دراسات بيبليَّة -41 -
بولس رسول المسيح ووكيل أسراره
********
الخوارسقف بولس فغالي
دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت
دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة
********
منشورات الرابطة الكتابيَّة
تقديم
في الفصل العاشر من انجيل متى نقرأ كيف دعا يسوع رسله الاثني عشر بأسمائهم: سمعان الملقب ببطرس، وأخوه اندراوس ويعقوب بن زبدى وأخوه يوحنا... وتتواصل السلسلة حتى يهوذا الاسخريوطي الذي أسلم يسوع. ولكننا لا نجد اسم شاول ولا اسم بولس. هؤلاء أرسلهم يسوع وأوصاهم: »ها أنا أرسلكم مثل الخراف بين الذئاب« (آ 16). ولكن الصلوات الليتورجيّة دعت شاول ذاك »الذئب« الذي تحوّل إلى »حمل«. فكيف نُعَنْونُ كتابنا: بولس رسول المسيح، وهو قال عن نفسه: »لا أحسبُ نفسي أهلاً أن أدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله« (1كو 15: 9). ولوقا في سفر الاعمال حدَّد أن يكون الرسول من رافق الرب من عماد يوحنا إلى صعود يسوع إلى السماء (1: 22). كل شيء يمنعنا من أن ندعو بولس رسولاً.
هذا على مستوى الاثني عشر. ولكن بولس جاء من خارج »الجوقة« التي رافقت المسيح خلال حياته على الأرض. هو وُلد ولادة غير طبيعيّة، وجاء بطريق غير عادية، بدعوة جاءته مباشرة من السماء، يوم تصدّى له الربّ على طريق دمشق.
فبولس هو رسول. الربُّ أرسله. وما انتظر أن يُرسَل من لدن البشر. قال إلى أهل غلاطية وإلى الذين يعارضونه: »أنا رسول، لا من الناس، ولا بدعوة من إنسان، بل بدعوة من يسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من بين الأموات« (1: 1). وتذكَّر بولس ما رَوَوا أمامه من كلام الربّ: »كما أرسلني الآب، كذلك أنا أرسلكم« (يو 20: 21). هو مُرسَل كما يسوع مُرسَل. يا للفخر، يا للشرف، يا للعظمة! وفي الوقت عينه، يا للمسؤوليَّة! وسوف يقول لأهل كورنتوس: »نحن سفراء المسيح«. السفير هو من تُرسله بلاده لكي يمثِّلها، لكي يدافع عن مصالحها. يسوع هو سفير الآب. وبولس هو سفير يسوع المسيح. يسوع أخبرنا عن الآب، وبولس يخبرنا عن الابن، يحمل الإنجيل بفمه، بقلبه، بكلِّ حياته.
ولكنَّ هذا الرسول يعرف ضعفه، وأنَّه يحمل الكنز الذي سُلِّم إليه في إناء من خزف، من فخّار. يمكن أن ينكسر هذا الإناء. ولكنَّ بولس لا يخاف. فالقوَّة هي من الله، لا منّا. المهمُّ يقول بولس أنَّنا »وكلاء أسرار الله«. هو الوكيل، لا الأصيل. الأصيل هو يسوع المسيح. أمّا الرسول فهو »الوكيل«، وما يُطلَب من الوكيل هو أن يكون »أمينًا«. فالأمانة هي صفة الرسول الأساسيَّة، لأنَّه لا يعظُ بنفسه، بل يعظ »بيسوع المسيح ربٌّا« (2 كو 4: 5). ويواصل، »نحن خدَمٌ لكم من أجل المسيح«.
هذه بعض ملامح بولس الذي دعوناه رسول المسيح ووكيل أسراره. لو لم يكن كذلك، لكان ضاع اسمه بين الأسماء العديدة في العالم، ولكان غاب شخصه. أمّا حين قَبِل أن يكون كما دعاه الربّ، فهو حيٌّ اليوم مع المسيح الحيّ، وهو مبشِّر الآن مع المسيح المبشِّر. صار مسيحًا آخر. لهذا نفرح أن نسمع له لأنَّ صوته صوت المسيح وكلامه كلام المسيح. فيا ليتنا نأخذ معه ما أخذ من المسيح، ونتعلَّم معه ما تعلَّم من المسيح!