تقديم

 

دراسات بيبلية-32-

الخلاصة الكتابيّة والآبائيّة – الجزء الأول.

 

تقديم

خمس وعشرون سنة من البحث والتنقيب والكتابة، وصلت بنا إلى هذا الكتاب الكبير الذي سيكون أكثر من مجلَّد. مقالات توزّعت في المجلات وفي الكتب المشتركة. وأضيف إليها الجديد لكي يكون العمل متوازناً.

ثلاثة أقسام في هذا الكتاب. في الأول، عدنا إلى الينبوع، إلى كلمة الله التي نستقي منها يوماً بعد يوم، ما يوجّه طريقنا اليوميّة وحياتنا وأعمالنا. بعض الدراسات التي هي بداية لدراسات سترد في المجلّدات اللاحقة. فالكتاب المقدس عالم في حدّ ذاته. ومهما اشتغلنا نبقى مقصّرين. وهو نبع جارٍ تشرب منه ولا تستنفده، وبقدر ما تشرب يفيض النهر إلى أبعد من مجراه. وإذا شرب آخر، فلا تهتمّ وكأن لا ماء لك بعدُ. فبقدر ما يكثر الشاربون، بقدر ذلك يفرح النبع إذا كان عنده عاطفة تسيّره. هو لا يريد أن يبقى غائراً تحت الأرض. بل أن يصل إلى كل مكان، فيملأ الأرض خضرة وجمالاً.

في القسم الثاني، رجعنا إلى الوراء. إلى الدراسات الكتابيّة في القرن العشرين. في الواقع، كانت ثورة كبيرة. في العهد الجديد أولاً مع الفنون الأدبيّة: المثل، الخبر، التعليم. مع الرموز المتعدّدة التي تمنعنا من التوقّف عند القراءة الحرفيّة لكي نصل إلى عمق الكلمة. وجاءت الأساليب العديدة: السردية، السيميائيّة أو الرموزيّة، البنيويّة، النسويّة... كل من هذه النهوج يحاول أن يقرأ الكتاب من زاوية لكي يجد فيه الغذاء الذي ينتظر. كيف نقبل أن يقرأ ابن الفقر سفر الخروج دون أن يتطلّع إلى تحرّر ينتظره؟ والمرأة التي غابت من عالم الشرق، تودّ أن تقرأ الكتاب، لأن كلمة الله تتوجّه إليها كما إلى الرجل. فكلاهما على صورة الله ومثاله. بل كلاهما صورة الله على الأرض. ومعاً يخلقان أبناء وبنات لله. فلماذا لا يكون لكل منهما قراءة للكتاب تلتقي مع قراءة الآخر، فيغتني المجتمع غنى كبيراً.

وفي العهد القديم، يكفي أن نعرف ما فعله الأسلوب التاريخيّ النقديّ. فالنصّ ليس منزلاً في العالم المسيحيّ. بل بُنيَ شيئاً فشيئاً. لاشكّ في الأساس هناك وحي. هناك نور سماوي نزل إلى هذا الانسان أو ذاك. عبّر عنه بكلمات بشريّة. كما عبّرت الجماعة. وكان الالهام مرافقاً لنا، والروح ينبّهنا لئلاّ نقع في الخطأ. وهذا الوحي اتخذ أكثر من لباس. فهل نتوقّف عند اللباس؟ هل نأخذ القشرة ونترك اللبّ والحلاوة التي في الثمرة؟ كلا.

هذا الأسلوب التاريخيّ النقدي، جعلنا أمام تقاليد. اعتبرها بعضهم الكلمة الأخيرة، فإذا هي تفتح الطريق لتقاليد أخرى، والدراسات ما توقّفت. هذا يعني أنَّنا أخطأنا في الشرق، حيث توقّفت الدراسات عندنا، في القرن الخامس وبدايات القرن السادس. فينبغي علينا أن نأخذ محلّنا دون أن نندب حظَّنا بسبب تكاسلنا وتقاعسنا. فنحن نعرف الكثير في اللغات الساميّة. ونحن نعرف الكثير عن حضارات الشرق.

والقسم الثالث فتحَنا على كنيسة الاسكندريّة. الآباء هم أوَّل من قرأوا الكتاب فباتوا معلّمين لنا. لهذا، نتعرّف إليهم وإلى ما تركوا لنا من تعاليم، انطلقت من الاسكندريّة، ابنة أثينة، فطعّمت الفكر الفلسفيَّ بغنى الانجيل، بعد أن كانت التوراة اليونانيّة فعلت فعلها.

فإلى اكتشاف هذه الكنوز نحن مدعوّون.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM