الفصل الأول: بولس الطرسوسي، الانسان والمؤمن والرسول

الفصل الأول

بولس الطرسوسي، الانسان والمؤمن والرسول

نتحدَّث عن الرسل الاثني عشر، وحين نصل إلى بولس نقول هو الرسول، هكذا دعاه تقليد الكتاب المقدَّس.

دعا الربُّ الاثني عشر واحدًا بعد آخر بانتظار أن يختارهم مجموعة تامَّة ويرسلهم. أمّا بولس الذي لم يعرف المسيح فنال دعوة خاصَّة. قال: »ولكنَّ الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي فدعاني إلى خدمته« (غل 1: 15).

الاثنا عشر سمعوا المسيح، رأوه، لمسوه، كما قالت رسالة يوحنّا الأولى. أمّا بولس فمضى إلى الجماعات المسيحيَّة يستمع إلى ما تذكَّره المؤمنون من أعمال الربِّ وأقواله.

وهذا الذي وصلت إليه البشارة بعد صعود الربِّ بستِّ سنوات، كتب أولى كلمات العهد الجديد، الرسالة الأولى إلى تسالونيكي سنة 51، أي قبل أوَّل إنجيل هو إنجيل مرقس الذي تسلَّمته الكنيسة سنة 69-70.

تكلَّم يسوع في الآراميَّة الفلسطينيَّة، بل في لهجة أهل الجليل. وبهذه اللهجة سمع المجتمعون يوم العنصرة، بطرس يكلِّمهم. أمّا بولس فنقل الأناجيل إلى اللغة اليونانيَّة، اللغة الفكريَّة العالميَّة في ذلك الزمان.

بدأت المسيحيَّة في أورشليم وجوارها، وخاطرت بعض الشيء فوصلت إلى السامرة وبتردُّد كثير وصلت إلى أنطاكية: »بعض هؤلاء المؤمنين... أخذوا يخاطبون الناطقين باللغة اليونانيَّة أيضًا ويبشِّرونهم بالربِّ يسوع« (أع 11: 20). أمّا بولس فأوصلها إلى أقاصي الأرض.

بعد ذلك، هل نتعجَّب إن كرَّست الكنيسة سنة كاملة فيها يتعرَّف المؤمن إلى هذا الذي تسمّى باسم عبريّ، شاول، اسم أوَّل ملك في شعبه، وباسم يونانيّ هو بولس فجمع في شخصه الشرق والغرب، عالم الكتاب المقدَّس والعالم اليونانيّ بأدبه وفلسفته وفكره؟ أمّا نحن فننظر إليه في ثلاث وجهات: هو الإنسان، هو المؤمن، هو الرسول.

1. بولس الإنسان

اختار يسوع تلاميذه في مناطق شعبيَّة: بعضهم صيّاد سمك وغيره موظَّف على مائدة الجباية وثالث من جماعة ثوريَّة، من الغيورين. واعتبرهم العالم اليهوديّ »أمّيّين«. أمّا بولس فكان رجلاً متعلِّمًا: يجيد اليونانيَّة واللاتينيَّة، يعرف الآراميَّة ويقرأ العبريَّة ويعرف تفاسيرها بعد أن تعلَّم لدى قدمَيْ غملائيل الكبير. إلى ذلك، مرَّ في الجامعة فعرف الشعر اليونانيّ والشعراء، وذكر بعضهم في خطبة أثينة. كما تعلَّم الفلسفة وتجادل مع »فلاسفة« أثينة من رواقيّين وإبّيقوريّين، وكان له أن يخطب في الموضع الذي خطب فيه سقراط في القرن الخامس ق.م. وحين قدَّم موضوع الجسد والأعضاء في الكنيسة، نفهم أنَّه اكتنه الفلسفة الرواقيَّة فدخلت في فكره اللاهوتيّ بشكل طبيعيّ جدٌّا وكأنَّها من عنده. وكذا نقول عن كلامه في عناصر الكون الأوَّليَّة تجاه تيّار سوى يُدعى الغنوصيَّة أو المعرفة الباطنيَّة التي تريد للفكر البشريّ أن يسيطر على الوحي ويستغني عن التقليد الذي يعود في العهد الجديد، إلى يسوع المسيح.

وُلد بولس في الشتات اليهوديّ، لا في منطقة منعزلة في فلسطين، يحرِّكها »المسحاء« فترة بعد فترة. وُلد في طرسوس من أعمال تركيّا. سكّانها ربع مليون نسمة، وفي جامعتها تعلَّم. كان شاول ذلك اليهوديّ الذي خُتن في اليوم الثامن. قال: »أنا من بني إسرائيل، من عشيرة بنيامين، عبرانيّ من العبرانيّين« (فل 3: 5). ولكنَّه لم يكن يهوديٌّا عاديٌّا، فيتابع »في الشريعة أنا فرّيسي«. هو من تلك الفئة المتمسِّكة بأذيال الدين والمتشدِّدة في الممارسة إلى حدّ »يصفّون البعوضة ويغسلون الكأس والصحن« (مت 23).

بولس يهوديّ، ولكنَّه لم يحصر نفسه في العالم اليهوديّ. فهو ابن الحضارة اليونانيَّة الواسعة، وهو المواطن الرومانيّ الذي نال مواطنيَّته بالوراثة (أع 22: 26-28)، فاستطاع إذا شاء أن يتمتَّع بامتيازات يدفع الناسُ المال الكثير للحصول عليها.

تعلَّم بولس الوصايا الموسويَّة وشرحوا له سفر اللاويّين، ولكنَّه لم يكتفِ بمثل هذه المعرفة. فدرس طرق التفسير لدى المعلِّمين. ونذكر هنا الشرح حول البرقع الذي كان موسى يضعه على وجهه (2 كو 3: 12-16)، كما نذكر تلك الصخرة التي رافقت العبرانيّين خلال مسيرتهم في البرِّيَّة (1 كو 10: 1-5).

كلُّ هذه المعطيات جعلت من بولس إنسانًا حرٌّا. هو بلا شريعة (موسويَّة) مع الذين لا يعرفون تلك الشريعة. وهو يمارس الشريعة مع الذين يمارسونها. أما خَتن تيموتاوس مثلاً لأنَّ أمَّه يهوديَّة، وما ختن تيطس؟ المهمّ الرسالة. قال: »أنا رجل حرّ عند الناس، ولكنّي جعلتُ من نفسي عبدًا لجميع الناس حتّى أربح أكثرهم. فصرتُ لليهوديِّ يهوديٌّا لأربح اليهود، وصرتُ لأهل الشريعة من أهل الشريعة، وإن كنتُ لا أخضع للشريعة، لأربح أهل الشريعة، وصرت للذين بلا شريعة كالذي بلا شريعة لأربح الذين هم بلا شريعة، مع أنَّ لي شريعة من الله بخضوعي لشريعة المسيح« (1 كو 9: 19-21). في النهاية، ما يوجِّه حياته هو المسيح: كلُّ شيء لكم وأنتم للمسيح والمسيح لله.

شاول - بولس هو ابن عيلة شريفة. متعلِّم، مثقَّف بالثقافة باليونانيَّة. مواطن من »الدرجة الأولى«. وهو اليهوديّ الذي يفتخر بيهوديَّته حين يلزم، ولا يخاف أن يعلن أنَّه فرّيسيّ ويسمّي معلِّمه الذي كان مشهورًا. ذاك هو الرجل الذي أراد الربُّ أن يختاره: إنسان حرّ، صاحب عزم وشجاعة لا يهاب الصعاب. صاحب رؤية جعلته يفتتح العالم اليونانيّ. لهذا أراده الربّ وهو الذي قال: الملكوت يؤخذ بقوَّة والأقوياء هم الذين يأخذونه.

2. بولس المؤمن

الإيمان اندفاع. الإيمان عطاء. الإيمان انطلاق. هكذا كان شاول. وهكذا عاش بولس. فشاول اليهوديّ آمن بالله إيمانًا عميقًا وجعل حياته تعبِّر أفضل تعبير عن إيمانه. ما كان فقط يهوديٌّا عاديٌّا، بل كان أيضًا فرّيسيٌّا »متعصِّبًا«. وما اكتفى بما يدرسه المؤمن، بل أراد أن يتعمَّق في إيمانه: أتى إلى أورشليم لدى المعلِّمين المعروفين. وبرز إيمانه بشكل خاصّ تجاه الجماعة المسيحيَّة الأولى: لا يمكن أن تكون الشريعة حيَّة، صادقة، وتكذب بالنسبة إلى يسوع. فهذا »المضلِّل« مات وقُبر. فكيف يقول الرسل: هو قام، هو حيّ؟ هذا مستحيل! يجب أن يبقى ميتًا، أن لا يُذكَر اسمُه بعد. وانطلاقًا من إيمانه، شرع يضطهد المسيحيّين بدون هوادة. ولكنَّه سوف يفهم فيما بعد »جهالته« ويتوب عمّا عمله: »لا أحسب نفسي أهلاً لأن يدعوني أحدٌ رسولاً لأنّي اضطهدتُ كنيسة الله« (1 كو 15: 9).

مثل هذا الرجل الصادق لا يمكن أن يتركه الربُّ وحده. قطع له الطريق الماضية إلى دمشق. جندله، أسقطه أرضًا، غلبه، كما حدث بالنسبة إلى يعقوب بن إسحاق مع الملاك. ظنَّ شاول أنَّ يسوع مات وانتهى أمره. ولكنَّ يسوع هو حيّ. والرسالة هي في بدايتها. رآه، لا كما رآه الرسل بالجسد، بل مثل نورٍ أعمى عينيه. سمعه يكلِّمه، يناديه باسمه. ومرَّتين: شاول، شاول. ثمَّ عاتبه: ماذا تفعل؟ لماذا تضطهدني؟ وسأله: لماذا تقاومني؟ أيُّ فرس يستطيع أن يرفس المهماز؟ وأنت، إلى متى؟ صاعقة وقعت عليه فدارت حياته دورة كاملة. سأل: ماذا تريد يا ربّ أن أفعل؟ امضِ إلى دمشق، إلى حنانيا وهناك يُقال لك ما يجب أن تفعل.

وانطلقت مسيرة المؤمن. فهمَ أنَّ ما ناله هو عطيَّة مجّانيَّة من لدنه تعالى. هذا ما حصل لإبراهيم. تقول الأخبار إنَّه بدأ عابدًا للأصنام، عائشًا في مدينة مزدهرة في الجنوب العراقيّ، أور، فدعاه الله: »اترُك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك«. آمن إبراهيم. ومثله كان شاول الذي اعتمد فانفتحت عيناه وراح إلى الجماعات المسيحيَّة يتعلَّم منها ما يتعلَّق بالربِّ يسوع.

ماذا اكتشف في مسيرة الإيمان هذه؟ أنَّ البشريَّة خاطئة، يهودًا ويونانيّين، وأنَّ الجميع بحاجة إلى الخلاص. فالخطيئة دخلت بإنسان واحد، بالإنسان، والنعمة جاءت بإنسان واحد هو ابن الإنسان، يسوع المسيح. واكتشف الشرّ في قلب كلِّ واحد منّا، مع صراع بين ما نريد وما لا نريد: ما لا أريده أفعله. وما أريده لا أفعله. أنا لا أريد الخطيئة ومع ذلك أفعل الخطيئة. وأنا أريد الخير، ومع ذلك فأنا لا أفعل الخير. صراع مرير في قلب الإنسان جعل الرسول يقول: »من يخلِّصني من جسد الخطيئة هذا؟!

هذا المؤمن فهم أنَّ الشريعة بمتطلِّباتها العديدة لا يمكن أن تخلِّص الإنسان: لا الممارسات، لا الذبائح، لا العشور. بل هو الاستسلام بيد الله الذي يفعل فينا وعنا: وهكذا استسلم بولس لمشيئة الله الذي قاده من دمشق إلى أورشليم ومن أورشليم إلى طرسوس عودةً إلى أنطاكية. إيمان كان فيه حارٌّا فدفعه أن يعلن باكرًا في دمشق »أنَّ يسوع هو المسيح« (أع 9: 22). في أورشليم لم يُقبَل هذا الذي »شارك« في مقتل إسطفانس. أمام هذه الصعوابات خمدت بعض الشيء جذوة الإيمان. وانتظر ساعته: جاءه برنابا إلى طرسوس وأخبره بالرسالة التي تنتظره.

الإيمان جعل بولس يرى ما لا يُرى. جعله يرى المسيح حاضرًا في أعماله وأقواله وتصرُّفاته: »الحياة عندي هي المسيح، والموت ربحٌ لي« (فل 1: 21). وأعلن في الرسالة إلى رومة: »إذا كان الله معنا، فمن يكون علينا؟« (رو 8: 21). حينئذٍ لا اهتمام بالجوع والعري والاضطهاد، لا اهتمام بالشدَّة والضيق والخطر. كلُّ هذا يستضيء بفعل إيمان عميق: »في هذه الشدائد تنتصر كلّ الانتصار بالذي أحبَّنا« (آ37).

3. بولس الرسول

ماذا فعل بولس بعد أن صار للمسيح؟ هل عاد إلى بيته؟ هل كان متزوِّجًا، وإذا نعم، ماذا حصل لزوجته وهو الذي اعتبر نفسه مختلفًا عن بطرس وسائر الرسل »فما استصحب زوجة مؤمنة؟« (1 كو 9: 5). ما اسم والده ووالدته؟ لا نعرف. كلُّها أمور نافلة. فالماضي صار كلُّه »نفاية« من أجل معرفة المسيح، من أجل الرسالة. فبعد أن دعاه برنابا، صار هذا »المضطهد القديم« رسولاً ورسولاً فقط، فما عاد الباقي يهمُّه.

فهمَ أوَّلاً أنَّ الرسالة لا يمكن أن تنطلق من أورشليم المنعزلة على ذاتها، وهي التي قتلت الأنبياء ورجمت المرسلين إليها (مت 23: 37). أين انفتحت البشارة على الوثنيّين كما على اليهود؟ في أنطاكية. إذًا يكون »مركز القيادة« أنطاكية، تلك المدينة الآراميَّة اليونانيَّة، بحيث تتوجَّه الرسالة صوب بلاد الرافدين وأبعد من ذلك، وصوب العوالم اليونانيَّة بدءًا بآسية الصغرى (تركيّا) وصولاً إلى الليريكون الذي يقابل يوغوسلافيا السابقة. وحين يصل إلى هناك، يستعدّ لأن يبدِّل »مركز القيادة« من أنطاكية إلى رومة بحيث يصل الإنجيل إلى »أقاصي الأرض« التي كان اسمها »عواميد هرقل« قبل أن تصبح جبل طارق.

وفهم ثانيًا أنَّ الرسول لا يعمل وحده، بل في إطار فريق رسوليّ توكله الكنيسة بالعمل. أمّا الانطلاق الأوَّل فكان مع برنابا ومرقس. ثمَّ كان سيلا (أو: سلوانس) وتيموتاوس. ونحن لا ننسى تيطس ولوقا وعددًا كبيرًا من العاملين يسلِّم عليهم الرسول في نهاية الرسالة إلى رومة.

وفهم ثالثًا الطريق التي بها تتمُّ الرسالة. لا يبقى بولس في الموضع نفسه إلاَّ في بعض الحالات، بل هو ينتقل من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى آخر ويعيِّن »شيوخًا« مسؤولين يواصلون عمل الرسالة، كما يرسل أشخاصًا من قبله يتفقَّدون الكنيسة التي تأسَّست. ذاك ما فعل حين أرسل تيموتاوس إلى تسالونيكي »ليشجِّعكم ويقوّي إيمانكم« (1 تس 3: 2). وحين يؤسِّس ذاك الذي رفض أن يبني على أساس غيره، فهو لا ينسى الجماعات التي بشَّرها، فيتحدَّث »عمّا يعانيه كلَّ يوم من اهتمام بجميع الكنائس. فمن يضعف وأنا لا أضعَفُ معه، ومن يقع في الخطيئة وأنا لا أحترق من الحزن عليه« (2 كو 11: 2-29). ذاك هو قلب الرسول.

»كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم« (يو 20: 21). أرسل يسوعُ بطرس ويعقوب ويوحنّا وأندراوس. وأرسل بولس فأخذ يعلِّم في كلِّ مكان يمرُّ فيه. لا شكَّ في أنَّه قضى سنة ونصف السنة في كورنتوس، ولكنَّه من هناك شعَّ على آخائية، المنطقة التي تحيط بكورنتوس. ولبث ثلاث سنوات يعمل في أفسس، ولكنَّ الإنجيل وصل إلى المناطق العديدة، وليس أقلّها كولوسّي ولاودكيَّة وهيرابوليس. ولكن حين مرَّ في منطقة غلاطية (حول أنقره الحاليَّة) وأصابه مرضٌ منعه من السفر، لم يحسب الوقت الذي قضاه هناك ضياعًا، بل بشَّر بالإنجيل في تلك القرى الجبليَّة، وكوَّن جماعات سوف يكتب إليها بقساوة المربّي وحنان الأب ويعلِّمهم صلاة الأبناء: »الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا هاتفًا: أبّا، أيُّها الآب« (غل 4: 6).

اعتاد الشرّاح أن يتحدَّثوا عن ثلاث رحلات رسوليَّة قام بها بولس انطلاقًا من أنطاكية. في الأولى، مضى إلى قبرص ثمَّ عاد إلى بعض آسية الصغرى. في الثانية، بشَّر آسية الصغرى وانتقل إلى أوروبّا فوصل إلى أثينة وكورنتوس. وفي الرحلة الثالثة، عاد يعمِّق الرسالة ويفتتح أماكن أخرى من أجل الإنجيل. فشابه الإسكندر المقدونيّ وغيره، لا بقوَّة السلاح بل بقدرة الكلمة: »فما سلاح جهادنا بشريّ، بل إلهيّ قادر على هدم الحصون: نهدم الجدل الباطل وكلَّ عقبة ترتفع لتحجب معرفة الله، ونأسر كلَّ فكر ونخضعه لطاعة المسيح« (2 كو 10: 4-5).

الخاتمة

ذاك هو بولس الرسول. هو هو بعد ألفي سنة. كلامه ما زال يلعلع في آذاننا. وكتاباته نقرأها في ليتورجيّاتنا واجتماعاتنا. رسائل تركها لنا هي زبدة اللاهوت المسيحيّ والروحانيَّة. ما ناله من مواهب جعله في خدمة الرسالة. أمّا إيمانه فعلَّمه كيف ينظر إلى الأمور من فوق فيُلقي عليها أضواء السماء. وفتح الآفاق العديدة على مستوى حياة الأفراد والجماعات. ما علاقة الرجل والمرأة؟ نعود إلى بولس الذي يتحدَّث عن »الوفاق« لا السيطرة كما في البدايات. ما علاقة السيِّد بالعبد؟ لم يعد أونسيمس عبدًا لفيلمون وسلعة يتصرَّف بها كما يشاء، ولكن أخًا نال العماد مثله وصار مثله عضوًا في الجماعة. هل يستطيع اليهوديّ (الذي يحسب ديانته رفيعة) أن يجلس مع غير اليهوديّ إلى مائدة واحدة؟ مستحيل. هو يتنجَّس. هذا ما نقوله إلى الآن. أما بولس فيقول: لا يهوديّ ولا يونانيّ، لا عبد ولا حرّ، لا رجل ولا امرأة، كلُّنا واحد في المسيح. أما يحتاج بولس أن نتعرَّف إليه، ونقرأ أو نعيد قراءة رسائله؟ فهي تفتحنا على عالم جديد بعد أن ضعف الإيمان، وبحثنا عن حكمة عالميَّة لا توافق حكمة الصليب التي نادى بها بولس وما زال ينادي، لأنَّه رأى هنا الطريق الملوكيَّة التي لا يسير فيها إلاَّ »الأبطال«. لو أنَّ بولس لم يتبع يسوع، لكان صانع خيام في مدينة من مدن الإمبراطوريَّة الرومانيَّة. لو أنَّ بولس لم يتبع يسوع، لكان فرّيسيٌّا بين عشرين أو ثلاثين ألف فرّيسيّ. أمّا وأنَّه سار وراء المسيح، فهو الرسول الذي دعا نفسه عبد المسيح فما جاراه أحدٌ في تاريخ الكنيسة، بل اعتبره الفكر محطَّة هامَّة في تاريخ البشريَّة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM