أخبار يوحنّا بن زبدى الرسول والإنجيلي

أخبار يوحنّا بن زبدى

الرسول والإنجيلي

النصوص

(4)([1]) أخبار([2]) يوحنّا بن زبدى، هذا الذي استلقى على صدر ربِّنا يسوع، في العشاء وقال: «يا ربّ، من الذي يسلِّمك» (يو 13: 25). هذا الخبر كتبه أوسيب القيصريّ حول القدِّيس يوحنّا، الذي وجدَه في كتاب يونانيّ، وفُسِّر إلى السريانيَّة إذ عرف سيرة حياته ومولده وإقامته في مدينة أفسس بعد صعود ربِّنا إلى السماء.([3])

بعد صعود ربِّنا إلى السماء([4])، وبعد أن تمَّت أيّام البنتكوستي (أو: العنصرة) وأتى البارقليط إلى العلِّيَّة، وامتلأ الرسل كلُّهم من الروح القدس، وتكلَّم كلُّ واحد منهم بلسان مختلف (أع 1-4)، عندئذٍ، بعد أيّام، كان تمنٍّ لكلِّ واحد منهم، بعد أن امتلأوا من الروح القدس، أن يَخرجوا ويكرزوا ويبشِّروا بحقيقة الوحيد، كلمة الله، لكي يُسمَع عِظَمُ الإيمانُ لكلِّ الشعوب التي تحت السماء. بعد أن أتمَّ سمعان كيفا (الصفا، بطرس) كلامه، (5) قالوا كلُّهم الواحد للآخر: «الآن بعد أن أتمَّ ربُّنا يسوع كلَّ ما ينبغي من أجل جنسنا الضعيف، ينبغي لنا أيضًا أن نعمل باهتمام كلَّ ما أُمرنا به. فهو قال لنا حين كان صاعدًا إلى السماء من قربنا وهو يباركنا: «اخرجوا، تلمذوا، عمِّدوا باسم الآب والابن والروح القدس» (مت 28: 19). «كلُّ من يؤمن ويعتمد يحيا (أو: يخلص، مر 16: 16). وبنا أيضًا يا إخوتي، يليق أن نتعب ونفلح (ونكدّ) في المسكونة كلِّها وأن نجول في البلدان ونبشِّر ونعلِّم كلَّ الذين يسجدون للأصنام ويسكبون السُكُبَ للشياطين، الذين ركعوا قدَّام التماثيل وسقطوا وسجدوا للشياطين الملعونين أبناء الشمال (مت 25: 33). نقوم بالعمل فيشرق النور في مسامعَ أعماها الشرِّير، وليُسحقْ أبو الكذب (يو 8: 44) تحت أرجلنا كلِّنا».

وحين قيلت هذه الكلمات في وسط جماعة الرسل المباركة، انفصلوا الواحد عن الآخر بالجسد. وإذ امتلأ كلُّ واحد منهم بالروح القدس الذي انبثق من الآب (يو 15: 26)، وأتى إليهم كما وعدهم الابن الحبيب، مضى كلُّ واحد منهم إلى المكان، والجهة التي جعلتْها له النعمة.

وخرج هذا القدِّيس البتول الذي هو يوحنّا بن زبدى، فرافقتْه النعمةُ بواسطة الروح (6) القدس واقتادته إلى أرض الأفسسيِّين، حيث يظفر رأسُ الأصنام وقدرتُه. حين انفصل (عنهم) وخرج من أورشليم، جعل وجهه لكي يمضي إلى أفسس. وفي اليوم الثالث من بعد أن خرج ليمضي في الطريق، أخذ الصليب الخشبيّ ووضعه قبالة المشرق. ثمَّ ركع وصلَّى قائلاً: «أيُّها الربُّ يسوع، الآن تمَّ وعدُك، ومن ملئك أخذنا كلُّنا (يو 1: 16). هَبِ الإكليل([5]) تلاميذك، بحيث يذكرون، يا ربّ، ميلادك من البتول ومسيرتك بين البشر وحاشك (آلامك) على الصليب وموتك ودخولك إلى القبر وقيامتك في اليوم الثالث وصعودك إلى أبيك في السماء. وفي كلِّ مكان (يذكرونه)، يتقوَّى جنس البشر الضعيف الذي مكرَ به الشرِّير في طفولته([6])، وسباهم وأضلَّهم ليعبدوا الأصنام ويذبحون للأبالسة، ويسجدون لحجارة لا حسَّ فيها. أجل يا ربّ! اسمع واستجبني. ليولول الشياطين وجوق الأبالسة في كلِّ مكان كرز واحدٌ منّا ببشارتك، ولتغتني كلُّ جماعة الرسل من صوت التهليل لك (7) الذي يُرعد في كلِّ مكان. ليرتجف الشياطين من الأصوات الراعدة داخل كنيستك. واذكر كنيستك التي اقتنيت بدمك الثمين (1 بط 1: 19)، التي وهب أبوك بأن تُرحَم بها الخليقةُ كلُّها.

«أنت يا ربّ، نور من نور. وإذ حسن لك في حبِّ أبيك، سِرتَ على الأرض وتنازلَتْ عظمتُك لترفعنا من الذلِّ الذي أحدرنا فيه قاتلُ البشر بواسطة حسده. فأنتَ قلت ونحن سمعنا بآذاننا البشريَّة: "أنا وأبي نحن واحد" (يو 10: 30). و"من رآني رأى الآب" (يو 14: 9). وبهذا الاتِّكال، يا ربّ، يتوسَّل إليك شبابي أن تسمع صلاتي. فأنا أيضًا متَّكل (واثق) أنِّي قبلتُ الروح القدس مع رفاقي ومنه اقتنيتُ وامتلأت، وكلُّ ما أسأل من أبيك باسمك، يهبُ لي (يو 15: 6)، ولا شيء يعصى على واحد من الذين يؤمنون بك (مر 9: 23): "فكلُّ ما يسألون ينالون" (مت 7: 7؛ 21: 22). نعم يا ربّ، هب لي أن أحلَّ في إنجيلك وأنجح في كلِّ حقّ، لأنِّي بالحقّ أتكلَّم. فأنت من البدء الكلمة الذي خرج (انبثق) من الآب. وأنت تراءيت في الجسد الذي من آدم، من البتول مريم التي حُفظت في بتوليَّتها. (8) ولم يكن وقتٌ كان الآب من دونك، أو أنت

من دونه. وأنت قَبْلَنا وضعتَ أساسات الأرض، فأحدرتك مراحمُك ودخلتَ من أذن البتول([7]). وحللتَ فيها تسعة أشهر، وخرجتَ منها، وكنتَ في العالم حقيرًا، صغيرًا. واخترْتَنا من العالم لكي يحيا العالم بكرازتنا.

«والآن يا ربّ، أنا أمضي إلى هذا الموضع الذي أرتْني إيّاه نعمتُك السماويَّة، فيعودون (إليك) ويتتلمذون ويتعمَّدون باسمك وباسم الآب الذي أرسلك، ويقبلون روحك القدُّوس الذي انبثق من الآب وها هو حلَّ فينا، وتُدمَّر أصنامُ الضلال. ابنِ لك في مدينة الكهنة (الوثنيِّين) هياكل لتمجيدك، وبدل مرتفعات السكائب للشياطين، مذابح لمساكنك. وهؤلاء الذين بأيدينا يمسكون الطريق والسبيل، يعودون إليك ويصعدون إليك المجد في كلِّ آن. آمين».

وإذ أنهى القدِّيس يوحنّا صلاته، تكلَّم معه ربُّنا يسوع من السماء وقال له: «سلامي وهبتُ لك (يو 14: 27)، و«لا أتركك يتيمًا» (آ18). «ها أنا معكم (9) إلى نهاية العالمَ» (مت 28: 20). «لا تخف، يا ابن زبدى، امضِ واكرز، ولا تهتمَّ بماذا تقول أو بماذا تتكلَّم (لو 12: 11). وحين تُعيد هذه المدينة وهذا المكان من الضلال، تستعدُّ أيضًا جماعةٌ أخرى من التلاميذ جدَّت في البشارة، لتأتي وترى كلَّ ما فعلتُ بيديك. امضِ ولا تتأخَّر».

وإذ انتهى من الكلام معه، قام يوحنّا وصار في الطريق واثقًا، وهو يرقص بفرح الروح القدس. وارتدى الزيّ الفلسطينيّ لباسًا، وسار حافيًا (مت 10: 10)، وأخذ يسير وهو يبشِّر([8]) في المدن وفي القرى حول ربِّنا يسوع المسيح ثمانية وأربعين يومًا. هناك من قال: «هو مجنون». وآخرون قالوا: «كلا، نتركه وشأنه. فهو آتٍ من مكان بعيد ولا يعرف آلهتنا الجبّارة، ولكن حين يدخل ويعلم، عندئذٍ يحبُّهم ويذبح لهم». ولكنَّ أناسًا كثيرين من آسية استمعوا إليه وأحبُّوه، وآمنوا وشرعوا يكرزون. وعمَّد منهم في ثلاثة أيّام مئتي نفس تقريبًا ومسَّتهم طريقُ الحقّ.

عندئذٍ خرج القدِّيس يوحنّا وسار فأتى إلى مدينة (10) الكهنوت. وكان قوته من الساعة التاسعة إلى الساعة التاسعة، مرَّة واحدة([9]). وحين أنهى صلاته، أخذ خبزًا وعشبًا مع كاسة عدس، اشتراها وهو يمضي من مدينة إلى مدينة. فأكل وشرب الماء فقط([10])، واجتذب نفسه لئلاَّ يختلط مع الوثنيِّين.

هذا (الرجل) العظيم والمختار – كما وجدنا في الكتب التي كُتبت في الكراريس، في أرشيف نيرون الملك الشرِّير – يوحنّا القدِّيس، أتى وبلغ إلى أفسس المدينة. ورفع عينيه ونظر، فإذا دخان صاعدٌ من داخل مدينة أفسس، لأنَّه كان عيد الوثنيّين وكانوا يذبحون للشياطين([11]). فنهض متعجِّبًا وقال: «ما هو هذا الحريق الذي يُخفي الشمس بحيث لا تظهر على منازل المدينة؟» وإذ أمسكه الجزع، أتى وبلغ إلى الباب الجنوبيّ، ورفع عينيه فنظر، وها تمثال أرطاميس الوثنيَّة قائمٌ فوق الباب. صُوِّرت لهم بألوان، وجُعل الذهب على شفتيها، وعُلِّق منديل من البصِّ بوجهها، وأُشعل قنديل قدَّامها.

حين نظر القدِّيس يوحنّا ورآها، تأمَّل فيها وتحسَّر وبكى على المدينة([12]). وترك (المكان) ومضى من هناك إلى باب آخر. (11) فرأى هناك الشيء عينه (ع؛ثر). ودار فرأى المشهد عينه (هكذا) في كلِّ الأبواب. وأخيرًا اقترب إلى (الباب) الشرقيّ، وقال لامرأة عجوز كانت قائمة وساجدة لها، أجاب وقال لها بلسان المكان: «يا امرأة، أراك أنَّك متقدِّمة في السنين. من هو هذا الصنم الذي له تسجدين؟» فقالت له: «أما تعرف، يا ابني، ماذا أنت راء؟ هذه هي ربَّتُنا. نزلتْ صورتُها من السماء، وهي تُطعم كلَّ البشر». أمّا هو، الفتى بجسده والذي هو أرفع من إكليل إخوته كلِّهم، القدِّيس والبتول يوحنّا، ففار (دمُه) عليها وقال: «كوني هادئة، أيَّتها العجوز، لأنَّ عقلك عتُق بذبائح الوثنيِّين. لا تشرحي

لي عن ابنة الشيطان». فانحنت وملأت حفنتيها ترابًا وبحصًا وذرَّتها في عينيه فتركها ومضى من هناك. وافترق من هناك قليلاً، ووضع ركبتيه على الأرض وصلَّى وتضرَّع، ووضع وجهه بين ركبتيه([13])، من الساعة التاسعة إلى الساعة التاسعة (أي: 12 ساعة متواصلة)، وبكى وناح وقال: «أيُّها الربُّ الإله القدير والجبّار، يا طويل الروح وكثير النعمة، أنتَ من البدء أطلتَ (12) روحك مئة سنة على الذين دُعوا إلى التوبة من بيت نوح وما تابوا([14]) حتّى أتى الطوفان وغسل كلَّ هذا الجيل. أنت أرسلت ابنك الوحيد، الحبيب، فأحيا العالم بيده، أتى وصنع الصالحات على مثالك، لأنَّه خرج منك (يو 16: 27-28). أنت، حين عبد شعبُ إسرائيل العجل (خر 32: 10)، ركَّبت علَّة وقلت لموسى: "اتركني فأدمِّر هذا الشعب"، لأنَّه لم يكرمك. أردتَ أن يتوسَّل إليك لأنَّك تشاء كثيرًا حياة البشر. هكذا أيضًا ابنك الحبيب ربُّنا يسوع المسيح، إذ أمسكه اليهود ليقتلوه، صلَّى وقال: "اغفر لهم لأنَّهم لا يعرفون ماذا يصنعون" ((لو 23: 34). هذه المراحم التي فيك على الدوام، هي موجودة أيضًا في ابنك الحبيب، لأنَّكما واحد. أعِدْ أيُّها الربُّ قلبَ هؤلاء الضالِّين، فها هم يضجُّون ويزحفون قدَّام الشياطين. أنت أتيتَ وقتلتَ الشرِّير، فلا يرفعْ رأسَه في جماعة هذه المدينة، ولا يُسَمع صوت ضجيج كذب الشياطين. مُتَّ مرَّة واحدة فأحييتنا معك. ادفعِ الشيطان، فإنه أحدر وأذلَّ الصورة التي خلقتَ على شبهك قدَّام جوقة شياطينه لتذلّ الصورُ الخربة، لا في هذا المكان فقط بل (13) في كلِّ قطر تُسرع فيه كرازتُنا.

«نعم، يا ربّ، أنت علَّمتنا أن نسير في هذا العالم بالتواضع والوداعة (مت 11: 29)، فاسمع صلاة عبدك يوحنّا، فأدخُلَ إلى هذه المدينة وأنا حامل علامة صليبك، وقدِّم طريقي إلى جانب اليمين. وحيث ترتاح أنت، لأجدْ لي هناك بيت ثواب مثل أجار، حتّى تُتلمَذ يا ربّ هذه المدينة وتَعترف باسمك (القدُّوس)».

وإذ دخل بابَ أفسس ونظر جانب اليمين، رأى هناك حمَّامًا بُنيَ لغسل الجسد. ومال إلى هناك، وها رجل حمّاميّ (أي يحفظ الحمّام) اسمه ساكوندس. فتكلَّم معه القدِّيس يوحنّا وقال له بلسان المكان([15]): «لك أقول، أيُّها الرجل، هل ترضى أن يعمل معك (رجل) غريب؟» فقال له الحمّاميّ ساكوندس: «كم تطلبُ منِّي في اليوم؟» فقال له القدِّيس يوحنّا: «هب لي ما تريد أن تعطيني.» وحدَّد له مئة فلس في اليوم الواحد. فقبله وأدخله لكي يعمل معه في مهنته، فكان يقرِّب الحطب (14) للذين يُشعلون الحمّام. ولبث عنده أربعين يومًا يأخذ أجر كلِّ يوم بيومه.

وأجاب ساكوندس الحمّاميّ وقال للقدِّيس: «أريد أن أعرف ماذا تفعل بأجارك. ففي كلِّ هذه الأيّام ما اشتريتَ لك حذاء ولا رداء. قل لي إن كان هذا كافيًا. وإلاَّ فأَجمعُ أجرك عندي وأنا أشتري لك ما تطلب، لأنَّك رجل غريب ولا أهل لك هنا». فقال القدِّيس يوحنّا لساكوندس الحمّاميّ: «لي معلِّم وهو أمرني كما أمر التلاميذ رفاقي بأن لا يقتني إنسانٌ ذهبًا ولا فضَّة ولا نحاسًا في الكيس ولا ثوبين (مت 10: 9-10). ولا أستطيع أن أستخفَّ بوصيَّته وإلاَّ سخط عليَّ». فقال له ساكوندس: «فمن هو معلِّمك هذا، وما اسمه؟ يليق (بك) أن تعرِّفني به لئلاَّ يأتي ويهاجمني. وإن هو رجل قاسٍ يسلِّمني (إلى الحاكم) فيُريني في خسارة كبيرة إنَّه أمرٌ بغيض (15) وممقوت قدَّام الناموس أن يقبل إنسانٌ عبدًا من دون سيِّده».

فأجاب القدِّيس يوحنّا وقال لساكوندس الحمّاميّ: «لا تخف، يا ابن الأحرار، لأنَّ سيِّدي لا يسخط عليك وهو أرسلني ووجَّهني إليك». فقال ساكوندس: «ولماذا لم تقل لي حتّى اليوم إنَّك عبد ولك سيِّد». فقال له القدِّيس يوحنّا: «سيِّدي هو "في السماء، وكلُّ ما شاء صنع" (مز 115: 3) في الأرض وفي البحار وفي الغمار كلِّها. بإشارة منه صُنع كلُّ شيء "ما يُرى وما لا يُرى" (كو 1: 16). هو أتقن كلَّ البرايا، وصنع النيِّرات في جلد السماء. ثمَّ جبل آدم بصورته. وإذ أتى الشيطان بحسده ونصح حوّاء فسمعت كلمته، خطَّأت آدم فتجاوز الوصيَّة وخرج من الفردوس. وصارا طريدين وفلحا الأرض ونميا وكثرا وملأا الأرض. وجال الشيطان واحتال وملأ البشريَّة كلَّها بمحبَّة الأصنام، بحيث يذبحون للشياطين ويسجدون لصنع أيديهم فجعلهم ينسون الخالق ويكرِّمون ما ليس بآلهة.

«ولكنَّ (16) الإله الصالح أطال عليهم روحه حتّى نوح حبيبه، فجعله "كاروزًا" مئة سنة حين صنع له سفينة بحيث يرَون ويتوبون ويعودون من شرِّ أعمالهم. وإذ احتقروا خالقَنا، صعد غضبُه وأرسل مياه الطوفان فغسلهم كلَّهم. وبعد أن مُنعت مياه الطوفان عن الأرض، أقيم عالمٌ انطلاقًا من نوح وتواصلت الأجيال، وانسكن العالم بإشارة من الخالق، ومالت عقول البشر ليفلحوا الإثم والشرّ ويرجعوا عن الإله الحيّ. فتجلَّت مراحمُ جابلِ البشر وأشفق على كلِّ ذلِّ جنسنا هذا الضعيف، فأرسل الأنبياء ليكرزوا بحقيقته، فما أرادوا أن يسمعوا لهم. وهناك من ضربوه وهناك من رجموه.

«أمّا في هذا الزمان الذي هو الأخير، فأرسل الابن الأوحد، وحيده الحبيب الذي هو له منذ كان، فدخل من أذن ابنة البشر وحلَّ فيها تسعة أشهر دون أن يبتعد عن الذي أرسله، والذي منه امتلأت الأعالي والأعماق فتأتمر بمشيئة أبيه. وإذ تمَّت التسعةُ أشهر خرج من ابنة البشر الكلمةُ الذي صار بشرًا، وما فسدت آثار بتوليَّتها إلى الأبد. وتربَّى في الجسد بين الناس ومشى بين الناس مثل (17) إنسان، وهو كلمة الله، "ما عدا الخطيئة" (عب 4: 15) وارتفع إلى "القامة التامَّة" (أف 4: 13) في "الثلاثين سنة" (لو 3: 23). واختار له رسلاً (مر 3: 13) وتعلَّقوا به وهو يسير في البرِّيَّة. وصنع الخمر من الماء في قانا خلال الوليمة (يو 2: 1ي). وإذ نقص الخبز، أشبع أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد (مت 15: 32ي) من خمسة أرغفة الشعير (يو 6: 9). فأكلوا وفضل عنهم، وحملوا وأوصلوا إلى بيوتهم قدْر ما شاؤوا. وأيضًا في وقت آخر أشبع الآلاف في البرِّيَّة بعد أن شفى العرج والمرضى وفتح (عيون) العميان ومنهم من هم أحياء حتّى الآن. وأعطى السمع للطرش، وطهَّر البرص، وبعث (من الموت) ابنة يائيرس رئيس المجمع التي ماتت، وها هي حيَّة (حرفيًّا: قائمة) مع أبيها في المدن العشر. وإن أردتَ أن نمضي إلى هناك تعلم (ذلك) منها([16]). و(بعث من الموت) ابن الأرملة في مدينة نائين (لو 7: 11ي) إذ كانوا ماضين ليقبروه، ولعازر الذي وضعوه في القبر أربعة أيّام (يو 11: 39).

«ها هي أمور كثيرة تستطيع أن تسمعها إن وهبتَ لي أذنك، فتؤمن وتكون له عبدًا، يا ساكوندس. (18) وبعد اثنتين وثلاثين سنة، وبعد أن دخلت السنة الثالثة والثلاثون، مقتَه شعبُ اليهود وأبغضوا أعماله الصالحة كما استخفُّوا بأبيه. فصنعوا لنفوسهم عجلاً في حوريب([17])، وأسلموه إلى بيلاطس الوالي، فعذَّبوه وعرَّوه من ثيابه وهزئوا به وبصقوا في وجهه، وجدلوا إكليلاً من الشوك ووضعوه على رأسه، وصلبوه على الخشبة ووهبوا له خلاَّ ومرًّا لكي يشرب، وضربوه بالحربة في جبنه([18]). أمّا هو فصرخ بصوت عظيم على الصليب([19]).

«وإذ تمَّت كرازةُ الأنبياء، أظلمت الشمسُ من الساعة السادسة إلى التاسعة، وكانت ظلمةٌ في الأرض كلِّها، في يوم الجمعة، وانشقَّ حجابُ الهيكل وانفتحت العجلة([20]) والصخور التي تغلق باب القبر القريب من أورشليم، وخرج الموتى ودخلوا إلى المدينة وهم يصرخون بصوت عالٍ وأتوا وسجدوا له وهو مُعلَّق على الخشبة، وكثيرون منهم قاموا (من بين الأموات) وأنزلوه عن الخشبة: رجل مملوء بالحقّ، يوسف الرجل الوجيه، لفَّه بكفن من كتّان (19) ووضعه في القبر. وفي اليوم الثالث، قام من بين الأموات، فرأيناه وتكلَّمنا معه وأكلنا الخبز معه وجسسناه وآمنّا وتثبَّتنا أنَّه هو الكلمة الذي صار بشرًا

وحلَّ بيننا (يو 1: 14). وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه، ووهب لنا السلطان بأن نعطي الحياة والخيرات لكلِّ من يؤمن باسمه وقال لنا: "اخرجوا، تلمذوهم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. كلُّ من يؤمن ويعتمد يحيا (أو: يخلص)."

«والآن أتوسَّل إليك، يا ساكوندس، امتحنتُك في هذه الأيّام (فعرفتُ) بأنَّك لست رجلاً مجدِّفًا. بل أنت مملوء بالصالحات ومحبّ للغرباء، فاقبلْ ما تكلَّمتُ به قدَّامك ولا تحسبني دجّالاً. ولكن إن أردت فتعالَ معي إلى أرض الجليل فأدلّك على الأموات وعلى العميان وعلى المكفوفين وعلى العرج وعلى البرص، الذين طهَّرهم وشفاهم، والذين أقامهم (من الموت). ولكن إن لم تشأ فتأتي وتؤمن، فأنت أعظم منِّي (رج يو 20: 29) أنا الذي رأيتُه وكنتُ معه. أمّا إذا آمنتَ أنَّه هو الله الذي صنع هذه (الأشياء)، فهو يعود إليك ويبيِّضك([21]) ويقدِّسك من زفر([22]) الذبائح النجسة. نعم يا أخي، أرحني فيتبارك منزلك (20) وتكون معروفًا قدَّامه في العالم الجديد».

وكان ساكوندس الحمّاميّ، جالسًا ومندهشًا، ومتعجِّبًا من كلِّ ما سمع من يوحنّا. وشرع يقول له: «ما أدهش ما قلتَ لي وهو يدعو إلى العجب! فإن لم يكن هو الله، ولو لم يكن نزل من السماء، فيليق بنا أن نؤمن به وندعوه الله، لأنَّه خرج من الحشا وما أفسد علامات البتوليَّة حين خرج. وهي جنحة عظيمة أن لا يؤمن الإنسان أنَّه الله الذي يبعث الموتى (من القبور)، والخالق الذي صنع من الماء خمرًا. وهو المسلَّط على جبلتنا. ولأجل هذا، فتح (عيون العميان) وشفى (المرضى) وطهَّر (البرص). هذا يليق به أن يُدعى الله، لا هذه (الإلاهة) التي قدَّمتُ لها منذ ستِّين سنة، الكثير أو القليل من النذور والذبائح. وما فتحتْ عينَي ابني الأعمى.

«فالآن، يا ابني يوحنّا، ليُحفظ هذا الذي تكلَّمنا به سرًّا، ولا يُكشف حتّى الوقت الذي فيه يريد ربُّك أن يكشفه، ولاسيَّما أنَّك رجل غريب، لئلاَّ يُسمع عنك أنَّك لا تسجد لأرطاميس فيُحرقونك (بالنار). فالآن، أنا سلَّمتُ وآمنتُ وتأكَّدتُ من كلِّ ما قلتَ. فاقتنعْ أنت منِّي واقبلْ عليك تدبير هذا الحمّام، ولتكن عيناك على الأجراء. أنت تكون مسلَّطًا على (21) المداخيل وعلى النفقة كلِّها». ولكنَّ يوحنّا قال له: «لا يليق بي أن آكل دون أن أعمل»([23]). فقال له ساكوندس: «تعبك أقسى من ذاك الذي يعمل». فاقتنع منه القدِّيس وقبلَ عليه أن يتقبَّل غلَّة الحمّام ويقدِّم الحساب من صباح إلى صباح.

أمّا ساكوندس فاندهش هو وبنو بيته: لِمَ كثُرَتْ غلَّة الحمّام في هذه الأيّام التي كانت اثنتين وعشرين يومًا. وخصوصًا أنَّه سبق ونزل وتكلَّم مع القدِّيس وسأله: «كيف يمكن أن تجعلني لك رفيقًا؟» فقال يوحنّا: «بعد أن تُفتح عينا ابنك فيعتمد».

وفي اليوم الخامس والعشرين، بعد أن مرَّت ساعة من النهار، أتى ابنُ الوالي الذي اسمه منلاوس واسم أبيه تيرانّس، وأكره القدِّيس أن يُقفَل الحمّام ويهيَّأ. وما كُشف للقدِّيس (يوحنّا) أنَّ إنسانًا دخل معه إلى الحمّام. فأمر القدِّيس فهُيِّئ الحمّام، وأتى منلاوس هذا لكي يستحمَّ وأدخل معه إلى الحمّام امرأة زانية وكان معها في الحمّام. وحين خرج من استحمامه، قال له يوحنّا: «لا تأتِ إلى هنا مرَّة أخرى لأنَّك صنعتَ قباحة كبيرة (22) لشخصك المخلوق على صورة الله، لأنَّك دخلتَ مع امرأة زانية وما استحيت أن ترى عريها وهي رأت عريك». ففار (دم) منلاوس على القدِّيس وضربه.

فقال له يوحنّا القدِّيس: «إن حصل وأتيت هنا، فمن هنا لن تخرج». وبعد يومين، أرسل اثنين من عبيده لكي يهيِّئوا الحمّام. وحين هيّأا الحمّام، أتى ليستحمَّ وأتت معه الزانية السابقة. أمّا القدِّيس يوحنّا فخرج بتدبير الله

ربِّنا، لكي يلاحظ الذين يُشعلون (الحمّام). وإذ أتى سأل: «لماذا يُغلَق باب الحمّام؟» فقالوا له: «منلاوس ابن الوالي هو في الداخل». وإذ سمع القدِّيس أنَّه في الداخل وأنَّ الزانية معه، تضايق وانزعج واضطرب. ولبث (هناك) حتّى خرج اثناهما، وما نظر إليهما حتّى ارتديا ثيابهما. وإذ اكتسيا بعد أن استحمّا، التفت وتطلَّع فيهما، وقال للشابّ: «لينتهرْك يسوع الذي صلبه اليهود على الخشبة، ومات وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء وهو عن يمين أبيه: ستسقط وتموت في مكانك.»

(23) وفي الحال، ضربه ملاك الربِّ فمات في مكانه. وإذ كان مُلقى (أرضًا) كان القدِّيس يوحنّا جالسًا في مكانه. وفي الحال، خرجت الزانية بولولة عظيمة، وهي تضع يديها على رأسها. وإذ سمع الذين حول الحمّام، أتوا ورأوا، في رهبة، أنَّ الشابَّ ميتٌ ومُلقى (على الأرض)، والقدِّيس جالسٌ إلى جانبه. ونظروا إلى وجهه فعرفوا أنَّه منلاوس ابن الوالي. وأسرع الحزن والولولة في السوق كلِّه. كان وقتُ الطعام وأبوه جالس (إلى المائدة) وينتظره ليصعد ويتغدَّى معه. فدخلوا وقال له: «ابنك وحيدك، ميتٌ ومُلقى في الحمّام». فقام تيرانس بسرعة ورمى الرماد على رأسه، ومزَّق ثيابه. وأتى مسرعًا إلى الحمّام، لدى ابنه، وجمعٌ كبير معه. فأتى ودخل فرأى ابنه ميتًا وملقى (على الأرض)، والقدِّيس يوحنّا جالسًا إلى جانبه.

فأمسكوا يوحنّا وألقوا الحبال في يديه ورجليه وقيودًا قاسية في عنقه. أمّا أبو الشابّ فولول ولولة عظيمة، وأمر فعرَّوا يوحنّا ليروا ماذا يرتدي. وإذ رفعوا القميص والمئزر (24) البالي الذي يرتديه، وجدوا عليه صليبًا معلَّقًا بعنقه وكان من خشب. فأمر الوالي، أبو الشابّ، أن يرفعوه. وإذ مدّوا أيديهم ليرفعوه، كانت أربعة ألسنة من نار فأحرقت أيدي أولئك الذين اقتربوا منه (مثل إيليا، رج 2 مل 1: 10). فصرخ الجمع كلُّه: «هذا الرجل هو ساحر، ليُحفَظ هذا الرجل اليوم وليُسأل كم من الرفاق له». وأمر الوالي أن يُجرَّ هذا القدِّيس ويُدخَل إلى السجن إلى أن يُقبَر الشابُّ ابنه. فصرخ القدِّيس: «ليس الشابُّ ميتًا». فأمر أبوه فرفعوه وقلبوه، فوضع فمه (أو: نسمته) على فمه، فإذا هو يشبه الحجر الذي لا إحساس فيه. ولكنَّ القدِّيس قال: «ليس ميتًا» وإذ رأوا أيضًا أنَّه ميت، قال لهم القدِّيس: «إن هو ميت فأنا أحييه».

وإذ كانوا يجرُّون القدِّيس لكي يمضي إلى السجن، قام ساكوندس الحمّاميّ، وبكى في وسط الشعب بألم وحسرة. فطلب القدِّيس يوحنّا من تيرانس أن يدعو إليه ساكوندس الحمّاميّ. فأمر الوالي، فأمسكوا ساكوندس وأدخلوه (25) إليه. وكان ساكوندس يبكي من أجل يوحنّا. فظنَّ أنَّهم سيقتلون يوحنّا. أمّا أبو الشابّ فظنَّ أنَّه يبكي لأجل الشابّ. فأجاب القدِّيس وهو مكبَّل لساكوندس: «لا تخف، يا ساكوندس، ولا تكتئب. فاليوم يكشف الروح القدس الحقيقة».

كان الشعبُ الكثير مضطربًا. فأقنع القدِّيس يوحنّا الوالي بأن يأمر الشعب ليصمت. فأمر فصمت الشعب. فوقف القدِّيس يوحنّا وهتف بصوت عظيم وقال: «لك أقول، أيُّها الشابُّ منلاوس، باسم يسوع المسيح الإله، ذاك الذي صلبه اليهود وقتلوه في أورشليم، ومات وقُبر في اليوم الثالث وها هو في أعلى السماء عن يمين أبيه، قمْ!» وفي الحال، تشدَّد وقام.

فاندهش شعبُ المدينة كلِّها. وسقط الشابُّ على وجهه أمام القدِّيس يوحنّا، ورأى القيود في عنقه، والحبل يربط يديه ورجليه، فحلَّها ذاك الشابُّ. وقبَّل رأس رجلَي القدِّيس يوحنّا. واقترب الشابّ، ووقف في مكانٍ عالٍ قدّام الشعب. ورفع يده وشرع يتكلَّم من البدء: كيف أتى إلى الحمّام، وكلَّ ما حصل. وروى (26) بصوت عالٍ كيف زنى بامرأة زانية، وكيف أمره القدِّيس أن لا يأتي. وشرعوا يصيحون: «ماذا صنع لك فمتَّ؟» فقال لهم: «هذا ما قال لي: "لينتهرك ربِّي يسوع الذي صلبه اليهود في أورشليم، ومات وقُبر وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه". وفي الحال ضربني الملاك فسقطتُ، فشدَّني وأخذ نفسي، وقرَّبني فرأيتُ المجد والرؤية المخيفة التي لا يقدر إنسان من الناس أن يرويها كما رأيتها، بل قليل من كثير إن أمرني هذا القائم قدَّامكم أن أقول».

وفي الحال، سقط والد الشابِّ على وجهه قدَّام يوحنّا وقال له: «أطلبُ منك، يا سيِّدي، اسمح للشابِّ بأن يتكلَّم ولا تسخط عليه». فأشار القدِّيس إلى الشابِّ لكي يتكلَّم. فأجاب الشابُّ وقال: «رأيتُ مركبة الكروبيم([24])، والسرافيم اللامعدودين الذين لهم أجنحة، وهم يُخفون وجوههم لئلاَّ ينظروا في الخالق. ويهتفون: قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس، الربُّ القدير، الذي امتلأت السماوات والأرض من أمجاده([25]). ورأيتُ اثني عشر رجلاً في جوقة واحدة([26])، وفي (جوقة) أخرى، اثنين وسبعين([27]).

«عددتُهم فوقفوا ورفعوا رؤوسهم إلى السماء، وامتدَّت يمينٌ من بين الكروبيم، تشبه النار، وأمرتهم بصوت مريح وعذب: "اخرجوا، تلمذوا، (27) وعمِّدوا باسم الآب والابن والروح القدس. كلُّ من يؤمن ويعتمد يحيا (يخلص)». فارتعدتُ، وإذ أنا خائف، اقتربتُ إلى هذه الجوقة العظيمة من اثنين وسبعين، وتوسَّلتُ إليهم أن يقولوا لي: "ما هذا". فأجابوا وقالوا لي: "هذا هو ابن الله، هذا الذي صلبه اليهود في أورشليم. هذا، يا ابني، كلّ ما رأيتَ. وهو متعلِّق بإشارة منه وقائم. وهو يحمل جميع متقنات العلى، وبقدرته تقوم كلُّ البرايا السفليَّة لأنَّه قدرةُ الآب وحكمته، وهو أرسله لكي يخلِّص كلَّ الذين يلتصقون به وإليه يلجأون، فيقود ويجلب إلى أبيه كلَّ من يؤمن به. وهو الذي وعد حين كان يسير على الأرض: 'أنا الخبز الحيُّ الذي نزل من السماء' (يو 6: 51). و'كلُّ من يأكل من جسدي يحيا'». وإذ تبيَّنتُ روايته الحقيقيَّة، نظرتُ في جوق الاثني عشر فرأيتُ هناك، هذا الواقف قدَّامكم وهو لابس (الثياب) البيضاء، البهيَّة، وقائم في رأس([28]) جوقة الاثني عشر، تجاه رجل

شيخ([29])، وعيون هؤلاء الأحد عشر ينظرون إليه بمحبَّة لكي يقرِّب الطلبة من أجلهم. ولكنَّ عينيه كانتا مرتفعتين إلى العلاء وتبكيان. فاقترب الرجل الشيخ (28) وسأله: "يا ابني، لماذا تبكي وتتضرَّع هكذا؟" فعرفتُ حين سألتُ جوقة السبعين أنَّ سمعان هو اسم الشيخ والقدِّيس يوحنّا صنع مشيئة سمعان وقال له: «بسبب ضلال مدينة أفسس أنا أبكي، فهي تنحني مع أولادها وتسجد للشياطين الذين يسكنون في الأصنام الخربة".

«ورأيتُ صوتًا مريحًا يشير إليه بإصبعه (ويقول): "امضِ! كلُّ ما صلَّيتَ قدَّامي يكون". وإذ ارتعدتُ تبيَّنتُه، فإذا هو ذاك الذي قمتُ عليه لكي أقتله في الحمّام، لأنَّه منعني من الزنى. وإذ اندهشتُ من البراهين الكثيرة، سمعَتْ نفسي صوتَه فأتى وأحيا (ني). وها أنا قائم (من الموت) قدَّامكم. والآن، ها أنا أتضرَّع إليه لكي يقرِّبني من الإشارة الحيَّة (سمة العماد) ويجعلني له تلميذًا. وأنتم الذين رأيتُم هذه المعجزة، عودوا عن الضلال واحتقروا الأصنام فنكون له تلاميذ فيُحيي نفوسنا بحيث لا تَهلك بأيدينا. وحين يقدِّسنا، عندئذٍ نشكره ونعترف له ونحن مؤمنون بالآب والابن والروح القدس، الآن وفي كلِّ آن وإلى دهر (29) الدهور. آمين».

وأتى جمعٌ كبير واجتمع هناك. وخرج لهم خارجًا من الحمّام والد الشابِّ وهو يمسك (بيد) القدِّيس. وأتى هذا الشابُّ ويداه مرتفعتان إلى السماء. فأتوا وبلغوا إلى السوق العظيم في وسط المدينة. واجتمعت المدينةُ كلُّها. وكان ذلك الوقت الساعةَ التاسعة. واضطربت المدينةُ كلُّها، الرجال والنساء والفتيان. أمّا الكهنة فحين رأوا الآية التي حصلت، والشابَّ واقفًا وهو يكرز بالبشارة، قالوا: «هذا من جنس أرطاميس، ربَّتنا». أمّا القدِّيس يوحنّا فصاح: «أنا إنسان متألِّم. اختارني الربُّ يسوع ابن الله الذي نزل من السماء ودخل من أذن البتول وحلَّ في حشاها تسعة أشهر، وخرج منها دون أن يُفسد علاماتِ بتوليَّتها، وسار في العالم مثل إنسان، ما عدا الخطيئة، إذ هو إله مثل أبيه. فأمسكه اليهود وصلبوه على الخشبة في أورشليم. ومات وقُبر وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه».

وإذ سمع الوالي، أبو الشابّ، هذه (الكلمات)، سقط على وجهه قدَّام القدِّيس، هو وكلُّ رؤساء المدينة، من التاسعة حتّى الساعة الحادية عشرة. واندهشوا من هذا، رجالاً ونساء. ونصف (30) الجمع أخذ يصرخ: «حقًّا، عظيمٌ هو هذا السرّ! ويسوع ينبغي أن نسجد له لأنَّه الله». وقال آخرون: «لأرطاميس ينبغي السجود». أمّا الذين استحقُّوا أن يؤمنوا مع بناتهم وبنيهم فكانوا 36706 أنفس. أُحصُوا في عصر هذا المساء، وأعطيَ الحساب للوالي. وإذ كان التعبُ كبيرًا والضجيجُ، واليوم مال ليغطس (في الليل)، ساند يوحنّا الوالي ليقوم ويقول له: «قم، يا شجرة حلوة، يا من وهب ثمارًا باكرة، رائحتُها حلوة وتفوح بعطر البشارة. قُم، يا أخي ومُر العظماء القائمين معك. قمْ وارفعْ رأسك ولا تَحْنِه بعد، ولا تسجد لي لأنِّي أنا عبد مصنوع ومخلوق، بل اسجُدْ لذاك الذي صوَّرنا وخلقنا، واشكره». والعظماء كلُّهم رفعوا رؤوسهم وهم راكعون على ركبهم، ونظروا في القدِّيس فرأوا وجهه مثل النور، فأخفوا وجوههم في الأرض وهم خائفون (مثل موسى، خر 34: 30). وظنُّوا في ذلك الوقت أنَّ حياتهم تزول من بين البشر. وإذ كانوا خائفين رفعوا أصواتهم وهم يصيحون: «حقًّا، عظيمٌ هو هذا (31) الإله الذي كُرز به حديثًا في مدينتنا، وهؤلاء هم مصنوعون وما كانوا آلهة، ونحن عبيد هذا (الإله) ولا نتبدَّل بحيث نحني رأسنا للأصنام التي لم تفِدْنا (في الماضي) ولا تفيدنا (اليوم). فنطلب منك وأنت عبده (= الله)، قرِّبْنا قدَّامه فنعرف طرقه، وأرِنا سبله لأنَّ العبد الصالح الذي يحبُّ سيِّده يعرف كيف يفعل مشيئته وسيِّده، يسمع له».

وحين سمع القدِّيس هذه (الأقوال)، ابتهج في الروح القدس، وبسط يديه باتِّجاههم وأقامهم وقال لهم: «سلام لكم، أيُّها القطيع الصغير، لأنَّ أباكم (السماويّ) شاء أن يهب لكم الملكوت (لو 12: 32) المحفوظ لأحبّائه. قم، أيُّها الجمع الجديد الذي اجتمع اليوم ليسمع إنجيل يسوع ابن الله. أَطلُب منكم يا إخوتي: ليعطِ الواحد الآخر السلام بالقبلة المقدَّسة([30])، لأنَّ الزمان قصير (1 كو 7: 29)، والشمس أتمَّت مسيرتها التي أمرها ذاك الذي أكرزُ به لكم، لكي تسير مسيرتَها. وخصوصًا لأنَّ هنا أناسًا لم يذوقوا حتَّى الآن خبزًا (مر 6: 35) أو ماء. فهؤلاء يصرخون بصوتٍ عالٍ: « حلوة كلماتك (32) لسقف حنكي، أطيب من العسل للفم (مز 119: 103). حقًّا، نحن جياع ونحن عطاش ونتقبَّل القوت من كلمتك العذبة».

فأقنع القدِّيس يوحنّا الوالي لكي يحلَّ الجمع. وصلَّى بحزنٍ في قلبه فقال: «أيُّها الربُّ يسوع، هب الوفاق لجمعنا، وليُطرَد الشيطان بحيث لا يرمي (بعدُ) البلبلة ولا الثورة في هذه المدينة فيموت إنسان (من الناس).»

وقام الوالي ورفع يده لكي يصمتوا. ولمّا صمتوا، شرع يتكلَّم معهم. فأجاب وقال: «يا إخوتي وأبنائي وأحبّائي، إن حسُن لكم، نبتعد الواحد عن الآخر في هذا الوقت. وفي صباح اليوم (التالي)، أرغبُ أن تجتمعوا في المسرح. وكلُّ ما يشاء الروح ممّا سمعنا نحن من فم هذا الرجل، نصنعُه. فيليق بنا، الليلَ كلَّه، كلُّ إنسان في بيته، أن نقرِّب الصلاة والدعاء قدَّام ربِّنا الذي هو في السماء ويقرِّبنا لدى أبيه، من أجل خطايانا لأنَّ أرجلنا حادت عن طريقه. فإن شاء أن يَخلطنا في جموع مسبِّحيه (يكون ذلك). وإلاَّ ينجِّينا من النار المحفوظة للساجدين للأصنام».

ولمّا أنهى المنادي هذا النداء، هتف كلُّ الشعب بصوت (33) عالٍ: «سلام لك، أيُّها المدبِّر الحكيم. سلام لك، أيُّها الرئيس الحكيم. سلام لك، أيُّها الجديُ الذي دخل وصار حملاً. بيَّنتَ اليوم حبَّك تجاهنا، واليوم صرتَ لنا رئيسًا في الحقّ، ونصحتَنا لكي نحيا ولا نموت.»

وحين أنهوا هتافهم وبعد أن سكن العظماء، انحلَّ الشعب وشرعوا يمضون وهم فرحون. واجتمع كهنة أرطاميس، وهتفوا في الأبواق، وأشعلوا القناديل،

وفُتحَت أبواب بيت الأصنام. فركض كلُّ أبناء أفسس إلى بيت الأصنام بحسب عادتهم.

فسخط الوالي وأراد هو والعظماء أن يُرسلوا ويَقتلوا الكهنة، لأنَّهم صنعوا تجمُّعًا بعد أوامرهم. فرمى القدِّيس يوحنّا نفسه على وجهه وتوسَّل إليهم (وقال): «كلُّ من يحفظ كلمتي ويحبّ ربَّنا يسوع، لا يمضي إلى هناك ولا ينتهرهم، لأنَّهم بصلواتكم أيضًا، يقتربون من سرِّ حياتنا ويكونون لنا إخوة». عندئذٍ اقتنعوا من القدِّيس.

وأناسٌ من العظماء، الذين أسماؤهم هي: أنطونينوس، مرقلُّوس، إبيفانيوس، وفورتوناتوس أمروا عبيدهم فأسرعوا (34) وأتوا بمئة وخمسين قنديلاً من البرديّ ليعطوا النور. وقالوا للوالي متوسِّلين: «لا يليق بنا أن ننطلق من هنا، الليل كلَّه، لئلاَّ تشتعل المدينة بأيدي الساجدين للأصنام، فيقولون: لأنَّهم تركوا عبادة أرطاميس، سقطت نار في بيوتهم، ويلومون أرطاميس لأنَّها لم تقدر أن تفعل شيئًا، وخصوصًا لئلاَّ يكون قتلة».

فلمّا سمع الجمعُ هذا الكلام، حملوا القدِّيس يوحنّا على أكتافهم وركضوا. ومن فرحهم ما عرفوا ماذا يهتفون. وركض الأوَّلون وفتحوا باب المسرح، ودخل الوالي وعظماؤه في أبَّهة كبيرة. وركضوا ليسوُّوه ويهيِّئوه كالعادة. فقال الوالي: «لا يليق بي الآن أن أجلس على كرسيّ، خذوها من هنا». ودخل الشعبُ كلُّه إلى المسرح فكانت ضجَّة كبيرة. وكانت الشمس إلى الغروب، في الساعة الثانية. وأشار بعضُ مستشاري الوالي، وتوسَّلوا إليه أن يَخرج ألفُ إنسان ويجولوا في المدينة ويحرسوها إلى أن يطلع الصباح، لئلاِّ يحصل شيء سيِّئ، لأنَّ يوحنّا طلب بأن لا يُقتَل إنسان: وإن أمسكوا إنسانًا يقولون له: هناك سهرتان في المدينة. واحدة (35) مصنوعة للشيطان في بيت أرطاميس، وثانية مصنوعة لربِّنا يسوع في المسرح. فإلى أيِّها تريد أن تمضي، امضِ. وإذ سمع الجمع هذا فرحوا. وبسطوا أيديهم إلى السماء وقالوا: «المجد لك، يا صانع السماوات والأرض، والليل والنهار». فأمرهم الوالي وهو يرفع يده أن يهدأوا. وقال لهم: «لا يكن جمعُنا للضجيج وللبلبلة. بل نهدأ ونسمع كلام الحياة، ونرى بمن نحن أحياء». وأمر فأوصلوا القدِّيس يوحنّا إلى درجة عالية، وجلس العظماء تحت رجليه. ولبث الوالي واقفًا وما أراد أن يجلس. إذ قال: «أَطلب منكم أن أبقى واقفًا، وإن ضعف إنسان في جسده، أعبر إليه وأُيقظه لئلاَّ ينام». فأقنعوه وألحُّوا عليه ليجلس. وإذ جلس كان هدوء عظيم.

وإذ هدأوا، نهض القدِّيس واقفًا، ورفع لهم يده ليهدأوا، وأخرج الصليب الذي في رقبته، وتأمَّل فيه ووضعه على عينيه وقبَّله. وإذ بكى، بسط يمينه وختمَ به الجمعَ كلَّه. ووضعه في درجة عالية التي هي من جهة الشرق، وصنع قنديلاً وأقامه قدَّامه. أمّا هم فهتفوا هتافًا عظيمًا وقالوا: «يا عبد يسوع، عرِّفنا ما هذا الذي صنعتَ لنا.»

أمّا القدِّيس فرفع (يده) فهدأوا. فشرع يكلِّمهم، قال: «أيُّها أبناء الأحبّاء الذين اقتناكم الإنجيل، هذا هو صليب ابن الله الذي هو على الدوام مع أبيه، (36) الذي صنع هذه السماوات وهذه النجوم المنتشرة فيها، والذي به ترتبط كلُّ خلائقه. وصنعتُ هذا الصليب سورًا لكم، بحيث لا يأتي إبليس ويجمع شياطينه فيدخل فيكم وينيمكم (نومًا) أو يجعل عقلكم بلا انتباه». فصاحوا: «هذه الليلة هي لنا نهار لأنَّ الحياة الجديدة اقتربت منّا». وهدَّأ الواحدُ الآخر. وحين هدأوا ركض الشعبُ كلُّه. وحين ركضوا، أداروا ظهورهم للغرب([31])، وسقطوا على وجوههم أمام الصليب، إلى الشرق، وشرعوا يبكون ويقولون: «نعبدك يا ابن الله، يا من عُلِّقت على خشبة». ولبث الوالي ممدَّدًا ساجدًا أمام الصليب. ثمَّ وقف أمامهم وقال: «نعبدك أيُّها الآب والابن والروح القدس، إلى الأبد. آمين». فأجابوا كلُّهم: «آمين».

وقالوا ليوحنّا: «(نستحلفك) بربِّنا يسوع، عرِّفْنا كيف أتى ابن الله، وعرِّفنا إن كنّا نقترب منه، وإن كان يغفر لنا كلَّ ذبائحنا وسُكُبنَا التي بها تنجَّسنا». فوقف

القدِّيس على أعلى درجة، وشرع يتكلَّم معهم، بعد أن امتلأ من الروح القدس، وعلَّمهم كلَّ نظام الخلق، وأنَّ ابن الله كائن مع أبيه منذ الابتداء، وما ابتعد يومًا عنه، وأنَّ بدونه لم يأتِ شيء إلى الوجود، (37) كلُّ ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. وإذ كان ممتلئًا من الروح القدس، روى قدَّامهم من التوراة ومن الأنبياء، كيف أنَّ الله تحنَّن على الجنس البشريّ الذي أُخذ في الخطيئة، فأرسل ابنَه الوحيد فأتى ودخلَ في أذن العذراء مريم وأقام في حشاها تسعة أشهر، وارتدى جسدًا منها، ساعةَ الأعالي والأعماقُ ممتلئةٌ منه، وليس من موضع لا يكون فيه. وساعة تكوَّن كالأطفال في الأحشاء، كان هو مع أبيه. وحين تمَّت التسعةُ أشهر، خرج من حشا امرأة فلبثت عذراء. وما دُمِّرت علامات بتوليَّتها، بل لبثت عذراء إلى الأبد. وكبر مثل إنسان وهو الكبير الذي صار صغيرًا، لأنَّه أراد ذلك. وحين أتمَّ الثلاثين سنة، أتى إلى الأردنّ من أجل المعموديَّة، فعُمِّد بيد يوحنّا بن زكريّا الذي كان عبده. وحين عُمِّد يسوعُ هذا، والجموعُ تحيط به، انشقَّت السماوات وهتف الآبُ فوقه، ودلَّ عليه بإصبعه (قائلاً): "هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت" (مت 3: 17). "له اسمعوا" (مت 17: 5). وفي الحال خرج من الماء والجموع تحيط به. هو الخفيّ الذي أتى إلى العالم، شرع يجري هذه المعجزات التي اعتاد أن يعملها سرًّا كما يصنعها جهرًا.

«وحين دُعيَ إلى (38) وليمة العرس ونقص الخمر، وليس للختن (للعريس) منه، أمر أهل العرس والخدم أن يملأوا (الأوعية) بالماء ويرموها في أجاجين كبيرة كانت هناك. ولمّا ملأها الخدم بالماء، أشار إلى الماء ونظر فيها، فتباركت وتحوَّلت وصارت خمرًا هنيئًا وعذبًا. فشربوا كلُّهم واستعذبوا. وأنا شربتُ منه. وإذ كان يعلِّم في البرِّيَّة واليومُ مال إلى المغيب، بعد أن شُفيَ المرضى وطُهِّر البرص ومشى الكسحان وفُتحت عيون العميان، جاع هؤلاء الذين كانوا مرضى وكان الوقت قصيرًا وليس من خبز إلاَّ ثلاثة أرغفة من الشعير. فأمر الجمع أن يتَّكئوا. ثم أمر فأتوا له بهذه الخبزات، فنظر إلى السماء وبارك وكسر ووهب لهم، فأكلوا وفضل بعد أن شبعوا. وكان الذين أكلوا وشبعوا وحملوا ومضوا إلى بيوتهم، ما عدا النساء والأطفال، أربعة آلاف (مت 15: 28). وحثَّنا لندخل إلى السفينة ونمضي في البحر. وهو لبث على اليابسة. وإذ غربت الشمس وكان ظلام، طلع علينا البحر فتعذَّبنا الليلَ كلَّه. وفي الهجعة الرابعة من الليل، أتى نحونا، يسوع نفسه هذا الذي أكرز به لكم، ماشيًا على الماء. فارتعبنا نحن. وإذ رآه (39) أحد التلاميذ([32])، من رفاقي، قال له: "إن أنت هو فمُرني أن آتي إليك على الماء". فقال له يسوع: "تعالَ". فمشى وأتى إليه. وأتى ربُّنا يسوع ودخل إلى السفينة وكان هدوء عظيم. وتعجَّب هؤلاء الجموع وقالوا: "من هو هذا. يأمر الريح والبحر فتسمع له" (مر 4: 41).

«وإذ أتى يسوع إلى موضع الجدريِّين، أتوا إليه بكلِّ المصابين بشرٍّ بالأمراض المختلفة والمتشيطنين والكسحان وأبناء الهلَّة والعرج فشفاهم كلَّهم. والآن، يا إخوتي، لا تُعدّ ولا تحصى الأشفيةُ والآيات التي صنع يسوع. هذا الذي هو ابن الله، كما تراءى جسديًّا في هذا العالم، عمل هذه الأعمال. وإذ كان مخفيًّا في والده على الدوام، تراءى في (جسم) بشريّ من البتول، وصنع هذه الآيات علنًا، ليحتقر الشيطان أبا الكذب ويُخزيه ويبيِّن لكلِّ جنس البشر أنَّ كلَّ من انجذب وأتى إليه، يقرِّبه إلى الآب الذي أرسله، ويعمل أعمالاً مثل هذه. فهو وأبوه واحد (يو 10: 30). ولأنَّ الآب أحبَّ العالم (يو 3: 16)، وهب له (= ليسوع) الصليب فمات من أجلنا وأحيانا، ومعه حيينا نحن. وكلُّ من آمن به ثبت فيه. وما تطلبون منِّي وتقولون لي: إن كانت ذنوبُنا تُغفَر لنا (40) وذبائحُنا وسكبنا وزفراتُنا ونجاستنا، وإن (استطعنا) أن نقترب منهُ. ها أنا أقول لكم: "إن آمنتم بيسوع ووضعتم في ضمائركم بأنَّكم لا تختلطون بعد بسُكُب الأصنام وزفرتها، ولا يتبدَّل إنسان منكم ولا تسجدون لصنع أيدي البشر، بل تؤمنون بالآب والابن والروح القدس، فأنا أضع ما قال لنا وأمرَنا حين صعد إلى السماوات، لدى أبيه. وأنا أدعوه فيمحو خطاياكم ويغفر ذنوبكم ويبيِّض وصماتكم، وأنا أمسح وأرقق الزيت لرُكَبكم التي حنيتموها، والشرِّير عدوُّنا هشَّمها إذ أحناها قدَّام الأصنام التي صنعت به منزلاً لشياطينه. وأنا أختمُكم بالصليب الذي هو علامة (راية) الحياة. (أَختمُ) الرأس الذي انحنى إلى الأرض والذي فرح بأن ينحني، لأنَّه خُلق على شبه من خلقه، وأضعُ الختم بين عيونكم. فإذا رأى (إبليس) أنَّ الربَّ هو ملجأكم، يهرب ويقول: هؤلاء الجداء كانوا لي، ومُزجوا لي لكي يكونوا تيوسًا كبارًا فينطحوا بقرونهم كلَّ الجيوش. أمّا الآن، فابن الآب الذي تنازل وصار من البتول بشرًا (41)، تدبَّرهم وبيَّض لونهم الذي كان (لون) الظلمة الذي فيه أُخذت، وجعلهم حملانًا جددًا وها هم قائمون لديه. وفمُكم هذا الذي فُطم على مائدة الجدّاد (الأعشاب المرَّة) وكان الماكر يتبختر لأنَّه ظنَّ أنَّه صنع منكم مأكلاً للحيَّة([33])، أنا أفتحه وأضع فيه الخبز الحيّ الذي هو جسد الله واهب الحياة لكلِّ من يؤمن به، وأسقيكم دم ابن الله الذي جرى من جنبه بالحربة – على الجلجلة. (دم) يسوع هذا الذي أكرز به لكم، وحين تموتون يُطمَر فيكم، ويبقى جسده ودمه في (جسمكم) البشريّ وهو يبعثكم (من الموت) ويقيمكم. بهذا الجسد الذي لا فساد فيه، ولا هو للنار ولا للعذاب، تأتون أنتم ولا ترون الدود الذي لا يموت (إش 66: 24)، لأنَّكم آمنتم باسم الوحيد الذي هو ابن الله وهو بالحقيقة محيي العالم"».

وبعد هذا، هتف جميع الشعب في المسرح وقالوا: «نطلب منك، يا عبد الله الحيّ، لإفعل ما تشاء، وأشركنا في السرِّ الحيِّ لكي نحيا ولا نموت. وهذا بعجل.»

أمّا القدِّيس فأمر الوالي بأن يكون له في إحدى زوايا المسرح مكانٌ، (42) فيأتي قاطعو الأشجار ويعملوا فيه هذه الساعةَ، ويصنعوا مثل حوض ويميلوا

بقسطل الماء الذي يدخل إلى المسرح، (فيأتي) إلى الحوض. وأتى الماء وامتلأ الحوض. وكان واسعًا من كلِّ الجهات: 12 ذراعًا في الطول، 12 ذراعًا في العرض. وكان عمقه ذراعان ونصف ذراع.

وطلب القدِّيس من الوالي بأن يأمر فيأتوا بالزيت الرئيسيّ المعطَّر، 70 مكيالاً. أمر فأتوا به وامتلأ منه الجرن. فاقترب القدِّيس ووضع ركبته (على الأرض) ونظر إلى السماء، وهتف في وسط المسرح: «قدُّوس الآب والابن والروح القدس، إلى الأبد. آمين». فأجاب الشعبُ كلُّه: «آمين». عندئذٍ صنع يوحنّا إشارة الصليب على الزيت، وقال بصوتٍ عالٍ: «المجد للآب والابن والروح القدس إلى الأبد. آمين. ثمَّ قال ثلاث مرّات: «قدُّوس الآب والابن والروح القدس. آمين». وفي الحال، كانت نار ملتهبة فوق الزيت. والزيت لا يحترق([34]). وملاكان اثنان فرشا أجنحتهما فوق الزيت([35]) وهما يهتفان: «قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس، الربُّ القدير» (إش 6: 3).

وإذ رأى الشعب هذا، خافوا خوفًا عظيمًا، وسقطوا على وجوههم وسجدوا إلى الشرق. وإذ قُدِّس الزيت، اقترب القدِّيس من المياه وختمه (43) وقال: «باسم الآب والابن والروح القدس. آمين». وهتف الشعبُ كلُّه: «آمين». وفي الحال أتى بعده هذان الملاكان ورفّا على المياه وهتفا: «قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس، الآب والابن والروح القدس». ويوحنّا القدِّيس هتف بعدهم: «آمين».

فأجاب يوحنّا وقال للجماعة كلِّها: «قوموا كلُّكم بقدرة الله». فقاموا كلُّهم في مخافة، وبسطوا أيديهم إلى السماء، وهتفوا وهم يقولون: «عظيم هذا السرّ! نحن نؤمن بالآب والابن والروح القدس». وكان (الوقت) نحو الساعة الثامنة ليلاً. عندئذٍ اقترب الوالي وسقط على وجهه قدَّام يوحنّا وقال له: «ماذا يليق بنا أن نعمل؟» فقال له القدِّيس: «انزع ثيابك عنك». ولمّا نزعها، اقترب القدِّيس وأخذ الزيت بيده وصنع إشارة الصليب بين عينيه ومسح جسدَه كلَّه. وقرَّبه من الحوض وقال له: «انزلْ، يا أخي، يا من صرت بكرًا جديًا، الذي دخل على رأس القطيع إلى حظيرة ربِّ الخراف. انزل، يا أخي، وحين يراك الحملان، يركضون وينزلون ويبيَّضون ويقتنون لونًا جديدًا، جميلاً، بدل ذاك الذي تُنشئه الذئاب (44) المفترسة». فقال الوالي: «ماذا يجب أن أقول ثمَّ أنزل؟» فقال له يوحنّا: «كما رأيتُ تثبَّتُّ وآمنت». وكان الشعبُ صامتًا وكأنَّ لا إنسان موجودٌ ليروا ماذا يقول الوالي ويوحنّا. أمّا الوالي فبسط يديه إلى السماء، وطلب وهو يبكي وقال: «أنا مؤمن بالآب والابن والروح القدس». وقفز فنزل إلى (حوض) المعموديَّة. عندئذٍ اقترب القدِّيس، ووضع يده على رأس الوالي وغطَّسه مرَّة أولى وهو يهتف: «باسم الآب». وفي المرَّة الثانية: باسم الابن». وفي الثالثة: «باسم الروح القدس». وإذ صعد من الماء ألبسه الثياب البيضاء ووهب له السلام وقال له: «السلام لك أيُّها الختن الجديد الذي شاب وبلي في الخطيئة، وها اليوم صرت طفلاً وكُتب اسمك في السماء.

عندئذٍ عجَّل الشعبُ كلُّه، وأسرعوا باجتهاد ليركضوا وينزلوا إلى (جرن) المعموديَّة. والعظماء كلُّهم وقفوا حول (جرن) المعموديَّة، وأشاروا بأيديهم إلى الشعب ليسكتوا. لأنَّ كلَّ الشعب كانوا يهتفون ويقولون ببساطة: «يا إخوتنا وآباءنا، لنركض ليمسحنا بالمسحة هذا القدِّيس، ولنستحمّ في هذه المياه فنتبيَّض، فربَّما ينفد الماء أو الزيت ينقص (45)».

عندئذٍ صاح فيهم القدِّيس وقال: «في هدوء، أيُّها القطيع المبارك، لأنَّ أباكم السماويّ ارتضى أن يهبكم الملكوت، لأنَّكم آمنتم بابنه الحبيب». ففرح هؤلاء وهدأوا. عندئذٍ اقترب القدِّيس وقال للوالي: «تعالَ، اجلس في الدرجة العالية، الحلوة. فاليوم ينبغي أن تُكرَّم، لأنَّ هنا فرحًا في السماء من أجلك» (لو 15: 7). وأعدُّوا له فجلس.

عندئذٍ أشار إليهم بيده ليهدأوا. وإذ هدأوا، شرع يتكلَّم معهم: «في الحقيقة، اليوم صارت الحياة قريبة منّا. فالآن إن أمرني القدِّيس أتكلَّم». عندئذٍ صاحَ الشعب كلُّه إلى يوحنّا وقال: «باسم يسوع، مُرْهُ لكي يتكلَّم.» عندئذٍ قال له يوحنّا: «قُلْ، يا سيِّد، كلَّ ما تريد».

عندئذٍ قال الوالي: «اسمعوا، يا إخوتي. حين غُطِّست (مرَّة أولى) فتحتُ عينيَّ فرأيتُ، لا أنِّي نزلت، بل صعدت إلى السماء. وفي المرَّة الثانية، تطلَّعتُ وفتحتُ عينيَّ فإذا يمينٌ تحمل القصبة (أو: القلم) والكتاب. وفي المرَّة الثالثة، سمعتُ صوتًا يقول: "وُجد الخروف الخاطئ الذي باد (لو 15: 6). ليدخلْ!"»

أمّا القدِّيس يوحنّا، فعقد في الحال يديه وراء ظهره، وألقى نفسه على وجهه قدَّام الصليب وهتف: (46) «المجدُ لك، يا صانع البرايا كلَّها. يا من أرسلتَ ابنك الحبيب فمشى على الأرض ووهب لنا السلطان لكي نكرز بالإنجيل في العالم، فنُعيد الضالين إلى التوبة». عندئذٍ قال للعظماء فنزعوا ثيابهم. فاقترب ومسحهم (بالزيت) وغطَّسهم باسم الآب والابن والروح القدس. ولمّا اعتمدوا، عمَّد (يوحنا) الشعب كلَّه من الساعة الثامنة (مساءً) حتّى شروق الشمس. واجتمع شعب كثير وأتى. وإذ كان الصباح، ركضوا فأتوا ببنيهم، وكان القدِّيس يهب لهم المعموديَّة حتّى الساعة الخامسة (مساءً). والذين أخذوا المعموديَّة كانوا 39205 أنفس. عندئذٍ مضى الشعب (إلى بيته) في ذلك اليوم.

وأخذ الوالي القدِّيسَ عنده، ففرحوا وابتهجوا، وكانوا لديه ثلاثة أيّام. وفي اليوم الثالث، توسَّل القدِّيس ليتركوه يمضي ويقيم في جبل من الجبال. فأرسل (الوالي) وجمع كلَّ أحراره، فتوسَّلوا إلى يوحنّا ليبقى في القصر، فما شاء أن يقتنع. وقال: «ينبغي أن أجول في آسيا كلِّها وفي بلاد فريحية». وإذ رأى أنَّه ضايقهم فبكوا، قال لهم: (47) «لو كانت مشيئةُ الروح القدس أن أمضي، لن تتضايقوا. فأنا الآن أبقى معكم وأمكث عندكم. لنخرجْ ونجول في المدينة كلِّها. فأرى كيف يليق بي أن أسكن، لأنَّ الرسل رفاقي آتون إليَّ». فحسن لهم هذا الكلام. فجلس الوالي بأبَّهة، ومضى قدَّامه العظماء كلُّهم. وإذ كانوا يجولون، قال القدِّيس: «أتوسَّلُ إليكم، يا إخوتي، أن تدلُّوني على معبد([36])هؤلاء الضالِّين». فأتى الوالي وجيشه إلى بيت أرطاميس. وطلبوا أن يقتلوا كهنتَها ويُحرقوا بيتَها بالنار.

أمّا يوحنّا فتوسَّل إليهم بأن لا يُقتَل إنسان وقال: «هؤلاء سوف يأتون ويرجعون إلى معرفة الحقّ، فلا نُبِدْهم بالسيف!» وإذ أتى القدِّيس ورآهم (ورأى) بيت الشطط، كان هناك موضعٌ عالٍ. فرأى هذا المكان وقال: «أريد أن أسكن هنا». فأمر الوالي العظماء أن يصنعوا له هناك قصرًا». أمّا هو فقال: «لا، بالربِّ يسوع، إن بَنيتُم شيئًا لا أسكن فيه. ولكن أطلبُ فقط كوخًا». (أو: مظلَّة، آ¢¾رA) وفي الحال، أتوا (بالموادّ) وصنعوا له كوخًا كان فوق المعبد (48) (= بيت الأصنام)، فجلس تحته. وإذ جلس هناك مدَّة طويلة، التأم لديه كلُّ الذين آمنوا بيسوع المسيح ربِّنا وتعمَّدوا. فأشركهم بجسد يسوع ودمه. كان الكوخ فوق بيت أرطاميس. فجلس القدِّيس ورأى النجاسة التي تتمُّ هناك.

بعد ثلاثة أشهر وعشرة أيّام، اجتمع الكهنة وجالوا على جماعة الوثنيِّين وأعلموهم: «ينبغي، كالعادة، أن نصنع العيد لإلاهتنا. فليعدّ كلُّ إنسان ما تصل إليه يداه، فتُذبح الثيرانُ والخراف ويُعرَف لماذا إلاهتنا غاضبة». عندئذٍ اجتمع الوثنيُّون، وأعدُّوا وصنعوا وذبحوا الذبائح النجسة. وإذا كانوا مجتمعين، وقف يوحنّا فوقهم في الكوخ ونظر إلى كلِّ ما كان. وإذ ركعوا قدَّامها، قال للكهنة: «اسألوها لأيِّ علَّة، واعلموا منها لماذا أرخَتْ يديها وغضبت علينا نحن الناس». وكان انقسام في المدينة. عندئذٍ أتت لجيونة([37])، أخت ذاك الذي سقط في البحر هو والخنازير، وتكلَّمت في الأصنام الخربة. فأنصتَ الكهنةُ وسمعوا من فم الصنم صوت همهمة مثل (صوت) النحل. فهدّأ (49) هؤلاء الوثنيِّين فاقتربوا، ووضعوا أذنهم على فم الصنم. فوهب الشياطينُ صوتًا قالوا فيه: «هذا الكوخ سوف يدمِّر هذا البيت (أو: المعبد). فلا تتقاتلوا معه. فكما قال معلمٌ من عندنا: هو يتقاتل مع سيِّد هذا (القدِّيس)، وسيِّد هذا (القدِّيس) يغلبه. فانظروا وخافوا أنتم أيضًا منه فنحن نخاف من أن يأتي سيِّد هذا (القدِّيس) لإعانته، فيسخط ويلقينا في الغمار، وينقسم سيِّدنا إلى لجيونين. أمّا نحن فنقاتل لئلاَّ نُقهر، فإن قُهرنا نُحسَب مثل سيِّده (= يسوع) الذي قهر سيِّدنا (= إبليس)».

فارتجف الكهنة وأجابوا فقالوا: «نسألكم، يا أسيادي، من هو سيِّد هذا (الرجل)؟». فقال الشياطين: «هو ابن الله الذي نزل من السماء، وما شعر به سيِّدُنا حين نَزل. وصار إنسانًا ومات على الصليب. فظنَّ سيِّدنا أنَّه إنسان عاديّ. ولكنَّه قام من القبر في اليوم الثالث، وها هو في السماء وهو يهجمُ علينا». وحين سمع الكهنة هذه (الأقوال)، تحيَّروا وتعجَّبوا. فقال لهم الجموع: «لماذا أنتم منذهلون؟» فأجاب الكهنة وقالوا: «قالت أرطاميس: "هذا الكوخُ يقتلعُ هذا البيتَ"، فخاف كلُّ أبناء سرِّها([38]) (50) من هذا. وهكذا توسَّلوا إلينا لكي نخاف من هذا الساكن في هذا الكوخ: إن شاء وأمر، دمِّرنا في الغمار».

وفي الحال هتفت الجموع: «نحن نكفر بأرطاميس هذه التي ليس منها منفعة. فإذا كان هذا الذي هو عبد أو تلميذ، له قوَّة حصينة مثل هذه، فسيِّده أو معلِّمه كم يكون!» وأخذوا يلطمون وجوههم ويقولون: «ويلاه! ماذا سيحصل لنا؟ أحرَقْنا أموالَنا في السُكب، وتاجرْنا لخسران نفوسنا». فقال الكهنة: «أنتم (رجال) عارفون، فافعلوا ما يحسن في أعينكم. أمّا نحن فنسجد لمن يستطيع أن يحيي ويهلك ونكرمه». وأسرعوا فنزلوا عن المذبح، وصعدوا بسرعة لدى القدِّيس، وارتموا على وجوههم أمام القدِّيس. وجميعُ الشعب رموا الحبال على صنم أرطاميس وأنزلوه وجرّوه، والجموع قدَّامها ووراءها يهتفون: «يا مهلكة حياتنا، قومي ونجِّي نفسك. أنتِ ما نزلتِ من السماء، ففي الكور صنعك الصانعون».

ورأى القدِّيس يوحنّا أنَّ الكهنة ارتموا على وجوههم، فما تكلَّم معهم ولا هم معه. فركع فيما بينهم وجعلهم ينظرون إلى الشرق وهو يصلِّي ويتضرَّع. إذ ذاك هتف الشعب وجرَّ (51) صنمَ أرطاميس. أمّا الجمع الذي سبق له ونال المعموديَّة في المسرح، فكانوا يصفِّقون لهم بالأورار([39]) والثياب (البيضاء) ويقولون: «تعالوا بسلام، يا إخوتنا وأبناءنا، فتكون لنا نفسٌ واحدة. تعالوا بسلام يا جماعةً نالها الغضب من سيِّدها. ها هي الآن تابَتْ واختلطت في عدد (المختارين). تعال بسلام، يا قطيعًا سباه الشيطان وأعاده سيِّدُه لئلاَّ تتناتشه الذئاب الكاسرة».

فلمّا سمع الوالي الضجيج والصياح الكبير في المدينة كلِّها، ارتعب، فقام وأتى من قصره وصعد إلى القدِّيس يوحنّا، فوجده راكعًا على ركبتيه. فأشار الوالي بيده ليهدأوا من الصياح. أمر، فقام رجالٌ أصحابُ قوَّة ليمنعوا الشعب من الصعود إلى يوحنّا. عندئذٍ قال الوالي ليوحنّا: «قمْ، يا سيِّدي، واختم هذه الجماعة الجديدة. فإن لا (تفعل)، تنتهي حياتهم من الصراخ. ها أنا أرى الشيوخ الذين ترطَّبت ثيابهم من الدموع ومن العرق». عندئذٍ رفع القدِّيس رأسه من الصلاة، وقال للوالي: «أتشفَّعُ قدَّام ربِّنا يسوع المسيح ليُدخلهم ويقرِّبهم قدَّام أبيه ويكون طالبًا من أجلهم. فهو الباب (يو 10: 7) وبه يدخل الإنسانُ ويجد المرعى، ومن دونه لا يقترب (52) إنسان من الآب. وهو وهب الناموس من جبل سيناء».

عندئذٍ قام القدِّيس ونظر إليهم من علُ، وختمهم برسم الصليب، فسقطوا كلُّهم على وجوههم قدَّامه، وهم (يصيحون) بألم وحزن: «خطئنا، أذنبنا، أثمنا، وما عرفنا حتّى اليوم. ارحمنا يا ربّ، يا ربّ السماوات والأرض، فنحن نكفر بالأصنام كلِّها».

عندئذٍ صاح القدِّيس من علُ إليهم: «قوموا بقدرة إلهنا. قوموا باسم ربِّنا يسوع المسيح ابنه الحبيب». وفي الحال قاموا، ورفعوا أيديهم إلى السماء وهتفوا: «المجد لك يا الله، يا صانع السماء والأرض. ربُّنا تراءى لنا ونحن نعرف أنَّه الإله الحقيقيّ، وأن من لدنك أُرسل هذا الشابّ (يوحنّا) إلى مدينة أفسس». وظلَّلت غمامة([40]) على المدينة، وفي الحال هدأ الضجيج. فسقط الجمع كلُّه على وجوههم بالخوف وقالوا: «نشكرك يا إلهًا خفيًّا لا يُرى، وها أنت تجلَّيتَ علينا لأنَّنا طلبناك. نعترفُ بك، وليس بعدُ إله آخر (لنا) إلاَّ أنت».

عندئذٍ تكلَّم معهم القدِّيس يوحنّا، وفسَّر لهم (53) من التوراة ومن الأنبياء (لو 24: 44)، وعلَّمهم حول ربِّنا يسوع، مبرهنًا ومبيِّنًا لهم حول ربِّنا يسوع الذي هو ابن الله. وهم، بعد أن قبلوا الإيمان، توسَّلوا إليه ليأخذوا رسم المعموديَّة، وهم يهتفون ويسبِّحون الله. فتوسَّل الوالي إلى القدِّيس قائلاً: «إن أردتَ، يا سيِّدي، يخرج الكارزون في المدينة ويكرزون، بأنَّ كلَّ من يؤمن بابن الله يأتي ويستحمّ ويتنقَّى من الوصمات، ونحن نمضي إلى المكان حيث (جرن) المعموديَّة. وكلُّ من يأتي، تهَبُ له رسم (الصليب) فيحيا ولا يهلك». فقال يوحنّا القدِّيس للوالي: «حسنًا تكلَّمتَ. هكذا نفعل بحسب أمرك». وفي الحال، قام الاثنان. فرفع الوالي يده ليهدأوا. وإذ هدأوا قال لهم: «لكم أقول، أيُّها الأبناء الجدد، الذين اقتنتكم بشارة الله، اليوم نحن مجتمعون كلُّنا. لنمشِ بلا بلبلة إلى المسرح وهناك تقتبلون رسم الحياة». وهم إذ اجتمعوا تنظَّموا في صفوف وهم يهتفون ويقولون للوالي: «كيف يليق بنا أن نغنِّي ونرتِّل؟» فقال لهم الوالي: «هكذا قولوا ورتِّلوا حتّى تدخلون: المجد للآب والابن والروح القدس. (54) أيُّها الربُّ ارحمنا»([41]). فمضى صوت ضجيجهم إلى خارج المدينة أكثر من خمسة أميال.

وأتوا ودخلوا إلى المسرح. عندئذٍ أتى الوالي ويوحنّا ودخلا إلى المسرح. عندئذٍ أجاب القدِّيس وأشار بيده ليهدأ الجمع. ولمّا هدأوا وقف القدِّيس على الدرجات وقال: «قفوا للصلاة». فتطلَّعوا هم إلى الشرق وسقطوا على وجوههم وقالوا: «تحنَّن علينا، يا ربّ». حينئذٍ، إذ رأى الكهنةُ الشعبَ كلَّه ممدَّدين على وجوههم، أتوا في الأخير ودخلوا. ومشوا حفاة وهم متمنطقون بالمسوح. ورموا التراب على رؤوسهم، وملأوا وجوههم سوادًا، وكانوا يولولون ويصرخون: «أيُّها الإله الجالس في السماوات، تحنَّنْ علينا. خطئنا قدَّامك وجعلنا النفوس الكثيرة والتي لا عدَّ لها تخطأ. فلا يصعب عليك أن تغفر لنا إذا شئت».

وإذ قالوا هذه (الأقوال)، نهض يوحنّا من صلاته وقال: «قوموا بقدرة الله». وإذ قاموا، ختمَ الصلاة، فأجابوا كلُّهم: «آمين». فالتفتَ هو وتطلَّع في الكهنة السبعة الواقفين في شكل ذليل، ورأسُهم منحنٍ إلى الشرق، وأيديهم مرتفعة إلى السماء (55)، ودموعٌ لا نهاية لها تجري من عيونهم، ونازلة على فكِّهم الأسود. وإذ رآهم القدِّيس، حزن وبكى والوالي معه، والجمع كلُّه كان باكيًا.  فوضع القدِّيس ركبته (على الأرض) وصلّى وقال: «يا إله المراحم، يا أبا ربِّنا يسوع المسيح ومرسله، أنت، يا ربّ، قلت: "إن عاد الآثم عن إثمه وصنع البرَّ قدّامي، بالبرِّ الذي صنع يحيا" (حز 33: 14-16). أطلب منك، يا ربّ، تحنَّن على جبلة يديك ولا تشمئزَّ منها. ليُقبَل هؤلاء الذين بادوا مثل الخراف التي لا راعي لها (مر 6: 34) وهم يسبِّحون اسمك العظيم والرهيب وابنَك الحبيب ربَّنا يسوع المسيح، لأنَّ لك وله وللروح القدس المجد والوقار إلى الأبد. آمين». فأجاب الجمع كلُّه: «آمين».

حينئذٍ وقف ودعاهم. أمّا هم فما استطاعوا أن يتكلَّموا من البكاء والحزن. واقترب إليهم وهو يمسك الوالي بيده. وتكلَّم معهم فما تكلَّموا. فرسم القدِّيس (إشارة) الصليب بين عيني كلِّ واحد منهم. عندئذٍ كانت صيحة من الشعب كلِّه. وفاضت دموعُ القدِّيس يوحنّا وقال لهم: «تشجَّعوا. لا تقطعوا الرجاء. فقد وُهب الرجاء للناس بمولد ابن الله من البتول.(56) إفتحوا أفواهكم وتكلَّموا معنا. فنحن أعضاؤكم([42])، ومن جبلة جُبلتم منها جُبلنا نحن. إله واحد خلقَنا ونحن نفس واحدة. لا تخافوا. هو لا يُلقيكم خارجًا، ولا يهلككم ولا يشمئزّ منكم. تعلَّمتُ منه: إن أنتم آمنتم به، تنعمون بمائدة الملكوت».

عندئذٍ أجاب هؤلاء الكهنة وقالوا قدَّام الجمع: «كيف يستطيع فمُنا الضالّ أن يتكلَّم؟ ماذا لنا أن نقول؟ وجهُ قلبنا مسودٌّ أكثر من وجههنا الخارجيّ. ليس لنا أن نفتح فمنا ونتكلَّم. ولكنَّنا عرفنا هذا وآمنّا وأعلنّا حقًّا الإلهَ الواحد الذي خَلق العالم بنعمته، وابنَه الوحيد، الحبيب، ربَّنا يسوع المسيح، الذي لبس[43] جسدًا من البتول القدِّيسة. فلا إذا متنا ولا إذا حيينا، نعرف إنسانًا آخر. ويل لنا إن لم يرحمنا ويغفر لنا، لأنَّ لنا المقتنى الكثير والذهب العابر، وكلّ هذا اقتنيناه من هذه النفوس».

أمّا الوالي فرغب أن يقتربوا إليه، لأنَّهم كانوا بعيدين عن الشعب (57) وقائمين وحدهم. وإذ مضوا ليقتربوا ويُقيموا في الوسط، قال الكهنة: «نطلب منكم أن لا تدنِّسوا أيديكم بزفرنا. من هنا لن نقترب حتّى يشاء ذاك الذي آمنّا باسمه». وكانت قرابة الساعة الثالثة من النهار.

فأجاب القدِّيس وقال للوالي: «مُر، يا سيِّد، بأن تدخل المياه إلى (جرن) المعموديَّة. فينبغي علينا أن نعمِّد الجمع هذا، ونتكلَّم معهم كلمة الحياة. ومُر أن تكون الموائد في كلِّ المدينة، وكلُّ من يحتاج إلى قوت، فربُّنا يسوع الذي أشبع الآلاف في البرِّيَّة، يُعدُّ (وليمة) قدَّامه». عندئذٍ دعا الوالي ابنه منلاوس الذي حيي (بعد أن مات)، وقال له: «تدبَّرْ لك عشرة رجال، وليمضِ كلُّ واحد منهم ويُعدّ لك مئة رجل من الذين أخذوا رسم المعموديَّة، وليمدُّوا الموائد ويُعدُّوا مائدة كبيرة». فمضوا وصنعوا بحسب أمر الوالي.

وقام القدِّيس يوحنّا عن الدرجة التي كان جالسًا عليها، وأتى إلى الكهنة وأخذ بيد رئيسهم وكان اسمه أبلُّوس. وبيد آخر، وكان اسمه ديونيسيوس، وقرَّبهما إليه، وتكلَّم معهما كلمة الله وفسَّر لهما (58) وشجَّعهما. وأبلُّوس وديونيسيوس هذان الكاهنان، قالا وهما يصرخان: «اشفق علينا، يا ابن الله، وقرِّبْنا لدى أبيك. نحن نطلب منك. إن نحن مطالَبون (أو: معاتبون) بسبب شرِّنا، فهؤلاء لا يُطالَبون، لأنَّنا نحن أضللناهم عن طريقك. ونحن نطلب منك، يا ربّ المراحم: ترحَّمْ يا ربّ على شرِّنا. إن كانت عدالتك ديّانًا لنا، فهؤلاء لا يُدَانون، لأنَّ فسادهم، يا ربّ، هو من عندنا». وكان الشعب كلُّه يبكي.

وإذ أُعدَّ جرنُ المعموديَّة، أمرَ الوالي فأُتيَ الزيت. عندئذٍ قام يوحنّا القدّيس وصلَّى فقال: «المجدُ لك، أيُّها الآب والابن والروح القدس. إلى الأبد، آمين». فأجابوا بعده: «آمين.»

وقال: «أيُّها الربُّ الإله القدير، ليأتِ روحك القدُّوس فيرتاح ويحلّ على الزيت وعلى الماء. عندئذٍ يستحمُّون ويتطهَّرون من الوصمة، ويقبلون الروح القدس من (جرن) المعموديَّة. ومن الآن، يدعونك: "أبانا الذي في السماوات". نعم، يا ربّ. قدِّسْ هذه المياه بقولك الذي زعق على الأردنّ ودلّ بالأصبع على ربِّنا يسوع: 'هذا هو ابني الحبيب الذي به ارتضيتُ. له اسمعوا". فأنت (59) الآن ذاك الذي (هو) على الأردن. نعم، نطلب منك، يا ربّ، أَظهرْ نفسك الآن قدَّام هذا الشعب الذي آمن بك ببساطة (قلب)، بحيث تسمع شعوبُ الأرض بأنَّك جعلت من مدينة أفسس باكورة بشارتك، قبل المدن كلِّها، فصارت الأخت الثانية لرها الفراتيِّين». وفي تلك الساعة، اشتعلت النار فوق الزيت، وبسط الملائكة أجنحتهم فوق الزيت، وهتف الجمع كلُّه، رجالاً ونساء وأطفالاً: «قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس، الربُّ القدير، الذي امتلأت السماوات والأرض من تسابيحه». وفي الحال، ارتفعت الرؤيا.

أمّا الكهنة فارتموا على وجوههم وبكوا. واقترب القدِّيس يوحنّا وأنهضهم، فقالوا: «نؤمن باسم الآب والابن والروح القدس». وأيضًا: «لا نعرف شيئًا آخر». واقترب يوحنّا وغسلهم من السواد، ومسحهم بالزيت وعمَّدهم باسم الآب والابن والروح القدس. للصفح عن الذنوب وغفران الخطايا. وقال القدِّيس يوحنّا للوالي: «مُرْ ليَمضوا ويأتوا بخبز دقيق رئيسيّ وخمير حتّى يعتمد الشعبُ كلُّه».

ومضوا فأعدُّوا وهيَّأوا كلَّ شيء. وإذ اعتمد الشعبُ كلُّه (لو 3: 21)، قال الكهنة: «يا إخوتنا وآباءنا([44]) وأبناءنا، (60) اليوم حملْنا صليبَ ربِّنا يسوع المسيح. لماذا يقوم على أبواب مدينتنا أصنام ابنة الشيطان. لنمضِ ونُنزلها ونوقدها، ونضع على كلِّ الأبواب صليبَ ربِّنا يسوع المسيح». فهتف الشعب كلُّه: «أين ينبغي لنا أن نصنع كنيسة؟» ففرح القدِّيس يوحنّا وابتهج وقال للوالي: «انظر، يا سيِّد، أين يحسن لك ذلك». واختاروا موضعًا جميلاً، وحملوا صليبًا وأتوا به إلى هناك. وثبَّتوا صليبًا هناك، وصلبانًا على أبواب المدينة كلِّها. وصلَّى القدِّيس، وقرَّب القربان، وأشركهم بجسد المسيح ودمه. وهناك كانوا يجتمعون (أع 2: 46) كلَّ أحد، ومعًا يكسرون (الخبز) ويشاركون في جسده ودمه الذي يحيينا.

بعد ذلك، إذ نمت البشارة بأيدي الرسل، سمع نيرون الملكُ النجسُ والدنسُ والشرِّير، كلَّ ما حصل في أفسس، فأرسل وأخذ كلَّ ما كان للوالي، وحبسه هو، وأمسك القدِّيس يوحنّا ورماه في المنفى وحكم على المدينة بالخراب.

بعد ثلاثة أيّام، اجتمع الناس المؤمنون في المدينة، (61) وتشاوروا بعضهم مع بعض قائلين: «نجتمع في الكنيسة ونرى ماذا يريد كلُّ إنسان أن يهب ويأخذ هديَّة ويقرِّب لهذا التاج (أي: الملك) الشرِّير، وهو يعطينا هذا (الرجلَ) الذي أعادنا من الضلال إلى ربِّنا». وإذ تشاوروا هكذا، اختاروا من الذهب ثلاثمئة وزنة، وأخذوا عشرة رجال، ونزلوا إلى السفينة ليمضوا إلى نيرون الملك الشرِّير ويعطوه الهديَّة ويستعيدوا القدِّيس.

وإذ مضوا ودخلوا رومة في نصف الليل، ونيرون النجس نائم، أرسل الربُّ عليه ملاكًا، فتراءى له في اللهيب وهو يحمل سيفًا، وأيقظه. فلما فتح عينيه ونظر إليه، ولول وقال: «أطلبُ منك، ما لي ولك!» فقال له الملاك: «ارَجعِ الرجلَ الذي أخذتَ من أفسس ورميتَه في المنفى، وإلاَّ يدخلُ هذا السيف في قلبك النجس». وعندما أشرقت([45]) الشمس ضربه الملاك وأخذ منه الكلام، فصار يعوي مثل الكلب. فدخل عبيدُه حين سمعوا ولولته وقالوا له: «ما لك يا سيِّدي الملك؟» فأشار فجاؤوه بالدواة والورق وكتب: "في الحال، إن أمكن اليوم، يوحنّا بن زبدى الجليليّ، الذي أخذتُ من أفسس، يبيت في (أفسس)». وكتب أيضًا وأرسل إلى أفسس بعجلة: «كلُّ من (62) هو محبوس يَخرجُ».

وكما طلب تنفَّذ. فأتى البحّارة والرجال اللابسون السلاح وحملوا ما كتبته يدا الملك، ونزلوا إلى السفينة، ومضوا فوجدوا يوحنّا في منتصف النهار وهو راكع يصلّي. فقالوا له: «أمر الملكُ بأن نُوصلك إلى حيث كنتَ». وأخذوه وأنزلوه إلى السفينة وانطلقوا في البحر بأمان وآتوا به حتّى باب أفسس، ورجعوا إلى رومة.

والرجال الذين جلبوا الهديَّة، حين سمعوا بأنَّ القدِّيس عاد إلى أفسس، قالوا: «نسجد لك، أيُّها الآب والابن والروح القدس، لأنَّك صنعتَ مشيئة خائفيك». وجلسوا في السفينة. وجلبوا هذه الثلاثمئة وزنة وأتوا. وإذ دخلوا أفسس، بيَّنوا الذهب وروَوا كلَّ ما حصل، وكانت الفرحةُ في المدينة كلِّها. وتشاوروا بعضهم مع بعض، فوضعوا الذهب في بيت من البيوت. واستأجروا الصنّاع فبنوا هيكلين من أجل السجود لربِّنا يسوع المسيح.

وصعد القدِّيس يوحنّا وجلس في الكوخ. واجتمع لديه كلّ أبناء الأحرار، فعلَّمهم وبشَّرهم في شأن يسوع، وكلمة نيرون جُعلت على موضعها، وما (63) تجرَّأ بعد أن يعطي أمرًا في شأن مقاطعة أسية. إنَّه هذا الشرِّير الذي قتل بولس وبطرس.

وبعد أيّام كثيرة، بعد أن سمع الرسل كلَّ ما حصل في كلِّ مكان الأفسسيِّين، اندهشوا وقالوا: «هذا الأمر ليس بعظيم على ربِّنا يسوع. ولكنَّه مدهش لنا». وبولس سأل وتعقَّب الرسلَ ليسمع خبر القدِّيس يوحنّا، وكان يتوسَّل قدَّام الله، كلَّ يوم وكلَّ ساعة، ليستحقَّ أن يراه.

وإذ نزلت البشارة في العالم، شاء الروح القدس، فتحرَّك متّى وكتب الإنجيل وبعده مرقس، وبعده لوقا. كتبوا وأرسلوا (ما كتبوا) إلى القدِّيس يوحنّا ليكتب هو أيضًا. وعرَّفوه على بولس الذي هو في عداد الرسل. فما أراد هذا القدِّيس أن يكتب، فقال: «ليس له ما يقوله وهو فتى». فالشيطان رمى البلبلة في العالم.

وحين جال الرسل في البلدان، وثبَّتوا الصليب فأخذ ينمو في أربع أقطار الخليقة، عندئذٍ قام سمعان كيفا (الصفا، بطرس) وأخذ معه بولس، وأتيا إلى أفسس لدى يوحنّا وفرحوا فرحًا عظيمًا، وكرزوا حول ربِّنا يسوع بدون عائق، وصعدا إلى (64) يوحنّا فوجداه يصلِّي، فسلَّم الواحد على الآخر، وفرحوا فرحًا عظيمًا. وروى الواحدُ للآخر كلَّ ما صنع ربُّنا يسوع. (واختاروا) أناسًا مؤمنين، وأقاموهم كهنة.

دخل إلى أفسس بطرس وبولس، يوم الاثنين، ولبثا خمسة أيّام يتوسَّلان إليه، فرحَين، بأن يكتب الإنجيل، فما شاء. وقال لهما: «حين يشاء الروح القدس، أكتبُ أنا».

ويوم الأحد، في الليل، ساعة قام ربُّنا من القبر، نام الرسولان ورقدا. وفي ذلك الوقت المجيد، (وقت) القيامة، نزل الروح القدس وألهب كلَّ المكان الذي حلُّوا فيه. والناس الذين كانوا مستيقظين، أيقظوا رفاقَهم واندهشوا. فأخذ يوحنّا الورق وكتب إنجيله في ساعة واحدة، ووهبه لبولس وبطرس. وإذ أشرقت الشمس، نزل إلى بيت الصلاة وقرأه قدَّام المدينة كلِّها. وصلَّيا وتشاركا في جسد ربِّنا يسوع ودمه. وأتيا إلى القدِّيس ولبثا عنده ثلاثين يومًا. وبعد ذلك أتيا إلى أورشليم، لدى يعقوب أخي ربِّنا، ومن هناك أتيا إلى أنطاكية.

وجلس القدِّيس في الكوخ، صيفًا وشتاءً، (65) حتّى صار ابن مئة وعشرين سنة. وهناك دفنه[46] ربُّه في ذلك الموضع، كما دُفن موسى في جبل نبو([47]).

كلُّ من يؤمن إيمانًا ثابتًا بالآيات التي صنع ربُّنا بأيدي الرسل، يجد الحنان في يوم الدين. والروح القدس الذي هو في الآب والابن سهَّلَ كلَّ شيء. وأبناء البيعة بلا انقسام، يُصعدون المجد بدون تعقُّب([48]) للآب والابن والروح القدس. إلى الأبد. آمين.

تمَّ تعليم يوحنّا بن زبدى،

الذي استلقى على صدر ربِّنا يسوع، في العشاء

الذي تلمذ وعلَّم وعمَّد في مدينة أفسس.

 

 


[1](1) هذا ما يشير إلى الصفحة في النص السرياني

[2](2) جاء خبر يوحنّا في مخطوطين. الأوَّل من سان بطرسبورغ (أ) يعود إلى القرن السادس. والثاني من لندن 17192 (ب)، يعود إلى القرن العاشر.

[3](3) كذا في (أ). في (ب): خبر القدِّيس والمحبوب مار يوحنّا الإنجيليّ الذي تكلَّم وتلمذ... وعمَّد بمعونة ربِّنا يسوع المسيح في مدينة أفسس.

[4](4)  أضاف (ب): يسوع.

[5](5) ܟܠܝܠܐ. يشبهون إكليلاً. رج رؤ 12: 1.

[6](6) هناك تقليد يتحدَّث عن آدم الذي كان طفلاً فخدعه إبليس. أفرام السريانيّ، تفسير سفر التكوين.

[7](7)  بما أنَّ يسوع هو الكلمة، دخل في أذن مريم العذراء. هو تقليد قديم يحافظ على بتوليَّة مريم.

[8](8) كذا في (أ). وفي (ب): يكرز ويبشِّر.

[9](9)  هكذا يعيش النسّاك.

[10](10) لا وجود للنبيذ في حياة الناسك.

[11](11) نتذكَّر مقال بولس الرسول: من ذبح للأصنام، ذبح للشياطين (1 كو 10: 20).

[12](12) كما فعل يسوع أمام أورشليم. رج لو 19: 44.

[13](13) على مثال إيليّا بعد ذبيحة الكرمل (1 مل 18: 42).

[14](14) ذاك ما قالت التقاليد اليهوديَّة.

[15](15) نحن لا ننسى أنَّ الرسل تعلَّموا كلَّ لغة يوم العنصرة.

[16](16) مت 13: 23-26  وز.

[17](17) أو: سيناء. رج خر 32: 1ي. نلاحظ المزج بين العهد القديم والعهد الجديد، ما فعله العبرانيُّون في الماضي وما يفعله اليهود مع المسيح في زمن يوحنّا.

[18](18) أضاف (ب): «فخرج دم وماء

[19](19) في (ب): «يا أبي، اغفر لهم». رج لو 23: 34.

[20](20) كان حجر بشكل دولاب (أو عجلة) يغلق باب القبر.

[21](21) يعطيك اللباس الأبيض، لباس القيامة والنصر. رج رؤ 7: 13-14.

[22](22)  ܙܦܪܘܬܐ. أو: زنخ.

[23](23)  رج 2 تس 3: 10: «من لا يعمل...».

[24](24) هي الرؤية التي رآها حزقيال (حز 1: 1ي).

[25](25) هي رؤية إشعيا (6: 1ي) مع السرافيم الذين يخفون (ܡܚܦܝܢ) وجوههم.

[26](26) هم الرسل الاثنا عشر.

[27](27) هم التلاميذ الاثنان والسبعون، حيث يكون مع كلِّ رسول ستَّة تلاميذ.

[28](28) دلالة على رفعة مقام يوحنّا.

[29](29)  هو سمعان بطرس.

[30](30) رو 16: 16؛ 1 كو 16: 20؛ 2 كو 13: 12؛ 1 تس 5: 26. هي عبارة بولسيَّة.

[31](31) نتذكَّر أنَّ الغرب هو موقع الشرّ. لهذا ندير له ظهورنا اليوم، في الاحتفال بالعماد.

[32](32) هو سمعان بطرس. رج مت 14: 28ي.

[33](33) كما في الابتداء. رج تك 3: 1ي.

[34](34) على مثال ما كان في علَّيقة موسى (خر 3: 3).

[35](35) كما بالنسبة إلى تابوت العهد.

[36](36) في (أ): ܒܝܬ ܣܓܕܬܐ: بيت سجود. في (ب): ܒܝܬ ܦܬܟܪ̈ܐ: بيت الأصنام.

[37](37) Légion يعني جوقة. رج مر 5: 9. وأخته هي Légiona.

[38](38) هم الذين تنشَّأوا في أسرار هذه الإلاهة: ديانات سرّانيَّة religions à mystères.

[39](39)  لباس خاصّ بالمسيحيّ. ثمَّ بالكاهن.

[40](40) علامة الظهور الإلهيّ.

[41](41) يضيف (ب): «كانت الجوقات الثلاث الأولى تصرخ هكذا. والجوقات التسع الأخيرة تُجيب: "أيُّها الربُّ ارحمنا"».

[42](42) أف 4: 25: «نحن أعضاء بعضنا لبعض».

[43](43) كذا في (أ). في (ب): «الذي صار إنسانًا».

[44](44)  ܐܒܗܝܢ في (أ). في (ب): ܡܪ̈ܝܢ: أسيادنا.

[45](45) كذا في (ب): ܘܒܥܕܢܐ. في (أ): ܥܕܡܐ (حتّى). «قبل أن تشرق الشمس ضربه ملاكٌ».

[46](46) أضاف (ب): ܘܚܦܝܗ: وأخفاه

[47](47) رج تث 34: 1ي. شابه يوحنّا موسى. 120 سنة. على الجبل دفنه الربُّ كما دفن موسى، كما يقول التقليد.

[48](48) هو ردٌّ على الذين يبحثون عن «كيان الله». أمّا المؤمنون هنا، فهم يعيشون البساطة: ܦܫܝܛܘܬܐ

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM