الفصل الرابع عشر: ليتورجية السبت وأيام الأعياد

الفصل الرابع عشر:

ليتورجية السبت وأيام الأعياد

إنّ أصول المجمع وشعائر العبادة فيه، ليست معروفة كما يُرام: يبدو أنّها تعود إمّا إلى عبادة قديمة في الهيكل حيث تمتزج قراءةُ بعض النصوص ولا سيّما المزامير، مع العبادة الذبائحيّة؛ وإمّا إلى المنفى البابليّ حيث كان النبيّ حزقيال يجمع حوله شيوخَ الشعب ليتشاوروا في ما بينهم. ويشهد على هذه الممارسة مزمورٌ يتحدّث عن »أنهار بابل«: »هناك جلسنا وبكينا عندما تذكّرنا صهيون« (مز 137: 1).

بعد ذلك، وحين تنظّمت عبادةُ الشفاه (أي الصلاة والعبادة الباطنيّة)، ضُمَّت ثلاثُ صلوات كبرى قانونيّة، التصقت بها قطعٌ قليلةُ الأهميّة: اسمع يا إسرائيل (شماع)، المباركات الثماني (أو: التسع) عشرة، والتحنّن (تلاوة صلوات توبة) حيث تجتمع العبادة الشخصيّة مع شعائر العبادة الجماعيّة، لكي تحافظ الصلاةُ أيضًا على طابعها الشخصيّ. وقد احتفظت ليتورجيّة السبت وأيّام الأعياد بهذه النواة الأساسيّة.

1- السبت

في الأزمنة القديمة، لم ينطبع دخولُ السبت (عند غروب الشمس) بليتورجيّا خاصّة، بل وُجدت ولائم »حبوروت« (تجمّعات ذات طابع دينيّ) يعود بعدَها الأعضاء إلى بيوتهم ليقوموا بعباداتهم المسائيّة العاديّة. وخلال الوليمة، تنطبع قداسة الأربع وعشرين ساعة الآتية (الاحتفالات اليهوديّة تبدأ دومًا ليلة العيد) بمباركة النبيذ. ففي بابلونية، وفي حقبة القوّالين (أمورائيم)، كان لليهود فرضٌ دينيّ حقيقيّ ستتحدَّد معالمُه بشكل تدريجيّ.

أ- ليلة السبت

إنّ الفرض الدينيّ لمساء الجمعة يبدو كما يلي: يتلو الخادمُ وحده، أو برفقة الجماعة كلِّها، سلسلة من المزامير (مز 95-99) يتبعه مز 29. أمّا الدخول في السبت، بحصر المعنى، فيتمّ حين يُنشدون النشيد المعروف: لِكْ دودي (تعال يا حبيبي، فنمضي لاستقبال العروس). هذا النشيد متأخّر جدٌّا، لأنّ مؤلِّفه شاعر عاش في القسم الأوّل من القرن السادس عشر. فرح به المتصوِّفون ولا سيّما رابّي إسحق لوريّا (ولقبه: ها آري ها قدوش، 1534-1572)، مؤسّس المدرسة الصوفيّة في صفد (فلسطين). دوّن لوريّا نفسُه خدمة السبت (سدر قبلت هشبت). هكذا استطاع المتصوِّفون أن يطبعوا بطابعهم كتابَ طقوس السبت، بحيث لا يفكّر أحد الآن أن يعارض وجود »لك دودي« الذي لا يحلّ محلَّه شيء. انطلق المتصوّفون كالعادة من قول تلموديّ (شبت 119أ: نمضي ونخرج للقاء الملك السبت...)، وقرأوه قراءة حرفيّة. وجوزيف كارو، جامع الشرعة الدينيّة، يروي كيف كان المتصوّفون في صفد يمضون إلى لقاء السبت. قبل غروب الشمس، يروحون ذهابًا وإيابًا، وهم حفاة، في حقول صفد ويتخيّلون هكذا أنّهم يقطفون السبت... واحتفظت الجماعة اليهوديّة الأكثر تحرُّرًا والأكثر حداثة، بنتيجة هذه الممارسة: حين يُقرأ المقطع الأخير من »لك دودي«، يلتفت المصلّون إلى الباب وينحنون باحترام، إلى اليمين ثمّ إلى الشمال، وكأنّهم يحيّون دخول السبت.

وقراءة »لك دودي« تسبقها قراءة مز 29 وتتبعها قراءة مز 92. ثمّ يُتلى »اسمع يا إسرائيل« بشكل عاديّ (أي مع مديحَين من قبل، ومديحَين من بعد). وحدها صلاة هشكيبانو (أعطنا أن ننام، ش ك ب) التي تدعو الله لحماية المؤمن خلال الليل، عرفتْ بعضَ التحوُّل. وما يفصل فصلاً كبيرًا ليتورجيّة الجمعة مساء عن ليتورجيّة سائر الأمسيات، نجده في »تفلة« (الصلاة) حيث تزول الصلوات الثلاث عشرة المتوسّطة زوالاً كلّيٌّا لتحلَّ محلَّها مجموعةٌ من سبع مباركات جديدة. وحين يستعيد الخادم مجمل الصلاة، تُتلى أوّلاً آيات من سفر التكوين (2: 1-3) تتعلَّق بنهاية الخلق بيد الله. وبعد تلاوة قدّيش (قدّوس)، تكون المباركة على كأس الخمر، لأنّ اليهود لا يسكنون جميعًا في مناطق تحتوي الكروم. بل حصل بأن يكون النبيذ بضاعة نادرة، أو يكون أعضاء الجماعة من المعوزين، بحيث لا يستطيعون أن يتلوا في بيوتهم المباركة عينها.

ونشير أيضًا إلى نصّين تتلوهما بعضُ الجماعات، مساء كلِّ جمعة: مشناة مقال شبت الذي يبدأ بهذه العبارة »ماذا نستعمل لنُشعل«. ثمّ، نشيد صوفيّ أهويَ لرابّي سمعان بريوصاي، وهو ردّاد (ثنائيّ تلموديّ) جعله بطلاً صوفيٌّا صاحبُ الزوهار (القرن 13) موسى الليونيّ (من ليون في فرنسا).

ب- صباح السبت وبعد الظهر

إن لبثت المباركاتُ هي هي، فالمزامير ازداد عددُها: مز 29؛ 33-34؛ 135-136؛ 92؛ 53؛ 145-150. ثمّ 1أخ 16: 8-36 ونشيد البحر الأحمر (شيرت هيم). وتبدأ ليتورجيّة السبت بالمعنى الحصريّ، بنشيد »نسمة كلِّ حيّ« الذي ترد كلماته الأولى في التلمود (شبت 118أ): أورد رابّي يوحنّان أيضًا مقطعًا صغيرًا استعاده هذا النشيد، ولكنّه كان في الأصل صلاة من أجل المطر (بركوت 59ب: لو كان فمنا يستطيع أن يمتلئ بالمدائح، كما تملأ المياه قعر المحيط).

لا بدّ من ذكر ثلاثة أقسام من المقطع الذي يسبق بشكل مباشر، قراءة »شماع«، في صباح السبت. الأوّل: الكلّ يمدحونك. الثاني، أيّها الربّ سيّد كلِّ المصنوعات. الثالث: إلى الربّ الذي سبتَ (توقّف) عن كلِّ صنعه. وبعد قراءة »شماع« وقدّيش«، تُتلى الصلاة (تفلة) بصمتٍ. غير أنّ مضمونها يختلف عن مضمون سائر الأيّام، بما فيها ما يُتلى مساء اليوم الفائت.

ويبقى الأمر الأجدّ إدخال صلاة مضافة تُدعى »موساف«. يبدو أنّ صلاة (أو ذبيحة) موساف وُجدت في الأزمنة القديمة، بين صلوات الصبح وصلوات بعد الظهر. وُجدت هذه الليتورجيّا الخاصّة في أيّام القمر الجديد (الهلال)، والسبت، واحتفالات الحجّ وأعياده. أمّا بالنسبة إلى السبت الذي نحن بصدده، فهناك نمطان عامّان من الصلوات تتنوّع حسب الطقوس. فهناك تضرّع (ليكن راضيًا) يتوجّه إلى الله لكي يُرجع المنفيّين إلى تخومهم القديمة ويعيد إلى الشعب سلطانه مع العبادة الذبائحيّة. وينتهي الفرضُ الدينيّ لصباح السبت، بعد تلاوة صلوات الختام ونشيد »ليس كإلهنا«.

بعد ظهر السبت، تُتلى صلاة »منحة« (تقدمة) مثل سائر الأيّام، ولكن مع مضمون مختلف. تعود هذه الممارسة إلى زمن الهيكل: يتلون نشيد البحر الأحمر (خر 15: 1-18) الذي قُسم قسمين. بعد ذلك تبدّلت الليتورجيّا ولكنّها لبثت دومًا قريبة جدٌّا من الدرس، لأنّ يوم السبت تكرّس، منذ زمن بعيد، للصلاة وللتأمُّل في التوراة. لهذا السبب، وبعد تلاوة مز 145، ينشدون الصلاة المعروفة التي تبدأ مع »صهيون«. يتلوها بشكل عامّ علماء »بيت هامدراش« الذين كانوا يُنهون هكذا دورة دراساتهم. وقبل قراءة التوراة، يتلون بشكل عامّ، آية من المزمور (69: 14): »إليك صلاتي، يا ربّ. يا الله، هذا أوان الرضى. كن لي عونًا بكثرة رحمتك، وخلِّصني يا ربّ بحقِّك«.

وكانوا يقرأون أيضًا بعد خدمة »منحة« من أجل بناء الجماعة الروحيّ، مقال أبوت في التلمود (مبادئ الآباء) بسبب تعليمه الخلقيّ. بعد ذلك الوقت، حُفظت هذه الدراسة لستّة سبوت بعد الظهر، لتفصل عيدَ الفصح عن عيد الأسابيع أو عيد العنصرة.

ج- قراءة التوراة

كانت أيّام الاثنين والخميس أيّامًا للبيع والشراء. فيجتمع السكّان من المدن ومن الأرياف في أماكن تجمّع هامّة. وخلال الخدمة الدينيّة في هذه الأيّام، تُقرأ مقاطع من لفائف التوراة. وهذا الوقت المخصَّص لقراءة التوراة، هو القمّة المطلقة في ليتورجيّة المجمع. بل كان النواةَ الأساسيّة في مختلف الصلوات، على ما يبدو. وبمختصر الكلام، نستطيع القول إنّ قراءة التوراة (البنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة) تتمّ أقلَّه أربع مرّات في الأسبوع داخل المجمع، صباح الاثنين والخميس، صباح السبت وبعد ظهر السبت. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيّام الأعياد الكبيرة والصغيرة مثل حنوكة (التدشين) والفوريم (القرعة) وبعد ظهر أيّام الصوم. أمّا قراءة المقاطع النبويّة، فحُفظت لأيّام السبت والأعياد والأصوام.

أوّلاً: قراءة مقطع من البنتاتوكس (ف ر ش أو سدر)

قسِمت السنة كلُّها أربعة وخمسين مقطعًا كتابيٌّا. ولكن بما أنّ كلَّ السنوات لا تمتلك عددًا مقابلاً من السبوت، ضُمَّ مقطعان كلَّ مرّة بدا ذلك ضروريٌّا. وتنتهي العبارة في المجمع بقراءة التوراة في اليوم الأخير من عيد المظالّ (أو: الأكواخ). ومع أنّ لكلِّ أسبوع مقطعًا يُقرأ، فقراءة التوراة تمتدّ في مقاطع أخرى إن وُجد المؤمنون في حقبة حنوكة أو بداية القمر (هلال). وهناك أربعة سبوت (بين أدار ونيزان) تتطلّب دومًا، وبالإضافة إلى القراءة العاديّة، قراءة خاصّة من التوراة: ها حُوش (الهلال) و»ف ر ه« (أو البقرة الصهباء) و»زكور« (أذكر عماليق) و»شفليم« (الإحصاء).

كيف قاموا بتقسيم المقاطع الأسبوعيّة؟ نسب التقليد هذا العمل إلى موسى نفسه، وإلى عزرا الكاتب. والمقال »مجله« (29ب) يتحدّث عن دورتين للقراءة: دورة تتمّ في سنة وقد عُرفت في بابل(1). وأخرى تمتدّ على ثلاث سنوات وقد عُرفت في أرض إسرائيل. الدورة الأولى تُنهي قراءةَ التوراة في سنة واحدة. والثانية في ثلاث سنوات(2). الدورة الأولى هي التي فرضت نفسها في أيّامنا، وإن حاولت بعض الجماعة المحرَّرة أو المصلَحة أن تعيد الممارسة القديمة التي عرفتها أرض إسرائيل. متى كان لتنظيم القراءة الأسبوعيّة للتوراة محيطها الحياتيّ؟ حوالي القرن الثالث ق.م.، على ما يبدو، لأنّ فيلون ويوسيفس تحدّثا عنها على أنّها ممارسة قديمة. وكذلك أعمال الرسل (أع 15: 21).

كيف كانت تحصل في الواقع قراءة المقاطع الكتابيّة كلَّ أسبوع؟ في الأصل، لا نستبعد أن تكون مقاطعُ التوراة قصيرة، بحيث يقدر أن يقرأها شخص واحد. ولكن، هنا أيضًا، جمع التطوُّر التاريخيّ المؤمنين، بشكل مباشر، من أجل قراءة التوراة: الاثنين، الخميس، حنوكة، الفوريم، أيّام الصوم، السبت بعد الظهر: ثلاثة رجال أنهوا الثالثة عشرة، »يُدعون« إلى التوراة، ويَقرأ كلّ واحد المقطعَ الخاصّ به. وفي بداية القمر أنصاف الأعياد، كانوا أربعة. وفي أيّام الأعياد، يصل »المدعوّون« إلى خمسة. وفي يوم كيبور (التكفير) كانوا ستّة. وأخيرًا، كانوا سبعة يوم السبت. كم آية يقرأون؟ ثلاثًا على الأقل. وكلُّ هؤلاء الرجال يتلون مباركتين، واحدة قبل القراءة وأخرى بعد القراءة.

في أيِّ ترتيب يُدعى هؤلاء الرجال للقراءة؟ الأوّل كاهن، من نسل هرون. ثمّ لاويّ، من قبيلة لاوي. وأخيرًا عضو من كلّ إسرائيل. وتمنّى بعض القوّالين (أمورائيم) أن يكون ترتيب الدعوة إلى التوراة مرتبطًا بكرامة الشخص (جتيم 60أ).

ثانيًا: قراءة مقطع من الأنبياء أو الكتب التقويّة

من قرأ مقطعًا من الأنبياء (هفترا) يُدعى »مفتير« (الذي يُنهي): مثل هذه القراءة تُعتبر نهاية مسيرة قراءة التوراة. هنا يختلف الأنبياء عن التوراة، فلا يُقرأون في ترتيب خاصّ. يقول التلمود (مجلّة 29ب) في أسلوب موجز هو أسلوبه (ما يُشبهه. »ودمي له«. لا بُدّ من تقارب بين موضع سدرا وموضوع هفترا) وقد رتّبت المشناة في نهاية القرن الرابع، المقاطع النبويّة التي تُقرأ صباح كلِّ سبت وكلِّ عيد.

وقد كان لتنظيم السنة الليتورجيّة تأثير على دورة القراءات النبويّة: من 17 تمّوز إلى عيد المظالّ (تشرين الأوّل)، هناك نظام ثابت (ثلاث للاضطهادات، عنوتا، وسبع للتعزية، نحماتا). كيف كانت تتمّ قراءة الهفترا؟ يقوم بها رجلٌ واحد، فيتلو مباركتين في بداية القراءة وأربع مباركات في النهاية.

ونقول كلمة عن القراءات التقويّة: تُقرأ لفيفة (مجلّة) أستير بعد صوم أستير، خلال عيد الفوريم. ولفيفة المراثي (قينوت) مساء التاسع من آب الذي يُعتبر يومَ تدمير الهيكل. وسفر راعوت في عيد المظالّ. ونشيد الأناشيد في آخر أيّام عيد الفصح.

د- الوعظ في المجمع وترجمة الكتب المقدَّسة

توخّت قراءة التوراة أن تجعل شعب إسرائيل قريبًا من كلمة الله. ولكن للأسف، نقصت معرفة اللغة العبريّة حتّى في الأرض المقدَّسة. لهذا لجأوا إلى ترجمة دقيقة أو حرّة، وفي النهاية فرضت الترجمةُ الآراميّة (أو الإسهاب الكلدانيّ) لأونكلوس المهتدي (هـ.ج ر) نفسَها بحيث فُرضت قراءتُها. ومع أنّه كانت ترجمات في لغات أخرى، كانت ترجمة أونكلوس الآراميّة الوحيدة التي سُمّيت ترجوم. تحدّث التلمود عن ترجمات أخرى، ولا سيّما في لغة المصريّين والمادايّين (شبت 115أ).

حين كانت التوراة تُقرأ، كان المترجم يقف بجانب الخادم، فيشرح ويُوصل في لغة الشعب مضمونَ المقطع الذي يُقرأ. غير أنّ توسفتا مجلّة (4: 31) حدّدت نصوصًا تُقرأ ولا تترجم مراعاة للوجدان الدينيّ عند البعض. وعرفت الحقبة الحديثة صراعًا حول ترجمات التوراة، ولا سيّما في الألمانيّة: خافوا أن تقود القراءة في الألمانيّة إلى اختفاء اللغة العبريّة.

منذ البدايات، ترافقت العظة والترجمة (شفهيّة أو مكتوبة) مع قراءة التوراة في المجمع. قال نح 8: 8: »فقرأوها في كتاب توراة الله، وترجموها لهم وفسّروا معناها«. ونجد شيئًا مماثلاً في سفر الأخبار الثاني: »إذن، علّموا في يهوذا. فحملوا كتاب توراة الله، وطافوا في جميع مدن يهوذا يعلّمون الشعب« (2أخ 17: 9). استعمل النصّ العبريّ فعلين اثنين: »بيّن (ب ي ن)، علّم (ت ل م د. التلميذ في العربيّة). ونجد أيضًا في عز 7: 10 »د ر ش« (درس، وهنا المدراش الذي هو شرح في موعظة). »ولأنّ قلب عزرا كان مهيَّئًا لدراسة توراة الله والعمل بها، ولتعليم (ل م د) فرائضها وأحكامها في أرض إسرائيل« (عز 7: 10). تدلّ هذه المقاطع الكتابيّة الثلاثة، أنّ التوراة كانت تُشرح، وأنَّ هذا الشرحَ يُقدَّم في لغة البلاد، في الآراميّة. وليس بمستحيل أن تأتي أقدم المدارش من عروض شفهيّة قُدِّمت في إطار المجمع. لا شكّ في أنّه كان »دارسون« (واعظون) معروفون، ولكن يستطيع كلُّ واحد أن يقدِّم عظة في المجمع، إن هو شاء(3).

د- نهاية السبت

يبدأ الخروج من السبت سبعين دقيقة بعد وقت الدخول فيه، يوم الجمعة. تبدأ الصلاة، بشكل عامّ، بتلاوة مزمورين (67؛ 144) ثمّ »شماع« وصلاة يُدرَجُ فيها مقطع خاصّ (أنت تحنّن). ويسبق مز 91 (نشيد الضربات) قراءة الصلاة المعروفة (صهيون). والاحتفال بالانفصال (هـ ب د ل) يتمّ مع المباركات.

2- الأعياد الرهيبة (يميم نورايم)

ونبدأ مع احتفالات تشري (أيلول - تشرين أوّل)

شهر تشري (أيلول - تشرين الأول) أهم أشهر السنة اليهوديّة، لأنّه يتيح للمؤمن الفداء والتوبة. خلال عشرة أيّام تفصل السنة الجديدة عن يوم التكفير، يقرأون صلوات توبة (صلحوت، المصالحة). وعبارة »الله القدّوس« في تفلة، يحلّ محلّها »الملك القدّوس«.

أ- رأس السنة (روش هاشنه)

ارتبط هذا الاحتفال بفكرة الدينونة (يوم هادين) والبوق (قرن الكبش). تحدَّث عد 29: 1 عن »يوم تروعة« (يوم هتاف) ولا 23: 34 عن »ذكر تروعة«  (ذكر الهتاف). وأشار تلمود أورشليم (روش هاشنه 4: 8، 59ج) إلى أنّ صوت البوق يكون في الضحى. غير أنّ ردّة فعل الرومان الذين ظنّوا نفوسهم أمام ثورة ما عتّمت أن قُمعت، نقلوا صوت البوق إلى ساعة موساف. إنّ ليتورجيّة رأس السنة طويلة جدٌّا: أوصى التلمود (روش هاشنه 35أ) الخادم بأن يحفظ صلواته غيبًا قبل أن يتلوها. وما هي الأفكار الرئيسيّة في هذه الليتورجيّا الخاصّة؟ ثلاثة ألفاظ توجزها: ملكويوت (إعلان مُلك الله). زكرانوت (تذكّر تسامي الله). شوفروت (النفخ بالبوق للتذكّر بأنّ الخلاص يأتي من عند الله). وتَذكر الليتورجيّا أنّه في هذا اليوم خَلق الله الكون (ها يوم حرت عولم). وفي هذا اليوم أيضًا أوقف البشريّة كلَّها أمام عرشه (يعاميد بهشفط) ووحّدها في العهد.

وبما أنّ هذه الليتورجيّا طويلة جدٌّا، أقرّ ربّان غملائيل الثاني أنّ تنظيم الخدمة بيد الخادم يكفي لجميع المصلّين، وأنّه ليس من الضروريّ أن يشارك كلُّ واحد بمفرده. ومثال سفريم (ف 19) وزّع المزامير التالية من أجل مختلف الخدم: يبدأون مع مز 17. في »موساف« يقرأون مز 81. وفي »منحه« مز 29.

بين كلِّ الآلات الموسيقيّة (الوتر، الهواء، الضرب) وحده البوق تبع الشعب اليهوديّ في منفاه. فقرنُ الكبش هذا لا يُستعمل إلاّ في مناسبتين اثنتين في العالم اليهوديّ: يوم رأس السنة (روش هاشنه، السنة الجديدة) ويوم الكفّارة (يوم كيبور). من أين جاء هذا التقليد وكيف نفهم التفسيرات الصوفيّة والباطنيّة التي رافقته على مرّ العصور؟

في الأساس، لا تحدّد البيبليا في أيّ مكان، القواعدَ المرتبطة بالبوق (شوفار، في التلمود، ولا سيّما في مقال روش هاشنه 16أ- ب). والنظريّات التي حاولت أن تتكلّم عنه تنوّعت حسب ما يكون الإنسان عقلانيٌّا أو مستنيرًا أو متصوِّفًا.. وبمختصر الكلام نستطيع أن نتوقّف عند نظرتين: النفخ بالبوق يلفت انتباه الله، بل يوقظه ويذكّره بأنّ رحمته يجب أن تحلّ محلَّ قساوته. أو النفخ بالبوق يطرد قوى الشرّ، ولا سيّما إبليس الذي يخاف حين يسمع هذه الأصوات المحدَّدة، فيتخلّى عند ذاك عن كلِّ الاتّهامات التي استعدَّ أن يُطلقها على إسرائيل.

ونرى الآن الكلام عن البوق وعن مدلوله في البيبليا وفي التلمود، لكي ندرك البعد الباطنيّ لهذه الظاهرة الدينيّة. في الأدب البيبليّ، كان البوقُ يُستعمَل أوّلاً حين يرتقي ملكٌ العرش (2صم 15: 10؛ 1مل 1: 34-39؛ 41-42؛ 2مل 9: 13. إنّ مز 47: 6 ينقلنا إلى إقامة الله على عرشه: »صعد الربّ بهتاف على صوت البوق«. والاستعمال الثاني يرتبط بعالم الحرب مثل ناقوس الخطر الذي يدلّ (2صم 18: 16؛ 20: 22) على نهاية القتال. أمّا قض 3: 27؛ 6: 34 فيدعو إلى القتال. ونقول الشيء عينه عن 1صم 13: 3 حيث يُدعى بنو إسرائيل للحرب. وفي إر 51: 27 وأي 9: 14، نجد دومًا فكرة الحرب. رج حز 33: 3-6: هو 5: 8. وتحدَّث زك 1: 16 عن »الله نفسه الذي ينفخ بالبوق« ليقاتل بجانب من يحميهم. وهناك حدث أسوار أريحا: قد يكون يشوع فكّر بالنفخ في قرن الكبش ليطرد الأرواح التي تحرس المدينة... وهكذا نكون في التفسير الثاني لمعنى البوق، ولكن في سياق حربيّ.

وخارج الحرب، يدخل البوق في السياقات التالية: الاحتفال بنقل تابوت العهد بقيادة داود (2صم 6: 15؛ 1أخ 15: 28). الإعلان عن العيد أو بداية الشهر (مز 81: 4؛ لا 25: 9: رج 23: 34).

وعرف الأدب البيبليّ »ح ص ص ر و ت«، الأبواق، القريب من »شوفار«. وتُذكر الآلتان الموسيقيّتان معًا في مز 98: 6؛ 1أخ 15: 28؛ 2أخ 15: 24؛ هو 5: 8). رج عد 10: 2-10 حيث نقرأ عن هذه الآلات وما يرافقها من هتاف.

هناك فرضيّة تقول إنّ »شوفار« آلة يحبّها الشعب. و»حصصورت« تفضّلها الأوساط الكهنوتيّة. هذا يُفهمنا زوال هذه الآلة الأخيرة بعد سقوط هيكل أورشليم. هذه الفكرة تبدو معقولة بفضل قول في شبت 36أ: عدد من الأشياء تبدّل اسمها بعد دمار الهيكل: مثلاً ما كان يُدعى شوفار يسمّى الآن »حصصورت« والعكس بالعكس. هذا القول يعني بكلِّ بساطة أنّ شوفار حلّ محلّ حصصورت بشكل تامّ بعد دمار الهيكل. وهكذا لا يُستعمَل الآن سوى شوفار (البوق) لعيد روش هاشنه ويوم كيبور. ونسب التقليد اليهوديّ إلى شوفار ثلاثة أصوات: صوت متواصل، صوت متقطّع، صوت منكسر.

ما هي الشروح التي يقدِّمها التفسيرُ اليهوديّ القديم حول النفخ بالبوق؟ في روش هاشنه 16أ (المقطع المعروف في التلمود) يسأل أحدهم: لماذا يَنفخون بقرن الكبش في رأس السنة؟ ويأتي الجواب: لأنّ الله أمر بالنفخ بالبوق. وأوضح عد 10: 9 أنّ الله يتذكّر شعبه المحارب حين يسمع صوت البوق... وإذ يتذكّر أولاده يبدِّل موضعه: ينتقل من عرش القساوة إلى عرش الرحمة.

بدأ يهوذا برغماتي يتكلّم باسم رئيس لقيش. »قال مز 47: 6: صعد الله بهتاف على صوت البوق. حين يصعد القدّوس (تبارك اسمه) ليأخذ محلّه على عرش الدينونة فليُصدر الحكم كما قيل: صعد الله بهتاف... ولكن حين يمسك بنو إسرائيل البوق يبدِّل القدّوس (تبارك اسمه) عرشه: يترك عرش الدينونة ليجلس على عرش الرحمة كما قيل: صعد الله على صوت البوق. يمتلئ قلبه رحمة ويغفر لهم. ومتى يحصل هذا؟ في اليوم الأوّل من الشهر السابع« (لاربه 29؛ ق تك ربه 56؛ روش هاشنه 16أ).

ب- يوم التكفير

مقال التلمود المكرَّس لهذا الاحتفال يُدعى »يوما«، اليوم. فلا يوم له ذات الأهميّة في جماعة إسرائيل. فإذا كانت دينونة رأس السنة معروضة للتداول لكي تستطيع أيّام الدينونة العشرة وصوم كيبور أن تفدي »فتسجّلنا في كتاب الأحياء«، فلا شيء يتبدَّل بعد صلاة ختام كيبور. يتكلّم التلمود عن هذا اليوم كيوم صوم كبير (ص و م ا. ر ب ا). بما أنّ هذا اليوم هو في شكل رئيسيّ، يوم ندامة وتوبة، فصلوات التوبة (صولحات) والاعترافات كثيرة (خطئنا، أثمنا، يا ملكنا). استعادت الليتورجيّا عددًا من المقاطع التلموديّة (يوما 87أ). ويوم كيبور تضمّن خمس وقفات (عميدوت).

لا بدّ من أن نقول كلمة عن صلاة معروفة تفتتح مساء كيبور: كلّ النذور. دُوِنت في اللغة الآراميّة في بداية حقبة العظماء (غاونيم) فسبَّبت لليهود تعقيدات خطيرة. بما أنّها كانت تحلُّ من النذور وتحلّ من جميع الذنوب التي اقتُرفت منذ كيبور السابق، فهمَ بعضُهم أنّ الديانة اليهوديّة لا تقف عند التزاماتها أو هي تتهرّب منها. غير أنّ التلمود أعلن أنّ من اقترف عمدًا خطيئة وقال إنّ كيبور يغفرها، فهذا لا ينال الغفران من كيبور.

والوقت المؤثِّر في الليتورجيّا هو ذاك الذي فيه يُذكر سور عبودا أي خدمة عظيم الكهنة في قدس الأقداس: كلَّ مرّة يرد اسم القدّوس (تبارك) الذي لا يعرفه أحدٌ سواه، يرتمي المصلّون بوجوههم إلى الأرض.

3- أعياد الحجّ الثلاثة

أ- عيد المظالّ (الأكواخ، الخيام)

هو أوّل أعياد الحجّ الثلاثة (إلى أورشليم). يمتدّ سبعة أيّام ويَذكر الأكواخ التي أقام فيها بنو إسرائيل بعد الخروج من مصر. وليتورجيّة هذا العيد تكاد تشبه ليتورجيّة سائر الأيّام، إن وضعنا جانبًا ضمَّ مزمور خاصّ وتحوّلاتٍ فيها يصلّون »أنت اخترتنا« التي نقرأها في يوما 87ب و»أعطيتنا« كما في بركوت 33ب. في الزمن العاديّ يشكرون الربّ »الذي قدّس السبت وإسرائيل وأعياده«. ورتّب المقال سوفريم (ف 19) صلاة »يعلي ويبو« (ليدخل ذكرنا لديك). وتتضمّن صلاة موساف »بالنظر إلى ذنوبنا«، فيبكي اليهود بأنّهم ما عادوا يقدرون أن يقدِّموا الذبائح الخاصّة بهذا العيد.

والهلاّل الذي يتضمّن مز 113-118، يُتلى كلَّ يوم بعد تفلة. تحدّث تث 16: 14-15 عن هذا العيد كزمن بهجة. ويُدعى اليومُ السابع »هوشعنا ربّا«. واليوم الثامن يشكِّل عيدًا في حدِّ ذاته. وأخيرًا ينتهي العيد حقٌّا مع عيد التوراة، فيفرح الأولاد والبالغون في المجمع ويرقصون وهم يمسكون في أياديهم لفائف التوراة.

ب- عيد الفصح

هو عيد التحرير (زمن حرّيّتنا). يذكر الخروج من مصر وحمل الفصح. خلال المساءين الأوّلين يتلون الخبر (هاغاده) الذي يروي خروج العبرانيّين من مصر. يُدعى هذا العيد »عيد الفطير« فيتذكّرون الفطائر التي اكتفى بها الهاربون حين مضوا على عجلة من مصر.

ج- عيد الأسابيع

يُدعى هذا العيد بهذا الاسم، لأنّهم يعدّون سبعة أسابيع بعد عيد الفصح. فإذا كان الفصح عيد التحرير، فالأسابيع هو بالنسبة إلى شعب إسرائيل، حدث التحرير. وقد رأت التقاليدُ اليهوديّة القديمة في هذا العيد يوم عطيّة التوراة. خلال كلِّ أعياد الحجّ هذه، لا يتلون صلوات توبة.

4- احتفالات أخرى

أ- رأس الشهر

كان لرأس الشهر أهميّة كبيرة في البيبليا: فيه يُمنع العمل، فيجتمع الشعب في حلقات دينيّة ويستمعون إلى مواعظ الحكماء. مع الأيّام خسر رأس الشهر طابعه القدسيّ وصار نصف عيد. كانوا يقرأون فيه الهلال ويتلون صلاة موساف. وفي المساء كانت الجماعات تبدأ الفرض مع مز 104.

ب- حنوكة وفوريم (قراءة لفيفة أستير)

تنظَّم عيد حنوكة (التدشين) تذكّرًا لتكريس الهيكل بيد يهوذا المكابيّ. وهو يبدأ في 25 كسلو (تشري، الشهر التاسع) ويمتدّ ثمانية أيّام. يشير مقال سوفريم (ف 18) أنّهم يقرأون في هذه المناسبة مز 30. في البيت، كما في المجمع، يُشعلون شمعة ويتلون نشيدًا، في صلوات الصبح والظهر والمساء. وفي الشكر بعد الطعام، يُدرجون مقطعًا صغيرًا يبدأ مع »حين نذكر المعجزات«.

ويقع عيد الفوريم في 14 أدار (شباط - أذار). ولكنّنا لا نعرف بالضبط ما دفع إلى تأسيسه. ما هو أكيد هو أنّ خطرًا هدَّد حياة اليهود في مملكة أحشويروش. وصارت امرأة، اسمها أستير، زوجةَ الملك. استطاعت أن تغلب هامان، عدوّ شعبها. وسبق عيد الفوريم صومٌ هو صوم أستير. في هذا العيد، تُقدَّم الهدايا بين أسرة وأسرة.

ج- أهمّ أيّام الصوم (10 تبت، 13 أدار، 17 تمّوز، 9 آب)

إنّ أيّام الصوم (تفيت) قديمة جدٌّا في العالم اليهوديّ. خلال الضربات أو الكوارث الوطنيّة، يحثّون الناس على الصوم والتوبة (1مل 21: 9؛ يوء 1: 14؛ 2: 15). وهذا يحصل أكثر المرّات خلال القحط. ذكر زك 8: 19 أيّام الصوم الهامّة: »وهذا ما قال الربّ القدير: صوم الشهر الرابع والخامس والسابع والعاشر سيكون لبيت يهوذا سرورًا وفرحًا أعيادًا طيّبة«.

أما أيام الصوم فهي: 10 تبت (الشهر الرابع)، 13 أدار (شباط - أذار)، 17تموز، 9 آب.

تتضمّن ليتورجيّة أيّام الصوم صلوات توبة طويلة جدٌّا، في 9 آب، لا توضع تفليم (أهداب، لأنها ترمز إلى الفرح) في الصلاة، كعلامة حداد، بل فقط خلال »منحه«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM