبعضهم يقول دعوه فإنه رجل غريب قد قدم من مكان بعيد وليس يعرف آلهتنا الجبابرة. ولو قد دخل معنا وخرج، فإنه يحبها ويذبح لها. وأما أناس من أهل مدينة يقال لها آسيا، فسمعوا منه وآمنوا بما قال واعتمد منهم في ليلة مايتين (أو: مائتا) نفس. وعلّمهم طريق الحق، ثم انه خرج من آسيا إلى بلد الأوثان. وكان طعامه خبز وبقل وشيء من عدس. فكان يشتري ذلك بثمنه من مدينة إلى مدينة. وكان شرابه الماء.

فلما بلغ يوحنا القديس إلى مدينة أفسس وكما أوجدنا (أو: وجدنا) مكتوبًا في بيت نارونا  (أو: نيرون، الامبراطور) المنافق، فرفع عينيه ونظر إليها وهوذا يصعد دخان من مدينة أفسس، وكان في ذلك اليوم (عيد وذبحوا لأوثانهم وشياطينهم)، فعجب من ذلك وقال: أيّ هذا الدخان الذي قد غطى عين الشمس، وفيما هو ماشي، بلغ إلى أحد أبواب المدينة، فرفع نظره فأبصر صنم أرطيمس قائم فوق الباب مصوَّر بالأصباغ وعلى شفتيها ذهب وصباغ، وعليها حجاب من ديباج وقدامها قنديل وقّاد. فلما رآها يوحنا الطاهر تركها. ثم انه بكى على أهل المدينة. ثم ذهب من هناك حتى راد (أو: دار) على أربعة أبوابها. وكل ذلك يرا (أو: يُرَى) مثال الأول. وفيما هو قائم على الباب الأخر، أبصر عجوزة قائمة قدام الصنم وتسجد له. فقال لها يوحنا: «أيها الامرأة، من هذا الصنم الذي أنت تسجدين له؟» فقالت له: «هذا الصنم التي تراه هي أرطمس الاهتنا التي نزلت من السماء وهي التي ترزق الناس عامة». فلعنها يوحنا الطاهر وقال لها: «هدى (اهدئي) فإنك قد ذهب عقلك بذبائح الأوثان. مثل هذه ابنة الشيطان».

قلما سمعت كلامه العجوز طأطأت إلى الأرض، فملت (أو: فملاّت) يدها ترابًا ورمته في وجه يوحنا. حينئذ تبعد (أو: ابتعد) القديس قليلاً وسجد على الأرض وصرخ إلى ربه وقال: «يا رب اسمع صلاتي، ويسِّرْ لي الدخول إلى هذه المدينة لأكون في موضع بِهواك (أي: حسب لسرتك)». وانه دخل من الجانب الأيمن من باب المدينة، فنظر هناك حمام فصار إليه. واذا ثمَّ رجلٌ يقال له سقندس فكلّمه يوحنا البشير بلسان تلك البلد وقال له: «أيْها الرجل هلك (أو: هل لك) أن تستاجرني في عمل حمَّامك هذا؟ قال له سقندس (ساكوندوس): نعم. بكم تعمل معي في كل يوم». قال له يوحنا: «أعطيني ما شئت». فشارطه كل يوم على ماية فلس. وكان يقرّب الحطب والسرقين (أو: الزبل) الى وقادين (أو: وقّادي) الحمام، ويجمع لهم الزبل من كل موضع.

فأقام عنده أربعين يومًا. وكان يأخذ كراه (أو: أجره) كلّ يوم بيومه. فقال سقندس صاحب الحمام للقديس يوحنا: «أريد منك أن تخبرني أيش (أو: ماذا) تعمل بكراك الذي تأخذه مني، لأني أراك حافي عاري. فاتركه عندي حتى يجتمع وتشتري لك به حاجتك التي تصلح لك لأنك انسان غريب».

فقال يوحنا لسقندس البلدي (أو: ابن البلد): «لأن ربي قد قال لنا: لا تقتنوا ذهب ولا فضة ولا نحاس ولا ثوبين. وما أقدر اتعدى وصيته والا فهو يسخط علي».

قال له سقندس: «ومن هو ربك هذا وما اسمه، أخبرني به لا يكاد (أو: لئلاّ) يجي يستعدي علي. او لعله رجل شديد فيلزمني منه أمر يشقّ علي. هذا عيب علي لا يكون عندي عبد بغير رأي مولاه». فقال له يوحنا: لا تخاف يا ابن الأحرار. ان مولاي يغضب علي».

فقال له سقندس: «وكيف لم تخبرني من أول ما عملت عندي أنك عبد. قال يوحنا: «إن مولاي هذا هو في السماء. [وكل ما يريد وهو] يتم في السماء وفي الأرض والبحار. هو خالق ما يُرى وما لا يُرى. وهو الذي بعث الأنبيا يبشرون خليقته. فمنهم من قُتل ومنهم من رُجم، وفي آخر الأزمان، أعنى هذا الزمان، بعث ابنه الحبيب الوحيد الذي هو معه مذ قط لم يزل (أو: من الأزل). فدخل في أذن العذراء الطاهرة وحلّ فيها تسعة أشهر وهو «ملوا السماء والأرض». وبعد تسعة أشهر وُلد من مريم ابنة داود الكلمة التي صار جسداً ولم يفكّ عذرتها. وأرى بين الناس كلمة الله مثل انسان متضع سوا الخطية.

«وتم له ثلثين سنة، وانتخب له تلاميذ أخيار وتبعوه. وهو تقلب (أو: تردد) في البرية معهم لأنه حوّل الماء شرابًا في قانا من مدن الجليل، واشبع من خمسة خبزات خمسة آلاف رجل سوى النساء والصبيان، وفضُلَ منها ووقع (على الأرض). وفتح أعين العميان وابرأ البكم والخرس. وأحيى ابنة يورس (أو: يائيرس) سيد الجماعة من بعد موتها. وهي حتى الآن بالحياة مع أبوها. وان أحببت أن تراها فتعال معهم. وأحيا ابن الأرملة في مدينة ناين وهم ذاهبين به ليدفنوه. وأقام العازر من بعد ما مكث في القبر اربعة أيام. وعندي أكثر من هذا إن أحببت أن تسمع وتصدق يا سقندس. فأما شعب يهوذا فرفضوه وأسلموه إلى بلاطس البنطي ونزعوه (أو: ونزعوا عنه) ثيابه وجعلوا اكليل شوك على رأسه. فلما صلبوه أظلمت الشمس، وطفى نورها من ثلثة ساعات الى تسع ساعات، وانشق حجاب الهيكل وتقلقت (أو: تزعزعت) الصخور التي كانت على أفواه القبور، وخرج منها موتاً عدة ينادون بأصواتهم قايلين هذا نور الخالق. فأتوا وشهدوا له وهو على الصليب.

«وأخذه رجل يقال له يوسف، فكفنه بثياب كتان وصيّره في القبر. وانه قام بعد ثلثة أيام ورأيناه وكلمناه، وأكلنا معه الخبز وجسسناه بايدينا وآمنا به أنه هو الذي كان معنا، الكلمة الذي كانت لحماً وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب وأعطاه السلطان ليُعطى الخيرات لمن صدق (أو: آمن) به. وقال لنا: اخرجوا فاعمدوا (أو: عمّدوا) الناس باسم الآب والابن وروح القدس. فمن اعتمد وآمن فقد عاش، ومن لم يعتمد ويؤمن فإنه يدان.

«وأنا الآن أطلب إليك يا سقندس لمعرفتي بك وبحريتك، لأني قد رأيتك وجربتك في هذه الأيام فأصبتك (أو: فوجدتك) على ما ينبغي، لأنك تحب الغربا والمساكين. فاسمع قولي ولا تعدّه كذبا. فان أردت فاذهب بنا إلى أرض الجليل حتى أريك من كان ميتاً قد عاش، وأناس عمي قد ابصروا، وبرص قد تنقوا. وان أنت آمنت به ولم تراه، فأنت أعظم من الذي قد أراه (أو: رآه) وعاشره».

أما سقندس صاحب الحمام فكان جالس ينظر إليه، باهت من أجل كلامه الذي كان يسمع منه. فقال له: «ما أعجب ما رأيت به. لو لم يكن هذا كما تقول، ونزل من السماء، ووُلد من مرة (أو: امرأة) عذراء، كان ينبغي لنا أن ندعوه إلاهاً من أجل فعاله هذه. لأنه أقام الموتى وصيّر الماء شرابًا. فحقًّا انه إلاها خلاف ارطامس هذه التي لم تبري (أو: تبرئ) ابني. ولي أكثر من ستين سنة أقرِّب لها القرابين وابني أعمى وما أبصر بعده. وبعد فأنا أحب أن تحفظ هذا السر حتى يهوى ربك اعلانه، لأنك رجل غريب وأخاف ان يسمع بك أحد أنك ليس تسجد لارطامس فيحرقوك بالنار. فأما أنا فمن الآن فقد صدقتُ وأيقنتُ بربك. وأنا أحب منك أن يكفيني أنك أنت وليّ هذا الحمام وتحفظ غلته وتقوم بنفقته».

قال له يوحنا: «ما ينبغي لي أكل شيء ان لم أعمل». وانه كان يحاسبه كل غداة وانه عجب هو وأهل بيته مما زاد غلة الحمام منذ وليَه يوحنا. وكان سقندس يأتي إلى يوحنا ويسمع منه. ثم انه أعمده ولأهل بيته، وصلا (أو: وصلَى) فأشفا الله ابنه الأعمى. ومكث عنده خمسة وعشرين يوماً. وفي الساعة الأولى من ذلك اليوم بعث إليه ابن سيد المدينة ليصلح له الحمام، وكان اسمه منلاوس واسم أبوه طورانوس. فشق ذلك على يوحنا. ثم انه فعل كما أمره وأصلح له الحمام. فأتى منلاوس ودخل الحمام وأتى معه بمرة (أو: بامرأة) فاسدة فأدخلها معه الحمام وأفسدها داخله. فلما علم يوحنا أنهما قد خرجا من الحمام. قال للفتى: أنظر.... ها هنا لأنك أهنت وجهك الذي هو خُلق في تشبيه الله، لأنك أدخلت معك مرة (أو: امرأة) فاسدة...»

عند ذلك دنا منه الفتى وشال يده ولطم يوحنا. فقال له يوحنا: «حقاً أقول لك إن انت عاودت مرة أخرى إلى الحمام لم تخرج من ها هنا». فلما كان بعد يومين [بعث اثنين من عبيده]، قائلاً أصلح الحمام لابن سيد المدينة [فتصلح الحمام]. فبعد ساعة أتى ذلك الفتى ومعه تلك المرة (المرأة) الفاسدة. وكان يوحنا عند الوقّادين. فلما رجع قالوا له: «اذًا ابن سيد المدينة قد دخل الحمام ومعه تلك المرة (المرأة)». فلما سمع يوحنا الطاهر بأن معه المرة (المرأة) الفاسدة بكا وغمّه ذلك. وجلس حتى خرجا كلاهما لابسين ثيابهما. فلما أبصر الفتى قال له: «لك أعني (أو: يا ليت) يضربك يسوع المسيح الذي صلبوه اليهود ومات وقام لثلة أيام، وهو كلمة الله، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب. هو قادر أن يميتك مكانك».

فمن ساعته مع كلمة يوحنا ضربه ملاك الرب وموضعه مات. وجلس يوحنا مكانه والفتى ملقىً موضعه حذاءه والناس لما أروا (أو: رأوا) وجهه عرفوه. وذهب بعض الناس إلى أبيه وأعلمه بموت ابنه على باب الحمام. فنهض طورانوس بالعجلة، فشق ثيابه وعفَّر رأسه بالتراب وذهب يجري إلى الحمام. وكل من علم بخبره لحقه. فلما أرى ابنه ميتاً ويوحنا جالساً، قصدوه فجعلوا في عنقه جامعة (أي: سلسلة) واوثقوا يديه ورجليه بالحبال. وان طورانوس أمر بنزع ثيابه ليراه عريان. فلما عروه من ثوب خلق (أو: بال) وتبان ورداء بال كان متردي (أو: مرتدي) به، فأصابوا في عنقه صليب. فأمر طورانوس أن يؤخذ الصليب منه. فلما دنوا إليه ليأخذوه منه، خرجت نار من أربعة أركان ذلك الصليب فأحرقت أيديهم. وان الجماعة صرخوا بصوت عالي قائلين: «هذا رجل ساحر فاحتفظوا به حتى نسل (أو: نسأل) عنه أصحابه».

فأمر ذلك الأركون أن يجرّوه برجليه إلى داخل السجن، ويُدفن الميت. فأما الأركون فالقى نفسه على وجه ابنه. وكان يوحنا قد قال لهم ان ذلك الفتى لم يموت. وان كان مات فإني أقيمه. وفيما هم يجرّوه وسقندس صاحب الحمام بحذاءه يبكي، لأنه يوهم أن يوحنا سيقتل. وكان طورانوس يظن أنه يبكي من أجل ابنه. فقال يوحنا لسقندس: «لا تحزن ولا تفزع لأن روح القدس قد سرَّه أن يعلن أمره». فقال القديس لأب ذلك الفتى: «أمر (أو: مُر) الناس يسكتوا». ففعل. حينئذ صرخ يوحنا بصوت عالي وقال: «لك أقول يا منلاوس الفتى باسم الرب يسوع المسيح الذي صلبه اليهود بأورشليم ومات وقُبر وقام اليوم الثالث«. وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، لك أقول قم من مكانك. فمع كلمة يوحنا قام منلاوس الفتى وسجد على رجلي يوحنا. فلما أراه (أو: رآه) وفي عنقه جامعة وهو مكتوف الايدين بالحبال، وثب إليه الفتى وجعل يقبله. وانه حله وهدَّا الناس، وبدأ يقص من البدو (أو: البدء) أمْرَ الزانية ودخولها الحمام وكيف كان يوحنا يمنعهما عن ذلك ولم يطيعاه. وقالوا الناس: «فما فعل لك وأماتك؟» فقال لهم يوحنا: «هذا قال لي: "هكذا يضربك يسوع المسيح الذي صلبه اليهود بأورشليم ومات وقبر وقام لثلثة أيام. وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب". فمن ساعتي ضربني الملاك وأخذ نفسي. وأرات (أو: ورأيت) ما لا أطيق ثنيه (رئA: روى) بلسان الا ان يأذن لي يوحنا القديس».

عند ذلك طلبوا إلى يوحنا أن يأمره بالكلام. فقال له يوحنا: «تكلم». فقال: «رأيت ملائكة ليس لهم إحصاء ولهم أجنحة يغطون وجوههم ببعض أجنحتهم لئلا ينظروا الخالق، وببعض يغطون أرجلهم، وببعض يطيرون ويقولون قدوس قدوس قدوس الرب القدير الذي السماء والأرض مملوة من تسبحته. ورأيت اثنا (أو: اثني) عشر رجلاً في موضع واحد. وفي مكان آخر سبعين رجلاً وهم شاخصين الى السماء. ورأيت يمين انسان خرجت من وسط الملايكة شبه النار يأمرهم أن يخرجوا فيعمّدوا الناس باسم الاب والابن وروح القدس، وكل من يؤمن يحيا إلى الدهر. وفيما أنا فوق أرتعدُ من الخوف، قلت لهولائك السبعين رسلا: "من هذا؟" فقالوا لي: "هذا ابن الله الذي صلبوه اليهود بأورشليم، وكل ما رأيت فهو مالكه. لأنه قوة الله وحكمته، وهو الذي بعثه الى العالم لكيما يجذب الناس إلي أبيه".

«ونظرت اثنا عشر تلميذ، ورأيت يوحنا هذا معهم وهو لابس لباس بهي فاضل. وانه قام في أولهم بلسق (أو: بلصق) شيخ، وكانوا الاثنا عشر [ينظرونه بمحبة]. وكانت عيناه شاخصة إلى السماء، وهو باكي. فدنى منه الشيخ وقال له: "لِمَ تبكي يا ابني". فرد عليه جواباً قائلاً: "من أجل... وث مدينة أفسس". فسالت من اسم الشيخ: وقالوا لى: "هذا سمعان الصفا". ورأيت أيضاً أصابع التي أشارت إليه مع صوت يقول له: "كل ما سألت مني فقد قبلته منك واجبتك عنه". وفي ما أنا فزع، عرفت أنه الذي أردت قتله عندما وبَّخني بالزنا. ثم سمعت صوته فنزلت إليه وهذا أنا قائم عندكم. وأنا أسله (أو: أسأله) أن يقربني إلى الحق. وأنتم الذين رأيتم هذا العجب، فارجعوا عن ضلالتكم، وأبعدوا الأوثان عنكم، وتعالوا أن تكون له تلاميذ وتحيا أنفسنا ونصدق ونؤمن بالآب والابن وروح القدس من الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين».

فآمنوا أهل المدينة بأجمعهم ما خلا الصيارفة وكتّاب ارطامس وقالوا: هذا «من جنس ارطاميس ربتنا». وأما يوحنا فكان يصرخ قائلاً: «أنا انسان مثلكم ميت. ولكن ربي يسوع المسيح ابن الله الذي نزل وسكن في العذراء تسعة أشهر وولدته ولم يفك عذرتها، ودار في هذا العالم مثل انسان ما خلا الخطية وهو مثل الله أبيه. وصلبوه اليهود على الخشبة ومات وقُبر وقام لثلثة أيام. وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، وهو الذي انتخبني». فلما سمع الاركون هذا الكلام، خرَّ على وجهه مع ريسا (أو: رؤساء) المدينة وطلبوا اليه ان يعمدهم. وقالوا له: «كلامك كله حقّ». وكانوا (أو: وكان) ناسٌ مع ارطامس الاههم. فقالوا: «بل هذا (أو: هذه) أحق بالسجود من يسوع المصلوب». فآمن بالرب منهم في ذلك اليوم ستة وثلثين ألفاً وسبعة ماية وستة أنفس.

وأما كهنة ارطامس ومن معهم، فوضعوا القناديل قدام ارطامس وكانوا يسجدون لها. فهمّ الاركون ان يبعث اليهم ناس ليقتلهم. فقال لهم يوحنا: «لا تقتلوهم فان المسيح يردهم الى الحق بملاواتكم (أو: بهدوئكم)». فلما دنا الليل، عزموا الكفار ان يحرقوا المدينة بالنار ويقولون ان ارطامس غضبت فأحرقت المدينة.

فقال يوحنا للمؤمنين: «سيروا في المدينة، فمن لقيتم من الناس فقولوا لهم: "في المدينة موضعين الصلاة، الواحد للشياطين في بيت ارطامس والآخر ليسوع المسيح. حيث تريدون لتذهبوا واذهبوا"». وأمر يوحنا ان يهبوا موضع للمعمودية، وانه يكون واسعة اثنا عشر باع في اثنا عشر وعمقه باعين ونصف. فأمر واملوه (أو: فملاؤه) بدهن طيب.

وان يوحنا الفاضل سجد على الأرض ونظر إلى السماء وقال: «مقدَّسٌ الآب والابن وروح القدس إلى دهر الداهرين آمين». فقال الشعب كله: «آمين». عند ذلك رشم على الدهن بالصليب وصرخ بصوت عالي التسبحة للآب والابن وروح القدس آمين. فعلى المقام، فار الدهن واشتعل مثل النار ولا يحترق وملاكين باسطين أجنحتهما على النار يصرخون: «قدوس قدوس قدوس الرب العزيز». فلما رأوا الشعب هذا العجب، فزعوا وسجدوا نحو المشرق. فلما تقدس الدهن دنا من الماء، قال: «باسم الآب والابن وروح القدس إلى أبد الآبدين». فقالوا الشعب: «آمين». وان الملاكين أتيا فقاما على الماء وقالا: «قدوس قدوس قدوس الآب والابن وروح القدس». فقال يوحنا للشعب: «قوموا باذن الله». فقاموا ورفعوا أيديهم إلى السماء وقالوا: «نؤمن ونعترف الآب والابن وروح القدس». وان الاركون اقترب فنزع ثيابه فرشمه يوحنا بالدهن. حينئذ نزل في الماء فوضع السليح يده على رأسه وقال: «باسم الآب«، فقالوا «آمين» وقال الثانية: «باسم الابن». فقالوا:
«آمين«. وقال: «باسم روح القدس». فقالوا: «آمين». فإنه عمدّهم وكان عدد الذين عمَّد في ذلك اليوم تسعة وثلثين الفا وخمسة أنفس.

فلما كان بعد أيام، عزمَ يوحنا الطاهر أن يخرج من عندهم. فطلب اليه الاركون أن يقيم عندهم ولا يفارقهم. فقال له يوحنا: «أنا أحب أن تورني (أو: تُروني) موضع هؤلاء المضلين». فذهبوا إلى هيكل ارطامس، وهمّوا بقتل كهنتها، فمنعهم من ذلك يوحنا. فقال لهم: «اصنعوا لي هاهنا مظلة». فعزموا ان يبنوا له بناء جيد. وأبى عليهم. فقالوا كهنة ارطامس بعضهم لبعض: «تعالوا نقرِّب ذبيحة لارطميس لنعرف ما غضبُها علينا وكيف تركت المدينة فنكون فرقتين». فعلوا ذلك ودنوا الى ارطميس فكانوا يسمعوا من جوفها خشخشة وكلام خفى. وقالوا لهم الشياطين: «هذه المظلة الصغيرة تُهلك بيت أرطاميس الكبير، فلا تقاتلوا جدًّا، لأن الذي في المظلة إن دعا ربه خفْنا ان يهلكنا ويغرقنا كما غرق أصحابنا اذ كانوا في الخنازير (مر 5: 13). نحن نحرص ان لا نُغلَب. فان هو غلبنا فقد غلب ربُّه سيدَنا من قبلنا. «فقالوا الكهنة: «فمن سيد هذا الرجل؟« فقالوا: «هو ابن الله الذي نزل من السماء وتجسَّد، فظنه سيدُنا انه انسان. ولم يعلم انه اله وانه يقوم بعد الموت ويطلع إلى السماء. وهو حتى الآن غضبان علينا».

فلما سمعوا الكهنة هذا الكلام من شياطين ارطيمس فزعوا وعجبوا. وقالوا لهم الناس: «من ايش (أو: ماذا) تحيّركم؟ اخبرونا ما قالت ارطيمس ربتنا. اجابوا الكهنة قائلين: «ان ارطيمس قالت: «ان هذه المظلّة تعقر (: اقتلع) هذا الهيكل». وأمرتنا ان نفزع من هذا الرجل الذي في المظلة».

فقالوا الجماعة: «فمكفور بارطمس هذه التي ليس فيها خير. ان كان هذا الذي هو عبد وخادم ليس لها شدة قوة طاقة، فبكم مولاه أشد وأعظم!» وانهم ضربوا على وجوههم وصدورهم وقالوا: الويل لنا ولغفلتنا ولهلاكنا وخسران أنفسنا».

فقالوا لهم الكهنة: «افعلوا ما أحببتم. أما نحن فإنا نعبد من يُحيى ويُميت». حينئذ انطلقوا الى يوحنا الطاهر، وطلبوا اليه وسجدوا ليستغفر عنهم ويعمدهم.

وان الجماعة ربطوا الحبال في ارطيمس، وكانوا يجرروها في المدينة ويقولون لها: «يا سيدتنا قومي الآن فخلصي نفسك من هؤلاء الذين يجرروك. لعمري ما نزلت من السماء ولا كرامةَ لك. ولكن الصناع عملوك والشياطين يؤيدوك». ثم كسروها وذهبوا الى القديس يوحنا ومعهم الاركون فطلبوا اليه ان يستغفر لهم ويعمدهم.

فلما سمع فيلبس الدنس فعْلَ أهل أفسس، بعث الى يوحنا فاخرجه الى البرية، وبعث الى سيد المدينة فحبسه وأخذ كل شيء كان له، وتواعد (أو: وتوعّد) أهل المدينة بكل شر.

فلما كان بعد ثلثة أيام في نصف من الليل وقيصر نايم، فإذا قد ترايا (أو: تراءى) له رجل داخل اليه لابس بياض يلهب بالنور. فقال له: «افتح عينيك». عند ذلك رفع الملاك سيف كان معه يومئ به إلى بطنه. وقال له: «ردَّ الرجل الذي أخرجتَ من المدينة إلى مكانه. فان أنت لم تفعل ضربتك بهذا السيف في قلبك«. فمن ساعته أبكم لسانه وبقي يعوي مثل الكلب، وأمر أن يأتوه بقرطاس، وكتب إلى أهل بيته فدخلوا إليه. فكتب لهم قائلاً: «إن قدرتم أن لا ينام يوحنا حتى توجهوا به إلى أفسس مع كل من حُبس معه من أجله وبسببه من أهل أفسس».

وانهم ذهبوا إلى يوحنا فوافوه قائم يصلي الى المشرق. فقالوا له: «إن الملك قد أمر أن نبلغك إلى أفسس». فذهب معهم حتى وصل.

ثم أن روح القدس أمر متى أن يكتب الانجيل. ثم عاد على أثره مرقس وبعده لوقا. وان بطرس وبولس أتيا يوحنا في أفسس وسلما عليه. وفرح بهما فرح شديد. فقالوا له: «ان متى ومرقس ولوقا قد كتبوا أناجيل، ويجب أن تكتب أيضًا». وكان يوم دخول بطرس وبولس إلى أفسس يوم الاثنين. فمكثا عنده خمسة أيام. فطلبوا إليه ليكتب الانجيل، فقال لهما يوحنا: «يكون هوى الرب». فلما كان ليلة الأحد، في الوقت الذي قام فيه ربنا يسوع المسيح من القبر، خلا يوحنا وحده وجلس فكتب الانجيل، ثم خرج فناوله لبطرس ولبولس. فلما أشرقت الشمس خرجا به إلى هيكل الصلاة فقرآه قدام أهل المدينة، ثم صلوا وتقربوا القربان. ومكثا عند يوحنا ثلثين يوماً. وبعد ذلك، خرجا إلى أورشليم عند يعقوب وعادوا إلى انطاكية. وكان يوحنا الطاهر جالس في تلك المظلة شتاه وصيفه، حتى أتى عليه ماية سنة وعشرين سنة. ثم ان ربه كتمه في ذلك الموضع كما أخفى موسى في جبل ماب (أو: موآب). وكل من يصدق ويؤمن بالآب والابن وروح القدس وبالجرايح التي عملوا الرسل تلاميذ سيدنا المسيح، فيقبل من اله المغفرة ومن الصالحين الصلاة ويرث ملكوت ربنا يسوع المسيح الذي له التسبحة والمجد إلى دهر الداهرين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM