الفصل الرابع والعشرون: هيسيخيوس المعلّم في أورشليم

الفصل الرابع والعشرون:

هيسيخيوس المعلّم في أورشليم

والعظات حول سفر أيوب

حين نتحدَّث عن كنيسة أورشليم، لا نتوقَّف فقط عند الأنبياء وسائر الكتَّاب الملهمين، عند الرسل والذين دوَّنوا الأناجيل والرسائل إلى الكنائس. ولا نتوقَّف عند الأساقفة مثل كيرلّس الذي ترك لنا العظات في الأسرار استعدادًا لقبول سرّ العماد، أو يوحنّا الثاني الذي خلف كيرلّس (386-417) الذي وضع اللمسات الأخيرة على العظات التعليميَّة إن لم يكن هو كاتبها. بل نصل إلى معلِّم في الكنيسة اسمه هيسيخيوس عاش في موطن الكتاب المقدَّس، فشرح لنا مجمل الأسفار شرحًا يعطينا صورة عن قراءة كلام الله في أورشليم حيثُ تتجاذبها مدرسة أنطاكية في قراءتها »التاريخيَّة« التي تنحصر في العهد القديم قبل أن تنفتح على الجديد، ومدرسة الإسكندريَّة التي تُبرز المعاني وكأنَّها تريد أن تتخلَّص من الحرف الذي اعتبرتْه قاتلاً لكي تصل إلى الروح.

إلى هذا المعلِّم نتعرَّف، وإلى ما كتبه مع إطالة في العظات حول سفر أيّوب، التي وصلت إلينا في ترجمة أرمنيَّة. في هذه العظات نتعرَّف إلى أيّوب الذي صوَّره هيسيخيوس شخصًا من التاريخ ونبيٌّا، ورمزًا في آلامه إلى آلام المسيح والكنيسة.

1- سيرة هيسيخيوس ومؤلَّفاته

أ- السيرة

كان هيسيخيوس كاهنًا ومعلِّمًا(1) في الكنيسة الأمّ، في أورشليم، منذ العقد الثاني من القرن الخامس. حين دوَّن كيرلُّس البيسانيّ(2) سيرة القدّيس أوتيم، دعاه »معلِّم الكنيسة« و»اللاهوتيّ« و»النور الذي يشعُّ في البعيد«. كان المفسِّرَ المشهور في زمانه، وكذلك للأجيال اللاحقة. ولماذا كتب عنه كيرلُّس؟ لأنَّه رافق جوفينال بطريرك أورشليم (422-458) من أجل تكريس كنيسة دير أوتيم، سنة 428-429.

بدأ حياته راهبًا، في دير مار سابا(3) (على ما يبدو) القريب من أورشليم، الذي كان مركزًا ناشطًا فامتدَّ تأثيره خارج فلسطين، فوصل إلى جبل سيناء(4). وفي سنة 412 نجده في أورشليم كاهنًا معروفًا، وواعظًا في الكنيسة، على ما قال تيوفان المعترف(5).

فهذا المؤرِّخ الذي تحدَّث عن ارتقاء كيرلُّس الإسكندرانيّ إلى الكرسيّ البطريركيّ سنة 412، أشار إلى نشاط هيسيخيوس. وأضاف بعد ذلك أنَّ سنة موته ترافقت مع أحداث أخرى هامَّة. صعود مكسيميان على كرسيّ القسطنطينيَّة (سنة 431). زواج ولنتنيان الثالث مع أودوكسيا (سنة 437) وموت ميلاني الصغيرة (سنة 439). مع هذه التواريخ المترافقة، لا نستطيع أن نستخلص شيئًا(6). ولكن يبقى حدث رواه يوحنّا ميوما(7) (في غزَّة، فلسطين) في بليروفوريا(8) يدفعنا إلى القول بأنَّ هيسيخيوس كان بعدُ حيٌّا خلال مجمع خلقيدونية سنة 451. بل يبدو أنَّه توفِّي بعد انعقاد ذاك المجمع إذا أخذنا في عين الاعتبار رسالة البابا بيلاج التي قالت بأنَّ هيسيخيوس دوَّن كتبًا ضدَّ مجمع خلقيدونية، وضدَّ رسالة القدّيس لاوون إلى فلافيان، أسقف القسطنطينيَّة(9).

كان نشاط هيسيخيوس الكنسيّ كبيرًا. فحارب المانويّين والتعارضَ عندهم بين مبدأ الخير والشرّ، والأريوسيّين الرافضين ألوهيَّة المسيح، والأبّوليناريّين الذين جعلوا الخلاص ناقصًا إذ لم يأخذ يسوع من الإنسان سوى الجسد دون النفس. وحارب أيضًا النساطرة في تشديدهم على الفصل بين الطبيعتين. وهكذا سار في خطِّ كيرلُّس، أسقف الإسكندريَّة، دون أن يأخذ باللغة والألفاظ. وهكذا بدا قريبًا من المونوفيسيَّة (أصحاب الطبيعة الواحدة في المسيح) التي تشدِّد على وحدة الطبيعتين، بحيث تكاد الطبيعة الإلهيَّة »تبتلع« الطبيعة البشريَّة(10).

هنا نقرأ في العظة الثالثة حول سفر أيّوب، صدَى مباشرًا لفعل الاتِّحاد الذي تمَ سنة 433(11). بدأ هيسيخيوس فأورد النصَّ الكتابيّ: »وفيما هو يتكلَّم، أقبل آخر وقال: »هجمت ثلاثُ عصابات من الكلدانيّين على الجِمال وأخذوها، وقتلوا الرعيان بحدِّ السيف، ونجوتُ أنا وحدي وأتيت لأخبرك«. بدل »ثلاث عصابات من الكلدانيّين« قال: »كوَّن السالبون ثلاث عصابات«.

وها نحن نقرأ التفسير:

»هل رأيت السهام التي أطلقها الخائن؟ فالعدوُّ نفسه سلب وتعب عبثًا. فأيّوب ما كان يحسُّ أبدًا بالأحداث، بحيث يتحدَّث عن الشرور وكأنَّها حصلت لآخر، فكان كالصخر حين حيَّد الأمواج التي تتجمَّع. أمّا أنت قبل كلِّ شيء، فكن حذرًا (مت 24: 42)، واحتفظ من هجمة العدوّ، ولا تقترب من السالبين، لأنَّهم أبناء أشرار(12)، جاؤوا من عند الوثنيّين ومن عند جميع الهراطقة(13). جعلوا رجاءهم في ألسنتهم (مز 12: 5) كما في الخيل (مز 33: 16-17)، وإذ سردوا أقوالهم تفنَّنوا في إهلاك العقول الخفيفة.

»أحاطوا بالجمال، أي بالذين يقرأون وحدهم شريعة الله، ولا يعرفون أن يلجأوا إلى مختلف معاني الكتب الملهمة. فالجمل يجترّ، غير أنَّ سنابكه غير مقسومة، بحيث لا يختلف الواحد عن الآخر(14). ذاك هو وضع الذين يقرأون الكتابات الإنجيليَّة، ويمرُّون سريعًا على ما يتعلَّق بالمسيح. هم لا يفهمون الأخبار التي تعنيه، أي ما يجب أن يُنسَب إلى جسده وما يلامس لاهوته، وحين يتفوَّه (المسيح) بأقوال متواضعة، لا يجعلونها على حساب بشريَّته، ولا الأقوال السامية على حساب ألوهيَّته. يطرحون ثلاثة أقانيم فينظرون الثالوث اللامنقسم ويقسمونه ثلاثة آلهة(15). وهكذا يفكِّرون أنَّ الآب أكبر والابن أصغر، وأيضًا بالنسبة إلى الروح القدس(16).

»و(الشياطين) يمسكون اللافاهمين في الكتب الإلهيَّة، لهذا دعا الكتاب وبحقٍّ، »أولادًا صغارًا«(17)، أولئك الذين قُتلوا بألسنتهم الشرّيرة، كما بحدِّ السيف، فصاروا جرحى الموت بأقوالهم. ولكن يجب الآن أن نُعمل الفكر ونسأل كيف أنَّ (الشيطان) استطاع أوَّلاً أن يأخذ الجمال، ثمَّ يقتل العبيد (الرعيان). هذا يحصل حين يأتي (الأبالسة) فجأة: يمسكون أولئك الذين يقرأون ولا يقومون بالتمييزات الضروريَّة في الأقوال الملهمة: والسلب يتبع هلاك الذين لم يذوقوا الكتابات الإلهيَّة. ولكنَّ الخائن قسَّم الحرب على أيّوب في مراحل عديدة. وها هو يضيف على ذلك مرحلة رابعة حاءت في وقتها«(18).

ب - المؤلَّفات

إذا جعلنا جانبًا العظات وتاريخ الكنيسة، فأكثر ما بقي لنا من مؤلَّفات هيسيخيوس يرتبط بالكتاب المقدَّس. فقالت المينولوجيّا (أو حياة القدّيسين على مدار الشهر) في الباترولوجيّا اليونانيَّة (117: 377) إنَّ هيسيخيوس شرح مجمل الكتاب المقدَّس. ظنَّ البعض أنَّ في الكلام إفراطًا، ولكن جاء ما يُثبت هذا القول بما يقدِّمه التقليد المخطوطيّ في أيّامنا. فالمقالات والأجزاء المحفوظة هنا وهناك، تدلُّ على أنَّ هيسيخيوس أخذ، في شكل عامّ، بالنهج الأليغوريّ (الاستعاريّ) الإسكندرانيّ. فراح مع أوريجان يرفض المعنى الحرفيّ لكلِّ مقطع من مقاطع الكتاب: »الحرف عديم الفائدة إن لم يكن مضرٌّا حين يُسلَب الفهم الروحي« (الباتروجوليا اليونانيَّة 93: 791ب). وقال في 1030أ: »هذه تبدو مضحكة، في شكل ما، على مستوى الحرف، بحيث لا نجدها محفوظة لدى الأنبياء والروحيّين«.

نبدأ بالعظات ثمَّ نعود إلى التفاسير الكتابيَّة.

أوَّلاً: العظات

احتفظت لنا المخطوطات بعدد من العظات، وهي مهمَّة من أجل تاريخ الليتورجيّا في فلسطين، بعضها ضاع مثل العظة حول الميلاد(19)، بسبب حريق شبَّ في المكتبة الوطنيَّة في تورينو (إيطاليا) سنة 1904 (اليونانيّ 493، القرن الثامن). وُجدت في الفهرس ولكن ضاعت من النصّ. وتحدَّث فوتيوس (القرن التاسع) عن تقريظَين ضاعا، واحد حول القدّيس توما، وآخر حول يعقوب أخي الربّ (الباترولوجيا اليونانيَّة 93: 1477-1480).

ونذكر بعض العظات: اثنتان إكرامًا لوالدة الإله(20). واحدة وُجدت أيضًا في الأرمنيَّة(21) والثانية في الجيورجيَّة(22). عظة حول دخول المسيح إلى الهيكل (الآباء اليونان، 1468-1478) وُجدت أيضًا في الجيورجيَّة(23). عظة على قيامة الموتى (حول مت 24-26)(24)... ونعرض بعض النصوص.

*     تقريظ القدّيس إسطفانس(25). وُجد في مخطوط سينائيّ يونانيّ 493. قيل في هذه الخطبة إنَّها أجمل ما كتب هيسيخيوس الذي »تجاوز نفسه لينشد إسطفانس، أوَّلَ الشهداء ومجد أورشليم«(26). ألقى هيسيخيوس هذا التقريظ في أورشليم، ولمَّح إلى خمسة معابد مشهورة في أورشليم أو بيت لحم: الجلجلة، كنائس الميلاد، والقيامة، وصهيون، والصعود(27). نشير هنا إلى أنَّ الدياكونيكون (خدمة الشمّاس) يرتبط ببازيليك صهيون، حيث كُشفت رفات القدّيس إسطفانس سنة415(28). تبع الخطيب خبر سفر الأعمال (7: 57) وشدَّد على أنَّ الاستشهاد حصل خارج أورشليم.

دعا هيسيخيوس الأرض كلَّها لتنشد إسطفانس، ولكنَّ أورشليم تتميَّز عن سائر المدن، لهذا هي تعيِّده مرارًا لتنعم بحمايته. ولكنَّ مآثر إسطفانس تجعل الخطيب يتراجع عن المديح، لكثرتها. وهو الذي قام بمهمَّاته خير قيام. غير أنَّ حسناته لم تمنع أن يُتَّهم لخسارة معاديه. وتساءل الخطيب: على من وُجِّهت هذه الاتِّهامات. ثمَّ وجَّه كلام إلى المتَّهمين بكلام قاسٍ فأورد نبوءات ميخا وأشعيا وداود: »ستُفلَح صهيون بسبب أعمالكم كحقل، فتصير أورشليم خرائب، وجبل بيت الربِّ وعرًا« (مي 3: 12). »أذكر يا ربّ بني أدوم يوم سقطت أورشليم. قالوا: اهدموها، اهدموها حتّى أساسها« (مز 137: 7).

وتوسَّع هيسيخيوس في لعنات موسى كما تُقرأ في سفر اللاويّين: »وإن تماديتم في مخالفتي وما سمعتُم لي، زدتُكم سبعة أضعاف من الضربات على خطاياكم« (لا 26: 21). وتلك التي تُقرأ في سفر التثنية: »يتزوَّج أحدكم امرأة فيضاجعها رجل آخر، ويبني بيتًا فلا يقيم فيه، ويغرس كرمًا فلا يستغلُّه« (تث 28: 30).

»فاسمعوا«. فسببُ هذه المعاملة الكفرُ وعدم الإيمان. فالليل ينتظركم لا النهار، والبرَد والجليد لا النور (زك 14: 6-28). وطبَّق الخطيب نبوءة زكريّا على الوضع: »تخرج مياه من أورشليم«. من أين؟ من جنب الحياة (يو 19: 34). حيث كوِّنت حوّاء، هناك أيضًا تكوَّنت الكنيسة.

وعاد الخطيب فشرح تهديدات سفر التثنية: انتظار المساء ويوم الصلب، حيث تظهر علامات هائلة في السماء« (لو 21: 11). ولكنَّ الصباح يأتي في ليل القيامة. وينتهي التفسير بكلام يوجَّه إلى رئيس الكهنة: ما فعلتم بنابوت اليزرعيليّ (1مل 21: 1ي)؛ وكما صلبتم المسيح هكذا ترجمون إسطفانس خارج المدينة فيفتح له المسيح باب السماء. وبعد أن صلّى إسطفانس: »أيُّها الربُّ يسوع، تقبَّل روحي« (أع 7: 59)، صلى من أجل الشعب اليهوديّ، واعترف بالمسيح أمام جلاّديه.

وتأتي المجدلة في النهاية:»كلُّ واحد يبارَك فيَّ أمام البشر وأنا أيضًا أبارَك فيه أمام أبي الذي في السماوات. له المجد إلى دهر الدهور. آمين«.

تنتهي هذه الخطبة بالمجدلة(29)، فتفترق عن الإرشاد والحثّ على الفضيلة.

* عظة حول قيامة الموتى(30)

نقسم النصَّ ستَّة مقاطع. والمقطع السابق يختتم الكلام حول ضرورة السهر.

الأوَّل: كلُّ إنسان يرغب في الدينونة العادلة ويتمنّاها.

»من لا يريد، من لا يهتمُّ بسرِّ قيامة الموتى، ومن لا يرغب أن تتمَّ في ذلك اليوم حين »يرتفع صوت البوق فيقوم الموتى« (1كو 15: 52)، ينهضون من القبر كما قال أشعيا ''ويفرحون'' فوق الأرض... حينئذٍ يحزن إبليس القابع في النار التي لا تُطفأ«.

الثاني: المسؤول عن الثواب والعقاب.

»خطئ الإنسان عمدًا. ولو لم يتجاوز شريعة الله لما كان سقط في شباكك. ولكن أعطيَ لنا خلاص لأنَّ الديان عادل وحقّ. فكيف لا نحبُّ عمل الخير من أجل يوم القيامة؟ عندئذٍ يفرح الملائكة ويحملون الأكاليل«.

الثالث: جزاء الآباء

أمّا الذين حفظوا فرائض الله فقد فرحوا فوق أتعابهم. من هابيل إلى أخنوخ ونوح، وإبراهيم وإسحق، ويعقوب الذي رأى جوق الملائكة وصولاً إلى موسى وداود.

الرابع: الجزاء الذي وُعد به بطرس وبولس

»وُعد بطرس بمفاتيح الملكوت«. وتحدَّث بولس عن الذين ينتظرون مجيء الربّ. هم البتولون والبتولات الذين حفظوا الطهارة.

الخامس: شرح مت 24: 45-51.

العبد الأمين الحكيم. فالكلام الإلهيّ مفيد وحلوٌ من أجل المؤمنين. من هو هذا العبد الأمين؟ وتجاهه الجاهل الذي يعتبر أنَّ سيِّده يتأخَّر: المحتاج يطلب منه ولا يسمع له. يبقى على الحكماء أن ينبِّهوا بكلامهم.

السادس: شرح 25: 1-11.

عشر عذارى، يمثِّلن ملكوت الله. والسرج هي الأعمال الصالحة التي نذروها للعريس الذي هو المسيح. كان صوت في نصف الليل. هو نداء الموت. فتنهض كلُّهنّ. ما الذي أضاع الجاهلات؟ سحرْ هذا العالم. وأمّا الأخريات فنلنَ الإكليل.

حدَّثنا الربُّ بالأمثال. »كلَّمنا فما سمعنا« (إر 7: 13). إذًا، يجب أن نسهر. نترك الشرَّ ونسرع في النعمة.

* في يوم الفصح المقدَّس(31)

تحدَّثت العظة الأولى (الينابيع المسيحيَّة 187، ص 62-69) عن شمس البرّ الذي يُنير هذا الليل المقدَّس. »فربُّنا يسوع المسيح أضاء هذا اليومَ الحاضر في كلِّ الأرض المسكونة. أشرق بالصليب وخلَّص المؤمنين«. فالصليب سراج، والصليب ينبوع خلاص. يبقى أن نقتدي باللصّ الصالح. »فيا خشبًا أجمل من السماء ومتجاوزًا قبَّة السماء، يا خشبًا مباركًا ثلاث مرّات، أنتَ تنقل نفوسنا إلى السماء. يا خشبًا منح الخلاص للعالم وطرد جيش الأبالسة. يا جيشًا أطلق كالسهم اللص إلى الفردوس فرقص مع المسيح«. عيد الفصح هو عيد النصر للقائم من بين الأموات. صعد إلى أبيه بالمجد ويُشرك البشريَّة في صعوده.

أمّا العظة الثانية (ص 122-127) فانطلقت من بوق القيامة لتعلن أن موت المسيح يدلُّ على ناسوته، والقيامة على لاهوته. »وقف الجنود يحرسونه مثل ميت، ورأته أبواب الجحيم مثل ميت، هو الإله الذي حرَّر الموتى«. ما قاله الملاك حول القيامة سبق هوشع (6: 1-2) وأشعيا (33: 9-11) فقالاه: الآن أقوم.

* تقدمة يسوع إلى الهيكل(32)

هذه العظة التي أُلقيَت في أورشليم، فذكرت أوَّل دخول ليسوع إلى المدينة المقدَّسة. هذا العيد هو أمّ جميع الأعياد. هو عيد الربّ، قبل أن يصبح عيدًا مريميٌّا فيما بعد. فالابن الذي يُحمَل على الذراعين، يعلن الله في الوقت عينه. هو الخالق وهو ذاك الذي يخونه يهوذا »لسقوط كثيرين«. أمّا »السيف« فيرمز إلى عواطف مريم في زمن الآلام.

العنوان: الثاني من شهر شباط. hypapante: اليوم الذي فيه حمل سمعانُ الربَّ على ذراعيه. عظة الكاهن الأورشليميّ القديس في اليوم الأربعين بعد ولادة ربِّنا يسوع من العذراء، فأخذاه (يوسف ومريم) إلى الهيكل، حيث باركهم القدّيس سمعان الشيخ.

والبداية: »أيُّها الأعزاء، اجتماع هذا اليوم أمرٌ مرغوب فيه للمؤمنين، لأنَّ هذا اليوم هو أمُّ جميع الأعياد، لأنَّ الخالق دخل اليوم إلى أورشليم وبارك المدينة، بعد أن رسم أسوارها ووضع في أساساتها اللازورد...

»وحين دخل يسوع المسيح الطفل إلى أورشليم، ارتعشت الخلائقُ كلُّها، لأنَّ سمعان حمله على ذراعيه مثل طفل. وكرز به مثل إله حين قال: »أطلقْ يا ربّ«.

* اللقاء بالربِّ يسوع المسيح

في مواعظ العيد التي نشرت سنة 1987(33)، نقرأ موعظتين حول اللقاء بالربِّ يسوع. وها هي الأولى (ص 25-60).

»دُعي هذا العيد عيد التطهير. ولكنَّنا لا نخطئ إن قلنا إنَّه عيد الأعياد، ودعوناه سبت السبوت، والعيد المقدَّس بين الأعياد المقدَّسة: فهو يجمع كلَّ سرِّ تجسُّد المسيح، ويرسم كلَّ تقدمة الابن الوحيد. في هذا العيد، حُمل المسيحُ مثل طفل، واعتُرف به مثل إله. خالقُ طبيعتنا قُدِّم في ذراعين وكأنَّه جالس على عرش. وقدِّم زوجي يمام روحيَّتين لسمعان وحنّة. ولكن، لنلج إذا شئتم، الكلمات الإنجيليَّة، لأنَّنا هناك نرى مسكن الله«.

ولكن كيف تنطبق فريضة سفر اللاويّين (12: 3، 6) على الحبل البتوليّ؟

»وحين تمَّت الأيّام لطهورهما بحسب شريعة موسى. هي صيغة المثنّى. فكيف ذلك. من جهة، لم يكن يوسف الوالد، ولم يكن خاضعًا للتطهير. ومن جهة ثانية، ما احتاجت مريم إلى الطهر ولا الولد. فقد قيل: »إذا حبلت امرأة (من رجل) ووضعت ولدًا تكون نجسة مدَّة سبعة أيّام« (آ3). ولكنَّ مريم لم تحبل من رجل، وبالتالي ما كانت تحتاج إلى تطهير. هي وضعت آدم الثاني في العالم. وكانت هي حوّاء الثانية. أدخلت امرأةٌ البتوليَّة إلى العالم، وضمَّت في حشاها الإله الذي لا تستطيع الخليقة أن تضمَّه. ولدت في جسم بشريّ ذاك الذي أعاد تكوين جنسنا. كانت أوَّل من استقبل يسوع آتيًا من عند الموتى، وكانت أوَّل من أعلن القيامة، وأوحت للتلاميذ بالفرح«.

وبدأت الموعظة الثانية (ص 61-75) مع كلام يتوجَّه إلى الجماعة: »أتجهلون(34) أنَّ الروح القدس أقام سمعان نبيٌّا، وأنَّه أنبأه بوحْي أنَّه »لن يرى الموت قبل أن يرى المسيح«؟ وكما حرَّك الروح سمعان، كذلك حرَّك حنّة. فهذا الرجل البارّ انتظر تعزية إسرائل، لأنّه كان بارٌّا وتقيٌّا.

»وُضع لسقوط اللامؤمنين وقيام المؤمنين. أولئك استندوا إلى الشريعة فسقطوا أرضًا بسبب لاإيمانهم. أمّا الآخرون الذين وُجدوا بين الساقطين، فقاموا مستندين إلى عصا الإيمان«.

والنبيَّة حنَّة. »غناها ساطع، وفيها اجتمع كنزٌ من الخيرات. أوَّلاً، كانت نبيَّة. امتلكت جسمًا ضعيفًا لأنَّها أنثى، فنقَّته واجتذبت روح الله لكي يقيم فيها. ومع أنَّها كانت عجوزًا في جسدها، فما كانت عجوزًا في روحها. وتحمَّلت نير الترمُّل وما تزوَّجت ثانية فامتدَّت حياتها إلى تسعين سنة«.

* عظة هيسيخيوس إكرامًا لمريم والدة الإله(35)

»بحقٍّ كلُّ لسان عاقل يحيّي العذراء والدةَ الإله، ويقتدي بقدر وسائله بجبرائيل، رئيس الملائكة. واحد قال للعذراء: »إبتهجي«. وآخر أعلن لها: »الربُّ يخرج منك«. فالربُّ وُلد منها وتجلّى باللحم والدم للجنس البشريّ. هذا يدعوها أمَّ النور، وذاك كوكب الحياة. هذا يدعوها عرش الله، وذاك الهيكل الأوسع من السماء، وآخر الكرسي الذي لا يكون أدنى من كرسي الكروبيم. هذا دعاها أيضًا بستانًا لامزروعًا، خصبًا ولا مفلوحًا، ويمامة نقيَّة، وحمامة لا عيب فيها، وسحابًا حبل بالمياه من دون دمار، علبة جوهرتها أكثر إشعاعًا من الشمس، مقلعًا أُخذ منه الحجر الذي يغطّي الأرض كلَّها، سفينة محمَّلة بالبضائع ولا تحتاج إلى ربّان، كنز يحمل الغنى...«.

وتطول اللائحة في مديح مريم. ويقرأ هيسيخيوس مز 132:8 (قم أيُّها الربُّ إلى ديارك). يخرج الابن من حضن الآب دون أن ينفصل عنه. يقدِّم الابن ليرفع الساقطين. كما يقرأ أش 7: 14 حول الحبل البتوليّ: »ها إنَّ العذراء«. أيّ عذراء؟ تلك التي تميَّزت عن النساء وتمَّ اختيارها بين العذارى. زينة طبيعتنا الرائعة، فخر جبلتنا، المرأة التي حرَّرت حوّاء من عارها، وخلَّصت آدم من التعب الذي يهدِّده...«.

ثانيًا: التفاسير الكتابيَّة

أطلنا الكلام حول العظات، وكأنَّنا نفتح الطريق أمام التفاسير الكتابيَّة. فالمواعظ عند هيسيخيوس هي شرح للكتاب المقدَّس بعهديه.

أوَّلاً: شرح سفر اللاويّين

غاب النصّ في اليونانيَّة، وبقي عندما نقله ناقلٌ لاتينيٌّ في القرن السادس. نسبت المقدَّمةُ المصنَّفَ بشكل صريح إلى هيسيخيوس الذي أهداه إلى شماس اسمه أوطيخيان: »إلى الشماس المحترم أوطيخيان، خادمُ المسيح الخاطئ هيسيخيوس الكاهن، سلام في المسيح«(36).

دُوِّن هذا الشرح في فلسطين، كما تقول المقدِّمة التي فيها يطلب الكاتب من أوطيخيان أن يصلّي »لكي تكون تقدمة كلامي مقبولة، لا في أورشليم وحسب، بل في كلِّ الأرض التي تحمل إليها برضى الله.

بما أنَّنا لم نجد النصَّ اليونانيّ، وبما أنَّ الإيرادات البيبليَّة تمثِّل نصّ الفولغاتا أو اللاتينيَّة الشعبيَّة، عمل القدّيس جيروم، تردَّد الباحثون واعتبروا شرح اللاويّين عمل كاتب لاتينيّ(37). ولكن منذ اكتشاف مقطع يونانيّ(38)، لم يعد هناك من شكٍّ اليوم بصحَّة نسبة الكتاب إلى هيسيخيوس. فالخطأ بدأ مع اسم المترجم: جيروم ابن القرن السادس هو غير مترجم الكتاب المقدَّس إلى اللاتينيَّة (347-420). ثمَّ مع استعمال مخطوطات تلاعبت فيها الأيدي(39).

ما نُشر النصّ بعدُ نشرة علميَّة. لهذا نكتفي بعظة هيسيخيوس حول التقاء الربِّ مع سمعان الشيخ وحنّة النبيَّة. عنوانها: تقدمة الفقراء(40). توسَّع الشارح في لا12: 1ي وأعطاه البعدَ اللاهوتيّ في خطِّ العهد الجديد.

»وحين تمَّت أيّام تطهيرهما، يقول الكتاب، حملاه إلى أورشليم بحسب ما كُتب في شريعة الربّ: كلُّ ذكر فاتح رحم يُدعى مقدَّسًا للربّ'' (لا 12: 8؛ خر 13: 2-12). هذا ما تفرضه الشريعة. ولكن، كما قلنا، إنَّ المسيح الذي هو المشترع، أكمل شريعته الخاصَّة حين تجاوز الشريعة: فهو ما فتح باب العذراء، بل أبقاه مغلقًا. هو ما تعدّى على ختم الطبيعة، ولا سبَّب ضررًا للوالدة، بل أبقى علامة البتوليَّة سالمة. وإن كنتَ لا تصدِّق، فاعرف ما يقوله حزقيال: ''ورجع بي الرجل إلى باب الهيكل الخارجيّ من جهة الشرق، وكان مغلقًا. فقال لي الربّ: هذا الباب يكون مغلقًا. لا يُفتَح ولا يَدخُل منه أحد، لأنَّ الربَّ إله إسرائيل دخل منه وخرج وهو يبقى مغلقًا'' (حز 44: 1-3). ''كلُّ ذكر فاتح رحم يُدعى مقدَّسًا للربّ« (مثل شيء مقدَّس)'' غير أنَّ هذا ليس فقط مقدَّسًا. وبالتالي بقدر ما يرتفع في القداسة بذاك القدر أيضًا يتميَّز بولادته، ويتسامى على فريضة الشريعة.

»ومع ذلك أضاف الكتاب: ''وليقدِّما الذبيحة التي تفرضها شريعة الربّ: زوجي يمام أو فرخي حمام'' (لو 2: 24؛ لا 12: 8). إذا كان لوقا عرض الشريعة بشكل ناقص، فهو لم يفعل عن جهل، بل وجَّهته الحكمة. قالت الشريعة: ''حمل وحمامة''. ولكن إن لم يكن المقدِّمُ غنيٌّا، فرضت (الشريعة) ''زوجي يمام أو فرخي حمام وزهرة الحنطة''. ما اهتمَّ لوقا بتقدمة الغنيّ، بل أشار إلى الفقير الذي بإرادته صار فقيرًا من أجلنا. قال (لوقا): ''لم يكن له موضع في الفندق. ''فكيف يستطيع أن يأتي بحمل؟ لُفَّ في القمط في مذود، فكيف يقدِّم نعجة؟ بل هو ما احتاج إلى حمل، لأنَّه هو نفسه ''حمل الله''، والنعجة الحقَّة. هو ذاته صار ذبيحة من أجل العالم. لهذا، عرَّف لوقا بما تفرضه الشريعة، من جهة، ومن جهة ثانية شرح ما حقَّقه المسيح في تدبيره«.

ثانيًا: أشعيا والأنبياء الاثنا عشر

كَشف فولهابر(41) شرح هيسيخيوس حول أشعيا سنة 1900 في ملاحظات هامشيَّة لا تذكر اسم صاحبها، في مخطوط يعود إلى القرن الحادي عشر (فاتيكان 347) ونشره في صورة طبق الأصل في السنة عينها. منذ ذلك الوقت تثبَّتت نسبة التشاريب gloses إلى 2680 بواسطة مخطوط وُجد في أوكسفورد (يونانيّ 5) ويعود إلى القرن التاسع(42).

اقتدى هيسيخيوس بأوريجان، فقدَّم شرحه بشكل تشاريب وُضعت في الهامش فجاءت أقصر ما يكون. مثلاً، شرح أش 9: 1: »ها هو الربُّ آتٍ على سحابة سريعة وقادم إلى مصر«. هذا: »المسيح بين ذراعي العذراء«.

وفي ما يتعلَّق بالأنبياء الاثني عشر، وُجدت ستَّة  مخطوطات (رومة، باريس، موسكو) تضمُّ تشاريب تشرح نصوصهم. ما زالت هذه الشروح مخطوطة إلاّ ما نشره فولهابر(43) حول عوبديا وزكريّا وهوشع.

لا نتحدَّث عن المزامير وقد كان لها ثلاثة مصنَّفات: تشاريب حول المزامير، الشرح الكبير والشرح الوسيط. فقد أفردنا مقالة تامَّة لهذا الموضوع. كما نترك جانبًا تشاريب حول الأناشيد البيبليَّة(44) الموجودة في العهد القديم كما في العهد الجديد. ونتوقَّف في القسم الثاني من مقالنا على العظات حول سفر أيّوب.

2- العظات حول سفر أيّوب

سنة 1913، نشر في البندقيَّة (إيطاليا) الأب كيروبي تشاراكيان أربعًا وعشرين عظة حول سفر أيّوب (ف 1-20). من جمعيَّة الميخاتيريّين في دير سان لازارو. هذه التي دُوِّنت في اليونانيَّة، وصلت في الأرمنيَّة في عدد كبير من المخطوطات. فمنذ القرن السادس، صارت مؤلَّفات هيسيخيوس جزءًا من الأدب الأرمنيّ. وسنة 1983، أُعيد نشر النصّ انطلاقًا من المخطوطات العديدة مع ترجمة إلى الفرنسيَّة، في الباترولوجيّا الشرقيَّة (حاشية 17).

قبل إيراد النصوص، نورد بنية العظة. في إطار ليتورجيّ، في الإسكندريَّة كما في أورشليم، يبدأون بقراءة النصّ الكتابيّ الذي يشرحه المعلِّم. بعد ذلك، يأتي التمهيد. ثمَّ جسم العظة وفيه يشرح المعلِّم الآيات واحدة واحدة. أمّا الخاتمة فتضمُّ الإرشاد والمجدلة كما نقرأ في العظة الأولى: »لهذا نحن أيضًا، لا نترك حقلنا الداخليّ والخارجيّ يُنتج الشوك، بل لنعتبره وردة لله لا تذبل. وبدل الزؤان ليتقبَّل هذا الحقل الحنطة. ولنخشَ النار التي تهدِّد الزؤان. وهكذا نتوق إلى أهراء وعد المسيح أن يجمع فيها الحنطة الروحيَّة. قصيرةٌ حياتنا، ضئيلٌ مداها، التعب عابر ولكنَّ الأجر أبديّ والمجازاة متواصلة، ولا تنفد الخيرات التي وعد بها الآب والابن والروح القدس. المجد له في دهر الدهور« (ص 79).

أ- التمهيد أو الاستهلال(45)

هي البداية. في لغة رائعة تظهر فيها البلاغة (العظة الخامسة) والرنَّة الموسيقيَّة. أمّا المضمون فيكون غريبًا عن النصّ. فيه ينطلق الواعظ من فكرة عامّة يقدِّمها في توسيع خلقيّ. ولكنَّه ينتهي دومًا مع شخص أيّوب ويَبرز موضوعان أساسيّان: الجهاد الروحيّ. ثمَّ اقتناء الفضائل للحصول على إكليل الظافرين. وها نحن نقدِّم التمهيد إلى العظة الأولى:

»عديدة هي العُمد(46) التي نصبَها الله لأجلنا مناظرَ مفيدة. عديدة ورفيعة أمثلة الفلسفة(47) التي أعطانا. وعديدة أيضًا ومشعَّة الوجوهُ التي نحتَها فنجح فيها: هكذا نرفع إليها نظرة تفكيرنا، فننال الرجاء الأكيد (الموعود) لسلوك حياتنا(48). ومع أنَّنا خطأة، نركض بصبر(49) في طرقات هذه الحياة (مز 16: 11). وحين نرى الأبرار يمتلكون أكاليل(50) النصر بفضل هذه الفضيلة، نسير في الطريق الضيِّق والصعب (مت 7: 14). فالصبر وحده يخلِّص (لو 21: 19؛ مر 13: 13)، وحده يُتمّ ما هو ملحّ. وبعونه نقيم برارة النفس والأفكار. هو يَحمل مفاتيح ملكوت السماوات وقد جُعل البوّاب بحسب أقوال بولس هذه: »تمرَّسوا بالأعمال، إفرحوا دائمًا، وصلّوا بلا انقطاع، إحمدوا الله في كلِّ شيء«(51).

»ولا تقُل(52): أيُّ نفع يعود لي من الصلاة، أو أيُّ ثمرة من الحمد؟ فكثيرون سعداء ولا يصلّون (أي 21: 15). أمّا أنا، والصلاةُ طعامي، فمعذَّب. كثيرون يجدِّفون، ومع ذلك يعيشون في الوفرة (أي 21: 7-14). أمّا أنا فتعيس بالرغم من صلوات الحمد الكثيرة. لهمَ يفيض الغنى فوق الغنى، ولي يُضاف الفقر إلى الفقر، لهم تسير الحياة كما يشاؤون. ويبقى المستقبل يلبّي انتظارهم، أمّا أنا فالضيق القاسي الكبير يحاصرني من كلِّ جهة. فمن كلِّ جهة تُنصَب لي كثرة الفخاخ الكاذبة (أي 19: 8-10).

»ولكن ها إنَّ الله يقدِّم لنا المقاتل أيّوب، ذاك الموصوف والمهمّ، »الحقيقيّ«، الذي لا عيب فيه، البارّ والتقيّ، الذي يمتنع عن كلِّ عمل رديء« (أي 1 ب ج)، لكي لا نقول مثل هذا الكلام، ولا نترك الصبر، ولكي نربح أيضًا الأكاليل (1كو 9: 25). فهو الذي كان كلَّ يوم يقدِّم ذبيحة الصلاة (أي 1: 5؛ ق عب 13: 15)، فيشعل دومًا مذبح الشكر (لا 6: 23؛ 23: 8). هو الذي تصارع مع عدد من الأمراض، وحُرم من بنيه، وسُلبت أموالُه، وجُرح في لحمه، وصار موضوع سخرية (أي 30: 1) لدى الأصدقاء والأعداء. ولكن كما تعلَّمتَ ما سبق، إفهم أيضًا ما يلي، لأنَّ هذه الأحداث الأخيرة تغطّي على تلك التي سبقتها(53). فما هي إذًا؟ شهادة نالها من عند الله (أي 1: 8ب ج؛ هل رأيتَ) وبرّ حصل عليه من السماوات، خيران اثنان. احتُقر الشاتمون والهازئون نجوا بصلوات ذاك الذي هزئوا به (أي 42: 7-8). أيكون حقل الصلاة عقيمًا؟ هل تغشّ ثمارُ الأرض انتظارَ الحمد؟« (ص 62-67).

*  *  *

ونقرأ تمهيد آخر للعظة الخامسة، الغنيَّ بالتلميحات الليتورجيَّة. فيه يوجِّه هيسيخيوس كلامه إلى بازيليك صهيون حيث يعظ في زمن الصوم، على ما يبدو.

»إفرحي يا صهيون(54)، يا حلبة الصوم(55)، يا خدرَ عرس الفلسفة، يا مرساة الاعتدال، يا وليمة الحياة السعيدة، يا مائدة الملكوت. أنتِ ترسمين الأعياد كما تشائين، تعطين البهاء للجماعات، لا بالبزخ، بل بالمعجزات المتنوِّعة. تارة تعلنين السلام (يو 20: 19) الذي فيه تُحَضُّ المسكونة كلُّها لتحتفل بالأعياد. وطورًا تنفخين الروح على التلاميذ. وفينا، كما في أبناء وورثة (رو 8: 17)، يصل جزء من البركة. تارة تقرِّبين الإناء (اللقن) وطورًا تقدِّمين المنشفة للأرجل(56). وهكذا يُفتَح باب الخلاص(57) للخطأة. تارة تتمّين الفصح مرَّتين، وتذبحين في الوقت عينه الحمل الروحيّ (أو: العقلانيّ) والحمل الملموس(58)، فتعلِّميننا مرَّتين، بالأقوال والأعمال، نحن المجتمعين في هذا المكان عينه: ما كوَّن الفصحَ القديم قد عبر (2كو 5: 17)، وهناك تدشَّنَ الجديد. تارة تُدخلين المسيحَ ''والأبواب مغلقة''(59)، وتحثّين على إسكان الخالق فينا، في »الإنسان الباطنيّ«(60). وطورًا تلمسينه جوابًا على حرارة الذين يحبّونه، وتطوِّبين المؤمنين(61). تارة تقسمين النار بشكل ألسنة نار (أع 2: 1-21، عيد العنصرة) فنَصبح مذابح للذبيحة العقليَّة. وطورًا تكرزين بالصوم(62) وتُعدّين قتالات جديدة لجسدنا(63) لكي نصبح آنيةَ خمر طيِّبة(64)، تارة تعرّين أيّوب من أجل القتال(65) وتلبسيننا السلاح الكامل (أف 6: 11، 13) الذي هو الصبر. فمن يستطيع أن يعلِّمنا الصبر مثل هذا المقاتل الموصوف والقويّ؟« (ص 148-153).

ب- جسم العظة أو متنها

أسلوب هيسيخيوس واحد في شرح المقطع البيبليّ. يشرحه آية آية بحيث يكون هذا الشرحُ نسيجَ العظة. بعد ذلك، يقدِّم شرحًا إجماليٌّا. ويرد الكتاب في العهد القديم والعهد الجديد، مع تلميحات إلى الأخبار، وهكذا تَجري التذكُّراتُ البيبليَّة مثل نهر لا ينقطع. وهكذا يفسَّر الكتابُ المقدَّس.

ونقرأ العظة الثانية، بعد التمهيد الذي يشير إلى القتال المنتظر:

1: 6 وحصل أن جاء الملائكة يومًا للمثول أمام الربّ، وجاء الشيطان أيضًا بينهم... بعد التجوُّل في الأرض والسير فيها (آ7).

»عن أيِّ يوم يقول الروح إنَّ (هذا) ''حصل''؟ بل هذا اليوم بالذات الذي فيه خلع أيّوب ثيابه ليغلب الثلاّب. طلب التقاتل معه. ولكنَّ (الكتاب) يقول ''يومًا'' (وصل اليوم)، لأنَّه بيَّن قبل كلِّ شيء أنَّ هذا (اليوم) أكثر إشعاعًا من أيّام كثيرة. فكيف لا يكون مميَّزًا عن سائر (الأيّام) ذاك (اليوم) الذي فيه قال (الثلاّب) متبخترًا إنَّه يهزُّ الأرض كلَّها: ''أهزُّ مدن المسكونة، وأقبض على الكون كلِّه، وأرفع يدي كما على عشٍّ آخذها كما بيضات متروكة فلا ينتزعها أحد من يدي، ولا يجرؤ أن يلتفت إليّ'' (أش 10: 14) إنسانٌ واحد غلب (الشيطان) فكان له العار. هذا ما قال الروح: »وصل هذا اليوم« هكذا ليعلِّمك أنَّ كلَّ يوم هو خلقةُ الله، وأنَّ (اليوم) يصل في (وقت) حدَّده الخالق (أي 38: 12). فإن لم يعطِ أمره لن تشرق الشمسُ، والمشرقُ لا يبدِّد الليل ولا يفبرك النهار. وقد أعلن أيّوب نفسه: ''هو الذي يكلِّم السماء فلا تُشرق ويضع ختمًا على النجوم'' (أي 9: 7). وقال إرميا من جهته: ''هو الذي يرسل النورَ فيركض. يدعوه فيسمع بارتعاد'' (با 3: 33). ولكن ماذا زاد على هذه الأخبار؟

»وها إنَّ ملائكة الله أتوا ووقفوا أمام الربّ''. في أيِّ ساعة لا يقف الملائكة في حضرة الله؟ أما كُتب عنهم: ''ربواتُ ربواتٍ يخدمونه، ربوات ربوات يقفون في حضرته''؟ (دا 7: 10). أمّا هذا المجيء، في رأينا، فهو مجيء الملائكة الذين أرسلهم إلى مكان ما من أجل خدمة البشر. فبولس قال: ''أمّا جميع الأرواح خدّامًا أُرسلوا لخدمة البشر، من أجل الذين يرثون الخلاص؟'' (عب 1: 14). فالملاك الذي خطف حبقوق، أما حملَ إلى بابل الطعام لدانيال؟« (دا 14: 33-39). وميخائيل، أما حارب من أجل الشعب اليهوديّ؟ (دا 10: 13). أما هو ملاكٌ ذاك الذي شرح الرؤى لدانيال؟ (دا 7: 15). ولكن ماذا؟ أما ملاكٌ أخرج بطرس من السجن؟ (أع 12: 7-11) وبولس، أما ملاك أنبأه بأنَّه ينطلق إلى رومة؟ (أع 27: 23-24). إذًا، هؤلاء هم الملائكة الذين بمثل هذه الخدمة أتوا ووقفوا أمام 'الله بعد أن أتمّوا ما له أُرسلوا. ولكن ماذا يقول الكتاب؟ »جاء ملائكة الله ووقفوا قدّام الربّ«. كان يجب أن يقال: وقفوا قدّامه (= أي قدّام الله). ولكنَّه ما تكلَّم هكذا، بل أضاف: »الربّ«. فمنذ البداية يريد الكتاب أن يبيِّن لنا وجه الثالوث. وهكذا ما أعلن فقط (خدمة) عابرة. »فملائكة الله« الآب »أتوا ووقفوا قدّام الربّ«، الابن. أو »ملائكة الله، الابن (أتوا)« ووقفوا أمام »الربّ« الآب. وكذلك بالنسبة إلى الروح القدس« (ص 82-87).

*  *  *

أمّا العظة الخامسة فتعطينا فكرة عن طريقة الشرح لدى هيسيخيوس، هو يورد النصَّ ثمَّ يشرحه.

2: 11. ولكن عرف ثلاثة أصدقاء جميعَ الشقاوات التي حصلت له (= لأيّوب) فأتوا إليه، كلّ واحد من مقاطعته، لكي يعزّوه. أليفاز، ملك تيمان. بلداد سيِّد شوح، وصوفر ملك مينا«.

لا شكَّ في أنَّه كان لأيّوب أصدقاء آخرون كثيرون، لأنَّه كان ملكًا مقتدرًا، لأنَّه كان بارٌّا (أي 1: 3)، لأنَّه كان رجلاً تقيٌّا (أي 1: 1، 8؛ 2: 3). لأنَّه كان »أنبل من جميع أهل الشرق« (أي 1: 3). ومع ذلك كان هؤلاء (الثلاثة) أفضل من سائر أصدقائه. رفاق في السلام، متحالفون في الحرب مثل حلفاء. كما كان أشكول وعافر بالنسبة إلى إبراهيم في ممرا (تك 14: 13)، كذلك كان هؤلاء بالنسبة إلى أيّوب. »عرفوا جميع الشقاوات التي حصلت له«: هلكتْ بالنار، النعاجُ والحمير. سُلب البقر. أُخذت الجمال. ذُبح الخدم. أُفنيَ البنون والبنات. والدود الذي يجتاح جسمه. كيف أنَّ الذي كان له الأولاد العديدون وجدَ نفسه بدون أولاد؟ وكيف حلَّ فجأة الفقر والعذاب محلَّ الوفر والغنى؟ كيف أنَّ الكرمة المثقلة بالعنب خسرت عناقيدها؟ تعرَّت الجفنة من أوراقها فقست مع الفروع ومات جذرُها. كان جسمه مزروعًا بالجراح فيسقط القيح من الجراح. كيف ثقب الديدان بطنه وامتلأت أعضاء المقاتل كلُّها أعشاش دود، ساعة كان الجسم فارغًا والعظام مثقوبة؟

»وجاء كلُّ واحد من مقاطعته لكي يعزِّيه«. دلَّ أصدقاؤه على اهتمام المحبَّة تجاهه. وقد يكونون بعض أقاربه، لأنَّ الأوَّل بينهم كان أليفاز، ملك تيمان. أن يكون بكر عيسو أليفاز (تك 36: 4) الذي كان ابنيه تيمان وصوفر (تك 36: 7)، ذاك ما كُتب في سفر التكوين: »هؤلاء كانوا رؤساء عيسو،: الرئيس تيمان بن أليفاز الابن البكر لعيسو« (36: 15). من هنا أخذت قبيلة التيمانيّين اسمها. ثمَّ يحدِّد (الكتاب): »أمير تيمان، أمير صوفر« (تك 36: 15) لأنَّ صوفر وأليفاز اللذين يتكلَّم عنهما الخبر، كانا هما أيضًا حفيدَي عيسو، كما كان أيّوبُ أيضًا. فيبيِّن سفر التكوين والخبر الحاضر أنَّ عيسو كان أبًا لجدِّ أيّوب.

»فسفر أيّوب يعطينا هو أيضًا، بالنسبة إلى أمَّته الإشارات التالية: »هذا النقل من الكتاب السريانيّ أقام (أيّوب) في أرض عوص، على حدود يهودا وعرابية. وكان اسمه من قبل يوباب (أي 42: 17) وماذا أضاف على ذلك؟ وكان أبوه زارح ابن أبناء عيسو، وأمّه بصرة بحيث كان الخامس بعد إبراهيم(66). وقال سفر التكوين أمورًا مشابهة لهذا الخبر: »ومات بالاق فملك مكانه يوباب بن زارح ببصرة«. أمّا كيف نعرف أنَّ زارح ابن من كان؟ يكشفه لنا (سفر التكوين) بما قيل من قبل. فهو يقول: ''هؤلاء ابنا رعوئيل: نحت وزارح« (تك 36: 13). ولكن ابن من كان رعوئيل؟ الخبر عينه يكشفه: ''هؤلاء أسماء أبناء عيسو: أليفاز ابن عدَّة، امرأة عيسو، ورعوئيل ابن بسمة'' (تك 36: 10). إذًا، كان رعوئيل ابن عيسو، وزارح ابن رعوئيل، وابن زارح كان يوباب الذي دُعيَ أيّوب...« (ص 152-155).

*  *  *

ونقرأ شرح أي 3: 1 في العظة السادسة (ص 168-166).

»بعد ذلك، فتح أيّوب فمه ولعن يومه«.

»بعد ذلك''. بعد ماذا؟ بعد أن عُرِّيَ من كلِّ أمواله، العظيمة والكثيرة. ولكن في ذلك الوقت، لم يلعن لعنة، بل قدَّم مدائح رائعة وعجيبة: ''كما هي مشيئة الربّ، كذلك يكون: ليكن اسم الربِّ مباركًا إلى الأبد''« (أي 1: 21). اهتمَّ (أيّوب) قليلاً باللعنة، فأطلق بوق البركة(67). والثلاّب الذي جُرح، هرب مقهورًا. نبحث عن شكل آخر للقتال. »بعد ذلك«. بعد ماذا؟ تقول: بعد أن ضُرب جسمُه كلّه بالقروح. ومع ذلك، احتمل كلَّ هذا بالحمد، فأخذ شقفة من الخزف ليحكَّ القيح. فحامل الله (تيوفور) استحسن أن يجعل الكنّارة تنشد، فيهزأ من العدوّ وهو يتحاور مع الله. أمّا امرأته فكانت تجدِّف على قروحه، مع رذائل أخرى، وهو يحمد الله بلا انقطاع: ''أخذنا الخير من يد الربّ، أفلا نحتمل الشرور أيضًا؟'' (2: 10). أي يا ليتنا نقدِّم صبرنا إلى ذلك الذي استبق فأقرضنا هذه الخيرات الكثيرة!

»ولكن، ''بعد ذلك''، ماذا يجب أن نفهم؟ بعد وصول الأصدقاء، وبعد أن مزَّقوا ثيابهم، وبعد أن رموا التراب على رؤوسهم، وبعد أن ندبوا ذاك الذي وجب أن يضعوا الإكليل على رأسه، وبعد أن يئسوا من ذاك الذي لا يفعل شيئًا يستحقُّ يأسهم، بل بالأحرى حمدهم وكلَّ تهانيهم. بما أنَّ الذين اقتربوا لم يُحيّوا المقاتل ولم يقولوا له: ''كيف أنت؟''. لا يقدِّمون له العلاجات لجراحه، ولا يتوقَّفون عند عذاباته التي بفضلها اقتنى أيّوب كنز الفضائل. وما قالوا له أيضًا: »لا تقنط« (عب 12: 5) لأنَّ المعزّي قريب. لا تخف لأنَّ العدوَّ قُهر. لا تضعف لأنَّ الهدف ليس ببعيد والنصر على الأبواب. ولكنَّهم بكوا، ندبوا، انتحبوا من أجل أيّوب، وتطلَّعوا إلى هذه الحياة العابرة ومجد هذا العالم الذي يتلاشى. وإذ أراد أيّوب، وبحقّ، أن يميل بهم عن هذه الشفقة من أجل العالم، وأن يعطي نصائح وهو المريض، لهؤلاء الأصحّاء، أجاب فقال...«.

ج- الإرشاد والمجدلة

في النهاية، يحثُّ الواعظ المؤمنين. ويأخذ إرشاده من الآية الأخيرة التي شُرحت. ففي العظة 24، الخطيئة التي يتضمَّنها موقف صوفر الفاسد (أي 20: 27-29) يكون مقدِّمة الخاتمة. وها نحن نقرأها:

»أمّا نحن فنهرب من ثمر الخطيئة الرديء، لأنَّه جعلَ الإنسانَ عدوَّ العناصر نفسها بحيث إنَّ ''السماوات كشفت شروره، والأرض تمرَّدت عليه''، وهذا حقٌّ وعدل، لأنَّ حياة الأشرار تبدو ثقلاً على العناصر، مع أنَّهم بحسب الشريعة، رُتِّبوا لجمالها بدرجة كبيرة. فهذا الجمال هو على شبه الله. أمّا الأشرار فما تصرَّفوا هكذا. بل نجَّسوا كرامة الصورة وعذّبوا جمالها بشرِّهم وإثمهم. لهذا يخسر الشرّير كلّ بيته. والله يأخذ منه كلَّ خيراته التي تَهلك لعدم الفائدة منها ولشرِّها الحاضر. ويأتي عليه يومُ غضب، وعنه قال بولس للأشرار وللآثمين: ''تجمعُ لنفسك غضبًا في يوم الغضب'' (رو 2: 5) ذاك هو مصير الشرّير من عند الربّ، وذاك مصير أمواله التي اقتناها من عند الناظر إليه. فهو يفحص بانتباه كلَّ أعمالنا. له المجد، للآب والابن والروح القدس الآن ودائمًا وإلى دهر الدهور. آمين« (ص 588-589).

الخاتمة

وهكذا تعرَّفنا إلى هيسيخيوس وآثاره. هذا المعلِّم الذي كان بجانب الأسقف، يرافقه في زياراته الراعويَّة، ترك لنا المواعظ الكثيرة، والشروح الكتابيَّة التي تعطي صورة رائعة عن »مدرسة أورشليم« التي تستطيع أن تقف بين مدرسة أنطاكية ومدرسة الإسكندريَّة. فالشرحُ لا يبقى على مستوى الحرف والألفاظ، بل يصل إلى مستوى الروح. ولا ينغلق على أسفار العهد القديم، بل ينفتح على العهد الجديد. أمّا الهدف الأخير لهذه الشروح، فدفاع عن الإيمان في وجه المضلِّين الذين لم يتوقَّف عملهم في الكنيسة ولن يتوقَّف. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لا بدَّ للواعظ من أن ينهي عظته داعيًا المؤمنين إلى الجهاد المسيحيّ واقتناء الفضائل، طلبًا للإكليل الذي لا يفنى. وهكذا نسمع هيسيخيوس في نهاية العظة 23 حيث يجعل نفسه من المؤمنين فيستحثُّهم ويستحثُّ نفسه ناظرًا إلى شخص أيّوب الذي صار مثالاً للمؤمنين: »نحفظ نفوسنا من كلِّ هذا (الكبرياء، الشراهة...)، ونقتني سريعًا النجاة من هذه العقوبات. ونتأمَّل طريق الوصايا. حينئذٍ تكون قاعدةُ (بنائنا) ثابتة، وإكليلنا جميلاً ولائقًا فيقول لنا المسيح: ''إن أحبَّني أحد حفظ وصاياي وأبي يحبُّه وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً'' (يو 15: 23) حيث الآب والابن هناك أيضًا الروح القدس، له المجد الآن ودائمًا إلى دهر الدهور. آمين« (ص 566-567).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM