الخاتمة

الخاتمة

ثلاثة مجلّدات في »الخلاصة الكتابيّة والآبائيّة«. تعرفنا فيها إلى ثلاث كنائس: أنطاكية، الاسكندرية، أورشليم. ويمكن أن نتعرف أيضًا إلى كنيسة رومة مع هيبوليت الروماني أو البابا ليون الأول وغيرهما. كما يمكن أن نتعرّف إلى كنيسة أفريقيا، وبالتحديد أفريقيا الشمالية، التي كانت أول من نقل الكتاب المقدس إلى اللاتينية، في ما ندعو »اللاتينية العتيقة« وكتبت في اللاتينية فبرز ثلاثة كبار فيها: ترتليان ذاك المحامي اللامع الذي جعل موهبته البلاغيّة في خدمة إيمانه. وقبريانس، أسقف قرطاجة، الذي لعب دورًا كبيرًا في علاقاته مع رومة قبل أن يموت شهيدًا. وأوغسطين الذي ترك من الآثار ما لم يترك أبٌ من الآباء.

توغّلنا في الدراسات الكتابية ورحنا نتعرّف إلى تطوّرها في القرن العشرين وعلى عتبة القرن الحادي والعشرين. فما بدأ به القرن التاسع عشر، بل الثامن عشر، أخذ يُعطي ثمارَه اليوم، فما عاد الكتاب المقدس قلعة مغلقة ندور حولها ولا نجسر على الدخول إليها. فلو أن الكتاب منزلٌ لما تجاسرنا أن نقترب من كلام الله، لأنه تجلّ لله، ومن يجسد أن يقترب من الله؟ هو يحترق. غير أن الكتاب هو من الله وهو من البشر. لهذا نقرأه نحن البشر لكي نكتشف الخبرة التي عاشها أولئك الذين تركوا أولى التمتمات قبل أن يكون بين أيدينا النص النهائي:

»هذا ما يقول الرب«.

فتحنا أبوابَ العالم القديم، فتركنا هذا الشرق الذي ما زال يقرأ النصوص قراءة حرفيّة ولا يجسر أن يبتعد عمّا قاله الأجداء. وإن هو توسّع، أورد نصوص الآباء دون أن ينتبه إلى أن شرح الآباء يحتاج إلى تأوين بالنسبة إلى عصرنا. هم كانوا من القرن الرابع أو الخامس، ونحن دخلنا في الألف الثالث، فكيف نعود إلى الوراء خمسة عشر قرن إن لم يكن ستة عشرة دون أن ننسى حاضرنا والعالم الذي نعيش فيه؟

من أجل هذا قدّمنا منهجين أساسيّين لدراسة نصوص التوراة والأنبياء والمزامير. المنهج الأول يقوم بأن نحلّل الآيات ونجعلها في الإطار الزمني الذي دُوِّنت فيه. فهناك نصوص من سفر الخروج لبثت شفهيّة، أو هي لم تأخذ شكلها النهائي قبل العودة من المنفى البابلي، سنة 538 ق م. لهذا لا نستطيع مثلاً أن نتحدّث عن رئيس الكهنة في زمن سليمان، كما نتحدّث عنه في الحقبة الفارسية، حيث حلّ محلّ الملك فاعتمر التاج ولبس الملابس الملوكيّة. أما في الماضي، فكان الكاهن عريانًا، يغطيه فقط إزار لئلا تَبان عورتُه. فالكتاب ليس غرضًا محجَّرًا، بل أعيدت قراءته على ضوء التطوّر التاريخي، فأجبَرنا أن نحلّل الأفكار والعبارات لكي نفهم أن كلمة الله حيّة، ترافق الشعب في تطوّره الروحي والحضاري، وتدعونا إلى الدخول في مثل هذا التطور لكي نقرأ كلام الله الذي يتوجّه إلينا وكأنه من الحاضر، لا من الماضي.

اليوم نحن نسمع صوت الله. اليوم نختبر الخبرات التي اختبرها الأنبياء ورجال الله. اليوم نقف مع الرسل فنقرأ معهم العهد الجديد، بحيث يَبرز وجهُ يسوع حاضرًا معنا اليوم وكل يوم وإلى انقضاء الدهر.

لن نجد في هذا المجلد ولا في سابقيه الأمور العمليّة التي تعطينا الجواب السريع على ما يُطرَح من مسائل. بل حاولنا أن نقدِّم المفاتيح التي تساعدنا على قراءة النصوص وفهمها والتأمل فيها وإيصالها إلى المؤمنين. هذا يعني أن القارئ يقوم بالمجهود الذي قام به الكاتب ليصبح معاصرًا للذين كتبوا »هذه الآيات البيّنات«.

كثيرون ساروا في هذه الطريق، وإن كانت صاعدة وضيّقة، فأطلّ عليهم النور الذي يقود خطاهم في ظلمة هذا العالم. ويا ليتنا نحن نقتدي بهم!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM