تقديم

دراسات بيبلية -40-

بولسيات

الخوارسقف بولس فغالي

دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت

دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة

منشورات الرابطة الكتابية

تقديـــم

سنة 2008 رافقنا القدِّيس بولس سنة كاملة انتهت بعيده مع القدِّيس بطرس في 29 حزيران 2009. كتبنا له بولس الرسول بعد ألفي سنة. ثمَّ امتداد الأدب البولسيِّ في الأسفار المنحولة. ووردت المقالات الطويلة والقصيرة بحيث رافقنا رسول الأمم، نقرأه، نتأمَّل في نصوصه، نُشرك المؤمنين في اكتشافاتنا. فجاء هذا الكتاب »بولسيّات« أوَّل ثمرة لهذه المسيرة البولسيَّة.

سبق ذلك كتاب القدِّيس بولس كما في أعمال الرسل، وتوغَّلنا في الرسائل التي هي أوَّل نتاج أدبيٍّ نعرفه في العهد الجديد. فحين نعرف أنَّ الرسالة الأولى إلى تسالونيكي كُتبت قبل إنجيل يوحنّا بنصف قرن، وأنَّ أوَّل إنجيل وصل إلينا وهو إنجيل مرقس، جاء عشرين سنة بعد أولى النصوص البولسيَّة، نفهم الأثر الذي تركه هذا الرسول العظيم، لمّا نقل فكر يسوع المسيح من إطار ضيِّق هو منطقة الجليل، المحتقرة في نظر كهنة أورشليم، إلى العالم كلِّه. نقل حياة يسوع وأقواله وأعماله من أراميَّة خاصَّة ببعض فلسطين، إلى اليونانيَّة تلك اللغة التي عمَّت حوض البحر المتوسِّط، وطبعت الحضارات المختلفة بطابعها، هذا إذا كانت ما أزالتها وحلَّت محلَّها.

في هذا العالم اليونانيّ الذي أورثنا الشعر والنثر، الفلسفة والتاريخ، الخطابة والمسرح، أيكون الإنجيل غائبًا؟ كلاَّ. فاختار الربُّ بولس الذي كان ابن الجامعة في طرسوس، فعرف الشعر والفلسفة وأساليب الكتابة والكلام فقال فيه التقليد إنَّه كان له حوار مع الفلاسفة في أثينة، كما أورد مقاطع من الشعر اليونانيّ.

قال البعض عنه: لم يعرف سوى التقليد اليهوديِّ، وبعض الأمور البسيطة من العالم اليونانيِّ كونه من عائلة فرِّيسيَّة متزمِّتة. لست أدري لماذا يريد البعض من بولس أن يكون رجلاً أمِّيٌّا؟ أتُرى لوقا لم يكن صادقًا حين تحدَّث عن الرسالات التي قام بها، من أنطاكية وصولاً إلى رومة، وربَّما إلى إسبانية وأبعد من ذلك؟ مساكين هؤلاء الذين يريدون أن يبيِّنوا أنَّ المسيحيَّة لم تستطع أن تجاري اليهوديَّة. ونقول هذا في بعض المسيحيِّين في أوروبّا وخصوصًا في أميركا، الذين يفرحون بالعودة إلى العهد الأوَّل فيشابهون أهل غلاطية، فيقول لهم الرسول اليوم: »أيُّها الغلاطيّون الأغبياء، من الذي سحر عقولكم!« (3: 1). ويواصل: »أتنتهون بالجسد (باللحم، من أجل الختان) بعد أن بدأتم بالروح؟« (آ3). ويمكن أن يقول الرسول لنا: »بعد ألفي سنة من المسيحيَّة ومسيرة الإيمان، تريدون العودة إلى الشريعة اليهوديَّة وممارساتها! من قال لكم إنَّ موسى أعظم من بولس الذي كان شاول، ولكنَّه انتقل فقال: »أترك ما ورائي وأنبسط إلى ما أمامي من أجل الدعوة العلويَّة«. والربُّ يسوع قال لنا: »من وضع يده على المحراث (ليعمل في كرم الربِّ) ونظر إلى الوراء، لا يكون أهلاً للملكوت«.

هذا هو بولس. هدفه بعيد جدٌّا. وهو يدعونا لكي نجعل عيوننا في عينيه، ونهتف معه: »لا أعرف بينكم إلاَّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا«. وأعلن أنَّه لا يمكن إلاَّ أن يفتخر بالصليب، كما هزئ من حكمة الحكماء التي لا تصل بنا إلى الحكمة الحقيقيَّة »الموصلة إلى الملكوت«.

هذا هو بولس الذي رافقناه عن قرب سنة كاملة. ولكن تلك السنة كانت نقطة الانطلاق، فيجب أن لا نتوقَّف. لهذا كان هذا الكتاب الذي به ندخل مع بولس إلى الجماعات المسيحيَّة، ونسمع كلام الربِّ وكأنَّنا نسمعه للمرَّة الأولى. هذا الكلام وحده هو النور والحياة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM