تقـديــم

على  هامش الكتاب - 20 -

التُّراث اليُّوحناويّ الجزء الأول

********

الخوارسقف بولس فغالي

دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت

دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة

********

منشورات الرَّابطة الكتابية

تقـديــم

من زمان طويل، نقلنا أعمال يوحنا، ذاك المؤلَّف اليوناني، الذي دُوّن في القرن الثاني، فتحدّث عن نشاط يوحنا الرسول وموته في أفسس. غير أنّ هذا الكتاب أتُّهم بالهرطقة، فأُتلفت أوراقُه. وبما أنه طويل بالنسبة إلى سائر أعمال الرسل، أهملت أقسام منه. وفي النهاية، طُبع كما هو، أي ناقصاً، مشوَّهاً.

ولكن حين يكون لاندراوس وبطرس وبولس وتوما... أعمال، أيمكن أن لا يكون ليوحنا أعمال مثلهم؟ لهذا جاء من يرث هذا الأصل اليوناني، وينقّيه من كل أثر غنوصي، كما أتُّهم في مجمع نيقية الثاني (المسكوني السابع) سنة 787 وهكذا كان لنا في العالم البيزنطي أعمال يوحنا بيد بروخور، الذي يحمل اسم أحد الشمامسة السبعة الذين اختارهم الرسل للاهتمام بالأرامل اليونانيات. كان ذلك في القرن الخامس، على ما يبدو. ودوِّن في العالم اللاتيني في القرن السادس أفضالُ يوحنا كما دُوّن حاش يوحنا. وما أرادت الكنيسة السريانية أن تغفل أخبار هذا الرسول الذي استند إلى صدر المعلّم في العشاء الأخير، فدوّنت في القرن الرابع خبر يوحنا السرياني.

وما توقّف التقليد عند هذا الحدّ، فدوّن أعمال يوحنا في رومة التي انطلقت من منفاه وصولاً إلى عبوره من هذا العالم وانتقاله إلى الآب. وكان لنا في السريانية أيضاً مقال صغير، ضاع القسم الأكبر منه، عنوانه: خبر وفاة القديس يوحنا الرسول والانجيلي. وجاءت الملحقات متعدّدة فذكرنا منها فقط ثلاثة. الأول أخذناه من فلافوس الايرلندي، والثاني هو رسالة منسوبة إلى تيطس. والثالث، يوحنا والحجلة، كما رواه الراهب كاسيان. ولم تتأخّر اللغة العربية في هذا المضمار، فقدّمت للرهبان في أديرتهم: قصة يوحنا، نياحة يوحنا، مدحة يوحنا.

وأضفنا إلى كل هذا رؤيا يوحنا المنحولة الأولى. اختلف الشرّاح حول زمن تأليفها، فقال بعضهم في القرن الرابع ومع اكتشاف الصليب المقدس بيد هيلانة، والدة الامبراطور قسطنطين. وقال آخرون، خلال حرب الأيقونات، بين القرنين السادس والسابع. ولماذا لا يكون هناك نصّ أوّل أعيدَتْ كتابتُه مع الفتح العربيّ وما حصل في ذلك الوقت من تدمير للكنائس وإحراق الصور والكتب المقدّسة؟

كل هذه النصوص جمعناها في مؤلَّف دعوناه التراث اليوحناوي، وقسمناه إلى جزئين، لأننا ما أردنا أن يضيع شيء من كل ما أوصله التقليد إلينا من أخبار يوحنا، وصولاً إلى موته أو انتقاله. سوف نلاحظ التكرار بين نصّ وآخر، ونحن واعون لذلك. ولكن من خلال كل هذا، نكتشف ما يتميّز به العالم البيزنطي والعالم اللاتيني والعالم السرياني. فما هو أكيد بالنسبة إلى الكنيسة الأولى، أن يوحنا هو التلميذ الحبيب إلى يسوع. هو ما تزوّج لأن الربّ منعه من ذلك، فلبث بتولاً، مكرّساً لخدمة الانجيل. عاش في أفسس، وهناك كانت أكثر أعماله وتعاليمه. وانتقل إلى جزيرة بطمس، منفياً بسبب أمانته للمسيح. حيثُ دَوّن سفر الرؤيا. وما يلفت النظر، هو أن هناك كلامًا نادرًا عن الانجيل الرابع الذي ارتبط باسم التلميذ الطاهر. وخصوصاً، لا ذكر لمريم العذراء، تجاوباً مع تقليد أخبرنا أن مريم راحت إلى أفسس مع يوحنا، وهناك رقدت في الربّ، وهناك مدفنها الذي يحجّ إليه الناس إلى اليوم. وهكذا دُعيت أفسس مدينة العذراء، وتعظّمت هذه المدينة بعد ذلك، لأنها المدينة التي أُعلنت فيها عقيدة التيوتوكس أو مريم والدة الاله.

وجهُ يوحنا في هذه الأعمال شابه وجه بطرس وبولس اللذين اعتُبرا عموديّ الكنيسة: معجزاته تشبه معجزاتهما، وكذلك حركاته وتصرّفاته وتجرّده. فلا يمكن أن يكون هذا الرسول أقلّ منهما، بل إن أخباراً أعلنت أنه لم يمت في خط تفسيرٍ لأواخر الانجيل الرابع. وإن هو مات، فقد انتقل إلى السماء شأنه شأن أخنوخ وموسى وإيليا.

عالم واسع أردنا أن نَدخُل فيه، لا لنقابله بالأسفار القانونيّة، وخصوصاً الانجيل الرابع وسفر الرؤيا، بل لنقدّم صورة عن تاريخ الكنيسة في بداياتها، وتجاه الصعوبات التي لاقتها على مدّ تاريخها في الشرق خصوصاً، فكتبت نصوصاً تشبه ما في العهد القديم، ساعة عاش الشعب الأول الاضطهاد والموت. أما النهاية فهي منظورة. يد الله مع يد المؤمنين، وهنا مع يد الرسول، بحيث لا تقف قوّة في وجههم. تلك هي تمنيّات يعرفها المؤمنون في كل زمان ومكان، وبالتالي في أيامنا وفي بلادنا. ولكنَّها لم تكن طريق يسوع. هو ما نزل عن الصليب، بل مات على الصليب، وبان بشرياً أنه غُلب وسيطر عليه أعداؤه. ومثله الرسولان بطرس وبولس اللذان قُتلا في رومة. فنصْرُ الكنيسة لا يُرى بالعين المجرّدة، بل هي تعيش في الرجاء عالمة أنها بإيمانها تنتصر، لا بالوسائل البشريّة، ولا بطرق شبه سحريّة، وثقتها واضحة بكلام الربّ: «لا تخافوا، أنا غلبت العالم».

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM