الفصل الواحد والعشرون: بشر بن سري والرسالة الأولى إلى كورنتوس

الفصل الواحد والعشرون

بشر بن سري والرسالة الأولى إلى كورنتوس

الفصل العاشر من الرسالة الأولى إلى كورنتوس

1.   ثمَّ إنِّي أحبُّ أن تعلموا، يا إخوة، أنَّ آباءنا كلَّهم كانوا تحت السحابة.

يريد أن يبيِّن لهم ممّا عرض للقدماء، أنَّه لا يُغني عنهم إحصاؤهم في المؤمنين، إن لم يعملوا أعمالاً لا تليق بالإيمان. وقد عبروا كلُّهم في البحر. هذا الكلام من سفر الخروج أراد البيان بأنَّ أمورًا كثيرة فُعلت عند بني إسرائيل تشبه ما فُعل عند النصارى. فالعبورُ في البحر كان سرَّ المعموديَّة. وهبوط السحابة دليل على حلول نعمة الروح. والمنُّ والماء الذي أُجريَ لهم من الصخر، سرُّ القربان الذي يعود من الخبز والخمر. طعام الروح المنّ. وشراب الروح الماء. وشبهُهُما إلى الروح القدس كان يؤتيهم إيّاهما على يدي موسى.

2.   وقد اصطبغوا بأجمعهم (على يد موسى) في السحابة وفي البحر.

3.   وأكلوا بأجمعهم طعام الروح الواحد.

4.   وشربوا بأجمعهم شراب الروح الواحد، لأنَّهم كانوا يشربون من صخرة. أضاف الصخرة إلى الروح أيضًا، لأنَّ الصخرة بقوَّة الروح أجرت الماء. وقال »تجيء معهم«، لأنَّ الماء الذي جرى منها أوَّلاً، كان فيها في البرِّيَّة كلِّها، من منزل إلى منزل، فلم يعوزهم ماء حيث لم يكن ماء. الروح التي كانت تجيء (تأتي) معهم. وتلك الصخرة. أي كانت الصخرة لأولئك مثل المسيح لنا. وكما أنَّا معشر المؤمنين نشرب دم المسيح في الخمر، التي يحيلها الروح القدس إلى الروحانيَّة، كذلك كانوا يشربون الماء الذي كان الروح يدرُّه لهم من تلك الصخرة. هو كان المسيح.

5.   ولكن ليس بكثرتهم سُرَّ (رضي) الله، وذلك أنَّهم سقطوا في البرِّيَّة.

6.   وهؤلاء إنَّما كانوا لنا عبرة، كي لا نكون نشتهي السيِّئات كما اشتهوها هم.

7.   لا نكون عبّاد أوثان. أي لم تغنِ عنهم هذه العطايا، بل أكثرهم لم يرضوا الله. كما عَبدَ. هذا من سفر الخروج. بعضهم كما هو مكتوب: »إنَّ الشعب جلسوا (من سفر الخروج) للأكل والشرب، وقاموا للعب«.

8.   ولا نزني كما زنى (من سفر العدد) بعضهم فسقط في يوم واحد ثلاثة (في اليونانيّ: أربعة) وعشرون ألفًا.

9.   ولا نجرِّب المسيح كما جرَّب بعضُهم فأبادتهم (من سفر العدد) الحيّات.

10. ولا تتذمَّروا كما تذمَّر (من سفر العدد) بعضهم وهلكوا على يد المُفسد.

11. وإنَّما جميع هذه الأمور التي عرضت لهم كانت عبرة (مثالاً) لنا. وكُتبَتْ من أجل تأديبنا نحن، لأنَّ آخر الأزمنة إلينا انتهى.

12. فمن يظنُّ أنَّه قد قام (نهض) فليحذر كي لا يقع. بيَّن بهذا أنَّهم محقوقون (أي يطلب منهم) بالحذر والاحتراس من الزيغ والسقوط.

13. لم يُصبْكم بلاء إلاَّ بلاء الناس. يقول: قد أصبحتم ولم تَهجْ عليكم شدائد ولا بلايا تغلطون على أنفسكم بهواكم، لا من قهْر سلطان ولا من موضع آخر، وذلك بذهابكم إلى بيت الأصنام وأكلكم ذبائحها لمودَّة الناس. غير أنَّ الله صادق أن لا يُهملكم أن تُبتَلوا بأكثر ممّا تطيقون، بل يجعل لبلائكم مخرجًا، كي ما تقدروا على الاصطبار.

14. من أجل هذا، يا أحبّائي، اهربوا من عبادة الأوثان. رجع الآن إلى نسق (= ما يلي) الكلام وحذَّرهم من مخالطة عبّاد الأوثان بقياس (= بالمقابلة مع) القربان.

15. إنَّما أقول كما يُقال للحكماء. فاحكموا أنتم فيما أقول.

16. أتلك الكأس ذات الشكر التي نباركها، أليس إنَّما هي شركة دم المسيح؟ وذلك الخبز الذي نكسره، أليس إنَّما هو شركة جسد المسيح؟

17. فكما أنَّ ذلك الخبز واحد، كذلك كلُّنا نحن جسد واحد، لأنَّنا بأجمعنا إنَّما نأخذ من ذلك الخبز (الواحد).

18. انظروا إلى إسرائيل الذي بالجسد. أي إسرائيل الجسدانيّ، أي اليهود، لأنَّ إسرائيل الله روحانيّ، أي النصارى. أليس الذين يأكلون الذبائح يصيرون شركاء للمذبح؟

19. فماذا أقول الآن؟ أالوثن شيء هو (أو: هو شيء)، أو ذبيح الوثن (هو) شيء؟ كلاّ. أراد ألاَّ يُظنَّ به أنَّ تحذيره من ذلك لأنَّه يرى أنَّ في أمور الأوثان قوَّة ضارَّة أو ناقصة في ذاتها فقال: »أنا أعلم أنَّ ذبائح الأوثان لا قوَّة فيها«.

20.  ولكن. يقول: »ولكن هؤلاء الذين يقرِّبون الذبائح للأوثان، إنَّما يذبحونها للشياطين ولكرامتها. فإذا أكلنا من ذبائحها شاركناها. وما أحسن ما رقّى كلامه من الأوثان إلى الشياطين، لأنَّ الشياطين ليس يمكن أحد إنكارها، ولا يدَّعي أنَّها لا تضرُّ بالذين يشتركون فيها. ذلك الشيء الذي يذبحه الوثنيّون، إنَّما يذبحونه للشياطين لا لله. فلستُ أحبُّ أن تكونوا شركاء للشياطين.

21.  ما تقدرون أن تشربوا كأس ربِّنا وكأس الشياطين، وما تقدرون أن تشتركوا في مائدة ربِّنا وفي مائدة الشياطين.

22.  أو لعلَّنا إنَّما نُغير ربَّنا إغارة. يقال إنَّ الإنسان يغير صاحبه إذا كان يريد أن يحبَّه اثنان يختلفان في آرائهما، فيُكرم الواحد ليُغير الآخر. وليس يكون هذا من الخسيس إلى الأفضل، بل من الأفضل إلى الخسيس. ويقول: 'ألعلَّنا إنَّما نستعمل أكْلَ الذبائح الوفيَّة (المتوفّاة أو الميتة)، إنَّما نريد تحريض المسيح على محبَّتنا كأنَّنا أفضل منه، ونظنُّ أنَّه يغتمُّ لاشتراكنا لدى أولئك؟ ألعلَّنا أقوى منه؟

23. كلُّ شيء حِلٌّ لي، ولكن ليس بكلِّ شيء أصلح. كلُّ شيء حلال (مطلق) لي، ولكن ليس كلُّ شيء يبني. لأنَّه كان يمكن أن يحتجَّ ذاك ويقول إنَّ كلَّ طعام حلال، قال: »فكِّرْ أنَّه ليس كلُّ ما كان لك حلالاً هو نافع لغيرك لا محالة«.

24. لا يكوننَّ الإنسان إنَّما يطلب ما لنفسه، بل يطلب كلُّ إنسان ما لصاحبه.

25. كلُّ شيء يُباع في السوق. أي: لا إن ابتعتَ من السوق تسأل، ولا أن قُدِّم لك طعام عند الوثنيّين تبحث، بل روى أنَّ الأرض بما فيها لله. كونوا تأكلون بلا فحصٍ من أجل النيَّة.

26. لأنَّ الأرض بملئها للربّ. من مزمور أربعة وعشرين.

27. فإن دعاكم أحدٌ من الوثنيّين وهوَيْتم الانطلاق، فكلوا ما يُوضَع قدَّامكم بغير فحص من أجل النيَّة.

28. فإن قال لكم إنسان هذه ذبيحة (وثن)، فلا تأكلوا. أي امتنعْ عن أكله، لا لأنُّه يضرُّ أو ينفع، ولكن لكي لا يعثر به غيرُك. من أجل ذلك الذي يقول لكم، ومن أجل النيَّة.

29. ولستُ أعني بالنيَّة نيَّتكم، لكن نيَّة ذلك الذي يقول. فلماذا تُدان حرِّيَّتي من نيَّة آخرين؟ (فما بال حرِّيتي تدان). أراد أن يوضح أنَّه بصواب يعني بنيَّة غيره. يقول: »كيف ليس من القبيح أن أكون أنا آكل بحرِّيَّة رأي. ويكون لي غيري مُداينًا (أي: يدينني) لي ومخاصمًا

30. وإن كنتُ أنا إنَّما أستعمل النعمة؟ يقول: »إن كنتُ أنا بالنعمة حرٌّا من السنَّة (أو: الشريعة) ومصدِّقًا بأنَّ نيَّة النفس تُرادُ عند الله، ولذلك لا أُحرَم هذه الأطعمة. فما بالي أُوجد السبيلَ للمفترين؟ فخيرٌ لي إذن اجتناب ذلك وإن كان لي مباحًا«. فلمَ يُفترى (أثلب) عليَّ في الشيء الذي أنا به مُقرّ.

30. فإن أكلتم إذًا، أو شربتم، وإن عملتم شيئًا كونوا تعملونه لتسبيح الله.

31. فكونوا غير ذوي عثرة لليهود وللشعوب ولبيعة الله.

32. كما. يقول: »غرضي ما أمكنني في جميع ما أفعله، أن لا يجد عليَّ إنسان علقة (أو سبب) بالعدل (أو: أُعذَل) للائمة (= للوم) »أنّي أنا قد أُرضي كلَّ وأحد في كلِّ شيء. ولستُ أطلب الشيء الذي هو لي أصلح. بل الشيء الأصلح لكثير من الناس ليحيوا(1).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM