النبوءة والإلتزام الإجتماعي والسياسي.

 

النبوءة والإلتزام الإجتماعي والسياسي

الدكتور نقولا أبو مراد

 

مقدّمة

لعلّ التساؤل حول مواءمة التعليم النبويّ أو الأدب النبويّ في مضامينه للمستويين الاجتماعي والسياسي أمر مشروع، يتعلّق، في الدرجة الأولى، بإيماننا أنّ كلّ نصّ من نصوص الكتاب العزيز قابل للتأويين، لا بل من واجبنا كمفسّرين أن نجد له، في آننا، جوابًا ما، يخرجه من مأطوريته التاريخية الجامدة. لا شكّ أنّ ما أتيت على قوله بديهيّ لكثيرين، فما التفسير إلاّ إنعاش لأيّ من النصوص و بعث لمعناه، في نهاية المطاف.

غير أنّ الأمر يصعب، في رأيي، ويتعقّد، في أحيانٍ غير قليلة، إذا ما كان الموضوع الأدبَ النبويّ تحديدًا. وتزداد صعوبة النقاش في محاولتنا النظر في أبعاده أو تشعّباته الاجتماعية والسياسيّة. فالتحدّي المطروح أنّك لست، ببساطة، أمام نصّ، تحاول تفسيره، ثمّ، في أحسن الأحوال، تطبيقَه، في التزام دينيّ ما. أنت، في هذه الناحية من النقاش، أمام تحدّ من المعيوش الاجتماعيّ والسياسيّ وربّما الدينيّ أيضًا، أيّ أمام حقيقة الحياة اليوميّة في تفاصيلها المزعجة أحيانًا، والباعثة إلى يأسٍ كبير عند العارف مغزى الدعوة، في أحيانٍ كثيرة.

ما يبرّر مقدّمتي هذه قناعتي أنّ لدى الأنبياء ما يقولونه مما يتناول الانسان في صميم حياته. وما الفصل في هذا الخصوص بين البعد الديني للحياة، وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعائلية، وما إلى ذلك، إلاّ فصل مصطنع في أحسن الأحوال، ومسيء إلى قلب الكتاب في أسوأها. ففي الأدب المسمّى، تقليديًا، نبويٌّا، أي، عمليٌّا، ما بين صموئيل وآخر الأنبياء الصغار، ثورة ما على المعطى التقليديّ، أي على ما الناس يعتقدون أنّه من طبيعة الحياة، والعادات، والأعراف، ولعلّه كان، قبل أيّ شيء آخر، ثورةً على ما كان يظنّ أنّه البعد الدينيّ، أو الثابتة الدينيّة (La constante religieuse).

عليه، فالسؤال المطروح علينا جدّيّ للغاية: كيف يكون المرء نبويًا في التزامه المسيحيّ؟ غير أنّ هذا السؤال مشروط أيضًا بجملة أسئلة أخرى أهمّها: هل من داعٍ لأن يكون المرء نبويًا في التزامه المسيحيّ؟ ألاَ يكفي الالتزام المسيحيّ وحده، دون هذا الجانب أو البعد النبويّ؟ إذا كان ثمّة حاجة إلى بعض من نبوءة في الالتزام المسيحيّ اليوم، فمن هو أهل لأن يقال عنه إنّه كذلك؟ أي هل كلّ مسيحيّ نبيّ بالضرورة، أو أنّ النبوءة حكر على بعض ممّن تتوفّر فيهم هذه الصفات أو تلك؟ كيف يكون المرء نبويًا اليوم؟ ماذا عن الإدارة الكنسية والسلطة الكنسية؟ كلّ هذه الأسئلة تبدو لي، لا في غاية الأهمّية وحسب، ولكن أيضًا مقلقة إلى حدّ كبير، لكونها تستحثّنا على التفكير الجدّيّ في مسائل قد نغفل أحيانًا عنها.

أودّ أولاً، أن أعرض، باختصار، بعض الجوانب في الأدب النبويّ، أرى أنّها من صميم موضوعنا هذا.

 

الكاهن والنبيّ

إذا عدنا إلى بداية سفر صموئيل، تلفتنا حقيقة كتابيّة صارخة، تظهر، على نحو واضح جدٌّا، في رواية دعوة صموئيل (1صم 3)، وهي ارتقاء صموئيل كنبيّ للربّ، إله هيكل شيلو، وهبوط كاهن الهيكل، عالي، وجميع أبنائه، وتاليًا، سلالته الكهنوتية. وقناعتي أنّ في المقابلة الواضحة بين عقر حنّة، أمّ صموئيل، وخصب عالي الكاهن، أبِ حفني وفنحاس الشرّيرين الفاسقين، أمر ما مهمّ لفهم النصّ. فحنّة العاقر يؤتيها الربّ ابنًا سيصير، في وقت لاحق، بدل عالي، فيما عالي الخصيب، يزول ابناه لخطيئتهما. لعلّ النصّ يريد أن يوحي بأنّ عالي كان عاقرًا فعلاً، وحنّة خصبة بوعد الله، إذ اللافت في الرواية، ألاّ أحد يشبه صموئيل في طريقة ولادته، إلاّ قليل من الشخصيّات الكتابية، ومنها تحديدًا، إسحق، ويوحنّا المعمدان، وأخيرًا، يسوع المسيح نفسه في العهد الجديد، وبين هؤلاء الثلاثة الكثير ممّا يجمع، في أبعاد شخصياتهم الروائيّة.

في حين أنّ نشيد حنّة (1صم 2) الذي صلّته بعد ولادة ابنها، يسبّح نصر الربّ وخلاصه، وسموّه على أعدائه، وسقوط المقتدرين وارتفاع أدنياء القوم، نرى، في رواية دعوة صموئيل، عالي الكاهن المتقدّم في الأيّام، راقدًا، وعيناه تعبتان إلى المنتهى (1 صم 3: 1-2). قد لا ندرك أهمّية تصريح كهذا، إلاّ إذا عرفنا قيمة رئيس الكهنة أو كبير الكهنة في الهيكل المركزيّ، سواء في الديانة الاسرائيلية القديمة، أو ديانات الشرق الأدنى القديم. فرئيس الكهنة، ممثّل الملك، لا بل صنو الملك في المجال الدينيّ، وكلاهما يقومان مقام الإله. فكما الملك لا يكلّ أو يتعب، وهو دائمًا منتصر، هكذا أيضًا كبير الكهنة، لا يمكن، أو لا يجوز، أن يتسلّل إليه الضعف. فضعفه ضعف للإله، وقوّته قوّة للإله.

ليس من قبيل الصدفة أن يبدأ القسم الكتابيّ الذي دعاه التقليد اليهوديّ والمسيحيّ الأوّل ''الأنبياء الأوّلون''، برواية تتحدّث على كاهن نسله ساقط، وقد غلبه التعب والتقدّم في الأيّام، فيما هناك ولد صبيّ ظهرت، بولادته، قوّة الربّ المخلّصة. واللافت أنّ نشيد حنّة لا يتحدّث فقط على خلاص الله، بل يجعل ولادة صموئيل، مفتاحًا للدينونة أيضًا، الدينونة الأخيرة، حيث يقول، ''يحفظ أقدام أصفيائه، والأشرار في الظلام يزولون، لأنّه لا يغلب إنسان بقوّته. مخاصمو الربّ ينكسرون، وعلى كلّ منهم يرعد من السماء. الربّ يدين أقاصي الأرض، يهب عزّة لملكه، ويرفع رأس مسيحه'' (1 صم 2: 9-10).

يظهر السياق التاليّ لرواية دعوة صموئيل، أنّ ما أتى على ذكره النشيد من خلاص لله، ودينونة أخيرية، سوف يكون البرنامج المتّبع في كلّ من الأنبياء الأوّلين والأنبياء اللاحقين، وإنّ بدا أكثر وضوحًا في الأنبياء اللاحقين، أي الأسفار المعروفة عندنا بالأنبياء.

 

ارتقاء الكلمة النبويّة

هل يعني حلول النبي صموئيل محلّ الكاهن عالي، حلول وظيفة نبويّة مكان وظيفة أخرى كهنوتية؟ أو، إذا صحّ التعبير، حلول مؤسسة جديدة محلّ مؤسسة كهنوتية قائمة؟ في ظنيّ أنّ الأمر ليس كذلك، وهو ما تظهره، على نحو مشابه لرواية ابني عالي الكاهن، رواية ابنَي صموئيل اللذين زاغا أيضًا عن الصراط المستقيم، صراط أبيهما، ''فلم يسيرا في سبله'' (1 صم 8: 3). غير أنّ الفرق في روايتَي ابنَي عالي وابنَي النبيّ، أنّ الأولى تشير إلى انتهاء او انتفاء دور الكهنوت في خلاص الله، والثانية تشير إلى عدم إمكانية انتقال الدعوة النبويّة بالوراثة، أي عدم حتميّتها، كحتميّة الكهنوت. وهذا ما تشير إليه الروايات التالية، إذ، مع قيام الملكية، لم يغب دور النبيّ، بل ظلّ حاضرًا بقوّة، يوبّخ النبيّ ويتلو على مسامعه كلمة الله في هذا الشأن أو ذاك (أنظر الأمثلة الكثيرة في سفرَي صموئيل والملوك)، حتى بات ما هو غير ممكن في الشرق القديم، ممكنًا في الكتاب، وهو أنّ الإله رفع صورته عن الملك، وألقاها في كلمة النبيّ. وبمقدار ما يكون الملك متماهيًا مع الكلمة، تزداد صورة الله فيه، والعكس صحيح. فابتعاده عن هذه الكلمة، كسر لتلك الصورة. لعلّ الإشارة، في نشيد حنّة إلى نصرة الله لملكه، في قوله، ''يهب عزّة لملكه، ويرفع رأس مسيحه''، في علاقة وثيقة، مع قيام النبيّ أو ارتقاء الكلمة النبويّة، في ابن حنّة.

النبيّ والمؤسّسة

هذا البعد النبويّ اللافت، الظاهر بوضوح في رواية صموئيل، أي قيام النبويّة، لا محلّ الكهنوت والملكية فحسب، بل في وجه الكهنوت والملكية، أو مقابلهما، أو إزاءهما، لا فرق، مسيطر تمامًا في أسفار الأنبياء اللاحقين، أي الأنبياء الكبار والأنبياء الاثني عشر الصغار. وهو يمثّل في نظري، البعد الدينيّ والسياسيّ للنبوءة، بحدّتها الجارحة. وجلّ ما فيه هذا البعد، قضاؤه، كلاميًا، على ما يظنّه الناس مؤسّسًا، أي قائمًا، ربّما بذاته. ''ومع ذلك، فلا يرفع أحد دعوى، ولا يوبّخ أحد، فأنا أرفع عليك دعوى، أيّها الكاهن؛ إنّك تعثر في النهار، ويعثر النبيّ ]أيّ النبيّ الوظائفيّ[ أيضًا معك في الليل، وأدمّر أمّك... فأنا أنبذك عن كهنوتي، وبما أنّك نسيت تعليم إلهك، فأنا أيضًا أنسى أبناءك'' (هو 4: 4-6). ''إسمعوا هذا، أيّها الكهنة، وأصغوا، يا بيت إسرائيل، وأنصتوا، يا بيت الملك، فإنّ عليكم أن تجروا القضاء، ولكنّكم كنتم فخًا في المصفاة، وشبكة مبسوطة على تابور'' (هو 5: 1). ''هلكت، يا إسرائيل، ولا عون لكَ إلاّ فيّ، أين ملكك ليخلّصك في جميع مدنك؟ أين قضاتك الذين قلت فيهم: أعطني ملكًا ورؤساء؟ أعطيتك ملكًا في غضبي، وأستردّه في حنقي'' (هو 13: 9-11). ''ويل للمطمئنين في صهيون، والآمنين في جبل السامرة، وجهاء أولى الأمم، الذين يذهب إليهم بنو إسرائيل'' (عا 6: 1)...

غضب النبوءة على مؤسّستَي الكهنوت والملكية، مردّه، في النصّ، إلى أنّ هاتين المؤسستين قد فشلتَا في إيصال التعليم الإلهيّ والفعل الإلهيّ إلى الناس. فكانت هناك حاجة إلى استبادلهما، غير أنّ استبدال الفاشل لا يكون نهائيًا باستبداله بفاشل آخر، أو بمشروعِ فاشل، بل بشيء جديد يضمن نجاح فعل الكلمة. والواضح في الأدب النبويّ أن لا شيء يضمن نجاح الكلمة، إلاّ الكلمة عينها آتية إلى العالم، وفاعلة فعلها بنفسها، ''كذلك تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغةً، بل تتمّ ما شئت، وتنجح في ما أرسلتها له'' (إش 55: 11). ''ها إنّها أيّام ستأتي، يقول السيّد الربّ، أرسل فيها الجوع على الأرض، لا الجوع إلى الخبز، ولا العطش إلى الماء، بل إلى استماع كلمة الربّ'' (عا 8: 11). ''آباؤكم أين هم؟ والأنبياء، هل يحيون إلى الأبد؟ لكنّ أقوالي وفرائضي التي أمرت بها عبيدي الأنبياء، ألم تدرك آباءكم؟'' (زك 1: 5-6). ''وبينما كان صمت هادئ، يخيّم على كلّ شيء، وكان الليل في منتصف مسيره السريع، هجمت كلمتك القديرة من السماء، من العروش الملكية، كالمحارب العنيف، في وسط الأرض الملعونة. كانت تحمل قضاءك المحتوم، كسيف مرهف. فوقفت، وملأت كلّ المكان موتًا، وكان رأسها في السماء وقدماها على الأرض'' (حك 18: 14-16).

في الآية الأخيرة، تظهر أهمّ ميّزات الكلمة الإلهية، كما يقدّمها الكتاب، وكما تبدو في الأسفار النبويّة: أي هجوميّتها، ورفعتها، وسلطانها، ودينونتها. تلك هي الكلمة الأخرويّة الديّانة، التي لها الرفعة، ولها القرار، وفي الأنبياء أنّ مؤسسات الناس ينبغي ان تخضع لها. وإيماني واعتقادي الراسخان أنّ هذه الكلمة تجسّدت في الأسفار النبويّة قبل أن تتجسّد في يسوع المسيح، كلمة الله الآتي إلى العالم ليخلّص الخطأة، وينير للجالسين في الظلمة وظلال الموت (أنظر خاصة إنجيل يوحنّا).

 

الكلمة والفقراء

هجوم الكلمة، استعاريٌّا، على الكهنة والملوك، أي على مؤسسات الناس، وركائز حياتهم الدنيويّة والسياسيّة، يردفه هجوم لها، اجتماعيًا، أي لصالح الفقراء والبؤساء والمعوزين والمظلومين واليتامى والأرامل... ولعلّ سقوط مؤسّسات الناس القائمة في الكتاب مردّه إلى عجزها عن الاهتمام بأولئك، لا بل إلى رفضها لهم، في أحيان كثيرة. لا عدل، ولا حقّ، ولا أمانة بين الناس، والمسؤولون عن إجراء العدل يهملونه إلى أقصى الحدود، ''أتسرقون، وتقتلون، وتزنون، وتحلفون بالزور...، ثمّ تأتون وتقفون أمامي في هذا الهيكل، وتقولون قد أنقذنا؟'' (إر 7: 9-10)؛ ''هكذا قال الربّ، بسبب معاصي إسرائيل الثلاث، وبسبب الأربع لا أرجع عن حكمي، لأنّهم باعوا البارّ بالفضّة، والمسكين بنعلين، لأنّهم يدوسون رؤوس الضعفاء على تراب الأرض، ويحرّفون طريق الوضعاء، ويدخل الرجل وأبوه على الصبية الواحدة ليدنّسَا اسمي القدوس، ويتمدّدون على ثياب مرهونة بجانب كلّ مذبح، ويشربون خمر المغرّمين في بيت إلههم'' (عا 2: 6-8)؛ ''إسمعن هذه الكلمة، يا بقرات باشان، اللواتي في جبل السامرة، الظالمات للضعفاء، والساحقات للمساكين، والقائلات لسادتهنّ: هاتوا فنشرب'' (عا 4: 1). هذا البعد الاجتماعي من صميم الدعوة النبويّة، حتى ليبدو للقارئ أنّ هذا البعد يطغى على الأبعاد الأخرى، لتصير معاملة طبقات الناس الدنيا، أساسًا لدينونة نهائيّة لله، يتحدّد على أساسها من هو البارّ ومن هو الشرير في نظر الله.

 

النبوءة اليوم

إذا كان فهم هذه المسائل على أساس الكتاب أمرًا سهلاً، إلاّ أنّ صعوبته تكمن في  كيفيّة تطبيق هذه النصوص اليوم. مما لاشكّ فيه أن رسالة يسوع فيها من النبوءة ما لا يقلّ عمّا بدا في رسالة الأنبياء أنفسهم، حتى صار يسوع عند تلاميذه، في نصّ متّى، ''إرميا، أو إيليا، أو آخر من الأنبياء'' (متّى 16). مواجهة يسوع للكهنوت القائم، ولملكيّة هيرودس، ومن ثمّ، عند الرسول بولس، للإمبراطور الرومانيّ، موازية لهجومية كلمة الأنبياء في العهد القديم. وإذا كانت صفات يسوع تتنوّع في العهد الجديد بين النبي والكاهن الأعظم والملك، غير أنّ الأمر السائد أنّه كلمة الله النهائية الديّانة، ''وإذا كان الله كلّم الآباء قديمًا بالأنبياء مرّات كثيرة، بوجوه كثيرة، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة، بابن جعله وارثًا لكلّ شيء، وبه أنشأ العالم'' (عب 1: 1-2)، وفي هذا تقوم مسيحانيته، في رأيي المتواضع.

همّي أن اقول، بعد هذا العرض الكتابيّ، أنّ المسيحيّة في صميمها نبويّة حتمًا، مما يدعو إلى القول إنّ المسيحية ليست شيئًا والنبوءة شيئًا آخر؛ فالموقف المسيحيّ نبويّ أساسًا، وليس من قبيل الصدفة أن يجعل بولس النبوءة أولى العطايا بعد الرسولية (1 كو 10-14).

السؤال الأساسيّ المطروح علينا: هل يمكننا أن نعيش هذا البعد اليوم وكيف نعيشه؟ في رأيي أنّ السؤال المطروح حول إمكانية عيش هذا اليوم يوازي كليٌّا السؤال المطروح حول أصالة مسيحيّتنا وحقيقتها. في هذا العالم القلق والمضطرب بشتّى أشكال الجور الإنسانيّ من أنّى أتى، ما موقف الملتزم إيمانًا؟ سؤال كبير يصعب عليّ الإجابة عليه ببساطة وسطحيّة. لعلّ الأمر يتطلّب نقاشًا من الجميع.

هناك نواحٍ كثيرة لا بدّ من التذكير بها. هناك حكومات اليوم، وسلاطين، ولا أعتقد أنّها أفضل من ملوك إسرائيل القدماء في سلوكها. هناك حروب باسم الدين، وطائفيّة قاسية مستبدّة. هناك ظلم وجور، وطبقات رازحة، وعاطلون عن العمل، ومعدومو المسكن، ومرضى. هناك من يقتل باسم الدين، أو باسم الحزب، ومَن يقتل لأسباب شخصية. هناك مرضى يُرفَضُون في مستشفيات مسيحية، وطلاّب لا يقبلون في مدارس مسيحية بسبب وضع اجتماعي غير ملائم. هناك مؤسسات سلطوية كنسية، قد لا تكون دائمًا في مسار صحيح. باختصار، بقرات باشان لا تزال عندنا، والمطمئنّون عل الكراسي. كيف لا يغدو الكهنوت في رقاد، كليلاً، ضعيف النظر، وكيف لا يغدو السلطان جائرًا؟

تلك هي الأسئلة التي إذا أمكننا الإجابة عليها تصير النبوءة قلب مسيحيتنا. وتغدو كلمة الله في هجوميتها كالعسل حلاوةً (حز 2-3).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM