خاتمة القسم الثاني.

 

خاتمة القسم الثاني

في المطلع اللاهوتيّ، رافقنا يوحنّا إلى السماء منذ البدء. جعَلنا تجاه الكلمة الذي هو الله لدى الله. هذا الكلمة الذي صار بشرًا فرأينا مجده. ومعه رأينا الآب بعد أن أخبرنا عنه.

في المطلع التاريخيّ، رأى التلاميذ يسوع بعيونهم، لمسوه بأيديهم، سمعوه بآذانهم. وبدأت مسيرتهم معه. دلَّهم عليه يوحنّا المعمدان الذي بدأ فحدَّد موقعه بالنسبة إليه؛ قالوا عنه: هو المسيح، هو النبيّ، هو إيليّا. أنكر المعمدان. لست كلَّ هؤلاء. أنا صوت صارخ. وأمّا العبارة التي أطقت المسيرة فكانت: ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم.

شهادة كافية لينطلق اثنان من تلاميذ يوحنّا المعمدان في إثر يسوع وليُقيما نهارًا كاملاً معه، رمزًا عن إقامة تدوم ما دام النور معنا. وشهد أندراوس، أحد الاثنين، لأخيه سمعان بطرس. ثمَّ شهد فيلبُّس لنتنائيل. كلُّ من أتى إلى المسيح لا يستطيع أن يُخفي خبرته في قلبه، بل يمضي إلى أخيه، إلى جاره وابن بلدته. رأينا المسيح. ذاك الذي يرسله الربُّ من أجل خلاص شعبه. رأينا ذاك الذي ننتظر وهو يسوع الذي من الناصرة.

وهكذا تكونَّت الجماعة الأولى حول يسوع. تلاميذه أربعة، والعدد يدلُّ على المسكونة. فكأنَّ البشريَّة كلَّها تتلمذت في الرمز ليسوع. والتلميذ الخامس الذي لا يُقال اسمه، والذي رافق أندراوس إلى »بيت« يسوع، يجعل الرقمَ خمسة الذي هو رقم القداسة في منطق الكتاب المقدَّس. يجمع الأقطار الأربعة مع الإله الواحد. يجمع السماء بالأرض، بحيث صار الملائكة ينزلون ويصعدون على ابن الإنسان. أصبحت الطريق سالكة، بعد أن قُطعت بسبب الخطيئة التي أَغلقت منذ البداية بابَ الجنَّة وجعلت الكروب حارسًا لها. أمّا الآن، فالملاك لا يمنع، بل يدعو الناس إلى الدخول. وذاك التلميذ الخامس الذي قال التقليد عنه إنَّه يوحنّا الإنجيليّ أو غيره من أحبّاء يسوع، نرى فيه كلَّ واحد منّا. فكأنَّ الخبر ترك الموضع فارغًا، لأكون أنا بجانب أندراوس وأقضي النهار مع يسوع.

برفقة يسوع مضى التلاميذ لكي يروا الآية الأولى. فالآية هي نداء من السماء تجعل الإنسان يفكِّر ويتَّخذ موقفًا. تحوَّل الماء خمرًا، فكانت ثلاثة مواقف. رئيس المتَّكأ سأل وما انتظر الجواب. أعجبته الخمرة الطيِّبة فاكتفى بذلك. الخدم استقوا الماء ولكنَّهم لم يربطوا بين ما عملوا وبين الذي حصل الآن. ملأوا الأجران ماء وها هو يصير خمرًا. مساكين! لبثوا في الخارج فشابهوا العدد الكبير منّا الذين لا يعرفون أن يطرحوا سؤالاً يتجاوز الحياة اليوميَّة. في الأناجيل الإزائيَة، هي الدهشة، الإعجاب، وقد نقول التصفيق لما يعمل يسوع أو يقول. وحدهم التلاميذ طرحوا السؤال ولاقوا الجواب. فتحوا أعين قلوبهم فاكتشفوا مجد الابن. وبالتالي آمنوا. أي استندوا إلى يسوع وساروا معه حتّى نهاية المسيرة.

هو العالم اليهوديّ تجاه مجيء المسيح إليه. منذ البداية قال الإنجيل: جاء إلى خاصَّته، إلى أهل بيته، وأهل بيته ما عرفوه. وهنا، بدا أهل قانا وكأنَّهم توقَّفوا عند عرس مادّيّ، وعند عريس يعرفونه وعروس. وما شعروا أنَّ عريس الشعب الذي انتظروه منذ هوشع النبيّ وغيره من الأنبياء هو هنا، تمنَّوا أن يكون بينهم، كما يقول المعمدان، ولكنَّهم لم يعرفوه. أو هم لم يسْعوا إلى معرفته. بدأ فترك نظُمَهم: صارت أجران التطهير لاستعمال آخر: لتحوي الخمر الذي سيكون الدم الكافي من أجل الكنيسة، بل من أجل العالم إلى النهاية. والهيكل الحجريّ الذي يتباهون به، نهايته إلى الدمار. كما لم تعد حاجة إلى الأجران، لم تعد حاجة إلى الهيكل الذي يرمز إلى حضور الله وسط شعبه. فلماذا الرمز بعد، والحقيقة هي هنا. يكفي أن نتطلَّع إلى يسوع لنتعرَّف إلى الله. وهو قال: من رآني رأى الآب. ولمّا دُمِّر الهيكل بيد الرومان سنة 70ب.م.، فهمَ التلاميذ أين هو الهيكل الحقيقيّ. والكثيرون أيضًا آمنوا به على ما يقول سفر الأعمال: »استجاب للإيمان كثير من الكهنة« (أع 6: 7).

زال بعض الخلاف، والشعب الذي جاء إليه يسوع ليكون رفيقه في حمل الرسالة سيبقى خارج الرسالة، ويمضي إلى الظلام تاركًا النور مثل نيقوديمس. ولكنَّ الباكورة كانت في شخص أمِّ يسوع. جاءت الساعة فانتقلت إلى العهد الجديد، وكانت المثالَ، فمضت مع المعلِّم، ومضى الإخوة الذين سيكون منهم يعقوب أوَّل أسقف على كنيسة أورشليم. والتلاميذ الذين اندهشوا ممّا فعله يسوع حين طهَّر الهيكل من الباعة والتجّار وأعاده مركزًا للعبادة، راحوا بعيدًا، فوصلوا إلى موت الربِّ وقيامته. تلك القيامة تضيء الطريق لهم. وهي تضيئها لنا، إذا أردنا أن ننزل إلى كفرناحوم ونقيم أيّامًا مع يسوع.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM