تقديم

تقديم
نحن نقرأ الكتاب المقدس. نقرأه في خلوة بيتنا، نقرأه جماعات صغيرة أو كبيرة. نقرأه ونعيد قراءته ونتأمل فيه ونكتشف فيه نصوصاً نحسّ وكأننا نقرأها للمرّة الأولى.
أجل، الكتاب القدس جزء من حياتنا. إنّه ضروري للمؤمن الذي يربط حياته كالمسيح بالأسفار المقدسة. ولكن قراءته ليست بالسهلة. فإذا أردنا أن نفهم ما نقرأه، علينا أن نتقبلّ الكتاب ككلّ. ونرفض أن نبقى عند القشور دون أن نلج إلى الجوهر. من أجل هذا، نحن نحتاج إلى ثقافة تكوّن نظرتنا إلى الكتب المقدسة.
دوّنت هذه الأسفار منذ أجيال وأجيال، فصارت بعيدة عنا وما عدنا نفهمها. فإذا أردنا أن يكون لنا إيمان متين وثابت، نحتاج إلى دراسة الكتاب المقدّس. ولا نستطيع أن نكتفي في إجتماعاتنا بموازاة بسيطة بين حياتنا ووضع يعرضه الكتاب المقدس. كما لا نستطيع أن نتهرّب من مسؤولياتنا فنقول: الكتاب المقدس هو للإختصاصيين. لا، فالكتاب هو للجميع، وكم نودّ أن يكون غنى الكتاب بعهديه في متناول الجميع.
لهذا السبب نقدّم لك، أيها القارىء، هذا الكتاب عن العهد القديم. وقد سبقه كتاب آخر عن العهد الجديد.
هذا الكتاب هو وسيلة. وهو يحاول مساعدتنا على فتح الكتاب والولوج في صفحاته. وعندما نكون جماعة صلاة أو غيرها، نستطيع مع بعضنا أن نصل إلى الأعماق.
ولا نخف، فلسنا وحدنا. ولسنا نحن البادئين في الطريق. فقبلنا عاد شعب بكامله يقرأ نصوصاً كتبها آباؤه وأجداده قبل أن يكوّن نصوصأ جديدة. ويسوع الناصري نفسه عاد إلى الأسفار المقدسة ليعبرّ عن إيمانه وليدفع تلاميذه إلى الإنفتاح على الله. ثم جاء الرسل والجماعات المسيحية الأولى فقرأوا حدث موت وقيامة يسوع على ضوء العهد القديم. وشهد العهد الجديد على هذا التعبير الجديد عن الإيمان، وعلى الإنقلاب الذي فجرّه هذا الحدث في حياة هؤلاء الناس. ولقاء الله هذا في يسوع المسيح هو ما أعلنه الرسل للعالم. وعادت الكنيسة على مرّ تاريخها إلى الكتاب المقدس ونقلته من جيل إلى جيل ولن تزال حتى نهاية العالم.
ونتساءل: ماذا نطلب حين نقرأ الكتاب المقدس؟
إذا كنا نقرأ الكتاب المقدس، فنحن لا نهتمّ بالماضي لإنه ماضٍ. ونحن لا نبحث عن مثال يساعدنا على حلّ مشاكلنا اليومية، وكأن الكتاب يتضمّن سلسلة من الوصفات نستعملها في الشدّة والسهولة، في الحزن والفرح، في النجاح والفشل... نفتح الكتاب فنجد فيه الجواب السريع الشافي! لا ثم لا.
نحن نبحث عن شيء آخر حين نقرأ الكتاب المقدس. فهو شهادة آلاف المؤمنين الذين سبقونا. وقد قرأوا حياتهم وتاريخهم على ضوئه، وعبرّوا عن لقاءاتهم بالله بأشكال مختلفة. إذن، ما يهمّنا في مسيرتنا هو فعل إيمان بالله الحي عاشه شعب من الشعوب فوصل إلى جميع الشعوب.
نحن نتجذّر في حياة العالم اليوم، فنختبر لقاءنا بالقائم من الموت. نبحث في إجتماعاتنا عن الرموز والكلمات لكي نعبرّ عن هذا اللقاء، فنجدها في الكتاب المقدس. فلا تكون كلمة إيماننا محجّرة، بل تسير وراء الواقع المعاش وحسب طريق كل واحد منا. بل إن التعبير عن جماعتنا كمؤمنين يتبدّل.
نعود إلى الكتاب المقدس لعدة أسباب أساسيّة.
فالكتاب المقدس يعيننا على التعرف إلى تاريخ مؤمنين ننتمي إليهم. تاريخ هذه المسيرة بدأت من زمان طويل وهي تهمّنا.
والكتاب المقدس يعيننا على إكتشاف حياة يسوع الناصري، على ما فعله في تاريخ محدّد وأرض محددة.
والكتاب المقدس يعيننا على ربط مسيرتنا والتعبير عن إيماننا بما عند المؤمنين الذين يعبرّون عن ذاتهم في الكتاب المقدس. ونتوقفّ بصورة خاصة عند خبرة عاشها الرسل وعبرّوا عنها. فهم قد عرفوا يسوع قبل آلامه. عرفوه وأكلوا معه بعد موته وقيامته. هذه هي البشرى التي أعلنوها ونحن اليوم نقابل تعبير إيماننا بتعبير الكتب المقدسة. ونتساءل: هل هذا هو حقاً الإيمان المسيحي؟ فإذا أردنا أن نجيب على هذا السؤال نحتاج العودة إلى يسوع المسيح الذي يشهد له الرسل في العهد الجديد، والذي إليه يعود كل المسيحيين في تاريخهم. هل هذا هو ذلك الذي نتقبلّه اليوم أم نحن شوّهناه بطريقة ترضي أذواقنا؟
هذا ما يدفعنا أساساً إلى قراءة الكتاب المقدس. إنها مسيرة مسيحيين داخل الكنيسة. وحياة الكنيسة وقراءتنا الجماعية للكتاب المقدس والحياة، كل هذا ينمينا في إيماننا. بل يجذّر التعبير عن إيماننا ويحرّك فينا كلمة إيمان جديد في عالمنا وفي حياتنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM